مرة أخري.. رحمة بالبراعم الصغيرة
مرة أخري.. رحمة بالبراعم الصغيرة
تحدثت قبل ذلك عن الكتابة للاطفال وإعداد البرامج لهم, ومدي ضرورة ترك هذا المجال للقادرين عليه, الواعين المدركين لاحتياجات الطفل ورعاية شخصيته ونفسيته وعقليته.
ولكني وجدت نفسي مضطرة إلي الكتابة عن هذا الموضوع مرة أخري لأهميته ولم أستطع أن أسكت بعد أن شاهدت في التليفزيون أخيرا برنامجا أعد خصيصا من أجل الأطفال, ويبدو أنه أعد لإرعابهم وتخويفهم وتشويه خيالهم.
البرنامج اسمه عرائس كفاح يقدمه مسرح القاهرة للعرائس لابنائنا الحلوين كما قالت المذيعة ليقضوا دقائق مع برنامجهم الممتع, وانتبهت للبرنامج الذي يشاهده طفلي, وبدأ البرنامج يقدم عريسا وعروسة يتحدثان عن جمال الدنيا وحلاوتها بالغناء ثم بمجموعة من العرائس الأطفال يغنون غنوة تناسب سنهم, وفجأة ظهرت علي الشاشة وجوه ثلاثة وحوش كاسرة مخيفة مرعبة تحدث أصواتا مزعجة وتهدد الأطفال بالتهامهم , وفتح كل وحش فمه والتقط طفلا من الأطفال الذين كانوا منذ لحظات يغنون وبدأ يلتهمهم بين أنيابه بطريقة يقشعر لها البدن, وظهر أهل البلد يبكون ويولولون ويبتهلون إلي الله أن يرفع عنهم الكرب ويساعدهم في القضاء علي هذه الوحوش, وفجأة أيضا يلتهم أحد الوحوش الفتاة الجميلة التي كانت تغني مع فتاها عن بهجة الدنيا وجمالها, ويصمم أهل البلد علي الثأر, ويتحد سكانها ويبدأون في ضرب الوحوش والقضاء عليهم. ويبدو منظر الوحوش وهي تبكي وتولول ساذجا, ثم عادت البلد تغني وإلي هنا انتهي البرنامج الذي كتب لتسلية الأطفال والترفيه عنهم وإضحاكهم وتعليمهم أيضا.
وفتح طفلي الذي يبلغ الثامنة فمه ليقول ومازال الخوف يسيطر علي صوته وملامحه:
ـ ماما حينما أري برنامجا مثل هذا لا أستطيع النوم طوال الليل ويسيطر علي الخوف, ابقي بجانبي ولا تتركيني بمفردي.
ويكفي ما قاله طفلي تعليقا علي مثل هذا البرنامج الذي لم يسبب له سوي الخوف والفزع رغم أن الذي كان يتحرك أمامه عرائس صغيرة كان يمكن أن تسعده وتسليه وتؤنسه.
هل يكن أن يتعلم الطفل وهو خائف مرتعب؟ هل يستطيع أن يفهم المقصود من مثل هذا البرنامج وذهنه سارح في منظر الوحوش الكاسرة تلتهم بين أنيابها طفلا صغيرا في مثل سنه؟
وهل يمكن أن ندعي بعد ذلك أن الذين يكتبون للأطفال ويعدون لهم البرامج يفهمون عقلية الطفل ونفسيته, ويعرفون ماذا يجب وما لا يجب أن يقدم له؟
مرة أخري نرجو من المسئولين في جميع أجهزة الإعلام أن يعيدوا النظر في كل ما يقدم لأطفالنا, وما يكتب لهم, حتي لا تشوه عقلية ونفسية أطفالنا رجال المستقبل.