الكاتب البريطانى: سلمان رشدى

وقف عمر بجوار السرير ينتظر كما ينتظر العريس عروسه ليلة زفافه، بينما كان ذلك المخلوق الوحش صفية زنوبيا، زوجته، تصعد باتجاهه، تهدر مثل نار تؤججها الريح. انفتح الباب على مصراعيه، وهو يقف منتصب القامة فى قلب العتمة، يراقب الوهج القادم، بعدئذ ظهرت هى على قوائمها الأربعة عارية لا يسترها سوى الوحل والدم، والقذر. على ظهرها التصقت أغصان وفى شعرها خنافس. رأته فارتعشت، بعد ذلك انتصبت على قائمتيها الخلفيتين ثم مدت مخالبها الأمامية لكنه وجد الوقت الكافى لأن يقول: «حسن، أيتها الزوجة، ها أنت ذا أخيرة» قبل أن تجبره عيناها على التطلع.

بشدة كافح قوتهما المنومة، قوة جاذبيتهما. حاول ألا يتطلع لكن عبثًا، فقد ارتفعت عيناه رغمًا عنه، محدقتين إلى اللهب الأصفر النارى فى عينيها، هناك رأى وللحظة من الزمن شيئًا من ارتعاش، نوعًا من خمود اللهب فى رماد الشك، لكأنها كانت تحتضن فى تلك اللحظة العابرة من الزمن، ذلك الوهم الغريب بأنها عروس حقًا تدخل حجرة حبيبها لكن سرعان ما حرق الفرن الملتهب داخلها كل الشكوك وهكذا، بينما كان يقف أمامها عاجزًا عن الحركة امتدت يداها، يدا زوجته، ثم أطبقتا على عنقه.

جسمه يتداعى، يسقط بجوارها، فتنهل من دمه وقد غدا بلا رأس بعدئذ يضمحل الوحش فيها مرة ثانية، يتلاشی، فتقف هناك تطرف أجفانها بغباء شديد تكاد قدماها لا تحملانها وكأنها لم تكن تعلم أن على جميع القصص أن تنتهى معًا وأن النار قد استهلكت كل ما فيها من قوة وأنه فى يوم الحساب، لا يعفى حتى القضاة من الحساب وأنه من المستحيل أن تظل قوة وحش العار طويلًا ضمن هيكل واحد من اللحم والدم أيًا كان هذا الهيكل. ذلك أن الوحش ينمو يتغذى يتضخم إلى أن تعجز الأوردة الدموية فى ذلك الهيكل عن التوسع فتنفجر.

الانفجار يندفع، موجة صدمة تقوض البيت، ثم تندلع كرة النار التى تجسد الاحتراق، تتدحرج نحو الأفق كأمواج بحر، وفى الختام تنبثق غيمة ترتفع فى السماء، تمتد، تبسط أجنحتها على الخواء، على العدم، إلى أن يتعذر على أن أرى هناك ما لم يعد له وجود، لكن الغيمة الساكنة تتخذ هيئة رجل ضخم أشيب مقطوع الرأس، طيف من طيوف الأحلام، شبح يرفع يده ملوحة بالوداع.

من رواية: العار، ترجمة: عبد الكريم ناصيف

تاريخ الخبر: 2022-08-13 21:21:23
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

البرج: مشاريع في المياه والتهيئة برأس الوادي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 03:24:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية