أثاث

طاولة عشاء لشخصين

الأثاث Furniture ، هوجميع ما يكتسيه المرء ويستعمله في الغطاء والوطاء، أوهوجميع ما عثر من متاع، ولا واحد له. والمتاع جميع ما ينتفع به من الحوائج، أوهوجميع ما ينتفع به من عروض الدنيا كثيرها وقليلها سوى الفضة والمضى.

والأثاث في العهد جميع الحوائج الثابتة والقابلة للتحريك والنقل التي تفيد الإنسان في مسكنه وأماكن عمله والأماكن العامة، وتلبي حاجاته اليومية، من جلوس ونوم وراحة، وتحفظ أشياءه.

الأهمية

Skara Brae house Orkney Scotland evidence of home furnishings i.e. a dresser containing shelves.

يعد الأثاث عنصراً متمماً للعمارة وملازماً لها، ويعتمد تصميمه كثيراً على وظيفته وعلى الفراغ الذي سيوضع فيه وتناسقه مع المكان، وقد نفذت بعض بتر الأثاث في العصور المتنوعة بأسلوب جميل ومهارة فائقة فعدت من الأعمال الفنية البديعة واستحقت حتى تحتل مكانها اللائق في المتاحف لكونها بتراً فنية، وفي القرن العشرين توصل عدد من المهندسين والمصممين وصناع الأثاث إلى خلق بتر أثاث فنية روعيت فيها الناحية الجمالية على حساب الوظيفة إذا لم تكن الوظيفة قد أهملت تماماً فيها.

يتألف الأثاث عادة من بتر أساسية وبتر مخصصة لوظائف معينة، وقد يحدث الأثاث شبه ثابت أوقابلاً للتحريك والنقل. وتصنف بتر الأثاث بحسب الوظيفة إلى بتر معدة للراحة والاستناد والحمل. كالسُرر والفُرُش والأرائك والكراسي والمقاعد والطاولات، وبتر معدة للحفظ والخَزْن كالصناديق والتخوت والأصونة والخزائن والمخطات. وأما الستائر والأواني والأغطية والملاءات والمرايا والمصابيح وما يماثلها فهي تجهيزات ومفروشات تزيينية ومكملة ولا تعد من الأثاث، وأما البتر الثابتة تماماً والمثبتة على جدران المسكن فتعد جزءاً من متممات الغرفة وتزيينها كالخزائن الجدارية والمخطات والزوايا الثابتة.

احتاج الإنسان إلى الأثاث منذ أقدم الأزمنة وبقيت بتر الأثاث الرئيسية متشابهة في أشكالها وأنواعها ووظائفها على مر العصور، ومع حتى مظهرها العام لم يتبدل كثيراً فقد تبدلت أنماطها وطرزها وزخارفها وأساليب صنعها بين عصر وآخر ومكان وآخر، فالأثاث جزء من البيئة التيقد يكونها الإنسان لنفسه، ويعكس تاريخ الأثاث نظرة الإنسان إلى شؤونه المعاشية ومستوى تطوره في جميع زمان ومكان، شأنه في ذلك شأن العمارة والطراز (الأزياء). وقد طورت الحضارات المتنوعة أنواعاً كثيرة من طرز الأثاث وأنماطه والمواد والتقنيات المستعملة في صناعته، وكان لأوربة شأن كبير في هذا المجال وخاصة في القرون الأخيرة، وعلى العكس من ذلك فإن بعض أجزاء آسيا لم تستعمل المقاعد والكراسي والسرر، كما لم تستعمل بعض الأثاث المعد لحفظ الأمور، لأن الناس في تلك المناطق اعتادوا النوم والجلوس والراحة على أرض أوأرضية فرشت بالبسط والزرابي والسجاد والحشيات وغيرها وخاصة في البوادي والمناطق الصحراوية. فالأثاث في هذه الحضارات يختلف كثيراً عن الأثاث العربي الإسلامي وكان تطوره مغايراً لخط تطور الحضارات الأخرى. وعلى جميع حال فقد شاع اليوم استعمال الأثاث التقليدي الغربي حتى عمّ العالم، وكثيراً ما يعدل هذا الأثاث ويكيف تمشياً مع التنطقيد الوطنية والمحلية.


المواد المستعملة في صناعة الأثاث

تستعمل في صناعة الأثاث مواد مختلفة تتبدل تقنيات معالجتها وتتطور بتطور الإنسان، بدءاً من الحجر والطين إلى الخشب والمعدن بأنواعه إضافة إلى الزجاج والألياف الزجاجية واللدائن والعظم والعاج والصدف والجلود وأنواع الطلاء المتنوعة.

الخشب

يعد الخشب أكثر المواد الأولية انتشاراً، ولعله أكثرها مواءمة، في صناعة الأثاث. وفي الطبيعة أنواع لاحصر لها من الأخشاب المتنوعة التي يمكن استعمالها لهذه الغاية، ولكن بعض أنواع الخشب اختصت بصفات وميزات طبيعية وضعتها في المرتبة الأولى عند مصممي الأثاث والمهندسين والحرفيين.

والخشب مادة متوافرة في الطبيعة ويمكن التعامل معها بأشكال مختلفة، إذ يمكن صبغ الخشب وطليه وتمويهه ولصقه وتشكيله باليد أوبأدوات النجارة والحفر والبتر والتطعيم، كما يمكن حني الخشب وليه إذا ما سخن بالبخار للحصول على الشكل المطلوب، وهويحافظ على شكله هذا حين يبرد، وتوفر عروق الخشب وحلقاته السنوية بنية متعددة الصفات وتمنحه سطحاً طبيعي الزخرفة يمكن معه تشكيل نماذج مختلفة بترتيب لصق الأجزاء الخشبية وفي أوضاع متقابلة أومتعاكسة أوباستعمال أنواع مختلفة من الخشب.

تتنوع ألوان الخشب بين الأبيض والأصفر والأحمر والبني والرمادي والأسود، بين هذه الألوان تدرجات لونية لا حصر لها، ولبعض أنواع الخشب روائح عطرية متميزة، وقد عهد صناع الأثاث هذه الخصائص منذ القديم واستثمروها - وخاصة صناع المشرق العربي والشرق الأقصى - والخشب مديد العمر إذا ما حفظ في شروط مناسبة، وقد عثر على بتر من أثاث من حضارات موغلة في القدم, وما تزال في حالة مقبولة.

أما أكثر أنواع الخشب استعمالاً فهوالسنديان والبلوط والجوز والزان والعرعر والخشب الأحمر والوردي إضافة إلى الأخشاب الثمينة مثل الأبنوس والماهوغاني وغيرهما.

وقد ساعد تطور صناعة الأخشاب وأدوات النجارة والتقنيات المستعملة في معالجة الأخشاب منذ نحوقرنين وإلى اليوم في إنتاج أثاث خشبي رخيص الثمن نسبياً وفي زمن قصير، واستخدمت مواد جديدة أساسها الخشب المعالج كنجارة الخشب المضغوطة وقشر الخشب وأليافه والخشب المخرم والهيكلي وألواح الخشب المصمتة والمعاكس والمصفح والمطبق وغير ذلك.

وقشر الخشب veneer رقاقة من خشب خاص عالي الجودة، تنشر وتبتر بمناشير خاصة يدوية أوميكانيكية، وتلصق على هيكل أوأساس خشبي من نوعية أدنى فتعطيه مظهراً جميلاً وسطحاً أملس. وإكساء بتر الأثاث قشر الخشب معروف منذ العصور القديمة ولكنه لم يستغل استغلالاً كاملاً حتى أوائل القرن العشرين.

أما ألواح الخشب المضغوطة فتصنع من بقايا الأخشاب المنجورة والتالفة بعد تقطيعها و«فرمها» نثرات صغيرة وعجنها بالغراء ثم سكبها في قوالب تحت الضغط حتى تجف، وهي تنتج بثخانات مختلفة وتستعمل في خلق سطوح بتر الأثاث بعد إكسائها القشرة، ولكنها لا تتمتع بمتانة الخشب الطبيعي أومتانة ألواح الخشب المصمتة أوالمعاكسة أوالمصفحة.

تصنع ألواح الخشب المعاكس (البلاكيه) playwood من عدة طبقات من قشر الخشب تلصق إحداها فوق الأخرى بطريقة متعاكسة تحت الضغط، وتستعمل هذه الألواح في خلق أكثر أنواع الأثاث وخاصة الأجزاء الخلفية منها، كما تستعمل الثخينة منها في خلق الكراسي والمقاعد وجلساتها بعد تشكيلها وحنيها وضغطها في وسط من البخار الساخن.

وأما ألواح الخشب المصفح (اللاتيه) laminated boards فتتألف من قدد خشبية ضيقة تلصق الواحدة بجانب الأخرى ثم تصفح من الوجهين برقائق من الخشب أوألواح الخشب المعاكس تحت ضغط معين وبذلك يتم الحصول على لوح مصفح بالثخانة المرغوب فيها، وتستعمل الألواح المصفحة في صناعة سطوح الخزائن والمناضد والأسرة والأبواب وغيرها.

وتتمتع ألواح الخشب المصفحة بمتانة متجانسة طولياً وعرضياً وقطرياً وهي غير قابلة للانكماش أواللي كما هوحال الخشب الطبيعي، ومثلها في ذلك ألواح الألياف الخشبية fiber board التي تصنع من ألياف الخشب المضغوطة بعد معالجتها بالمواد الكيميائية وعجنها بالغراء.

المعادن

استخدم الإنسان المعادن في خلق أدواته وحوائجه منذ حتى تفهم صهرها وسكها وطرقها. واستعمال المعادن في خلق الأثاث وزخرفته قديم جداً، وقد عثر في مقبرةتوت عنخ آمون على بتر أثاث فاخرة منها سرير عرش وكرسي مزيّنان بالمضى (ق14 ق.م)، واستخدم اليونان البرونز والحديد والفضة في خلق بتر الأثاث وزخرفتها، وعثر في رماد مدينتي بومبي Pompeii وهيراكولانيوم Heraculanneum في إيطاليا على طاولات لها أطر معدنية قابلة للطي، وعلى أسرة مصنوعة من المعدن كلها أوبعض أجزائها. واستخدم الكرسي المعدني في مناسبات خاصة في العصور الوسطى في أوربة (كرسي عرش ملك الفرنجة دغابرت الأول Dagaborti من القرن السابع للميلاد). وفي دولة بنين في إفريقيا كرسي من البرونز خاص بالبلاط جعلت جلسته على شكل سمكتين مجدولتين. وثمة نماذج كثيرة من أثاث فضي أومغلف بالفضة أوالمضى المطرق.

ومنذ القرن الثامن عشر شاعت صناعة الأثاث الحديدي، وصارت السرر المعدنية والصناديق المقواة بالمعدن في متناول الناس، وازداد الطلب عليها في المعسكرات والمخيمات لسهولة طيها وفكها وهجريبها، وأشهر مثال عليها سرير نابليون بونابرت في جزيرة هيلانة.

وكانت السرر الحديدية تزين بزخارف وبتر نحاسية أوبرونزية. كما استخدم الحديد في صناعة مقاعد الحدائق والكراسي التي توضع في العراء لمقاومته عوامل الطبيعة، وخاصة بعد طليه بطبقة من الدهان. وتوصل الألمان في العشرينات من القرن العشرين إلى استعمال الفولاذ في خلق الأثاث وصنع النوابض والأنابيب الفولاذية المطلية بالكروم وتطويعها في صناعة الأثاث حتى غدت الأنابيب الفولاذية رمزاً لممضى «الوظيفية» في العمارة (أن يتناسب تصميم أجزاء البناء وأثاثه مع الوظيفة المعدة لها). ومنذ الثلاثينات من القرن العشرين شاع استعمال الألمنيوم في هذه الصناعة لمواصفاته الجيدة.

يستخدم المعدن، وخاصة الحديد والنحاس والألمنيوم، في خلق البتر الكاملة بتشكيلها عن طريق السكب والثني والطلي واللحام والبتر وغير ذلك، كما يستعمل في خلق الأقفال والحواضن والمفصلات وحوامل البتر وقواعدها وفي التزيين والزخرفة. وكانت صناديق حفظ الثياب تدعم بأحزمة من حديد تزيد متانتها وكثيراً ما كانت تزين نهاياتها بزخارف، وكانت المخطات في عصر النهضة تزخرف بحواضن وقواعد من أُشابات معدنية أساسها البرونز أوالنحاس أوالقصدير، وبرع الفرنسيون في تشكيل حواضن مزخرفة من المعدن هجرب على الزوايا والأدراج والأرجل من أجل الحماية والتقوية.


المواد الأخرى

يعد الزجاج من المواد الثانوية المستعملة في صناعة الأثاث وزخرفته، وتستعمل المرايا والبلور العادي والملون للتزيين وإضفاء الجمال على البتر ووقايتها، وقد برع الإيطاليون في صناعة الأثاث المزجج المتعدد الألوان، واستخدم العاج والعظم والصدف والذَّبْل (جلد السلحفاة الكبيرة أوعظم ظهرها) مواد للتطعيم والتنزيل والترصيع في صناعة الأثاث، وشاع في القرن السابع عشر استخدام العاج في تطعيم الأثاث الفاخر، واستخدم عظم قسقطة السلحفاة للتنزيل النفيس فوق أرضية من الفضة، كما استخدمت أصداف القواقع وعرق اللؤلؤ لتطعيم الخشب، واستخدم الجص المعجون بالغراء لتشكيل الزخارف وخاصة في الأثاث الإسلامي الشرقي، كما صنعت منها «شمسات» لثقوب المفاتيح وأغطية لها.

وأما الرخام والجص والخزف فاستخدم في مجالات معينة، وخاصة في تغطية سطوح «القنصليات» والممحرر والتخوت ذوات الأدراج والمغاسل وطاولات الزينة، كما استخدمت العجينة الورقية (عجينة الورق مع الغراء ومواد أخرى) في خلق بعض بتر الأثاث في إنكلترة في العصر الفيكتوري.

وأما اللدائن بأنواعها والألياف النباتية المعالجة والألياف الزجاجية فقد شاع استعمالها بعيد الحرب العالمية الثانية وعلى نطاق واسع وهي تستعمل في خلق البتر المقولبة (المشكلة في نطقب).

الأثاث في التاريخ

يرجع ظهور الأثاث إلى عصر ما قبل التاريخ مع انتنطق المجتمعات الأولى إلى الاستقرار، عندما اتخذ الإنسان مسكنه في الكهوف والمغاور وفوق مجاري الأنهار، وافترش جذوع الأشجار والأغصان وصنع منها مصاطب وفرشاً لراحته ونومه. وكان تطور الأثاث سريعاً عند المجتمعات التي احتاجت إلى مساكن مغلقة أومسقوفة بسبب الأحوال المناخية، وكان أسهل أسلوب لتوفير مثل هذا الأثاث رصف الحجارة في مداميك وتسوية سطوحها وهجر فراغات بينها (كوات) لتستعمل خزائن لحفظ الأمور، أوتنضيد الأغصان وأوراق الأشجار للجلوس والنوم. ثم تبينت الحاجة إلى خلق بتر أثاث منفصلة سهلة التحريك والنقل، وساعد على ذلك توافر مواد تتمتع بالمتانة وخفة الوزن وسهولة التعامل معها، وهذا ما تثبته الأرجوحات الشبكية والحصر والحشيات المملوءة بالقش والمقاعد الخشبية الصغيرة التي لا مساند لها ومساند الرأس والرقبة والصناديق التي تستعملها القبائل البدائية في إفريقية وأوقيانوسية وأمريكة حتى اليوم، وكانت الأقوام البدائية تتخذ لأثاثها أكثر المواد مواءمة للشكل المطلوب بعد تشذيبها بأدوات حجرية أومعدنية، ومع تطور النظم الاجتماعية والمعيشية وتطور أدوات التصنيع وأساليبه ظهرت أنماط جديدة من الأثاث تتوافق مع حاجات الإنسان. وكان أثاث أكثر المجتمعات الرعوية والزراعية في إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى وفي مناطق أعالي النيل يتألف من بتر بسيطة قليلة الزخارف سهلة الحمل، وكثير منها منحوت من بترة خشب واحدة أومن الحجر، وكانت أجزاء بتر الأثاث تنحت غالباً بأشكال هندسية أوعلى هيئة أعضاء الحيوانات، ومن ذلك مثلاً مسند رقبة خشبي يعهد باسم «تلم» Tellem في دولة مالي منحوت على هيئة سلحفاة، وهي حيوان مقدس هناك. وكثيراً ماقد يكون للكراسي والمقاعد وغيرها من البتر المعدة للجلوس معنى شعائري أوقيمة شخصية، وهناك كراسي عروش كثيرة في إفريقية، بعضها مستوحى من أنماط الأثاث الأوربي، مخصصة للزعماء، كما هوشأن مقاعد زعماء القبائل اللوبا Luba في زائير، ولهذه الكراسي قوائم نحتت على هيئة إنسان حامل caryatid، أوقوائم حيوان.

كرسي عرش من الخشب المحفور ـ ساحل العاج
كرسي نغومبا (زائير) من الخشب ومسامير النحاس خاص بالزعماء
كرسي عرش (الكاميرون) من الخشب والخرز

أما السُّرُر فكانت مجرد حشيات متواضعة من العشب الجاف وجلود الحيوانات وغيرها، ويستعمل الماليزيون البدائيون سريراً مسطحاً من لوح خشبي محمول على أربع نادىمات ذوات شعبتين. من جذوع الشجر، وكانت السرر تطلى أحياناً بالألوان الأسود والأحمر والأبيض، وفي جزر الأدميرالية سُرُر مزخرفة ذوات قوائم منحوتة على هيئة البشر أوالسمك ولها مساند للرقبة. وكان الصيادون الأستراليون يحملون أطفالهم في مهود من الخشب تشبه القارب. وكان السكان الأصليون في أمريكة يستعملون جلود الحيوانات المحشوة بالعشب (أمريكة الشمالية) أوالحصر المصنوعة من ألياف سعف النخل للنوم والجلوس، أما السرر إذا وجدت فتتألف أساساً من أغصان نحيلة متشابكة تستند إلى ركائز ذوات شعبتين. كما استخدمت السطوح الحجرية للنوم بعد فرشها بجلود الحيوانات.

واستخدمت أيضاً الكراسي والمقاعد المصنوعة من القصب المجدول ومقاعد الحجر المحمولة على قواعد مخروطية، كما استخدمت الصناديق المدهونة والأرائك المصنوعة من خشب الأرز المزينة بأشكال حيوانية.

الأثاث في مصر القديمة

تعليق

لعل أقدم نماذج للأثاث المتعارف عليه اليوم ترجع إلى ما هجره الصناع المصريون القدماء، ومع حتى إنتاج مصر من الخشب العالي الجودة نادر، فقد استخدم المصريون أخشاب بعض الأشجار المحلية كالسنط acacia والطرفاء tamarisk والجميز sycamore والتين في خلق بتر الأثاث الخفيفة، كما استوردوا الأخشاب الثمينة كالأرز والأبنوس، وكانوا يعالجون هذه الأخشاب بأدوات حجرية (في عصر ما قبل السلالات 4000-3100ق.م) ونحاسية وخشبية (بدايات عصر السلالات 3100-2686 ق.م) ومعدنية مختلفة (منذ عهد المملكة القديمة 2686- 2181ق.م). وكانت السرر ومساند الأرجل والرأس والعروش والصناديق هي البتر الأساسية للأثاث عند المصريين القدماء، ويأتي السرير في مقدمة تلك البتر، وكان يهجرب في إطار متواضع من الخشب على أربع أرجل ثبتت بحبل مضفور من الكتان، وشدت عليه حبال مضفورة على طريقة الحياكة تؤلف سطحاً مرناً يستلقي عليه النائم، وكان السرير إبان حكم الأسرة الثامنة عشرة (1567-1320ق.م) مرتفعاً عند الرأس منخفضاً عند القدمين وله مسند محفور من الخشب يمنع إنزلاق النائم، وقد عثر في قبر توت عنخ أمون على سرر ضخمة ثبت قوائمها بخطاطيف من البرونز يمكن فكها وطيها لتصبح صالحة للنقل. إذ كان الأثاث يصنع بأعداد قليلة، وكان الملوك والحكام يصطحبون معهم سررهم في تجوالهم، ويستعيضون عن الوسائد بمساند للرأس من الخشب أوالعاج تصنع على قياس صاحبها، وعثر في مقبرة الملكة «حتب حورس» Hetephers في الجيزة (المملكة القديمة) على سرير لـه ظلة ثبتت بتره بطريقة «التعشيق» كانت الأولى من نوعها، كما عثر على كرسيين بذراعين مغلفين بقشور المضى، وعلى علبتي مجوهرات وصندوق ستائر.

كراسي منوعة ذوات مساند ظهر أوقابلة للطي، من مصر القديمة بقوائم تشبه قوائم الحيوانات.

وتثبت هذه البتر حتى قدماء المصريين كانوا أول من عهد طريقة «التلسين» في خلق الأثاث (جمع أجزاء بتر الأثاث بوساطة النقرة واللسان mortise-and- tenon.

أما الكراسي فكانت تنحت في البدء من الحجر على شكل بتر مكعبة، ثم صارت تصنع قواعدها من الخشب ومقاعدها من حجر الصوان الأملس المستوي، ثم صارت مقعرة فيما بعد. وكانوا يضعون على المقعد حشية وثيرة من جلد أوقماش، ثم أضيف إلى الكرسي مع مرور الزمن مسند للظهر وذراعان. وكانت الكراسي مخصصة لذوي الشأن، وتوضع أمامها مساند للأرجل من الخشب تنحت عليها صور الأعداء أوترسم، وهوتقليد يرمز إلى حتى الملك يدوس أعداءه. وشاع في عصر المملكة الحديثة (1554-1075ق.م) خلق قوائم الكراسي على هيئة قوائم الحيوانات، وقد عثر على مقاعد مدورة وثلاثية الأرجل وقابلة للطي ترجع إلى ذلك العصر.

رسي ممضى من قبر توت عنخ آمون في طيبة (مصر القديمة) من الخشب المغشى بالمضى والمطعم بالخزف والزجاج والكالسيت (مصر الأسرة 18 نحو1350ق.م)
أثاث غرف نوم من مصر القديمة (عصر المملكة الحديث 1554-1075ق.م) من الخشب. يلاحظ مسند الرأس عند الجهة العليا من إطار السرير
سرير من مصر القديمة مع مسند للرأس ومسند للقدمين مزخرف باشكال حيوانية

لم يعهد قدماء المصريين المناضد والطاولات، ولكنهم كانوا يستعملون صواني (ج صينية) من القش المجدول على حامل من فخار لوضع صحاف الطعام، كما كانوا يصنعون حوامل من خشب لجرار الماء والخمر والجعة، واستخدم المصريون القدماء توابيت من رقائق الخشب الملصق بعضها فوق بعض، وقد ضمن لها ذلك عمراً مديداً. أما الملابس والأمور الشخصية فكانت تحفظ في صناديق أوسلال من قصب، وكانت الصنادق تصنع في بادئ الأمر من ألواح خشبية متداخلة، ثم صارت تصنع في عهد المملكة القديمة من أطر خشبية تسدها ألواح من خشب ولها غطاء نصف أسطواني أومثلثي الشكل، وكان أبرز ما يتصف به الأثاث المصري القديم خفة الوزن وسهولة النقل

نسخة طبق الأصل لسرير مع مظلة وكرسي وصندوق من قبر الملكة حتب حورس في الجيزة (الأسرة الرابعة 2100ق.م) من خشب مطلي بالذهي

وجمال المظهر. وكانت تزيينات الأثاث وزخارفه تستوحى من دلالات دينية وتلقى عناية فائقة، وكان أثاث علية القوم غالباً ما يموه بالمضى ويطعم بالعاج والزجاج الملون والأحجار الكريمة، أويلبس قشور الأخشاب النادرة والثمينة، وقد توصل الصانع المصري إلى استخراج قشور خشب بسماكة لا تزيد على أربعة مم غطى بها سطوح الأثاث المصنوع من أخشاب رخيصة، كما استخدم التراكيب الصناعية الدقيقة في تجميع أجزاء بتر الأثاث لتكون قوية متينة تحقق فكرة الديمومة والخلود. وكثيراً ما كانت التزيينات تستكمل بكتابات هيروغليفية وزخارف من تويجات الزهور والزنابق وأزهار البردي وصور الآلهة. وثمة نصوص تثبت حتى الأثاث المصري كان يرسل في أحيان كثيرة إلى البلدان المجاورة في جملة ما تؤديه مصر من هدايا وأتاوى.


الأثاث في بلاد المشرق القديمة (بلاد الشام والرافدين)

تعليق
ختم أسطواني يمثل إلهاً يجلس على مقعد له أربعة قوائم ورجل يتقرب إليه بالهبات (العصر الأكدي المتأخر 2390-2290ق.م ـ ماري، تل الحريري)
حمورابي واقفاً يتلقى عصا الملك من الإله شمش الجالس على كرسي ويسند قدميه على مرقاة (تفصيل من مسلة جمورابي)
نحت نافر من نينوى يمثل جنوداً ينقلون أثاثاً من مدينة هامان، ويخربون المدينة، القسم السفلي من النحت يمثل مأدبة احتفاليةبالنصر، والحضور يجلسون على مقاعد وقد فرشت أمامهم موائد الطعام.


كان مناخ بلاد الشام والرافدين أقل جفافاً من مناخ مصر، فلم يحفظ لهذا السبب إلا القليل من الأثاث في مدافنها، ولم يبق إلى اليوم سوى بعض البتر النادرة المحفوظة في المتاحف إضافة إلى ما يشاهد على المنحوتات الجدارية والصور والنقوش الأثرية القليلة. وكانت مناطق بلاد الشام والرافدين - على النقيض من مصر - مجزأة إلى مدن وممالك يحكم جميع منها حاكم مستقل، لذلك تنوعت أنماط الأثاث فيها. وأما البتر الأساسية منه فهي: السرير والعرش والمتكأ والأريكة والكرسي والطاولة والصندوق.

وكانت بتر الأثاث في بلاد الرافدين قريبة الشبه في هجريبها من النمط المصري إلا حتى أجزاءها أغلظ وعقدها أقل، وهي غنية بالزخارف النافرة ومطعمة بالبرونز والعاج والعظم والمسامير الضخمة الرؤوس والدسر.


وقد عثر على بتر أثاث من العصر السومري القديم (2800-2370ق.م) لها قوائم أمامية على هيئة قوائم الثيران ومساند مخرمة، أما قوائمها الخلفية فمسطحة وتمتد أحياناً لتؤلف مساند قصيرة للظهر، كما عثر في ماري (تل الحريري) على بقايا صناديق خشبية مطعمة بالعاج واللازورد كانت تستعمل لحفظ الحلي أوالأدوات الموسيقية وتمثل مشاهد من الحياة العامة.

واستخدم في العصر الأكدي الأول (2370-2230ق.م) مقاعد مخرمة قُسِّم الفراغ تحتها ستة مربعات أوتسعة تفصل بينها نادىمات أفقية وعمودية من الخشب.

وقد برع الفينيقيون - الكنعانيون في صناعة الأثاث وتطعيمه بالعاج إلى درجة كبيرة حتى صار إنتاجهم يصدّر إلى الدول المجاورة، وقد عثر في أنكوما (قبرص) على علب من عظم الفيل مزينة بزخارف تمثل مشهداً لصيد الثيران، وفي متحف دمشق الوطني صفائح من عاج لجزء من سرير عرش يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر ق.م، وعثر في تلال منطقة غورديون Gordion (الأناضول - هجرية) على بتر أثاث مزخرفة يعتقد أنها تعود إلى الملك ميداس ملك فريجية في القرن الثامن قبل الميلاد، ومنها طاولة ثلاثية الأرجل وحجب تشبه الغربال من خشب البقس والجوز، وقد طعمت بأشكال هندسية من خشب العرعر.

كانت مناطق الرافدين وبلاد الشام مصدر إلهام لثلاثة أنماط خلدها الأثاث الكلاسيكي القديم في اليونان ورومة، وانتقلت منها إلى بقية الحضارات الغربية. وأول هذه الأنماط زخرفة قوائم بتر الأثاث بحلقات معدنية «مكفاة» الجوانب حادة الحروف تقع الواحدة فوق الأخرى مثل أساور اليد، وهي أصل القوائم الخشبية «المخروطة» في الأثاث الذي ظهر بعد ذلك. أما النمط الثاني فاستخدم الحواشي الكثيفة في أغطية الأثاث المستعمل مما يمنح الهيكل والحشية والوسادة سمة واحدة، وقد خففت هذه الحواشي في العصور الكلاسيكية تمشياً مع الذوق السائد آنذاك، ثم عادت إلى الظهور في عصر الاتباعية الجديدة (القرن 18م). وأما النمط الثالث فهوبتر الأثاث التقليدية التي ظلت تستعمل من دون تعديل يذكر طوال عصور الظلام في أوربة، ومن هذه البتر الأريكة التي كانت تستعملها الشخصيات الكبيرة عند تناول الطعام أوتبادل الأحاديث، والمنضدة المتنقلة الصغيرة التي توضع عليها المرطبات قرب الأريكة أوإلى جانب الكرسي الذي يجلس عليه «النديم» (الزوجة أوالمحظية أوالمغني أوغيرهم)، بحسب رغبة الشخصية التي تتكئ على الأريكة. ومن هذا التقليد الأرستقراطي انبثقت أكثر نظم البلاط تعقيداً، وهي تحدد من يحق له الجلوس في حضرة الشخصية المذكورة وأين يجلس ، وما تزال مثل هذه التنطقيد مرعية في قصور الملوك واحتفالاتهم.

الأثاث في بلاد فارس

مع حتى المناطق الإيرانية خضعت لتأثيرات المشرق القديم (بلاد الرافدين والشام) فقد كان للأثاث فيها سمات مميزة ويحمل تزيينات ذات طابع خاص، ويمكن تعهد أشكال بعض بتر الأثاث الإيراني الفارسي من الرسوم والمنحوتات، ويبدي نحت نافر من عهد داريوس (نحو521 ق.م) سرير عرش يجلس عليه الملك وترتكز قوائمه المدورة على قاعدة صغيرة يطؤها الملك بقدميه. وتبدوفي الرسوم مقاعد واطئة ومناضد مستديرة وسرر أشكالها بدائية. وتملك إيران شهرة عالمية في صناعة بعض أنواع الأثاث المشرقي وخاصة السجاد.

الأثاث في الهند

تعد الهند في تاريخ صناعة الأثاث، منطقة اجتياز واقتباس للأثاث القادم من الغرب أكثر من كونها مناطق ابتكار مستقلة. وقد اعتاد الهنود استعمال الحصر والبسط والزرابي والفرش المصنوعة من القصب المجدول والخيزران bamboo مع ندرة استخدام الخشب في صناعة بعض بتر الأثاث. ولم يكن للهند عموماً طراز محلي من الأثاث تختص به حتى القرن السادس عشر للميلاد، بل كانت تستعير بعض أشكال الأثاث من الأنماط الكلاسيكية والشرقية والمصرية، حتى إذا بعض البتر العادية المألوفة لأكثر الشعوب كالكراسي والطاولات كانت نادرة الاستعمال في الهند إلى حتى شاع استعمال الأثاث البرتغالي والهولندي والإنكليزي. والحقيقة حتى صعوبة الحصول على أثاث مناسب للمستوطنين الأجانب في الهند في بداية عهد الاستعمار هوالذي دفع التجار الأوربيين إلى جلب نماذج من الأثاث الغربي كي تستنسخ، وسرعان ما مهر الحرفيون الهنود في تبني الأسلوب الأوربي مع إضفاء بعض السمات الخاصة والمبتكرة على صناعة الأثاث. وأدى ذلك إلى ظهور طرز جديدة من الأثاث عهدت باسم الأثاث الهندي - الأوربي كانت محط إعجاب الغربيين، وأثرت بدورها في صناعة الأثاث الغربي. ويقسم الأثاث الهندي الأوربي القديم إلى مجموعتين مميزتين تأثرت إحداهما بالطابع البرتغالي وتأثرت الثانية بالطابع الهولندي، ولم يظهر التأثير الإنكليزي على صناعة الأثاث في الهند إلا في أواخر القرن الثامن عشر. أما الخشب الذي استخدم في الهند فهوالأبنوس والساج (الدلب الهندي teak) والخشب الأحمر وهي تنتج محلياً.

تتألف مجموعة الأثاث الهندية البرتغالية من الأثاث الهندي الشمالي أوالمغولي والأثاث الجنوبي المنسوب إلى «غوا» Goa ولكنه يصنع في الواقع في سواحل ملبار Malabar جنوب غوا. ويبدوالطراز المغولي أكثر رشاقة وتفنناً من طراز «غوا» ويضم أنواعاً من الأثاث المزخرف والمطعم بالعظم والعاج على خشب الأبنوس وغيره من الخشب الأسود.

وقد حفظت طاولات وممحرر من هذه الفئة مستوحاة من أشكال عصر النهضة الإيطالية التي كانت المفضلة عند البرتغاليين.

أما الطراز المنسوب إلى «غوا» فيصنع على نمط واحد من حيث الشكل والزخرفة وتغلب عليه الضخامة. وغالباً ما يطعم بأشكال هندسية أومجردة. أما مجموعة الأثاث الهندي - الهولندي فيمكن تمييزها بسهولة من الأثاث الهندي - البرتغالي، وهي نمطان: الأول ينتج على سواحل كوروماندل Coromandel ويصنع من الخشب فاتح اللون ويزخرف بتطعيمه بالعظم وبالحفر ويطلى باللك [ر]. أما النمط الثاني فيصنع من الأبنوس المحفور. ومع حتى هذا النمط منتشر في الهند ويظن أنه من أصل هندي، فإنه كان ينتج - في الواقع - في باتافيه Batavia (جاكرتة اليوم) في جزيرة جاوة، أما التزيين النافر في الأبنوس فيكون على شكل أزهار أوهوقريب الشبه من شجرة تحمل أزهاراً (أغلبها أزهار السوسن tulip) كتلك التي تشاهد على أغطية الأسرة والستائر المطرزة الهندية المنشأ. ومع ازدياد النفوذ البريطاني في الهند ازداد تأثير صناع الأثاث البريطانيين فيها، وأنتجت «أطقم» كاملة من العاج من طراز تشيبندال Chipendale وطراز شيراتون Sheraton ومع حلول القرن التاسع عشر أصبح لدى الهند معاييرها في خلق الأثاث وخاصة فيما يتصل بالنقوش الزخرفية التي تنفرد بها.

الأثاث الصيني

طاولة مخط من خشب الساسم الأصفر الثمين المطلي باللك والمطعم بعرق اللولو(غجرات ـ الهند ق17م).


يعكس الأثاث الصيني تأثير البناء المعماري بوضوح، ويجمع بين الصرامة والبساطة. والحقيقة حتى الدراسات المتصلة بالأثاث الصيني قليلة، وما تزال أصوله غامضة نسبياً، ويصعب تحديد العهود التي ينسب إليها كما لا يعهد الكثير عن مشاغله ومصمميه وصناعه، وأما أبرز المصادر التي تبين أشكال الأثاث الصيني فهي الرسوم الصينية القديمة، وهي تظهر مدى التزام تصاميم هذا الأثاث على امتداد العصور.

ويمكن القول إذا أكثر الأثاث الصيني ينطلق من شكلين أساسيين: الصندوق والهيكل المفتوح، كما يمكن تصنيف الأثاث الصيني في نمطين رئيسيين هما: البتر الخشبية المطلية باللك سواء كانت مطعمة بعرق اللؤلؤ أومحفورة بعناية، والبتر البسيطة plain المصنوعة من الخشب القاسي.

خزانة صينية بدرج
تعليق
موذج مخطة صينية متعددة الأغراض - نماذج طاولات مختلفة من الأثاث الصيني

ولا يعهد شيء عن النمط الأول تقريباً، إلا أنه يمكن تعهد العهد الذي تنسب إليه البتر من الموضوعات الزخرفية التي يظهرها الحفر كالتنين وزهرة الفاوانية (عود الصليب) peony، ومن خلفيات (أرضيات) هذه الزخارف، وأهم البتر التي تنسب تاريخياً إلى هذا النمط تلك المطلية باللك الأسود المطعمة بعرق اللؤلؤ المحفوظة في المستونادىت الإمبراطورية (شوزوإذا Shoso in) في اليابان وهي تعود إلى القرن الثامن للميلاد. أما أقدم البتر المطلية باللك الأحمر وخاصة المقاعد والطاولات فترجع إلى عهد أسرة منغ Ming (1368-1644م) وتميز صنعتها من حوافها الانسيابية اللينة الأقل بروزاً من البتر المتأخرة التي تعود إلى عهد أسرة تشنغ Ching (1644-1911) وتأثر بها مصمموالأثاث في العالم.

ويلقى الأثاث الصيني البسيط المصنوع من الخشب القاسي رواجاً في الصين وخارجها لبساطته وزخارفه التقليدية وتمتعه بالمتانة ووضوح خطوطه وانسجام ألوانه.

موذج لسرير بمظلة وتحته سرير على هيئة صفة

ولما كانت متطلبات البيت الصيني من الأثاث أقل عموماً من متطلبات البيت الأوربي أوالأمريكي أوحتى العربي، فإن تنوع الأثاث فيه قليل، ويقتصر على خزائن الثياب والصناديق والطاولات العالية والمنخفضة من جميع الأشكال والأنماط، وكذلك الكراسي والسرر (قد تستر أحياناً بستائر) والحجب (بارافانات) والمقاعد المنخفضة المعدة للاستعمال عند السرير.

ومع حتى مبادئ مهنة النجارة تكونت لدى الصينيين منذ ما يقرب من ألف عام قبل الميلاد، فإنها لم تتطور تطوراً عظيماً إلا بعد دخول البوذية إلى الصين قادمة من الهند في القرون الأولى للميلاد، وكان الصينيون قبل ذلك التاريخ يجلسون متربعين أوجاثين على ركبهم على الأرض أوعلى مقاعد واطئة، في حين أدخلت البوذية معها أسلوباً جديداً للجلوس على الكراسي العالية المزودة بمساند للظهر ومساند جانبية لليدين أومن دونها، وتعد الصناديق والخزائن الكبيرة أقرب الأمثلة على تقدم صنعة النجارة عند الصينيين، وكثيراً ما كانوا يصنعون لها حوامل معدنية جميلة تزيد من جمال صنعتها وتخفف من صرامة تصميمها.

طاولة صينية مطلية باللك الأحمر من عصر أسرة مينغ (صنعت نحو1435) ويزيد عدد طبقات الطلاء فيها على عشر طبقات

وقد استخدم الصينيون الأخشاب القاسية في صناعة أثاثهم كخشب الصندل sandalwood والساج والخشب الوردي rosewood والالسندر palixandre وأكثره مستورد من الهند الصينية.

كما استخدموا الخشب الأحمر والناميات الجذعية Burl (في الترصيع غالباً) وكذلك الخشب الذي يسمونه «جناح الديك». ويستعمل الخشب الوردي خاصة في أكثر أنواع الأثاث لجمال مظهره ونعومته عند الإنهاء. ويعد الصينيون من أمهر صناع الأثاث وأكثرهم دقة وصنعة. ويتعاملون مع الخشب على أنه جسم وروح، ويتقنون تناسب الخطوط والحنيات مع الحجم حتى غدوا قدوة صناع الأثاث في العالم.

عرش الإمبراطور الصيني تشين لونغ. (1736-1796) من أسرة «تشينغ»، من الخشب المحفور المطلي باللك الأحمر

وأكثر ما يلفت النظر في الأثاث الصيني لمعانه الذي يجتذب المشترين من أنحاء العالم. ويستخدم الصينيون في طلاء بتر الأثاث اللك والبرنيق varnish. ويعود استخدام اللك الأسود إلى عهد سلالة شانعshang (1523-1027) (1766-1122ق.م) ويحتاج العمل به إلى دقة وصبر كبيرين، إذ تطلى به سطوح الأثاث طبقات قد تصل إلى ثلاثين طبقة وكل طبقة منها بحاجة إلى أسبوع أوأكثر كي تجف ليمكن وضع الطبقة التالية، وإذا ما وقع تشقق أوخدش بها أعيد العمل من أوله.

مجموعة بتر أثاث عائدة للإمبراطور تشين ـ لونغ (القرن الثامن عشر)
جهاز عروس ياباني من عصر أسرة أيدوEdo (ق18م) جميع البتر مطلية باللك الأحمر والأسود وممضىة مع تنزيل الفضة
مخطة يابانية خلق «كوامي ناغاشيما» (1636م) مطلية باللك ومزينة بالرسوم

ولم يقتصر الصينيون على اللك الأسود بل استطاعوا إنتاج ألوان أخرى منه كالأبيض والوردي والأخضر والأصفر والأزرق وغيرها، كما أضافوا إليها المضى والفضة، وكانت لهم عناية خاصة بالزخرفة والتزيين إضافة إلى الحفر والتطعيم بالصدف والعاج، وقد عبر الرحالة العربي ابن بطوطة عن إعجابه الكبير بصنعة فناني كانتون التي زارها عام 1345م، وهناك نماذج من الأثاث الصيني محفوظة في كثير من متاحف العالم.

الأثاث في اليابان

كان لتفضيل اليابانيين المنازل الخشبية الخفيفة ذوات الطابق الواحد على غيرها أثره في نوعية الأثاث عندهم وتطوره، فلم يعهد اليابانيون سوى أنواع قليلة من الأثاث المخصص لوظائف محددة. ويرى اليابانيون حتى الترتيب الداخلي للمنزل مع الحديقة، التي هي جزء أساسي منه، يفي بالمتطلبات الجمالية والاجتماعية التي يوفرها الأثاث ومتمماته في المجتمعات الأخرى، والشرط الواجب توافره في جميع أنواع الأثاث الياباني هوسهولة النقل وخفة الوزن, ويتألف البيت التقليدي الياباني من مبنى خشبي تقسمه من الداخل حواجز من ألواح جدارية متحركة مغطاة بالورق معلقة من الأعلى بساكف وتنزلق في الأرضية الخشبية ضمن مجار خاصة، وهي تسمح على هذا النحوبتعديل شكل الغرف ومساحتها، وقد تستعمل لهذه الغاية حواجز جدارية حاجبة من ستة ألواح أوأربعة أولوحين متمفصلة فيما بينها ويمكن طيها بحسب الرغبة، كما يستعمل اليابانيون ستائر من عيدان الخيزران مثبتة من الأعلى ويمكن حملها أوإنزالها عند الحاجة، والغرفة الرئيسية في البيت تدعى «توكونوفا» Tokonova وتكون مفتوحة على الحديقة على نمط «الليوان» في المنزل العربي ولها أبواب منزلقة تغلق في الأيام الباردة. ويجلس اليابانيون في هذه الغرفة على حشيات صغيرة أوحصر مستطيلة ملونة من قش الأرز تغطي أرض الغرفة وتسمى تاتامي Tatami، وقد تغلف بقماش سميك، أما بتر الأثاث التقليدية فأكثرها صغير الحجم قليل الارتفاع قابل للحمل Portative أنيق المظهر، ويشتمل عادة على طاولة خشبية منخفضة قابلة للطي أوثابتة الأجزاء، وتكون عارية من لون الخشب أومطلية باللك وتخصص للخدمات، كما يشتمل على متكأ ومنضدة للكتابة وأخرى للزينة وعلاقة ثياب ومجموعة من الرفوف، وأكثر هذه البتر يطلى باللك ومزخرف بذرور معدني أويطعم بعرق اللؤلؤ.

لم تتبدل أشكال الأثاث الياباني على مر العصور إلا قليلاً، والمعلومات المتوافرة عن الأثاث القديم مأخوذة من الأوصاف الأدبية والصور والرسوم التراثية، إذ لم يتبق من أثاث الأزمنة القديمة إلا القليل النادر، ولعل أقدم بتر الأثاث الموجودة إلى اليوم صناديق مقببة الغطاء وطاولات مقتبسة من الأسلوب الإسباني والبرتغالي ومزخرفة بالأذرة المعدنية وعرق اللؤلؤ، يرجع تاريخها إلى ما بين العامين 1573-1618م، وصنعت من أجل البرتغاليين، ولهذه البتر وما ابتكر بعدها تأثير كبير في فن صناعة الأثاث الأوربي وزخرفته. ومع حتى محاولات الصناع الأوربيين محاكاة النماذج اليابانية ليست في مستوى محاولات تقليد الصينيين، ولم يظهر أثرها إلا بعد إحياء عصر أسرة ميجي Meiji (1860) فإن أكثر الأثاث الأوربي المقتبس عن اليابان يفتقر إلى اللمسة اليابانية ومعظمه من النمط الفيكتوري، وغالباً ما يطلى بطبقات من البرنيق الكامد بديلاً عن اللك الأصلي.

منمنمة إسلامية تمثل ديوسقوريدس جالساً على كرسي مرتفع وقدماه على مرقاة، وأمامه طاولة. من كتاب الحشائش وخواص العقاقير (647هـ/1129م)

وأما صناعة الأثاث وأنواعه في بلدان جنوب شرقي آسيا (أندونيسية، ماليزية، تايلند، فيتنام وغيرها) فقد تأثرت بالاتجاهات الشرقية التي استلهمتها من الهند والصين واليابان إضافة إلى التأثير الإسلامي.

الأثاث العربي الإسلامي

ليس ثمة تصور واضح ودقيق عن ما كانت تحتويه بيوت المدن العربية من أثاث وأدوات قبل الإسلام وفي صدر الإسلام، غير حتى بعضاً منها حوى، ولا شك، جميع وسائل الراحة التي كانت متوافرة في ذلك العهد. وتتحدث الروايات عن حياة بعض أثرياء الجزيرة العربية في الجاهلية ودرجة ثرائهم وبذخهم، فكانوا يشربون بأوان من مضى وفضة ويتفننون في مأكلهم ويستحضرون الخدم والحشم من الشام والعراق والعجم. وقد عهد العرب الزرابي (القطوع الحيرية الرقيقة أوهي جميع ما بسط واتكئ عليه) والبسط (ضرب من الطنافس طويل قليل العرض) والنمارق (ج نمرق وهي وسادة صغيرة يتكأ عليها أووثيرة فوق الرحل). والطنافس (الثوب والحصير من سعف النخل عرضه ذراع) والحصر (جمع حصير وهي جميع ما نسج من جميع الأمور والثوب الموشى الحسن)،

تعليق

وهناك ضرب من الطنافس الفاخرة يسمى الرحال اشتهرت به الحيرة. وكان الناس عامة يفرشون بيوتهم بالحصر المصنوعة من البردي والأسل أوخوص النخل. وأما الميسورون منهم فكانوا يفترشون البسط والزرابي المنسوجة ويتكئون على الوسائد. ويعد تقديم الوسادة إلى الضيوف من إمارات التكريم، وكانت الكراسي والموائد والأسرة معروفة ويستعملونها في مجالسهم، والسرير في عهدهم ما يجلس عليه وينام فوقه ودلالة على الملك والنعمة. وهناك نوع من الكراسي وصف «بالخلب» قوائمه من حديد ومقعده من ليف مفتول صلب، وكان أهل مكة يستوردون الأثاث الراقي من بلاد الشام والعراق لما عهدت به البلاد من حسن الصنعة والذوق، ويمكن فهم أصول تلك الأمور والأماكن التي استوردت منها من أسمائها. ويمكن حتى يعد الهودج والمحمل والمحفة من أنواع الأثاث المستعمل في التنقل.

نموذج كرسي عرش إسلامي من الخشب المحفور والمطعم بالصدف بزخارف نباتية

يلم تطور التقليد الأصلي للأثاث في الإسلام كثيراً عما سبقه كما وقع في الصين مثلاً، وقد كان الخشب على توافره بكثرة في المناطق الشمالية في إيران وآسيا الصغرى نادر الوجود في الأماكن الجافة الصحراوية كالجزيرة العربية، والأهم من ذلك حتى العرب الفاتحين مع تأثرهم بمن جاورهم من الشعوب، حافظوا على كثير من تنطقيدهم وعاداتهم ونقلوها إلى تلك الشعوب. وكان أكثر القبائل العربية التي شاركت في الفتح من البدوالرحل الذين يقطنون الخيام، وكانت ضرورات الحركة والتنقل تحول دون اصطحاب الأثاث الثقيل الكبير الحجم، وظل استعمال الزرابي والبسط والسجاد والحشيات والوسائد هوالمفضل عندهم إضافة إلى بتر الأثاث الخفيفة السهلة النقل والقابلة للطي وصناديق الثياب.

نموذج صّفة بمسند ظهر عال من الخشب المشبك مطعم بالصدف.
نموذج كرسي من الخشب المحفور مطعم بالصدف بظهر عال ومسندين لليدين.
نموذج كرسي بمسندين لليدين من الخشب المحفور

وبعد الانتنطق إلى وضع الاستقرار والاستيطان ومحاكاة الشعوب المجاورة في طرائق عيشها بدأت تظهر إلى الوجود بتر أثاث معالجة بأساليب مميزة وتتناسب مع متطلبات الدين الإسلامي الذي امتدت رقعته من الصين والهند شرقاً إلى الأندلس والمغرب الأقصى غرباً ومن أنطقيم القفقاس وآسيا الوسطى وصقلية وجنوبي إيطالية وجبال البرانس شمالاً إلى بحر العرب والمحيط الهندي وأواسط إفريقية جنوباً، وبلغ الفن الإسلامي أوج ازدهاره في القرنين السادس والسابع للهجرة، (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين) ثم بدأ يتراجع تحت تأثير النفوذ الغربي ومنتجاته بدءاً من القرن الثامن عشر، ومال الصناع المسلمون إلى تقليد تلك المنتجات تمشياً مع متطلبات عصرهم. ولم تكن مبتكرات أرباب الصنعة المسلمين من معماريين وصناع أثاث وتحف وخزافين ونساجين وزجاجين ومصورين وغيرهم من طراز واحد ولا من نمط واحد مع اختلاف الأنطقيم والعصور وإن تشابهت أشكالها واستعمالاتها وموضوعات زخارفها، لأن الحرف والصناعات الفنية ظلت بعد انتشار الإسلام في يد أهل الأنطقيم المفتوحة، وكان تطورها يسير وفقاً للمؤثرات الإسلامية من دون حتى تفقد صلتها بتراثها المحلي، ويمكن تمييز أنماط الأثاث الإسلامي وطرزه من غيرها بسهولة ويسر على تباين تفصيلاتها وجزئياتها تبعاً للإقليم أوالعصر، فضلاً عن حتى بعض أنواع الأثاث كانت تشتهر وتزدهر صناعتها في إقليم دون سائر الأنطقيم الإسلامية لتوافر المواد الأولية أومهارة أبناء ذلك الإقليم وخبرتهم المتوارثة.

قابلة صندوق خشبي مزخرف ومطعم بالمعجون والعظم (مصر ق3هـ/10م

أما أكثر بتر الأثاث انتشاراً في العالم الإسلامي فكانت المنبر والمحراب والرحل (كرسي المصحف) وكرسي الإمام، وكرسي الأمير والأريكة والسرير والتخت والكرسي ذوالمساند والمقعد والطاولة والمنضدة وصندوق المتاع وعلب الزينة. وكان النوم والجلوس وتناول الطعام يتم عادة على الأرض المفروشة بالطنافس والزرابي الفاخرة والحشيات المطرزة، أوعلى مقاعد طويلة وأرائك وصفات مغطاة بالسجاد، أوأسرة منخفضة وتخوت تغطيها الحشيات والستر، وكانت الأغطية والفرش تكدس في زوايا الغرف أوفي خزائن وصناديق، وكانوا يجعلون في الجدران كوات مستطيلة مفتوحة أوذوات أبواب لرصف الخط والأوراق والتحف والأواني الثمينة (الخطيات). وكان عدد بتر الأثاث قليلاً في القصور والبيوت. وقد عوض المعماريون والنجارون المسلمون عن جمال الأثاث بالتزيين المعماري للغرف وأولوه رعاية كبيرة، فكانوا يغطون الجدران والسقوف والعضادات بألواح خشبية محفورة أومزخرفة وملونة تعد غاية في الروعة والفخامة، ويضيفون إليها حواجز حاجبة مخرمة وشعريات خشبية وأخصاصاً، وأكثرها مطعم بالصدف والعظم وعرق اللؤلؤ والخشب، أومكفت بالفضة والمضى والعاج والأحجار الكريمة. واستخدم الجص الملون في تزيين الجدران الداخلية وكسوتها في كثير من البلدان الإسلامية، وخاصة إيران والعراق والشام، وكانت الزخرفة تقتصر على التزيينات النباتية والهندسية والكتابة العربية، وقد تعتمد أحياناً بعض الأشكال الحيوانية والطيور. إذ من المعروف حتى من أولى ميزات الفنون الإسلامية بعدها عن تصوير الكائنات الحية. وكان الفنان المسلم يهرب من الفراغ وينفر منه، فكان يسرف في استعمال الزخارف لتغطية المساحات والسطوح، ولا يؤمن بحصر الزخرفة في نطاق خاص بها، وقد تطلب ذلك تكرار عناصر الزخرفة إلى درجة تكاد تكون لا متناهية، مع عدم الهجريز على موضوع رئيس فيها, وقد تراكبت هذه العناصر وتمازجت في تشكيل زخرفي رائع الجمال انفرد به الفن العربي الإسلامي واشتهر في العالم كله باسم» «أرابيسك» واستخدمت في إنتاجه أدوات مختلفة، وخاصة المخارط وأدوات التخريق والحفر على الخشب.

صندوق لحفظ أجزاء القرآن الكريم من الخشب المصفح بالنحاس مكفت بالمضى والفضة (مصر ـ العصر المملوكي)
علبة زينة من الخشب المحفور المطعم بالعاج (صقلية ـ ق7هـ/13م)
كرسي طاولة من الخزف المزخرف البارز (الرقة ـق7هـ/13م)

أما أقدم طرز الأثاث الإسلامي فهوالطراز الأموي المتأثر بالأساليب الفنية التي سادت بلاد الشام قبل الفتح كالبابلية - الآشورية والآرامية - السريانية والهلينية والرومانية والمسيحية البيزنطية، ولم يبق من أثاث ذلك العصر إلا ما تذكره المصادر عرضاً. ويأتي بعد ذلك الطراز العباسي في بغداد وسامراء وبلاد العجم، وتبدوفيه المؤثرات الإيرانية إلى جانب المؤثرات الموروثة عن حضارات بلاد الرافدين القديمة وعن الأساليب الهيلينية السلوقية. وقد بلغ هذا الطراز أوجه في القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد)، ثم دب إليه الوهن بضعف الحكومة المركزية وتفرعت عنه طرز مستقلة إلى حد ما مع محافظتها على الطابع الإسلامي ومنها الطراز السلجوقي في النحت والزخرفة والعمارة، وكذلك الطراز المغولي المتأثر بالأساليب الفنية الصينية، والطراز الصفوي. ولقد ظل هذا الطراز هوالغالب في الأنطقيم التي دخلها الإسلام من الهند حتى القرن السادس عشر حين ظهر طراز هندي إسلامي يجمع الخصائص المحلية مع العناصر المستمدة من الطرز السابقة.

صندوق صغير من الخشب المطعم بالعاج (الأندلس ق6هـ/12م)

أما في مصر وبلاد الشام والمغرب فقد سادت طرز فنية في العمارة وصناعة الأثاث مميزة من غيرها، ومنها الطراز الفاطمي الذي ازدهر في مصر والشام وامتد تأثيره إلى صقلية وجنوبي إيطالية، ثم الطراز الأيوبي في مصر والشام وهوفترة انتنطقية من الطراز الفاطمي إلى الطراز المملوكي، الذي استمر من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر، حين سيطر العثمانيون على الشام ومصر سنة 1517 وقضوا على دولة المماليك، وفقدت الشام ومصر استقلالهما ومهرة الصناع فيهما. ومنذ ذلك العصر أصبح الأثاث المنتج في آسيا الصغرى والجزيرة العربية ومصر يعهد بالطراز العثماني، وهوطراز إسلامي مطور عن الطرز السابقة. وقد أضيف إليه صبغ الخشب بألوان مميزة كالأخضر والأزرق والأحمر القانئ والتوشيح باللونين المضىي والفضي، ودخلته المؤثرات الغربية من طرازي الباروك والروكوكو. وظهرت في دمشق منذ القرن التاسع عشر صناعة «الموزاييك» الخشبي لتغطية سطوح بتر الأثاث كالخزائن والصناديق وعلب الزينة والكراسي والأرائك والمقاعد والطاولات وألواح اللعب (النرد والشطرنج).

كرسي خشب في مسجد بدير سانت كاترين (سيناء) يحمل اسم أمير من أمراء الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله (490-524هـ/1097-1130م)

أما في المغرب العربي فقد ظلت الأساليب الفنية القديمة قائمة هناك مع تأثرها بالفن الأموي ثم العباسي منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد).

وبلغ الطراز الأموي في الأندلس ذروته في القرن الخامس للهجرة حتى ليمكن عده طرازاً أموياً غربياً، وقد طور هذا الطراز في عهدي المرابطين والموحدين فعهد بالطراز الأندلسي المغربي وبلغ الأوج في غرناطة (الأندلس) ومراكش (المغرب) في القرن الثامن للهجرة (الرابع عشر الميلادي). وقد احتفظت مراكش وفاس بكثير من عناصر هذا الطراز في حين تسربت المؤثرات الهجرية والأوربية إلى الجزائر وقاومتها تونس زمناً طويلاً محافظة على طابعها المغربي الأصيل.

وكان الطراز الأندلسي المغربي مصدر إلهام للأساليب الفنية الإسبانية التي ازدهرت على يد المدجنين من العرب المسلمين الذين دخلوا في طاعة الإسبان، كما كان مصدر إلهام للجمهوريات الإيطالية قبل عصر النهضة وإبانه. ولا تعني نسبة هذه الطرز إلى الدول التي بسطت سلطانها على هذا الإقليم أوذاك من العالم الإسلامي حتى الطراز المعني بدأ بظهور تلك الدولة وانتهى بانتهائها أوأنه كان محصوراً ضمن حدودها، إذ من غير الممكن تحديد تاريخ ظهور طراز حديث أونهايته كما هوشأن تاريخ الدول، لأن هذه الطرز يتأثر أحدها بالآخر ويتطور بعضها من بعض، فالفصل بينها اصطلاحي، ولا يمكن تبين معالم طراز ما تماماً إلا بعد قيام الدولة المنسوب إليها بزمن كبير.

الأثاث الكلاسيكي القديم

اتفق المؤرخون وفهماء الآثار على إطلاق مصطلح «كلاسيكي» على العصور التي سادت فيها المؤثرات الهلينية - اليونانية (الإغريقية) والرومانية القديمة، وتعد الحضارة الهلينية اليونانية المصدر الرئيس للعلوم والفنون في الحضارة الغربية الحديثة.

كرسي من البرونز من عصر الأتروسكيين (ق4ق.م

أ. الأثاث عند الأتروسكيين: الأتروسكيون [ر] شعب قديم هاجر من مواطنه في آسيا الصغرى واستوطن إيطالية حيث أقام حضارة مميزة وهجر آثاراً عظيمة ترجع إلى ما بين القرن العاشر والقرن الثالث قبل الميلاد. وتبدي النواويس (ج ناووس) الإتروسكية المصنوعة من الطين المشوي صور نساء ورجال يضطجعون على أرائك متطاولة من خشب ذوات قوائم مربعة مدهونة أومطعمة بأشكال تشبه أشجار النخيل والأزهار من معدن ثمين أوأحجار كريمة، وتبدوقائمتا الأريكة من جهة الرأس أطول من القائمتين من جهة القدمين، وقد زخرف رأساهما بعقد مزدوج. كما عثر على شمعدانات طويلة ثلاثية الأرجل، وعلى قواعد ثلاثية الأرجل أيضاً تحمل مراجل من البرونز. وفي متحف اللوفر ناووس مزخرف على قوائم مستطيلة، وكرسي من البرونز من ذلك العهد.

كرسي كليسموس يوناني مع مرقاة للقدمين (حفر على المرمر على شاهدة قبر -ق5ق.م)

ب - الأثاث عند اليونان: اعتاد اليونانيون القدامى في أوائل حضارتهم ممارسة مناشطهم وحياتهم اليومية في العراء وفي الساحات والمباني العامة، أما المنزل فكان للنوم والراحة فقط. وكان المنزل يتألف من عدة غرف تضم أثاثاً قليلاً يتألف من مقاعد وسرر وصناديق للملابس والأواني، وكانت تراعى في تصميم بتر الأثاث النواحي العملية أكثر من النواحي الجمالية. ويعد القرن الخامس قبل الميلاد العصر المضىي لبلاد اليونان، وفيه أنتجت أروع بتر الأثاث التي تنسب إليهم. وقد كان للنقوش والرسوم الجدارية والأواني الزخرفية والنصوص الأدبية اليونانية التي حفظت إلى اليوم الفضل في فهم تفصيلات أكثر عن الأثاث اليوناني ومنها عن الأثاث المصري والسوري القديمين.

استخدم اليونان في صناعة الأثاث الخشب والبرونز والحجر وزينوا بترهم بزخارف من طاقات الأزهار وأوراق الأقنثوس acanthus وأشكال نباتية وحيوانية أخرى، وكان «بسطاء» الناس يقتنون في بيوتهم مقاعد ثلاثية الأرجل وطاولات غير متقنة الصنع، أما أكثر المواطنين ثراء فكانوا يقتنون أرائك من خشب أومرمر مصممة وفق الطراز

نموذج كرسي عرش thronos مدور الظهر مع مسندين لليدين
رسم تخطيطي لكرسي كليسموس يوناني

الأتروسكي فوقها حشيات ووسائد مغلفة بقماش حريري، وتدل الرسوم الموجودة على أواني الأزهار على حتى هذه الأرائك كانت للرجال فقط، يضطجعون فوقها على جنوبهم وتخدمهم النساء. ويتبين من المنحوتات اليونانية ورسوم الأواني وجود أنواع كثيرة من الأثاث القديم، لعل أبرزها الطاولات وصناديق الملابس وعلب الزينة والأرائك والكراسي. وقد طور اليونانيون ثلاثة أنماط من هذه الكراسي هي: الكرسي الملكي (كرسي العرش) Thronos وهوكرسي قائم بذراعين له صفة رسمية ويزين غالباً بأشكال تمثل أبا الهول والغرفين Griffin (حيوان خرافي نصفه نسر ونصفه سبع) والكرسي العادي Klismos وهوأخف من الأول وله قوائم محنية ومسند ظهر عال كثير التقعر.

غرفة عرش من قصر الملك مينوس من مدينة كنوسوس (كريت 1700-1400ق.م)
نموذج أريكة مع مسند رأس من العصر اليوناني

وأما الكرسي الثالث فمقعد مربع Diphros من دون ظهر أومساند له قوائم مخروطة متصالبة أوتصل بينها عوارض، وثمة مقعد مماثل أدق صنعة وقابل للطي يدعى Diphros Okladias. ويمكن القول إذا الأثاث اليوناني تأثر بالأنماط المصرية والرافدية كما يلاحظ من الصناديق المزخرفة بقوائم السباع والطاولات المستديرة المحمولة على ثلاث قوائم غزلانية منحوتة كانت شائعة في اليونان، ويلاحظ هذا التأثير أيضاً في أشكال الأرائك الأولى التي تشبه الأسرة المصرية شكلاً ونمطاً. وكانت قوائمها تشبه قوائم الحيوانات ذوات المخالب أوالحوافر ومزخرفة برسوم محززة أونحت نافر حلزوني. ومنذ القرن السادس قبل الميلاد غدت القوائم بارزة عن قاعدة الأريكة، ثم أصبحت لوحاً في أعلى السرير وآخر عند القدمين أخفض من الأول. وكلاهما مزخرف بنحت نافر يحمل ميداليات برونزية أوتماثيل نصفية لآلهة أوأطفال أورؤوس طيور أوحيوانات.

ج- - الأثاث عند الرومان: اقتبس الرومان أثاثهم عن الإغريق والإتروسكيين والمصريين وشعوب المشرق وطوروه حتى غدا مميزاً خاصاً بهم، وقد أتاحت لهم الثروات التي غنموها من مستعمراتهم العيش بترف والمبالغة في زخرفة بيوتهم وأثاثهم، ونقلوا عن شعوب تلك البلاد الكثير مما كان عندهم، واستخدم الرومان في صناعة أثاثهم الخشب والبرونز والحديد والرخام، وبرع حرفيوهم في الزخرفة والنقش والتصوير والطلي بالمضى وتنزيل المعادن الثمينة والمرمر والعاج وقواقع السلاحف وقشور الخشب وأعمال الفسيفساء. ويدل إسرافهم في هذا المجال على أنهم كانوا يرون في الأثاث امتداداً لفن العمارة والنحت.

جرة يونانية من إتيكة تحمل صورة هرقل على أريكة وأمامه طاولة مستطيلة (510ق.م)
نموذج أريكة من الأثاث الروماني بمسندين
نموذج كرسي عرش (كافدرا) من العصر الروماني

وعلى النقيض من المنزل اليوناني كانت غرف المنزل الروماني مصممة وفق الوظيفة المخصصة لها، فثمة غرف معدة للاستقبال والاحتفالات الرسمية، وغرف أخرى مخصصة للمعيشة اليومية أوالنوم، وتدل السرر والخزائن الجدارية على أنها من المكونات الثابتة في الغرفة، وهذا ما تثبته خرائب بومبي Pompeii وهيركولانيوم Herculaneum في جنوبي إيطالية، وقد عثر في بومبي على فسيفساء جدارية تصور أشكال الأثاث المستعمل في المنازل الرومانية، كما صورت بتر الأثاث على شواهد القبور وحجارة النواويس، وحفظت بعض البتر المصنوعة من المرمر أوالبرونز، لكن جميع بتر الأثاث الخشبية فقدت.

طاولة مستديرة من البرونز المزخرف من العصر الروماني (معبد إيزيس في بومبي قبل 79م)
طاولة مستديرة أومقعد ثلاثي الأرجل على هيئة طائر اللقلق من العصر الروماني (ق2ق.م

ومع حتى الرومان استوحوا أكثر أنماط أثاثهم ممن سبقهم فقد أدخلوا عليها تنويعات مهمة، وابتكروا أنماطاً جديدة. فقد عدلوا شكل الأريكة اليونانية مثلاً بأن أضافوا إليها ظهراً مرتفعاً ومسنداً أومسندين جانبيين مرتفعين، وابتكروا الأريكة النصف دائرية Sigma التي تستعمل في حفلات الترفيه وتتسع لثلاثة أشخاص.

أما الكراسي فقد تنوعت أنماطها وأشكالها، وأكثرها استعمالاً المقاعد المربعة الثابتة من دون ظهر، وقد طور الرومان الكرسي الملكي اليوناني فغدا أصغر حجماً وله مسندان للذراعين وظهر مستدير من بترة واحدة مع المسندين وجلسته مربعة أونصف دائرية وقوائمه على هيئة قوائم الحيوانات، وهوالكرسي المعروف باسم «سوليوم» Solium ومخصص لذوي المكانة الرفيعة. كذلك طور الرومان الكرسي «كليسموس» اليوناني فجعلوه أغلظ بنية وسموه «كاثدرا» Cathedra وصار مخصصاً للنساء أساساً. وثمة كرسي آخر كان مخصصاً للقضاة وأصحاب المناصب يدعى سرج «كورول» Sella Curulis ومقتبس عن اليونان، وهوكرسي قابل للنقل لـه إطار متصالب على شكل X وقوائم محنية وعليه حشية صغيرة مغلفة بالجلد أوبقماش ثمين.

كانت الطاولات الرومانية أكثر تنوعاً من اليونانية، وأكثرها شيوعاً الطاولة المستديرة أوالمستطيلة المحمولة على ثلاث قوائم أوأربع، والطاولة المستديرة أوالمربعة المحمولة على قاعدة واحدة في الوسط. وكانت قوائم الطاولات عموماً على هيئة قوائم الحيوانات أوهيئة حيوانات مجنحة أوطيور، وقد عثر في مصر على طاولة من العصر الروماني من خشب مزخرفة برؤوس إوز رشيقة الأعناق تبرز من حزمة من أوراق الأقنثوس وتحتها قوائم وعل ذوات أظلاف دقيقة الصنع (محفوظة في متحف بروكسل).

ومن أبرز إسهامات الرومان في تطور الأثاث ابتكارهم الخزانة ذات البابين المطورة عن الصناديق المصرية واليونانية، وكانت تصنع من الخشب أوالمعدن المطعم والمزخرف وتستخدم أصلاً لحفظ الدروع والأسلحة فعهدت باسم أرماريوم (armoire) armarium ثم صارت تستعمل لحفظ الأمور الثمينة والنقود والأدوات المنزلية، ولحفظ الخط.

الأثاث الكلاسيكي المتأخر

لم تتغير أنواع الأثاث المتنوعة مع بداية انحطاط رومة في القرنين الثالث والرابع الميلاديين، وتبين الرسوم الجدارية والفسيفسائية كيف من الممكن أن اقتبست الكنيسة المسيحية الكثير من أنواع الأثاث الروماني، فتحول الكرسي الملكي الروماني «كاثدرا» إلى كرسي عرش خاص بأصحاب المقامات الرفيعة في الكنيسة، كما يظهر في كنيسة أفامية في سورية وكرسي مكسيمليان في رافينة وعرش القديس بولس في رومة ويعود تاريخ جميع من هذين الكرسيين إلى القرن السادس الميلادي وهما من البتر الضخمة الغنية بالنقوش والزخارف والمطعمة بالعاج، ومع انتنطق عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية إلى القسطنطينية (330م) بدأت تطغى على الأثاث الروماني التأثيرات الشرقية والهيلينية وكثر استعمال المنسوجات الثمينة والمطرزة في الستائر والأغطية والفرش كما كثر التطعيم والتنزيل والترصيع بالصدف والعاج والأحجار الكريمة، والفرق الواضح والمميز للأثاث البيزنطي من الروماني هوقلة عمق الحفر وشموله جميع سطوح بتر الأثاث.

الأثاث في العصور الوسطى

كرسي عرش الملك داغوبرت الأول

تبدأ العصور الوسطى في أوربة بسقوط رومة (476م) وتمتد حتى بدايات عصر النهضة في إيطالية (القرن الخامس عشر)، ويمكن القول إذا ما بقي من أثاث تلك العصور قليل ونادر، ولكن المخطوطات المصورة والرسوم الجدارية والوثائق التجارية عن تلك الحقبة توضح بعض أنواع الأثاث وأنماطه التي كانت شائعة آنذاك. ويطلق عادة على فن العمارة والأثاث الذي ابتكر في أوربة بعد تنحية آخر الأباطرة الرومان الغربيين رومولوس أوغسطس وحتى العام 1100م اسم الفن الرومانسكي Romanesque المتأثر بالفنون السورية. وقد شهدت أوربة إبان ذلك العصر تبدلات جوهرية نتيجة غزوشعوب همج (الهون والقوط والتيوتون وغيرهم) مما كبح تطورها الحضاري، وانعكس تأثير ذلك على صناعة الأثاث الذي اقتصر استعماله على تلبية أكثر الاحتياجات تواضعاً، وكانت البدائية سمته الغالبة مع استعمال المعدن في خلق بعض البتر كاملة وبحجوم صغيرة وقابلة للطي، وأهم بتر الأثاث الرومانسكي المقعد والخزانة المعدة لأكثر من غرض في آن واحد، فهي خزانة وصندوق وطاولة ومقعد، وتكاد تخلومن الزخرفة باستثناء بعض الأثاث الذي حوته القلاع والقصور ويتميز بألوانه البراقة وألقه، وفي هذا العصر استخدمت القوس المستديرة المستوحاة من الشرق في العمارة. ولم يبق منها سوى بتر قليلة يعود أكثرها إلى زمن متأخر. ولعل سبب ذلك رداءة نوع الخشب وتلفه إضافة إلى حتى بتر الأثاث كانت تصنع بأعداد قليلة نسبياً حتى بداية عصر النهضة.

مع إطلالة القرن الثاني عشر تبدأ حقبة جديدة في فن العمارة وصناعة الأثاث تعهد بالفن القوطي نسبة إلى قبائل القوط الشرقية والغربية التي غزت أوربة، وقد امتدت هذه الحقبة حتى القرن الخامس عشر في إيطالية والقرن السادس عشر في بقية أوربة، ويظهر أثر أسلوب العمارة القوطي في جميع مناشط الحياة الأوربية التي تعود إلى ذلك العصر، ومن أبرز سماته الأقواس المربعة العالية والزخرفة الشجرية على الحجر stone tracery والنوافذ المخرمة المستديرة والزخارف النباتية والحيوانية والإنسانية وشعارات النبالة وتمثيل طيات القماش والستائر المسدلة حفراً على الخشب والحجر والمعدن، وقد انعكس ذلك كله في صناعة الأثاث من تلك الحقبة وخاصة في المناطق الواقعة إلى الشمال من جبال الألب، في حين قاومت إيطالية المؤثرات القوطية، مع أنها خضعت للمؤثرات الإسلامية التي استوحت منها كثيراً من الأشكال النحتية وخاصة القوس المدببة والمستدقة والنصف دائرية.

مقعد ثلاثي في كنيسة سان كليمنتين من الطراز القوطي(إسبانية ق12م)

ولم يكن عامة الناس في أوربة في ذلك العصر يمتلكون من الأثاث إلا ما ندر، ومع حتى قلاع الحكام والنبلاء وكبار رجال الدين وقصورهم وأديرتهم تختلف كثيراً عن مساكن العامة، فإن بتر الأثاث فيها كانت قليلة أيضاً.

ولما كان أصحاب الإقطاعات يملكون أكثر من سكن ولا يملك الواحد فيهم سوى مجموعة أثاث واحدة فقد كانوا يصطحبون معهم جميع ما يمكن حمله عند تنقلهم من منزل إلى آخر، وكانت بتر الأثاث القليلة لا تكاد تكفي أصحاب المنزل، فكان الزائر مضطراً إلى حتى يصحب سريره وكل ما يلزمه من متاع حيثما حل، ولهذه الحقيقة تأثير مزدوج في أثاث ذلك العصر، فقد كانت ثمة ضرورة لمواءمة تصميم بتر الأثاث متطلبات التنقل إلى جانب صعوبة الحصول على أثاث يفيض عن الحاجة. وكانت الكراسي والمقاعد القابلة للطي والطاولات التي ترتكز إلى مناصب والسرر القابلة للفك والهجريب هي المفضلة إضافة إلى صناديق الملابس والمتاع. أما الأثاث الثقيل كموائد الطعام الضخمة والخزائن الكبيرة فكانت تهجر في مكانها. وتستثنى من ذلك بيوت العبادة لأنها كانت تتمتع بضمانات كافية لم تكن تتوافر في أماكن أخرى. وكان أفضل أنواع الأثاث في تلك الحقبة يصمم خصيصاً للكنائس والأديرة التي كثر بناؤها آنذاك، ومن ذلك مقاعد المرتلين والمذبح وكرسي الأسقف ومقاعد المصلين وغيرها، وقد حفظ من ذلك العهد كرسي أسقفي في كنيسة القديس كليمنتين محفوظ في متحف برشلونة (إسبانية) غني بالزخارف المحفورة ويتألف من ثلاث جلسات تفصل بينها حواجز مخرمة في مقدمتها أعمدة تنتهي بعقود نصف دائرية.


ويمكن القول إذا كثيراً من الأفكار والتحسينات التي أدخلت في الأثاث المنزلي فيما بعد مستوحاة من الأثاث الديني العائد إلى ذلك العصر، وأدل مثال على ذلك بتر الأثاث المخصصة للقراءة والكتابة التي اقتبست عن مقاعد المرتلين، وكانت ألواح الخشب الرفيعة والضيقة المجموعة ضمن إطار واحد من التحسينات التي تبناها صناع الأثاث في العصور الوسطى من أجل تصميم السطوح المتسعة، بعد حتى كانت تستعمل لهذه الغاية الألواح الكبيرة السميكة من بترة واحدة قابلة للتشقق والانكسار.

كانت الضخامة سمة مميزة للأثاث القوطي عامة، وكان شكله مستطيلاً ويزود بأطواق ومفصلات معدنية كبيرة الحجم ومقابض للتقوية والزينة، وكان السرير غنياً بزخارفه المحفورة والنافرة وتحيط به ظلة وستائر، أما الكراسي فكانت قليلة جداً ويرمز استعمالها إلى حملة المكانة والسلطان، وحتى البيوت الكبيرة لم تكن تفرش بأكثر من كرسيين اثنين أحدهما لرب الأسرة والآخر للزوجة، وربما عثر كرسي ثالث للضيوف من ذوي الشأن.

صندوق مطعم بالمعادن على هيئة الحلزون (فرنسة ق13-14م)

ولعل تعبير «صاحب الكرسي» الانكليزية chair man (الرئيس) المستعملة اليوم مقتبسة من ذلك العصر، أما قاطنوالمنزل الآخرون فكانوا يجلسون على مقاعد طويلة من غير مسند للظهر، أوعلى كراسي ليس لها مساند، أوعلى الصناديق المعدة سطوحها لهذه الغاية، وكانت الكراسي تصنع أول الأمر من عصي مخروطة مغزلية الشكل، ثم شاع استعمال الكراسي المتصالبة القابلة للطي على شكل X من الخشب أوالمعدن، وكانت جلسة الكرسي ومسند ظهره يصنعان من شريط قماشي أومن الجلد المتين، وظهر بعد ذلك نمط حديث من الكراسي الثقيلة مطور عن الصندوق وجلسته متحركة تتيح استعمال أرضية الصندوق لحفظ الأمور. أما مساند اليدين والظهر وكذلك قاعدة الكرسي فكانت تتألف من ألواح خشبية مزخرفة بالأسلوب القوطي، وكان الظهر مرتفعاً إلى درجة مبالغ فيها، وقد ينتهي بظلة غنية بالزخارف أويثبت إلى الجدار كما هوالحال في الكنائس.


رير بظلة (فرنسة ـ نهاية ق15م)

وكانت الصناديق منوعة الأشكال وتعد أبرز بتر الأثاث، فهي تستعمل لحفظ الأمور الخاصة والمنزلية ولحفظ الثياب وللجلوس عليها كما تستعمل موائد للطعام، وأضيف إليها في القرن الخامس عشر أرجل أوقوائم أوقواعد ترتفع عن الأرض، ثم صارت لها أبواب أمامية أوجانبية فتحولت إلى خزائن متعددة الأغراض أوخزائن خاصة ومنها خزائن الملابس وخزائن الأواني المنزلية buffet، وطور بعضها ليصبح خواناً لحفظ الطعام، وكانت الصناديق تصنع من ألواح الخشب الكبيرة المزينة بحفر غير عميق نافر أوغائر وأكثره شيوعاً الشكل المعروف باسم «طية الكتان» linenfold الذي يشبه القماش المطوي وقد انتشر هذا النوع من الزخرفة وغيره من الزخارف القوطية في شمالي فرنسة والفلاندر والأراضي المنخفضة وألمانية واسكندنافية وإنكلترة ولكل منها خصائصها. وكانت أكثر بتر الأثاث الفاخرة في هذا القرن تطلى بالطلاء أوتوشى بالمضى، كما كان بعضها يزين بقماش ثمين مثنى زاهي الألوان أويزود بحشيات ووسائد، وقد استمر هذا التقليد حتى عصر النهضة.

الأثاث في عصر النهضة الأوربية

استلهم عصر النهضة، الذي بدأ ظهوره في إيطالية منذ القرن الخامس عشر، عناصره من الفنون الكلاسيكية اليونانية والرومانية التي كانت آثارها تملأ شوارع رومة والمدن الإيطالية الأخرى، وقد استمد المعماريون والحرفيون من تلك الآثار مبادئ التصميم والتناسب والتناسق بين العناصر المعمارية وانعكس ذلك على صناعة الأثاث في أوربة كلها.

1- في إيطالية: كان للتبدلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المهمة التي شهدتها إيطالية في ذلك القرن أثر كبير في تبدل مفاهيم كثيرة. وأدى النشاط التجاري المتزايد إلى نموعدد من المدن الإيطالية المهمة نمواً سريعاً فتضخمت ثرواتها وارتفع عدد الأثرياء فيها وظهرت فيها أسر حاكمة قوية نافست الكنيسة بثرواتها ونفوذها ورعايتها للفنون، كما نافستها في بناء القصور الفخمة واقتناء الأثاث الفاخر الذي بلغ درجة من الترف لم يبلغها أثاث آخر في العصور السابقة. ومع حتى الانتنطق من أثاث العصور الوسطى إلى أثاث عصر النهضة تم تدريجياً، فإن حرفيي عصر النهضة الإيطاليين بذلوا جهوداً كبيرة حتى توصلوا إلى إعطاء بتر الأثاث مظهرها المتناسق وخطوطها الدقيقة، وظهرت أولى علامات التغيير في تزيينات الأثاث.

ومع حتى الأشكال المعمارية بقيت مفضلة في زخارف الأثاث المحفورة كما كانت في العهد القوطي فقد تبدلت موضوعاتها، وصارت تضم الأعمدة والقوصرات والأقواس وأشكالاً معمارية أخرى كتلك التي تشاهد في خرائب الآثار اليونانية والرومانية، أوتستلهم من الموضوعات الشعبية الأسطورية المجردة الموروثة من العهود الكلاسيكية كأبي الهول والغرفين والساتير satyr إضافة إلى الزخرفة العربية والحلية الدرجية scrolls وأوراق الأقنثوس والأطفال الملائكة وآلهة الحب (كيوبيد) والتماثيل الحاملة caryatid التي تقوم مقام الأعمدة.

صوان متطاول من عصر النهضة، من الخشب المغشى بالمضى ورسوم فنية (فلورنسة ق15م)

وكانت زخارف الأثاث في بدء عصر النهضة محدودة وقليلة العمق جميلة التفاصيل، ثم ازدادت غنى مع مضي الزمن، وشاع معها التطعيم بالأخشاب الثمينة الملونة وبالعاج وبالأحجار الكريمة، ومنذ أواخر القرن الخامس عشر استخدم الجبس الممزوج بالغراء مادة متممة في الزخرفة النافرة والملونة. وأكثر الخشب استعمالاً في أثاث عصر النهضة خشب الجوز. وكانت البتر الكبيرة من الأثاث ترتكز إلى قواعد واطئة وتسند إلى الجدار عادة. وأجمل الأثاث ما كان يخصص لغرف النوم في القصور إذ لم تكن تلك الغرف مخصصة للنوم فقط بل كانت تستعمل للقاءات الحميمة ولاستقبال الأصدقاء والزائرين، وكان السرير يزود في زواياه بأعمدة مزخرفة وتعلوه ظلة فخمة وتحيط به من الجانبين أصونة متطاولة تسمى كاسون Cassone أو«صندوق الزواج» مطورة عن الصناديق المعروفة في العصور الوسطى. وكان الصوان منها يزخرف عادة بأفاريز محفورة ومدهونة أومطعمة.

أما موضوعات زخارفها فتشتمل على مشاهد من احتفالات الأعراس ومن الأساطير الكلاسيكية. وكثيراً ما كان ينفذ هذه الزخارف فنانون مشهورون، ويعد ما بقي منها إلى اليوم تحفاً فنية لا مثيل لها. وهناك نمط آخر مطور عن الصندوق أيضاً يسمى «ردنزا» Redenza وهوخزانة مرتفعة ذات أبواب ودروج وتستعمل لحفظ الملابس والبياضات وأطباق الطعام والفضيات.

كذلك تنوعت الكراسي في عصر النهضة، فمنها الكرسي الكبير المسمى «سيديا» Sedia وهوكرسي ثقيل متطاول بذراعين يشبه كرسي العرش مقعده منجد ومغلف بالجلد أوالمخمل. وهناك كرسي يدعى سافونارولا Savonarola وآخر يدعى دانتي Dante ولكل منهما ذراعان. وهما من الكراسي المعدة للاستعمال المنزلي ويتصفان برشاقة خطوطهما المنحنية وأطرهما المتقاطعة التي تشبه الكراسي القابلة للطي التي شاعت في العصر السابق، وثمة كرسي آخر خفيف يعهد باسم ساغابلوSagabello على قاعدة تشبه الصندوق وظهر مرتفع ضيق نقش عليه شعار نبالة أوموضوع كلاسيكي ورصع بالعاج.

صوان من عصر النهضة من خشب الجوز المحفور مع زخارف وحفر بارز كلاسيكي مستوحى من النواويس الرومانية (شمالي إيطالية ق16م)

وفي القرن السادس عشر بدأ «الموزاييك» الخشبي والتطعيم بالخشب والترصيع بالعاج يزاحم الحفر النافر في تقنيات صناعة الأثاث الإيطالي. كما أصبح التنجيد بالجلد والمخمل أوبأقمشة مرقشة بالرسوم أوغيرها هوالسائد. ومن مبتكرات عصر النهضة أيضاً الطاولة المنزلقة (التي يمكن زيادة طولها) والمخطة الطويلة المزدوجة المزودة بغطاء متحرك يفتح إلى أسفل ولها أدراج وحجيرات متعددة.

2- في إسبانيا: اختصت إسبانية بنوع من الأثاث عهد باسم «مادخار» Madejar متأثر بالأسلوب المغربي العربي مع بقاء الظهر أوربياً إلا حتى زخارفه شرقية الطابع.

وقد اقتبست إسبانية عن إيطالية الكثير من أنماط أثاث عصر النهضة وطورتها محلياً منذ القرن السادس عشر فاتىت أشكال الأثاث الإسباني بسيطة المظهر متينة مستقيمة الخطوط قليلة التفاصيل والزخارف مدعمة بأربطة من الحديد المضغوط. وكانت الطاولات والمقاعد والكراسي والصناديق تقوى بالحديد المشغول وتزين به، كما كان للسرر غالباً أعمدة من حديد ومساند من جهة الرأس مزينة بمسامير ذات طبقات تزيينية. وفي الأثاث الإسباني أثر واضح للفن الإسلامي يظهر جلياً في الأشكال الهندسية المعقدة والزخارف الزهرية المطعمة بالعظم وعرق اللؤلؤ والمعدن.وقد شاع في إسبانية استعمال الجلد المزخرف على نطاق واسع، ويعد الإسبان أول من استخدم خشب الماهوني (ماهوغاني Mahogani) في صناعة الأثاث الغربي. ولكن أخشاب الجوز والسنديان والزيتون كانت أكثر شيوعاً، وأكثر بتر الأثاث الإسباني شهرة خزانة تسمى «فارغوينو» Vargueno تستعمل لحفظ الأمور الثمينة. ولها باب من خشب يفتح إلى أسفل ليستعمل طاولة للكتابة وخلف الباب حجيرات وكوات صغيرة مطعمة ومزخرفة بالنقش والرسم.


3- في فرنسا: كانت صناعة الأثاث الفرنسية أول من تأثر بعصر النهضة الإيطالي. فقط أولع لويس الثاني عشر (1462-1515) بمظهر الأثاث الإيطالي إبان زياراته المتكررة إلى إيطالية فاصطحب معه عدداً من الحرفيين الإيطاليين، وكذلك عمل كثير من أفراد حاشيته، ويمكن تقسيم أثاث عصر النهضة الفرنسي إلى مرحلتين، كانت الفترة الأولى منهما فترة انتنطق واقتباس. ففي عهد لويس الثاني عشر والقسم الأول من عهد فرانسوا الأول (1515-1547) كانت بتر الأثاث قوطية الشكل عموماً أما تزييناتها فمختلطة تجمع بين الزخارف القوطية وتماثيل آلهة الحب والزخارف الأخرى التي اتى بها عصر النهضة - وأما الفترة الثانية فتبدأ من أواخر عهد فرانسوا الأول عندما حل الأسلوب الجديد محل الأسلوب القوطي نهائياً، وتخلت أشكال الزخرفة العربية arabesque المفعمة بالحيوية عن مكانتها إلى العناصر المعمارية الجديدة بعد حتى كانت قد شاعت في أوائل عصر النهضة، وغلب خشب الجوز والأبنوس على السنديان. وهجرزت صناعة الأثاث في فرنسة في هذه الفترة في فونتنبلوالتي أنزل فيها فرانسوا الأول حرفييه الإيطاليين، وكذلك في إيل دي فرانس وبرغندي.

اتصف الأثاث الفرنسي في القرن السادس عشر بأناقته ورشاقته وغناه بالتزيينات وخاصة التطعيم بصفائح المرمر المشكلة والأحجار النادرة والترصيع marquetry بالعاج وعرق اللؤلؤ والأخشاب الملونة الثمينة. وصار الكرسي أخف وزناً وأرشق مظهراً، ومسند الظهر فيه ضيقاً وحل محل المساند الجانبية والقاعدة المصنوعة من ألواح الخشب ذراعان مخروطان ومزخرفان بالحفر، وأما قوائم الكرسي فربطت مع القاعدة بعوارض.وظهر إلى الوجود كرسي خاص سمي «كرسي الهمس» أوالنميمة Caquetoire منخفض المقعد عالي الظهر ضيقه محني الذراعين ينطق إنه صمم لجلوس السيدات وتبادل الأحاديث الحميمة.

أما الطاولات فقد كانت متطاولة أنيقة المظهر محمولة على كتيفات مزخرفة consoles أوأعمدة مخددة يربط بينها عوارض وتتوجها أعمدة وقناطر. وأما الصناديق المزخرفة بالأسلوب الجديد فقد ظلت مستعملة على نطاق واسع، وقد تكون الخزائن العالية بديلاً عنها، وكانت هذه الخزائن تصنع أحياناً من طابقين يضم العلوي منهما عدداً كبيراً من الأدراج الصغيرة.

4- في الأراضي المنخفضة وألمانيا:

تبنى مصمموالشمال الأوربي في القرن السادس عشر زخارف عصر النهضة الإيطالي ونقلوها إلى بلادهم وطوروها حتى تحولت إلى نمط مستقل بذاته وخاصة في شمالي ألمانية والأراضي المنخفضة، وتميزت بتر الأثاث في هذه المناطق من غيرها بالحلية الشريطية المتداخلة أوالمطوية وبالأطر المزخرفة والأقنعة المٌنزَّل فيها الخشب، وكان الفنانون الألمان والفلمنغ يتبادلون فيما بينهم «كتالوغات» مصورة تحمل هذه الزخارف، وتأثر بها المعدنون والنحاتون والفنانون التشكيليون وصانعوالأثاث في المناطق الشمالية. ومن أبرز مصنوعاتهم طاولة ثقيلة من خشب السنديان بأرجل وعوارض ضخمة. وهي قابلة للإطالة أحياناً drawtable. كذلك كان السرير ثقيلاً مزيناً بستائر كثيفة لتوفير العزلة، إذ إنه قد يوضع في أي غرفة من غرف المنزل. أما الكراسي فالغالب فيها الكرسي الخشبي القابل للطي والمقعد المنخفض المخروط القوائم، بالإضافة إلى نمط حديث من الكراسي بقواعد ومساند تشبه «الدرابزين» أوالعمود الملتف، وظهرها قائم مرتفع.

5- في إنكلترا: لم يكن لعصر النهضة الإيطالي تأثير مباشر في إنكلترة حتى العام 1520 سواء من ناحية التصميم أوالزخرفة. ولكن فترة تطوير متدرج من الأسلوب القوطي شهدتها إنكلترة متأثرة في أول الأمر بالأسلوب الإيطالي ثم بأسلوب الأراضي المنخفضة اعتباراً من منتصف القرن السادس عشر، فقد ظل الأثاث في بدايات ذلك القرن قوطي الشكل ثم بدأت تطغى عليه ملامح الزخرفة الإيطالية شيئاً فشيئاً، وثمة بتر كثيرة من عصر النهضة الإنكليزي المبكر تجمع بين الألواح الخشبية الثقيلة المزينة بطيات على شكل القماش والرؤوس المنحوتة على هيئة ميداليات وآلهة الحب (الكيوبيدات)، ولكن منذ منتصف ذلك القرن، حلت محلها زخارف وأشكال جديدة، وخف تأثير الفن الإيطالي المباشر ليحل محله تأثير الأراضي المنخفضة عن طريق الخط المصورة وهجرة الفنانين والمصممين من تلك المناطق إلى إنكلترة، وعن طريق استيراد بتر الأثاث المصنعة في ألمانية والأراضي المنخفضة، وليتحول هذا الأسلوب في خاتمة المطاف إلى أسلوب إنكليزي منفرد، وأهم مميزاته وفرة أعمال الحفر المتموج والخراطة والتطعيم والطلي التي تغطي جميع جزء من سطوح بتر الأثاث، وهي الصفة الغالبة على عصر النهضة الإنكليزي. وفي عهد الملكة إليزابيث الأولى (1558-1603) ارتفع مستوى الرفاه لدى الشعب الإنكليزي ارتفاعاً كبيراً في المنزل وخارجه، فتحسنت صناعة الأثاث وازدادت تنوعاً. وظهرت البدايات التجريبية للأثاث المنجد، وهناك سلسلة من الصناديق المطعمة التي تحمل مشاهد معمارية اصطلح على تسميتها «الصناديق الفريدة من نوعها» none such chests كانت تستورد من ألمانية أويتولى صنعها حرفيون ألمان في إنكلترة. وقد كان لهذه الصناديق أثرها في إحكام تقنيات التطعيم التي طبقت في نهاية القرن السادس عشر على جميع أنماط الأثاث.

تعليق

وبغض النظر عن هذا التحول في الزخرفة فقد شهدت إنكلترة تبدلات كثيرة في تصميم بعض أنماط الأثاث في القرن السادس عشر، إذ شاع استعمال الكراسي، مع حتى المقاعد الخالية من المساند ظلت وسيلة الجلوس الأساسية حتى في قصور الملكة إليزابيث الأولى وجرى تطوير كرسي حديث من الكرسي الصندوقي فغدت مساند اليدين والقوائم فيه مخروطة خالية من الألواح التي تسدها، في حين ظلت مساند الظهر في الكراسي لوحية ومزخرفة بالحفر والتطعيم، كذلك كانت الكراسي القابلة للطي بأشكالها المتنوعة شائعة الاستعمال. وفي أوائل القرن السابع عشر أحدث كرسي حديث منجد منخفض الظهر عريض المقعد ومن دون ذراعين سمي الكرسي المنتفخ farthingale chair لأنه يناسب «التنانير» العريضة المنتفخة التي كانت ترتديها النساء آنذاك. وكان القماش المستعمل غالباً من المخمل أومن المطرزات الشرقية.


وأما السرير فكان في أوائل القرن السادس عشر مرتفع الجانب الأيسر غنياً بالزخارف المحفورة وأكثر موضوعاتها تنزيل الخشب الثمين فيها والتماثيل الحاملة والزخرفة الشريطية والبصلية والنادىمات المخروطة والمقنطرة والعقود المتنوعة.

وأما الطاولات فقد حلت الطاولة الخفيفة Joyned Table محل الطاولة القوطية الثقيلة، وغدا ترسها مثبتاً بالإطار، كما أدخلت إلى إنكلترة الطاولات المنزلقة القابلة للإطالة بسحب لوحين مخفيين تحت الترس العلوي، وكانت قوائم الطاولات وجوانبها تزخرف بالحفر والتطعيم. كذلك أدخلت إلى البلاد في العهد اليعقوبي أنماط مختلفة من الخزائن وأغلبها من طابقين كما أدخل بدءاً من العام 1620 نوع حديث من الصناديق البسيطة المزودة بأدراج.

الأثاث في عصر الباروك

ساد القرن السابع عشر أسلوب حديث في الفن والعمارة هوفن الباروك [ر] وقد هجر بصماته الواضحة على تصميم الأثاث في أوربة الغربية كلها، فغدت الخزائن والممحرر والخطيات الكبيرة شائعة وزودت جمعيها بأعمدة ملتفة وقوصرات منكسرة وحليات كبيرة، وازدادت العناية بالتفاصيل الزخرفية حتى ضمت جميع جزء من التصميم الكلي للبترة في حركة متناغمة وتناسق تام، وقد تبنت الأراضي المنخفضة أسلوب الباروك منذ عشرينات القرن السابع عشر، وشرعت ألمانية وإنكلترة في تطويره متأخرتين، وهومدين للمؤثرات الشرقية التي اكتسحت أوربة كلها في ذلك القرن حين أقامت الدول البحرية الأوربية، ولاسيما البرتغال وهولندة وإنكلترة، علاقات تجارية منتظمة مع الهند والشرق الأقصى، ولم ينصرم القرن السابع عشر حتى كانت تقنيات الزخرفة الشرقية قد انتقلت إلى أوربة وتأصلت فيها، ومال الحرفيون إلى استعمال الأخشاب المدارية الثمينة والثقيلة، وإلى تقليد الأسلوب الصيني خاصة والشرقي عامة في الزخرفة. ويرجع تاريخ أولى بتر الأثاث التي حملت ملامح أسلوب الباروك في الأراضي المنخفضة (الفلمنغ) إلى الربع الثاني من القرن السابع عشر، وأكثرها شيوعاً صوان الملابس المصنوع من خشب السنديان والمزود بأربعة أبواب، والكرسي المنجد الظهر والمقعد بالمخمل أوالجلد المثبت بالمسامير. ويمكن تمييز الأثاث الهولندي من الفلمنغي بوجود حواف مقولبة فوق الزخارف المحفورة إلى جانب مظهره المبسط. وقد شاع بعد ذلك استخدام الزخرفة بالتطعيم وكسوة السطوح بقشر خشب الجوز والطلاء باللك. أما إيطالية فقد تأخرت في تطبيق أسلوب الباروك على الأثاث حتى منتصف القرن السابع عشر مع أنها كانت من السابقين إلى استخدامه في العمارة والتصوير والنحت. وقد أنتجت إيطالية بتر أثاث محفورة ومطلية ومرسومة بأسلوب متماوج، ومزخرفة بموضوعات تقليدية كآلهة الحب وورق الأقنثوس والصدف واللفائف المتغضنة، كما أنتجت كراسي ومقاعد منجدة ومغلفة بالمخمل المبتر الملون، وطاولات سطوحها من المرمر أوالفسيفساء Pietra dura وخزائن ومخطات أنيقة من خشب الجوز والأبنوس تعلوها قوصرات وأفاريز وزوايا مزخرفة بالحفر أومطعمة بالمرمر أوالفسيفساء في قوالب.

نماذج أثاث من الطراز اليعقوبي (إنكلترة) مطور عن الأسلوب الإليزابيتي بخطوطه المستقيمة من الخشب الثقيل المزخرف بالحفر وقوائم مخروطة وتنجيد فاخر

وقد تمثل الفرنسيون التأثيرات الإيطالية إبان القرن السابع عشر تدريجياً، وبدأ يظهر لديهم أسلوب محلي متميز سرعان ما مدَّ تأثيره إلى البلدان المجاورة. وكان عهد الملك لويس الثالث عشر الذي ضم النصف الأول من القرن السابع عشر فترة انتنطقية، وقام لويس الرابع عشر (1643-1715) بعده بتأسيس معمل الغوبلان Gobelin (1663) لإنتاج الأثاث الفاخر من أجل فرش القصور الملكية والمباني العامة.

غرفة نوم من طراز الباروك (البندقية نحو1718)

وكان الأثاث يكسى عموماً بقشر الخشب المستورد أوقواقع السلاحف وينزل فيه النحاس والبيوتر Pewter (أشابة معدنية أساسها القصدير) والعاج وتموه كلها، وقد تغشى أحياناً بالمضى أوالفضة النافرة، كما استخدمت في خلق الأثاث الأخشاب الثمينة المتعددة الألوان. وقد اشتهر فنانون فرنسيون كثيرون بإتقانهم هذه الصنعة وأضافوا إليها لمسات تخصهم حتى اقترنت بأسمائهم، ومنهم شارل لوبْرَنْ Charles le Brun رئيس الغوبلان (1663) وأندريه شارل بول Andre Charles Boulle الذي كانت الخزائن والمخطات التي يصممها تغطى كلية بقواقع السلاحف وزخارف النحاس المنزل فيها بأشكال معقدة وأسلوب بارع، فكانت القواقع تشكل مع النحاس الأرضية والنموذج الزخرفي بالتناوب، وهوما عهد عند أصحاب الصنعة بأسلوب بول، ومن مستحدثات هذا العصر في فرنسة الحشية الإضافية فوق الجلسة المنجدة في المقاعد والكراسي.

أما إنكلترا فلم تعهد أسلوب الباروك إلا بعد عودة الملكية Restoration (1660م) وشهدت البلاد منذئذ تطوراً كبيراً في صناعة الأثاث الإنكليزي بتشجيع من الملك ورجال الحاشية العائدين من المنفى ومعهم عشرات المهنيين من الفرنسيين والهولنديين، فصار الأثاث أخف وزناً وأتقن صنعة وأكثر تلاؤماً مع متطلبات الزبائن، وكان خشب الجوز يحتل المكانة الأولى مع استمرار استعمال خشب البلوط والسنديان في المقاطعات الريفية لأجيال عدة، وطبقت أساليب جديدة في تلبيس السطوح الكبيرة بألواح رقيقة من الخشب مزينة بنماذج زهرية مرصعة بأسلوب الماركتري Marquetry، وكانت كبيرة مبسطة في بادئ الأمر ثم صارت تميل إلى الصغر والتعقيد حتى انتهت إلى طراز خاص من هذه الزخارف المرصعة المكونة من لفائف صغيرة كثيرة عهدت باسم «ماركتري طحالب البحر» Seaweed marquetry. كذلك ظهر الميل إلى تلوين الأثاث وصبغه باللك تقليداً للأثاث الشرقي المستورد من الصين واليابان. وكلف به الناس حتى صار يعهد بالأسلوب الإنكليزي - الياباني (كان تقليد الطلي باللك الشرقي في إنكلترا ينسب إلى اليابان). وبدأت تخرج إلى

الوجود أشكال جديدة من الأثاث منها: السرير النهاري، وهونوع من الأرائك يمكن تعديل شكل نهايته، والكرسي المجنح، والكرسي المغلف ذوالمساند الذي أطلق عليه في القرن السابع عشر اسم كرسي النوم Sleeping Chair، ثم «الصوفا» Sofa (الصفة) التي ظهرت في أواخر القرن المذكور ولها ظهر ومساند لليدين توفر مزيداً من الراحة. وكان المخمل والحرير والقماش المطرز المواد المفضلة في التغليف. كذلك تطورت نماذج مختلفة من الأثاث المعد للممحرر منها المخط الذي يضم مقعداً وتقسيمات داخلية وأدراجاً صغيرة، وعم استخدام الصناديق ذوات الأدراج، ولم تعد المرايا من الأمور النادرة، وكانت أطرها تزخرف غالباً بالحفر أوالترصيع وتطلى باللك. أما الأسرة فقد ازدادت ارتفاعاً وسعة وغلف ظهرها وظلتها وأطرافها بالقماش الفاخر، وجعلت لها أفاريز مقبولة أعطيت شكل ريش النعام أوآنية الأزهار عند زوايا الظلة. وفي أواخر القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر شاع في إنكلترة خلق الأثاث المحفور المموه بالمضى من طراز لويس الرابع عشر، ومال المصممون والصناع إلى التخفيف من الزخارف والتعقيد الذي تميز به أثاث عصر الباروك. وفي عهد الملكة آن ظهر طراز حديث في صناعة الأثاث الإنكليزي متأثر بالأثاث الهولندي، وتميز من سابقيه باختصار أعمال الحفر والزخرفة إلى الحد الأدنى، مع العناية بجمال البترة بالاعتماد على دقة الخطوط المنحنية ولون قشر خشب الجوز ورشاقة القوائم المحنية التي تشبه قوائم الحيوانات وتنتهي بمخالب فوق كرة أوبأظلاف مع الاستغناء عن العوارض بينها، وصار للكرسي ظهر مطوّق قائم وسناد طويل يشبه آلة الكمان، ومال الناس إلى اقتناء الخزائن العالية والممحرر المزودة بالرفوف والصناديق المزدوجة ذوات الأدراج و«البيرويات» Bureaus ذوات الطابقين لمواءمتها لمتطلباتهم، كما ظهرت طرز جديدة من طاولات المائدة واللعب وغيرها.

وفي أمريكا كان الأثاث الشائع بادئ ذي بدء في جميع مستعمرة من المستعمرات الأمريكية متطابقاً مع ما اعتاده سكان تلك المستعمرة في مواطنهم الأصلية. وبسبب توافر مواد جديدة في تلك البلاد إضافة إلى تأخر وصول الأنماط المستجدة من الأثاث الأوربي بدأت تظهر في أمريكة أساليب وأنماط من الأثاث لا رابط بينها، وتشير الدلائل المتوافرة من بدايات القرن السابع عشر إلى وجود أشكال مبسطة من المقاعد والأنضاد والطاولات والخزائن والقليل من الكراسي وأكثرها مصنوع من السنديان وفق النمط الإليزابيثي وقليل الزخارف وبلون التراب.


ومع نهاية ذلك القرن شاع استعمال خشب الصنوبر والقيقب maple وغيرهما. ولما كان المستوطنون الهولنديون والاسكندنافيون قد جلبوا معهم بعض الأثاث الفردي من بلادهم، فقد ظهر في أمريكة في نهاية القرن السابع عشر طراز من الأثاث المختلط يجمع بين تأثيرات الدُّرجة mode الفرنسية والهولندية وطراز الملك جيمس ستيورات المتأخر، ومنذ ذلك الحين بدأت المستعمرات تتابع آخر ما ظهر من دُرجات، مع حتى البيت العادي الأمريكي ظل محافظاً على الأثاث التقليدي المأخوذ من العصور الوسطى. فاستبدل بالصندوق العادي الصندوق ذوالأدراج الذي كان يوضع عادة على منصب خشبي قوائمه مخروطة. وحلت الكراسي محل المقاعد والأنضاد، وظهر سرير القيلولة المنجد والطاولة القابلة للطي وخزانة الخط وخزانة الأواني، واستخدم اللون بدلاً من الحفر في تزيين البتر بالدهان وقشر الخشب والتطعيم بالأخشاب المتباينة الألوان أحياناً والمعادن أحياناً أخرى، ورافق ذلك استخدام القوائم المحنية (المقوسة) إلى الأمام أوالخلف في أكثر تلك البتر، وكانت في بادئ الأمر تزخرف بحفر قليل ثم غدت السمة الرئيسية في بتر الأثاث الموسومة بطراز الملكة آن Queen Ann Style وظلت سائدة في المستعمرات الأمريكية حتى الثورة الأمريكية.

القرن الثامن عشر وعصر الروكوكو

شهد القرن الثامن عشر ظهور عدة أنماط من الأثاث الغربي وكانت الريادة فيه لفرنسة وإنكلترة. بيد حتى المؤثرات الفرنسية كانت هي الغالبة طوال ذلك القرن وخاصة الأسلوب الجديد الذي انطلق من فرنسة وأطلق عليه اسم «الروكوكو» Rococo وهواسم مركب من حدثتين فرنسيتين Rocailles (الرصف بالحصى) وCoquille (الصدفة) ويقصد به تواتر استعمال هذين الموضوعين وأشباههما في تزيين الأثاث إضافة إلى موضوعات الأزهار والطيور واللفائف وأوراق النباتات والشرائط في خطوط منحنية لا متناهية، وقد يضاف إليها موضوعات أخرى مثل رسوم الحمام والكيوبيدات (آلهة الحب) والرعاة والساتيرات (آلهة اللذة عند الإغريق) والأشكال الرمزية الأخرى. وهناك أيضاً تصاميم من نمط الروكوكومستوحاة من موضوعات صينية ومن أشكال القرود اللاهية Singeries، وكل هذه الموضوعات كانت تنفذ بالحفر والتطعيم والترصيع والطلي باللك الملون وبالإضافات المزخرفة من النحاس الممضى وغيره من دون اعتبار لنوع بترة الأثاث وشكلها.

نماذج أثاث من طراز الروكوكو(لويس الخامس عشر)

وكان ظهور أسلوب الروكوكوفي فرنسة متدرجاً إثر فترة انتنطقية قصيرة سميت أسلوب عهد الوصاية Regency. فبعد وفاة الملك لويس الرابع عشر عام 1715م جلس على العرش في فرنسة حفيده الصغير السن لويس الخامس عشر يرعاه وصي هوفيليب الثاني دوق أورليان، واستمر الأمر على هذه الحال حتى العام 1723 عندما بلغ لويس سن الرشد، وفي عهد الوصاية هذا تبدل مظهر الأثاث من الشكل المربع الفخم بخطوطه المستقيمة الذي تبناه لويس الرابع عشر إلى أشكال أكثر ليونة ورشاقة. ومع حتى حجوم بتر الأثاث ظلت كبيرة وغنية بالزخارف فإن خطوطها غدت أكثر انحناءً وتناسقاً وانسياباً، وصارت البتر أخف وزناً وأقل تناظراً، وحلت الأخشاب الخفيفة محل خشب السنديان والجوز، واستخدمت في كسوتها قشور الخشب الفاتحة الألوان. ومن أبرز صناع الأثاث الذين أسهموا في رسم تصميمات عهد الوصاية شارل كرسن Charles Cressent الذي احتلت الإضافات المزخرفة من النحاس الممضى ormolu مكانة مهمة في أعماله حتى إنها زاحمت «الترصيع» بالخشب الملون والأبنوس. أما السمة الرئيسية لأثاث عهد الوصاية والروكوكوفكانت سيطرة الخطوط المنحنية على أشكال البتر وزخارفها، ولم تقتصر الانحناءات على الأجزاء الخارجية من البترة كالمساند والقوائم بل تعدتها إلى جميع أجزاء البترة، فلا يجد الناظر إليها أي خط مستقيم، ومن أشهر بتر الأثاث التي تحمل هذه السمات الصوان المقبب ذوالأدراج Bombe Commode الذي ظهر أول مرة في عهد الوصاية.

تغلَّب أسلوب الركوكوالمطور عن أسلوب الوصاية بالتدريج على صناعة الأثاث الفرنسي بدءاً من العام 1735 واستمر حتى العام 1765، ومن أشهر المصممين الفرنسيين في هذا المجال جوست ميسونيه Juste Meissonier وهوصائغ ونحات ومعمار عمل في خدمة لويس الخامس عشر وكذلك جان فرانسوا أوبن Jean- Francois Oeben الذي عين «صانع أثاث الملك» عام 1754، وكان أشهر صانع أثاث في تلك الحقبة.

كرسي بذراعين منجد طراز لويس الخامس عشر مغلف بسجاد مصور

ومن أبرز سمات هذه الفترة حتى استبدل بالأثاث الضخم أثاث أصغر حجماً يتناسب مع التوزيع المعماري الداخلي الجديد، فقد تحولت الصالات الرحبة والأبهاء الواسعة المنفتحة بعضها على بعض إلى غرف وقاعات مقسمة أصغر حجماً تناسب الوظائف المخصصة لها، وصار في وسع رواد الصالونات الجلوس والاتكاء على الآرائك بدلاً من الوقوف، كما كان يحدث في بلاط لويس الرابع عشر. وكان الكرسي في عهد الوصاية قصير القوائم مقنطر الظهر، أما الكرسي المنسوب إلى الملك لويس الخامس عشر (لويكانز) فغدا أصغر حجماً وأكثر إراحة وملاءمة لجسم الإنسان ومتسقاً مع حجم الغرف، وغدت قوائم الكرسي أوثق اتصالاً بقاعدة مقعده وظهره ومسندي اليدين، فكان الكرسي يؤلف وحدة متكاملة. وظهر في هذه الحقبة أنواع كثيرة منها كرسي منجد كله باستثناء إطاراته المحيطية سمي «برجير» Bergere بأرجل محنية أوعلى شكل حرف S، وظهر عال ومسندي يدين متصلين بالظهر، وأضيفت إلى جلسته حشية إضافية من الحرير أوالمخمل محشوة بالريش أوالقطن أوالصوف. وهناك أيضاً الكرسي الطويل «شيزلونغ» Chaise Longue المخصص للتمدد والاسترخاء، والدوقية (الماركيزة) Duchesse وهي «أريكة» صغيرة على هيئة الغندول لشخصين على شكل الكلوة. والسلطانية Sultane وهوكرسي طويل بمسندين وحِشْيَة غير ثابتة للاسترخاء أيضاً استعيرت تسميته من الشرق.


كرسي بيرجير (فرنسة ق18م)

أما السرر فكانت نوعين، الأول فرنسي صرف معد لينصب في وسط غرفة النوم وله مسند ظهر من جهة الرأس فقط، والنوع الآخر بولندي مجهز بمسند من جهة القدمين، أما الظلة فبقيت كما كانت في السابق وإن تبدلت زخارفها وطريقة نصبها. وتعددت كذلك أشكال الطاولات، ولعل أحدثها «القنصلية» Console، وهي منضدة صغيرة تثبت إلى الجدار ولها قائمتان من الأمام، وتعلوها مرآة في إطار مثبت إلى جسم القنصلية.


أما الأخشاب الأكثر استعمالاً في طراز الروكوكوفهي الزان والجوز والاسفندان والكرز البري والزيتون والسيكامور إضافة إلى بعض الأخشاب النادرة في فرنسة كالخشب الأحمر والليمون والنخيل والأبنوس وغيرها.

وبدءاً من أربعينات القرن الثامن عشر انتقلت تأثيرات أسلوب الروكوكوإلى إيطالية وأنتجت فلورنسة أثاثاً جميلاً للغاية يحمل سمات الطراز الأصلي للويس الخامس عشر وفيه خطوط لينة ومنحنية وعناصر نحتية وزخارف تغطي معظم سطوح البتر، أورسوم منمنمة لمشاهد وأشكال إنسانية وزهور وموضوعات تماشي الأسلوب الصيني وكانت بعض سطوح الأثاث تغطى باللون الأحمر الموشح بظلال مضىية وباللون الأزرق، وهما من العناصر التزيينية في هذا الطراز الإيطالي. وفي ألمانية بالغ صناع الأثاث في استخدام الروكوكوبنجاح كبير واستخدموا اللك في طلي البتر، وابتكروا له ألواناً متعددة بدلاً من الأحمر والأسود، وأتقنوا هذه الصنعة حتى صُدِّرت منتجاتهم إلى فرنسة نفسها (الشكل 30).

أما في إنكلترة فقد شاع منذ بداية القرن الثامن عشر استعمال خشب الماهوغاني المستورد حتى طغى على خشب الجوز، كما ساد أسلوب بلاديوفي التصميم الداخلي (وهوأسلوب منسوب إلى المعمار الإيطالي أندريا بلاديوAndrea Palladio من عصر النهضة (1508-1580)، وتطلب ذلك وجود بتر أثاث أكبر حجماً وأكثر فخامة من البتر المكسوة بقشر الجوز، وقد استلهم المصممون الإنكليز التصميمات الداخلية من القصور الفرنسية والإيطالية، وأولهم وليم كنت (1685-1747م) William Kent الذي شرع في تصميم بتر أثاث كلاسيكية في محافظتها على أسلوب بلاديومع تبني زخارف أسلوب الباروك، ويعهد هذا الأسلوب باسم الملكة آن (1704-1794) ومن هذه البتر مرايا مموهة بالمضى ومناضد جانبية ومجموعات من الكراسي المنجدة والمقاعد المغلفة بالمخمل المطرز بالرسوم. ومع غلبة هذا الأسلوب فقد بدأ أسلوب الروكوكويزحف على إنكلترة بدءاً من أربعينات القرن الثامن عشر، وانتشرت فيها مصورات تضم نماذج هذا الطراز المتأثر بالأسلوب الفرنسي، فقد نشر توماس تشيبندال Thomas Chippendale دليلاً لصناع الأثاث سنة 1754 ضمَّنه رسوماً لكثير من الأثاث الإنكليزي من طراز الروكوكووتفرعاته المتأثرة بالأسلوب الصيني والأسلوب القوطي. وقلده في عمله هذا كثيرون من مشاهير المصممين حتى غدا أسلوب الروكوكوشائعاً في إنكلترة منذ النصف الثاني من ذلك القرن وغدا اسم تشيبندال معروفاً على جميع لسان مع أنه لم يكن هوالمصمم العملي لما نسب إليه .

ومنذ منتصف القرن الثامن عشر صار لكل نشاط من الأنشطة اليومية التي يمارسها الإنسان بعض بتر الأثاث المخصصة له، في حين تنوعت أشكال البتر الأساسية كالكراسي والخزائن والسرر والطاولات كما تنوعت زخارفها فصار من غير الممكن إحصاؤها، حتى إذا أنواع الكراسي من طراز الروكوكوتجاوزت المئات ولم يعد لمبتكرات صناع الأثاث حدود تقريباً.

وفي المستعمرات الأمريكية استمر التأثير الإنكليزي نافذ المفعول حتى الثورة، وكان مزارعوالجنوب يميلون إلى اقتناء أثاثهم من لندن مباشرة، في حين كان تجار الشمال وأصحاب الثروات في فيلادلفية ونيويورك وبوسطن وغيرها يفضلون الاعتماد على صناع الأثاث المحليين الذين كانوا يضعون بصماتهم الخاصة على طرز الأثاث المستوحاة من إنكلترة، فظهرت لديهم نماذج محلية، وخاصة طراز تشيبندال، كما توصلوا إلى ابتكار طرز خاصة بهم وبنوعية جيدة.

النمط الاتباعي الجديد

لم يعم أسلوب الروكوكوعالمياً، وكان الاعتراض على الإسراف فيه كبيراً، وراح مصمموالأثاث يبحثون عن ملامح جديدة لتصميماتهم منذ خمسينات القرن الثامن عشر. وإثر وفاة لويس الخامس عشر سنة 1774 حدثت ردة عمل مهمة في فرنسة حيال حياة البذخ التي تعيشها طبقة النبلاء، وتدهور الوضع المعاشي لعامة الناس. في حين لفتت التنقيبات الأثرية التي جرت في بومبي وهيروكولانيوم الأنظار مجدداً إلى العالم الكلاسيكي القديم، وشدت اهتمام المثقفين والفنانين فمالوا إلى إحياء تنطقيده وقيمه. ووجد المعماريون وصناع الأثاث في العودة إلى الكلاسيكية مخرجاً، وكان من رواد هذه الفترة الفنان والحرفي جان هنري ريزنيير Jeam Henri Riesener الذي طور مع آخرين طرزاً جديدة من الأثاث ابتعدوا فيها عن أسلوب الروكوكوالمعقد إلى الأشكال المستطيلة والمربعة البسيطة بخطوطها المستقيمة، ومالوا إلى محاكاة الزخارف اليونانية والرومانية القديمة كالبيضة والحربة واللؤلؤة والصقور والدلافين ورؤوس الحيوانات وأوراق النباتات، واستخدمت الأخشاب الغريبة في إبراز أعمال الترصيع بأشكال هندسية وطبيعية وإنسانية وحيوانية أوتشكيلات معمارية ولوحات زهرية، مع إضافات جديدة تمثلت في ألواح الخزف المنسوب إلى مدينة سيفر Sevres Porcelain Panels والزجاج المصور Verre eglomise واللك الصيني، وتراجع استخدام الحفر أمام التطعيم والترصيع والدهان بالألوان الفاتحة التي تنسجم مع تغطية الجدران، وقد عهد هذا الأسلوب بأسلوب الاتباعية الجديدة Neo chassical ويطلق عليه

أيضاً طراز لويس السادس عشر Louis Seize وكانت الأخشاب الشبيهة بالماهوغاني والخشب الأسود والأحمر هي المفضلة في هذا الطراز، وتستعمل ألواحاً وقشوراً، ويزيد في غناها استخدام حواضن وزخارف شبكية أوعلى شكل أشرطة منمنمة من النحاس الممضى المشغول، مع التمويه بالمضى والبرونز. ومن ابتكارات هذه الفترة الصوان الهلالي Demi lune Commode والصوان الزاوي Encoignuer، والمخطة الصغيرة الواطئة التي عهدت باسم «أثاث الاستناد» meuble d'appui والمخط المغلق Secretaire à abattant وأصبحت أرجل بتر الأثاث من هذا الطراز مستقيمة مخروطة أوملفوفة أومحلزنة، وظهر الكرسي مستقيماً أوبيضياً أومفرغاً على هيئة القلب أوالقيثارة، أما الأسرة فظلت منوعة الأشكال ولكن ظلاتها بدأت تتقلص تدريجياً.


وفي إنكلترا التي خضعت لتأثيرات الأثاث الأجنبي ردحاً من القرن الثامن عشر توصل الحرفيون إلى تطوير الأنماط المجلوبة وتعديلها بما يتفق والذوق الإنكليزي، واستطاعوا تصميم أنماط تحمل ملامح مميزة. وساعد ازدياد مستوى المعيشة في القرن الثامن عشر في ازدياد متطلبات المواطن الإنكليزي من الأثاث وتوابعه، وتذوقه للنواحي الجمالية، مما هيأ الشروط المناسبة لقيام صناعة أثاث راقية اتخذت منحيين في العصر الجورجي (نسبة إلى الملوك جورج الأول والثاني والثالث الذين توالوا على الحكم بين 1714 و1820م).

صوان من عصر الاتباعية الجديدة ببابين من حشوات كبيرة مع أطر بارزة فرنسة منتصف ق18م

وكان المنحى الأول انتهاج أسلوب بلاديوالذي تبناه وليم كنت، وأما المنحى الثاني فهومحاكاة أسلوب الروكوكوالفرنسي وتطويره، بريادة تشيبندال، وكانت الغلبة لأنصار بلاديوبعد ظهور الاتباعية الجديدة. ويعد الأخوان روبرت وجيمس آدم [ر] Robert and James Adam من رواد الاتباعية الجديدة، فقد نشرا عام 1777 كتاباً عن أعمالهما كان لـه تأثير في تذوق الأسلوب الجديد حتى اقترن باسمهما Adamesque، وقلدهما فيه صناع الأثاث المعاصرون. ومن أبرز هؤلاء جورج هبلوايت George Hepplewhite الذي نشر دليلاً لصناع الأثاث والمنجدين (1788) وتوماس شيراتون الذي نشر كتاب «رسوم لصناع الأثاث والمنجدين» (1791).

كان الدهان والتمويه بالمضى مفضلين عند الأخوين آدم، وأما الحفر فأقل استخداماً وخفيفاً إذا وجد، وكان الأخوان آدم يميلان إلى تخديد قوائم الأثاث المستقيمة، ويميلان إلى استخدام القماش المنسوج من شعر الخيل والحرير المزهر والجلد والنسيج المصور الفرنسي والإنكليزي في تنجيد بتر الأثاث. أما هبلوايت الذي لم يأت بأفكار جديدة فقد اشتهر بتطويره للأسلوب الجديد وإدخال

تعديلات عليه اقترنت باسمه، ومنحت بتر الأثاث التي اقترحها نعومة وتناسقاً أكثر من تلك التي صممها الأخوان آدم، كما اشتهر بمناصرته للرسوم الملونة في زخرفة البتر، واستخدام الخشب الأطلساني Satinwood الذي غدا الخشب المفضل في صناعة الأثاث أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، كما مهر هبلوايت في استخدام أخشاب أخرى كخشب شجر التوليب tulipwood والخشب الأحمر sycamore والأبنوس وخشب الورد والكرز، وفي استخدام الترصيع والتلبيس بالقشر إلى جانب الرسم زيادة في التزيين، وكانت بتر الأثاث التي صممها أصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر أناقة من بتر معاصريه.

وفي العقدين الأخيرين من القرن الثامن عشر ازداد الميل في إنكلترة إلى التناظر في الشكل والتناسب التام بين أجزاء البتر ونعومتها وإلى إعطاء مساند الظهر في الكراسي والمقاعد والأرائك شكل الدرع أوالقلب، وإلى تخديد قوائم الطاولات وغيرها وهوالاتجاه الذي كان يفضله توماس شيراتون واقترن باسمه. ومن ابتكاراته السريران التوأمان والطاولات المتمفصلة الجوانب وكذلك الأقسام المخفية والسرية في البتر التي يصممها واستعماله الأقفال والنوابض المساعدة لتحريك مغاليق تلك الأجزاء أوإخفائها.

وأما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد راجت الاتباعية الجديدة في هذه الدولة المستقلة حديثاً ومال أصحاب الأعمال والأموال في بوسطن وسالم ونيويورك إلى فرش قصورهم بأثاث من إنتاج صناعيين محليين من أمثال صمويل ماكنتاير Samuel Mcintire وجون سيمور John Seymour. ولم يكن إنتاج جميع واحد منهما سوى ترجمة شخصية لنماذج هبلوايت - شيراتون، والميل إلى استخدام الخشب ذي الألوان الفاتحة، وكانت سطوح البتر مستوية عموماً وتزخرف بالتطعيم بخشب متباين الألوان أوبحفر خفيف على طريقة الأخوين آدم. وأكثر البتر شيوعاً الخوان الجانبي (وهوبترة من أثاث غرفة الطعام فيه أقسام وأدراج ورفوف لحفظ أواني المائدة) وكذلك مخط «السكرتارية» الصغير، وكلاهما تصميم أمريكي متميز، إضافة إلى كرسي ويندسور Windsor والكرسي الهزاز المتقلقل.

القرن التاسع عشر

أدت الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر إلى توقف كثير من المناشط والحرف في فرنسة ومنها النجارة وصناعة الأثاث، إلا أنها بدأت تسترد نشاطها تدريجياً في عهد حكومة المديرين وتولي نابليون بونابرت منصب القنصل العام. وفي هذه الفترة ظهرت أول مرة «ورشات» للصناعة تملكها أسر ويعمل فيها أفرادها، ومنها ورشة «جاكوب إخوان» أبناء جورج جاكوب Georges Jacob التي احتلت مكانة خاصة في صناعة الأثاث في عهد حكومة المديرين وقنصلية نابليون (1799-1804). ومن أبرز ما قامت به هذه الورشة تأثيث قصر مالميزون الذي اتخذته جوزفين زوجة نابليون سكناً لها. وبعد تتويج نابليون إمبراطوراً (1804-1815) عاد الأثاث الفرنسي لمكانة الريادة في أوربة وامتد تأثيره إلى العالم الغربي كله، وأطلق عليه اسم «الأسلوب الإمبراطوري».

وقد اتصف أثاث هذه الفترة بمظاهر الرصانة والعظمة المستمدة من التراث اليوناني والروماني الكلاسيكيين إلى جانب السمات الزخرفية المستمدة من مصر وكريت واليونان ورومة، وقد جمع الحرفيون الفرنسيون بين هذه العناصر بمهارة وخاصة في استعمالهم النخل وأكاليل الغار والأزهار والحيوانات والطيور والأشكال الهندسية والمعمارية ورموز الأشخاص والزخارف المعدنية الممضىة كالسيف والدرع والحربة والبيضة والراية، في حين اختفت من بتر الأثاث الخطوط المنحنية والحلزونية. وكان للمعماريين الفرنسيين شارل بيرسيه Charles Percier وبيير فونتين Piere Fontaine وكذلك لصانع الأثاث بيير دي لاميزانجير Pierre de la Mesangere فضل ابتكار هذا الأسلوب الإمبراطوري الذي يعد استمراراً للاتباعية الجديدة في العمارة والأثاث، ونسخة طبق الأصل من الأثاث الكلاسيكي القديم مع بعض التعديلات واللمسات المعاصرة كالتلبيس بقشر الماهوغاني والإضافات المشغولة من النحاس الممضى. أما موضوعات الزخرفة فمستوحاة من العصور القديمة، حتى إذا بعض أنواع الأثاث المحدثة التي لم يكن لها نماذج سابقة كانت تزخرف وتوشى بتزيينات من ذلك الزمن.


ومع حتى الأسلوب الإمبراطوري لم يلق الاستحسان على نطاق واسع فقد انتقل إلى بقية البلدان الأوربية وشاع في وقت قصير، وساعد في انتشاره حروب نابليون وفوزاته في أوربة، وكانت البلاد الأوربية تتقبله وتضفي عليه قبسات من لمساتها المحلية فيبدومختلفاً، ففي روسية تميز هذا الأسلوب من غيره باستعمال مواد معينة، ومنها الزجاج، إضافة إلى بساطة التفاصيل، وهذه السمة الأخيرة اتصف بها الأثاث الألماني الذي يعهد باسم بيدرميير (الأسلوب المبسط) Biedermeier Style. وفي إنكلترة أضيفت على هذا الأسلوب تعديلات أخرى تتفق مع الذوق الإنكليزي واستلهمت بعض موضوعات زخارفه من الأثاث النابليوني ومن الفوزات البحرية التي حققها الأدميرال نلسون، وصار يعهد بالأسلوب الإمبراطوري الإنكليزي أوبأسلوب عصر الوصاية الإنكليزي، ذلك حتى الملك جورج الثالث أصيب بلوثة في عقله في أواخر حكمه وتولى ولده الوصاية عليه بين العامين 1810 و1820، ولكن الأثاث الذي عهد بهذا الاسم كان قد ابتدأ يروج في إنكلترة منذ العام 1795 وظل درجة شائعة حتى أواخر الثلاثينات من القرن التاسع عشر مع أنه لم يكن على شيء من الأناقة والجمال.

كرسي منجد خاص بنابليون بونابرت من الخشب المغشى بالمضى على الطراز الإمبراطوري (فرنسا نحو1805م)


أما في الولايات المتحدة فقد عهد الأثاث المحلي المعاصر للأسلوب الإمبراطوري باسم الأسلوب الاتحادي وامتد زمنه من العام 1789، بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية حتى العام 1820م، وأشهر صانعي الأثاث في الولايات المتحدة في هذه الفترة دونكان فيف Duncan Phyfe (1768-1854م) الذي تنوع إنتاجه وأدخل تعديلات كثيرة على الأنماط الأوربية وخاصة الأرائك والطاولات الثلاثية الأرجل والخوان الجانبي والكراسي التي لها مساند ظهر على شكل القيثارة، وأقبل عليها الناس لتناسب أجزائها وأناقة مظهرها ودقة تفاصيلها، وأفضل إنتاجه كان من خشب الماهوغاني والخشب الأطلساني، وكان يفضل لبتره القوائم النحيلة المخروطة أوالمخددة التي تنتهي بعقب معدني، ومنذ العشرينات من القرن التاسع عشر راح يصنع أثاثاً من النمط الإمبراطوري المقتبس عن الأصل الفرنسي، وعهد هذا النمط باسم «أثاث الجزارين» Butchers Furniture لثقله وكثرة زخارفه. وفي أواخر العهد الفدرالي راج استعمال كرسي أطلق عليه اسم كرسي هتشكوك نسبة إلى مصممه لامبرت هتشكوك Lambert Hitchcock مأخوذ من كرسي شيراتون مع قوائم مخروطة ومقعد من الأسل rush أوالخيزران وظهر مقوس مزين برسوم الفواكه والأزهار والطيور وغيرها، وثمة نمط آخر من الأثاث ظهر في هذه الحقبة واختصت به طائفة دينية تدعى «شيكرز» Shakers (الراجفون أوالهزازون) وهي طائفة أمريكية اشتراكية يعتقد أفرادها حتى حركات الجسد واهتزازه جزء من العبادة، وقد راج استعمال هذا النمط من الأثاث لبساطة مظهره وخفته وخلوه من الزخارف أوندرتها، وهي من السمات المفضلة في الأثاث إلى اليوم.

غرفة استقبال خلق دونكان فيف وصموئيل فوت (نيويورك 1837م) من الطراز الاتحادي الأمريكي المستوحى من الأنماط الأوربية.
كرسي بمسند ظهر من دون ذراعين من عجينة الورق الممضى ومطعم بعرق اللؤلؤ (إنكلترة ـ العصر الفيكتوري نحو1860م)

الفكتوري=

أدت المبالغة في تفخيم الأسلوب الإمبراطوري وتزويقه في أواخر عهد نابليون في فرنسة وعهد الوصاية في إنكلترة إلى تراجع واضح في مظهر الأثاث من الناحية الجمالية وتأخر مستوى الصنعة فيه، حتى توقف إنتاجه تماماً منذ أربعينات القرن التاسع عشر. وأدت الثورة الصناعية والنموالاقتصادي السريع وإدخال الآلة وتوافر وسائل النقل والمواصلات إلى قيام معامل متخصصة بصناعة الأثاث في أوربة وإنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية، وإلى إنتاج الأثاث بوساطة الآلات بكميات كبيرة تلبية لمتطلبات السوق. وكان من نتائج ذلك غض النظر عن كثير من المبادئ والتفاصيل والنواحي الجمالية التي كانت تحتل حيزاً كبيراً من عناية صانعي الأثاث اليدوي، كما تقلصت أعداد الحرفيين المهرة وانصرم العصر المضىي لصناعة الأثاث في أوربة، فلم يسجل العصر الفكتوري المنسوب إلى الملكة فكتوريا (حكمت بين 1837و1901) أي ابتكار مميز، واتىت أكثر بتر الأثاث في هذه الحقبة فجة الصنعة بعيدة عن الجمال، يستثنى من ذلك بعض الأثاث الذي كان ينتج بناء على توصيات خاصة وبكميات قليلة.

كرسي بمسند ظهر وذراعين من الخشب الوردي المطبق والمقولب مع الحفر وفق طراز الروكوكوالمجدد


لم يسجل العصر الفكتوري أسلوباً مميزاً يحمل سماته، بمعنى حتى معامل صناعة الأثاث والمصممين لم يحدثوا أنماطاً جديدة مبتكرة، بل مالوا إلى التقليد غير الناجح، وكان معظم الأثاث في الفترة الأولى من العهد الفكتوري (1830-1860م) إحياء وتجديداً للأنماط والأساليب السابقة التي عهدتها أوربة وأمريكة من الأسلوب اليوناني القديم والقوطي والنهضة الإيطالي إلى الباروك والركوكوولويس الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، وحتى الاتباعية الجديدة والأسلوب الإمبراطوري مع تعديلات وإضافات وتنويعات مختلفة من هذه الأساليب في الجمع والزخرفة، إضافة إلى الأمور التزيينية الكمالية في التصميم الداخلي للبناء كالسجاد الشرقي وجلود الدببة والوحوش الأخرى ومناديل المائدة والرفوف المخصصة للطُّرف والأغطية المطرزة لمساند الظهر واليدين والحجب وستائر الخرز وغيرها. وفي المعرض الكبير الذي أقيم عام 1851 بدت بريطانية العظمى الدولة الرائدة في صناعة الأثاث التجاري المنزلي المناسب لأكثر طبقات المجتمع في بريطانية نفسها وفي القارة الأوربية وما وراء البحار.

طاولة زينة من خشب الماهوغاني والأطلساني وفق الطراز الاتحادي الأمريكي المتأثر بالاتباعية الجديدة في إنكلترة (بليتمور 1800-1810ك)

وفي هذه الفترة أيضاً اخترع النابض اللولبي المعدني واستخدم في تنجيد الأثاث وساعد في توفير مقدار أكبر من الراحة في الكراسي والأرائك والأسرّة وما شاكلها، وأدى إلى تطوير فن التنجيد وإلى تغليف البتر كاملة وتزيينها بالضفائر والبريمات والهدابات، وراج إنتاج «الأطقم» الكاملة (من ست بتر أواثنتي عشرة بترة) بدلاً من البتر المنفردة. وفي الفترة الثانية من العصر الفكتوري (بدءاً من سبعينات القرن التاسع عشر) ظهرت بوادر حركة فنية جديدة تدعوإلى إحياء الحرف اليدوية وتلفت الأنظار إلى رداءة الإنتاج الآلي تزعمها في إنكلترة الشاعر الفنان وليم موريس William Morris (1834-1896م)، وطبق دعوته عملياً بإقامة «ورشة» خاصة للأعمال الفنية والأثاث، في محاولة منه لرد الاعتبار إلى هذه الصنعة وإثارة الحس الجمالي لدى مواطنيه. وقد تأثر به كثيرون في إنكلترة والبر الأوربي، وسار على خطاه المعمار البلجيكي الشهير هنري فان دي فلده Henri Van de Velde (1863-1957م)، الذي اقترن اسمه بأسلوب «الفن الجديد» Art Nouveau في العمارة والأثاث، وتنقل بين موطنه وفرنسة وألمانية، وعين في العام 1902م مديراً لمدرسة «فايمار» للفنون والمهن التي صارت تعهد فيما بعد اسم «باوهاوس» Bauhaus. وانتقلت هذه الحركة إلى فرنسة حيث تزعمها هكتور غيمار Hector Guimard. وقد اتسم الأثاث المنتج بهذا الأسلوب بالأشكال الأفعوانية الإنسيابية المستوحاة من موضوعات طبيعية وحيوانية مجموعة مع قبسات من الفن الياباني، ولاقى رواجاً كبيراً في أوربة في تلك الحقبة.

طاولة وسط وفق أسلوب مدرسة نانسي خلق لويس ماجوريل (نحو1908م)
كرسي هزاز من الخشب المحني تصميم ميشيل ثونيت (فيينة 1860م)
مخطة من خشب السنديان الأبيض من تصمين ماكنتوش وفق أسلوب «الفن الحديث» (1902

وفي الولايات المتحدة ساعد تأسيس متحف متروبوليتان للفنون (1870) ومعرض فيلادلفية (1876) في تقديم مفاهيم رفيعة المستوى عن الفن والأعمال اليدوية إلى الجمهور.

ردهة استقبال في منزل أمريكي
أثاي وتزيينات محل تجاري في برلين من تصمين هنري فان دي فلدة

وقد أتاحت الاتصالات الوثيقة بين المدن الأمريكية الكبرى وأوربة إمكانية الاطلاع على آخر الاتجاهات الفنية فيها، وإنتاج نسخ من الأثاث الأوربي الرفيع المستوى. أما في المناطق الريفية والبعيدة في قلب القارة الأمريكية فقد كان عدد أصحاب الأموال القادرين على اقتناء مثل هذا الأثاث قليلاً وعدد الحرفيين الماهرين فيها قليلاً، أيضاً، فكان الأثاث الذي ينتج هناك أكثر محافظة في الأسلوب وأقل تكلفة من حيث المواد والزخرفة، ويميل إلى البساطة والتواضع وهي السمة العامة التي تسم صناعة الأثاث في الولايات المتحدة إلى اليوم.

غرفة مخط إنكليزية، التزيينات وليم موريس، والأثاث من خلق فيليب ويب (حركة الفن والحرفة ـ النصف الثاني من القرن 19)

أدت بعض الابتكارات والتحسينات التي شهدتها صناعة الأثاث في القرن التاسع عشر إلى إحداث تغيير في تقنيات صناعة الأثاث، وظهور أنواع وبتر مبتكرة فيه. فقد وفر استعمال الخشب الرقائقي المعاكس plywood المصنوع من طبقات مغراة من رقائق الخشب، إمكانية تطويع الخشب بحسب الرغبة، وهومن ابتكار النجار جون هنري بلتر John Henry Belter الألماني الأصل الأمريكي الجنسية. ولاقى إنتاجه من بتر الأثاث من نمط لويس الخامس عشر المجدد رواجاً كبيراً في خمسينات القرن التاسع عشر. كذلك توصل صانع الأثاث النمسوي ميشيل ثونيت Michael Thonet إلى تحسين طرائق حني الخشب الرقائقي والمصمت باستخدام البخار الساخن، ولاقى إنتاجه من الكراسي رواجاً كبيراً أيضاً.

تطلق صفة الأثاث الحديث عادة على الأثاث الذي ابتكر منذ أوائل القرن العشرين حتى اليوم.

وقد اتخذ تصميم الأثاث الحديث منحيين اثنين: أولهما إحياء الأساليب التقليدية مع حرية التصرف في إدخال تعديلات عليها، إذ يندر التقليد الحرفي في هذا المجال. وثانيهما الاستجابة للمتطلبات الحياتية المعاصرة المتأثرة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية الاستهلاكية، وبتطور فن العمارة والمساحات السكنية. وقد اجتذب هذا المنحى أكثر المواهب المعنية بصناعة الأثاث منذ أواخر القرن التاسع عشر، وفتحت المواد والتقنيات الجديدة الأبواب واسعة أمام صناع الأثاث للابتكار والتنويع حتى صار التجديد هدفاً أساسياً من أهداف هذه الصنعة.

مخطة جدارية وفق أسلوب الفن الجديد المنسوب إلى مدرسة نانسي من أخشاب منوعة محفورة ومطعمة (فرنسة نحو1900م)
كراسي من الخشب المطبق المقولب بأطر مقواة قابلة للتراكم (مارسيل برويور 1936م)

غلبت على صناعة الأثاث في العقدين الأولين من القرن العشرين الاتجاهات التقدمية التي ظهرت في أواخر القرن السابق، وكان أكثرها تأثيراً حركة «الفن الجديد» التي تزعمها البلجيكي هنري فان دي فلده، وتبنتها مدرسة «نانسي» في فرنسة، ومن مبادئها استخدام أشكال الطبيعة وأحيائها في الزخرفة والشكل واعتماد الانحناءات الأفعوانية النحيلة المعبرة عن حيوية الطبيعة، إلى جانب الهجريبات البعيدة عن التناظر المستلهمة من الفن الياباني، والزخارف التجريدية التي تؤكد الأثر النفسي للانحناءات واتجاهاتها. وقد تأثر بهذا الممضى أيضاً مصممون ألمان من أمثال ريتشارد ريمرشميت R. Riemerschmid وبرنار بانكوك B. Pankok من ميونيخ.

كرسي من أنابيب فولاذية مطلية بالكروم تصميم مارسيل برويور (1925م)
كرسي من أنابيب فولاذية مطلية بالكروم تصميم لوكوربوزيه (سويسرة 1927م)

أما في إنكلترة فكانت الغلبة للأفكار التقدمية التي نادت بها جماعة «الفن والصنعة» ومدرسة غلاسكوواستمر تأثيرها حتى الحرب العالمية الأولى. وتبنى هذا المنهج أيضاً رواد مجموعة «ورشات فيينية» (النمسة) Wienen Werkstatte التي أسست عام 1903 وضمت أكثر المصممين والحرفيين في العاصمة النمسوية. وكان من هؤلاء جوزيف هوفمان J. Hoffmann وكولومان موزر C. Moser. وقد أنتجت هذه المجموعة أثاثاً بسيطاً من الخشب المحني المعالج بالحرارة أوالمكسوبقشر الخشب والمزخرف بالتطعيم والترصيع، واقتبس أكثره عن ماكنتوش Cherles Rennie Mackintosh البريطاني.

كرسي من الفولاذ مطلي بالكروم ومنجد (لودفيغ ميزفان در دوهة 1929م)
كرسي من أنابيب فولاذ مطلية تصميم مارسيل برويور (1930م)

وفي ألمانية ظهرت في بداية القرن العشرين حركة تقدمية تدعوإلى الجمع بين الجمال الهندسي لبتر الأثاث والاقتصاد في المواد مع استخدام الآلات، وعمل المصممون الألمان على تطوير هذا المنهج حتى بلغ ذروته في مدرسة «الباوهاوس» للفنون والمهن التي أسست في مدينة «فايمار» (ألمانية) سنة 1919 بإشراف مؤسسها فالتر غروبيوس Walter Gropius، ثم انتقلت إلى «ديساو» Dessau عام 1925. وكان من أهداف هذه المدرسة الجمع بين الفن والتصميم الصناعي لإنتاج جميع ما يلزم للاستخدام وليس الزينة، والإفادة من الخبرات المهنية في تطوير الصناعة، وتدريب الطلاب على تصميم الأثاث وإنتاجه بالجملة. وكان من مبادئ هذه المدرسة الاقتصاد في المواد وخفض التكلفة والإفادة القصوى من مردود المكنات والتقنيات الجديدة، وإجراء التجارب على المواد المستحدثة مع المحافظة على المظهر الجمالي للبتر المنتجة. وقد تولى إدارة هذه المدرسة عدد من مشاهير المعماريين والمصممين والفنانين إلى حتى أغلقها هتلر عام 1933، وتمكنت من إنتاج أثاث جميل ومريح ومناسب للوظيفة المخصص لها، استخدمت في إنتاجه أنابيب الفولاذ المطلي بالكروم والباكليت الأسود وألواح الزجاج والخشب، وكان أكثر الأثاث الذي ابتكر في أوربة منذ ثلاثينات القرن العشرين مقتبساً عن أصول ابتكرتها مدرسة الباوهاوس.

كرسي من الخشب المطبق المقولب(ألفار آلتو1930-1933)
كرسي من الخشب المطبق منجد الجلسة والظهر (آلفار آلتو1940)
كرسي مخطة من تصميم آلفا آلتو(1935م)

تأثر المصممون الهولنديون بأفكار المدرسة الألمانية وأنتجوا نمطاً من الأثاث أطلقوا عليه اسم «دي شتيل» (أي الأسلوب De Stijl) واقترن اسمه باسم صانع الأثاث الهولندي الشهير غيريت ريتفلد Gerrit Rietveld الذي صمم في العام 1918 كراسي من شرائح الخشب الرقائقي المطبق مجموعة بوساطة لوالب (براغي) ومطلية بألوان أولية. كذلك صمم المعمار المجري الأصل مارسيل برويور Marcel Breuer الذي تفهم في الباوهاوس وترأس ورشة صناعة الأثاث فيها (1925-1928) أثاثاً خشبياً من نوع «الستيل» كما صمم أول كرسي مصنوع من أنابيب الفولاذ Tubular Steel وعهد باسم «كرسي فاسيلي» Wassily Chair. وممن سار على النهج نفسه المعمار الألماني لودفيك ميز فان در روهه Ludwig Mies Van der Rohe الذي ينسب إليه كرسي «برشلونة»، والمعمار السويسري لوكوربوزيه Le Corbusier الذي صمم الكرسي الطويل والكرسي المحني إلى الخلف ووضع تصميمات مبتكرة من القضبان الفولاذية أما في البلاد الاسكندنافية فقد ساعد توافر الخشب على إنتاج أثاث حديث مكافئ لأسلوب الباوهاوس مع استعمال تقنيات جديدة في تطبيق الخشب ومعالجته وحنيه. وقد صمم الفنلندي ألفار آلتو[ر] Alvar Aaalto والسويدي برونوماتسون Bruno Mathsson كراسي ذوات أطر من الخشب الرقائقي المطبق ثبتت مقاعدها وظهورها بالكيفية التي استخدمت في الباوهاوس، وكانت الكراسي التي صممها آلتوقابلة للتراكم الواحد فوق الآخر تمشياً مع متطلبات القرن العشرين والاقتصاد في المساحة.

كذلك توصل الدنمركي كار كلنت Kaare Klint وتلميذه موغنز كوخ Mogens Kooch إلى حل آخر لمشكلة الفراغ بابتكارهما الكراسي والمقاعد المطوية Collapsible chairs كما صمم الدنمركي هانز فغنر Hanz Wegner أثاثاً مواده الخشب والفولاذ. على النقيض من هذه المدارس حافظ المصممون الفرنسيون على إنتاج الأثاث الفاخر الأنيق من الخشب الثمين المطعم بالعاج والفضة والنحاس، وطوروا إنتاجهم وفق نمط خاص يسمى «فن الديكو» Deco Art، وأنتج المصمم الفرنسي جاك إميل رولمان J. Ruhlman أثاثاً بهذه المواصفات، كما صمم الشريكان لوي سوLouis Sue وأندره مار Andre Mare أثاثاً كلاسيكياً مطوراً من مواد غالية الثمن وعليه زخارف منمقة مستوحاة من الفن الإفريقي ومزينة بجلد حمار الوحش أوالجلد المحبب. وفي إيطالية ازدهرت صناعة الأثاث في ثلاثينات القرن العشرين على غرار «الفن الجديد» وصمم الإيطالي غيوبونتي Gio Ponti كرسياً بذراعين على هيئة زهرة اللوتس، وصمم كارلومولينوCarlo Molino بعيد الحرب العالمية الثانية طاولات وكراسي من ألواح الخشب الرقائقي المطبق مقطوعة ومحنية بأشكال متراكبة، وسار على النهج عدد من مشاهير المصممين الإيطاليين ومنهم أوزوالدوبورساني Osvaldo Borsani وماركوزانوسوMarco Zanoso، وقاسمهما الشهرة في هذا المجال البريطانيان روبين داي Robin Day وإرنست ريس Ernest Race وقد ابتكر داي كراسي مميزة منها الكرسي المصنوع من مادة البولي بروبيلين المقولب بالحقن (وهي مادة جديدة صنعت سنة 1954)، أما ريس فقد ابتكر كرسياً من الألمنيوم الصب نال عليه الميدالية المضىية في معرض ميلانوعام 1954، وصمم كرسيين من قضبان الفولاذ عام 1951 أطلق على أحدهما اسم «الظبي» Antelop وعلى الثاني اسم «القوفز» Spring bok (القوفز نوع من الظباء يعيش في جنوبي إفريقية).

صوان جداري خلق آميل رولمان وفق طراز فن الديكور الفرنسي (فرنسة 1919م)

وفي الولايات المتحدة الأمريكية سار إنتاج الأثاث على خطى الأثاث الأوربي، فأنتج المصمم الفنلندي الأصل الأمريكي الجنسية إليل سارينين Eliel Saarinen أثاثاً من نمط «فن الديكو» عام 1923 ولاقى رواجاً كبيراً، في حين أدخلت شركة هاول في شيكاغوأسلوب الباوهاوس إلى الولايات المتحدة وأنتجت الأثاث المصنوع من أنابيب الفولاذ بكميات تجارية، وأكثره من تصميم فولفغانغ هوفمن ابن جوزيف، كما ظهر في حقبة ما بين الحربين العالميتين أسلوب ثالث أكثر أصالة يعتمد الصفات الجمالية لناطحات السحاب والقاطرات والسيارات، واستخدمت فيه مواد جديدة كالألمنيوم والباكليت. كذلك جرت في الولايات المتحدة تجارب طموحة لقولبة الخشب الرقائقي بأشكال ثلاثية الأبعاد، وكان «شارلز إيمز» وزوجته «راي» Charles and Ray Eames رائدين في هذا المجال وصمما كراسي مقاعدها من الخشب الرقائقي المقولب أوالبوليستر أوالأسلاك المحبوكة، وظهورها مثبتة إلى أطر معدنية من الفولاذ المطلي بالكروم.

كرسي من لدائن مقولبة مقواة بألياف زجاجية على قاعدة من أنابيب الفولاذ تصميم تشارز إيمز (1949م)
كرسي مزدوج من نمط «البوب» من الخشب الرقائقي المطبق والمقولب تصمين ويندل كاسل (1957م)
طاولة وسط حديثة من خشب الجوز المطعم مع الحفر بزخارف فاطمية (دمشق 1990)

وطور جورج نلسون G. Nelson مفهوم الخزائن أوالمخطات الجدارية Storage Wall التي تتألف من مخطات ورفوف وممحرر مجموعة بترتيبات مختلفة ومثبتة إلى الجدار، وابتكر آيروسارينين Eeero Sarinen ابن إليل في الأربعينات طاولات وكراسي من اللدائن المقولبة أوالخشب الرقائقي المقولب استوحيت أشكالها من الأعضاء الحية كما تدل عليها أسماؤهما: «زهرة السوسن» Tulip و«الرحم» womb وغير ذلك.

غرفة طعام أمريكية استخدمت فيها مواد صنعية تتفق مع الوظيفة المخصصة لها. تصميم آبروسارينين (نحو1950م)

وفي أوائل الخمسينات توصل هانز كنول H. Knoll (وهوسليل أسرة ألمانية من صانعي الأثاث هاجرت إلى الولايات المتحدة مع غيرها من حرفيي الباوهاوس) إلى خلق المطاط الرغوي والإسفنج الصنعي foam rubber واستخدمه هاري برتويا Harry Bertoia في تنجيد كرسي صنعه من قضبان الفولاذ الملحومة.

بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة الانفجار السكاني وارتفاع مستويات المعيشة في أوربة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تطور العلوم والتقانة في مختلف المجالات، وتواتر ظهور مواد جديدة تصلح لصناعة الأثاث كالألياف الزجاجية والمطاط الرغوي والإسفنج الصنعي واللدائن والبوليستر والألمنيوم، غلب على صناعة الأثاث المفهوم التجاري الموحد العناصر فتقلصت التفصيلات الزخرفية والشكلية في التصميم، وكثر إنتاج البتر المتمفصلة والقابلة للهجريب والجمع بأشكال مختلفة كالمخطات الجدارية والرفوف المركبة والإطارات الشبكية المتعددة الوظائف والأرائك والمقاعد - السرر (القابلة للتحويل إلى سرير)، وأطلقت يد المصممين والصناع في اختيار المواد التي تناسب تصاميمهم والوظائف المطلوبة منها من حيث توفير المتانة والراحة والجمال مع قلة التكاليف، وساعدت وسائل الاتصال والإعلام والمعارض والمؤتمرات على حل هذه المعادلة الصعبة بتوفير إمكانات الاتصال وتبادل الخبرة بين مصممي الأثاث في مختلف أنحاء العالم، وكان من نتائج ذلك محاولات توحيد المفاهيم التقنية المتعلقة بصناعة الأثاث، وتنامي التجارة الدولية بالمواد والسلع المصنعة، وظهور نمط عصري من الأثاث يمكن حتى يطلق عليه اسم النمط العالمي Cosmopolitan Style يجمع أفكار المصممين ويقارب بينها وبين وسائل الإنتاج الحديثة والمواد المستحدثة وتتبناه صناعة الأثاث في مختلف دول العالم وتستجيب فيه لمتطلبات السوق الشعبية. وفي اللقاء يرفض كثير من المصممين والحرفيين المهرة التخلي عن مهنة صناعة الأثاث التقليدي وموادها التقليدية كالخشب الجميل والمواد الثمينة ويسعون في أعمالهم وصحفهم ومعارضهم إلى إحياء صناعة الأثاث بمظاهرها الجمالية والفنية. ومن هؤلاء الرسام والنحات الأمريكي هارتون إيشريك Wharton Esheriek الذي ابتكر أثاثاً خشبياً مزخرفاً بالحفر الناعم والسطوح الحبيبية، وكذلك المعمار جورج ناكاشيما G. Nakashima الذي أبدع بتراً فنية ليس لها نظير، وسام معلوف S. Maloof الذي استوحى الأثاث التقليدي في ابتكار كرسي هزاز، ووندل كاسل Wendell Castle الذي ابتكر في سبعينات القرن العشرين نماذج شاعرية من الخشب المحفور والمطبق وصنع في منتصف الثمانينات بتراً فاخرة ملبسة بقشر الخشب مستوحاة من فن الديكور.

سورية والبلاد العربية

صندوق ملابس حديث الصنع من خشب الجوز المطعم بالصدف خلق دمشق (1990م)
طاولة مخط موزاييك خلق دمشق (1990م)

تسير صناعة الأثاث في أكثر البلاد العربية في اتجاهات ثلاثة مختلفة: يهتم الاتجاه الأول بمتابعة نموذج صناعة الأثاث العالمية وإنتاج بتر الأثاث النمطية المستخدمة في الممحرر والأماكن العامة على أساس الوظيفة في مصانع متخصصة لهذه الغاية وبأيد محلية. أما الاتجاه الثاني فيعنى بإنتاج الأثاث الفني العصري المقتبس في أكثره من النماذج الغربية التقليدية والحديثة مع محاولة إضفاء لمسات محلية أوشرقية عليه بما يتناسب مع استعمالاته، ومعظم هذا الأثاث من الأخشاب المعالجة أوالطبيعية وغالباً ما يتم تصنيعه يدوياً في ورشات النجارة الموزعة في المدن. وأما الاتجاه الثالث فهومحاولات إحياء الأثاث الإسلامي الشرقي المحفور والمطعم والمكفت والمُنزّل فيه الصدف و«الموزاييك» والعاج والمعدن وترميم ما بقي منه في البيوت والمساجد والكنائس، وإنتاج أشكال جديدة منه، مع محاولة المصممين المحليين وضع بصمات جديدة على هذا النوع من الأثاث ليغدومناسباً لاستعمالات العصر، ويبقى إنتاج هذه الأنواع محدوداً ومخصصاً لفئات معينة من الناس.


أنواع الأثاث

وصلات خارجية

  • Le Garde-meuble, ancien et moderne (1841 -1851) Digital Exhibition of an influential French furniture magazine. Smithsonian Institution Libraries
  • Images of furniture design available from the Visual Arts Data Service (VADS) - including images from the Frederick Parker Chair Collection, Design Council Archives, and the Design Council Slide Collection.
  • Dictionary of the History of Furniture
  • History of Furniture Timeline From Maltwood Art Museum and Gallery, University of Victoria
  • Illustrated History Of Furniture
  • Furniture Guide
  • Home Economics Archive: Tradition, Research, History (HEARTH)
    An e-book collection of over 1,000 books on home economics spanning 1850 to 1950, created by Cornell University's Mann Library. Includes several hundred works on furniture and interior design in this period, itemized in a specific bibliography.


المصادر

  1. ^ محمد وليد الجلاد - عبدوكسحوت. "الأثاث". الموسوعة العربية. Retrieved 2009-04-08.

[

تاريخ النشر: 2020-06-04 07:02:21
التصنيفات: أثاث, أدوات, سلع استهلاكية, فنون زخرفية, بيت, تصميم صناعي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"وينرز" في رسالة جديدة للجماهير قبل كلاسيكو الجيش

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:34
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 64%

القائم بأعمال وزير الصحة يزور مستشفى «الناس» ويثني على جودة الخدمات

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:46
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 55%

شرطة أبوظبي تسعد طفلاً بحصوله على سيارة كهربائية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:31
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 64%

خدمات "مواقف" و"درب" مجانية لمدة أسبوع بمناسبة عيد الفطر

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:28
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

فرصة محمد صلاح لتحطيم حلم رونالدو

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:27
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

الدفاع الروسية: تدمير 112 منشأة عسكرية أوكرانية منها 4 مستودعات أسلحة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:31
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

ننشر مواعيد قطارات عيد الفطر الإضافية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:41
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

ملك إسبانيا يعلن ثروته الخاصة ويكشف حجمها وتوزيعها

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:50
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 75%

هيئة السكة الحديد تطرح تذاكر قطارات عيد الفطر للحجز أمام الجمهور

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

بلماضي وغاساما.. الاتحاد الجزائري يطلب “التهدئة”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:48
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 72%

نظافة القاهرة تخصص خط ساخن لتلقى شكاوى القمامة خلال عيد الفطر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:45
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

الأوقاف: 3 قوافل دعوية اليوم الجمعة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:47
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

للمرة الأولى بتاريخ الأزهر.. تعيين امرأة في منصب رئيس منطقة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:32
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

للمرة الأولى.. روسيا تستخدم غواصات لمهاجمة أهدافا أوكرانية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:28
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

مطارات أبوظبي تُقدّم نصائح للمسافرين خلال عطلة العيد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:29
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

عطلة العيد.. الطرق السيارة تدعو لتجنب السفر خلال هذه الأوقات

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:35
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

التنمية المحلية في أسبوع| تخصيص 16.2 مليار جنيه لتنفيذ مشروعات تنموية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:38
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

القاهرة في أسبوع| رفع درجة الاستعداد القصوى للاحتفال بالعيد 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:38
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 52%

ميلان يرغب في استغلال "غلطة رادو" للاقتراب من لقب الدوري الإيطالي

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:29
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

الشاي الأخضر أكثر المشروبات فائدة للحفاظ على المفاصل

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:18:33
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 67%

الأرصاد: منخفض جوي خماسيني وعواصف ترابية ورملية قوية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 12:17:40
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية