شيخوخة الشر
شيخوخة الشر
تبدأ مرحلة ما قبل ولادة الإنسان مجرد نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظام ثم لحم يكسو العظام ثم تبث فيه الروح.
وكل تلك المراحل تتم في ملاذ آمن هو الرحم.. وقد أثبت علم الأجنة أن هناك فترة زمنية تزيد عن الأسبوعين بين النطفة والعلقة يكون فيها نمو الجنين بطيئا جدا بل يكاد يتوقف لأن الشغل الشاغل للنطفة في تلك المرحلة هو أن تغرس نفسها وبشدة في جدار الرحم لتتمكن من امتصاص ما يلزمها من غذاء.. إذ أن هذا الإمداد هو ما سيؤهلها للنمو والاكتمال..
وما أن تضمن النطفة تأمين مستقبل نموها وازدهارها, تتلاحق باقي المراحل في سلاسة وبلا أي جهد يذكر..
ويكتمل الجنين, ويخرج من الرحم -بعد تسعة أشهر- مولودا تستقبله الحياة في دورة حياة جديدة تسمي مرحلة ما بعد الولادة.
يستهلها كرضيع وسرعان ما يخطو أعتاب مرحلة طفولة مبكرة تليها طفولة متوسطة ومتأخرة ثم مراهقة يليها رشد.. وبين ليلة وضحاها يقرع باب العمر ضيف لا مفر من استضافته وهوالشيخوخة..
هذا فيما يخص الإنسان ولكن..
ألا تشبه مراحل دورة حياة البشر- إلي حد التطابق – دورة حياة الشر؟؟!!
بداية دعوني أضع تعريفا سلسا لمعني كلمة شر..
الشر هو الجانب السلبي اللاأخلاقي في تفكير بني البشروسلوكهم والذي -من جرائه- يقتل ضمائرهم ويستبيح الأفكار والأفعال التي تتسبب بشكل مباشر أو غير مباشر بالعثرات أو الألم أو المعاناة للآخرين..
هذا هو مفهوم الشر في كلمات مبسطة..
وإذا أمعنا البصيرة قليلا سنجد أن للشرمرحلة (ما قبل الولادة) وأيضا مرحلة ما بعد الولادة تماما كالإنسان..
يبدأ الشر مجرد بذرة فكرة فاسدة تلقي في العقل والنفس ولا يطردها الإنسان سريعا بل يتفاوض معها ويستقبلها تماما مثل النطفة في رحم الأم.. وتظل نطفة الشر كامنة فترة من الوقت مستكينة لا تنمو لكنها تبحث عن تربة فاسدة تحتضنها وتضرب فيها جذورها لتعزز لها الغذاء الفاسد اللازم لبدء مرحلة نموه وتطوره قبل اكتماله وولادته.
وبالفعل تبدأ نطفة الشر التي سمحنا لها بكامل إرادتنا وحريتنا الممنوحة لنا من الله -بالتواجد والتوغل في ثنايا العقل والنفس والروح الذين تغذوا علي المفسدات اللازمة- تبدأ في طرق كل باب للانحراف والخطية وترسخ دعائم لها في كل مصدر يمدها بالغذاء الفاسد المفسد لتسهيل مهمة النمو السريع وبالفعل يبدأ الشر في النمو ويكتمل استعدادا لميلاده خارج حيز العقل والنفس والروح ويخرج إلي العلن في صورة أفعال وممارسات مخزية..
تبدأ الأنثي الطاهرة بالفطرة والوصايا الإلهية بالنظر إلي ممارسات بنات العالم المخالفة لوصايا الله تحت مظلة الانفتاح والتحضر ومسميات براقة فتجد نفسها وقد سقطت في هوة سحيقة ليس لها قرار ولا مستقر وتنزلق قدماها لتهوي في مستنقع مميت لم يخرج منه أحد سالما أبدا..
سلم التنازلات.. تنازلات عن الثوابت التي خلقنا عليها بالسليقة والطبيعة الأولي قبل أن تلوثنا البدع الشيطانية التي تدس السم المميت في العسل الشهي لحصاد إن أمكن كل الخليقة أحياء قبل أموات.
فتجد الأنثي -أثناء انجرافها الخارج عن السيطرة في هوة الهلاك- أنها في حاجة دائمة أن تعلي علي نفسها وعلي غيرها من قريناتها- اللائي سلكن نفس الدرب- لتحتفظ لنفسها بمكان ولو لبعض الوقت وسط كل هذا الصراع الشيطاني قبل أن تهلك وتنسي.
وهذا الرجل يحتاج أن يتفوق علي نفسه في المبيقات ليثبت وجوده في مستنقع الهلاك الذي هم بشق رحلة حياته من خلاله حيث لا تميز فيه إلا بدرجات الفساد والنجاسات والمبيقات والانحلال.
وما أقصر عمر الشر يا أحبائي وما أسرع بلوغه طور الشيخوخة ثم الموت المهين الذليل.. أسرع من سرعة الصوت والضوء بمراحل.
ويستفيق الغافل علي دماره الكامل بيد ما اشتهاه وهرع خلفه من معاص زينها له الشيطان في أثواب ومسميات لطيفة لا غبار عليها أبدا بل من لا يعترف بها ينعت بالرجعية والتخلف.
الحرية.. الشهرة.. المال.. الاستمتاع بالحياة.. إلخ..
في الحقيقة كلها أمور لا غبار عليها ولكن الخطورة تكمن في نوع الطريق المؤدي إلي تحقيقها هذا إذا تحققت أصلا بمفهومها الصحيح.
وهل يمكن لعاقل بصير أن ينسي سبب طوفان نوح.
أبناء الله نظروا إلي بنات الناس واتخذوا منهم أزواجا!! فندم الرب علي خلق الإنسان ندما شديدا!!
لا ينبغي أبدا أن نتنازل عن تعاليم ووصايا الله مهما كانت الأسباب لأن النتيجة حتما هي الهلاك حتي لو كانت البشائر الظاهرة في البدايات جنات تجري من تحتها الأنهار.
فلم نر أبدا شخصا عاش بعيدا عن رضا الله وكانت نهايته طيبة والأهم ولا حتي بدايته ولا ما بينهما من سنوات.
فكل شيء يصير مهلكا إذا فقد الإنسان رضا الله عنه ومعيته الحقيقية (لا الشكلية) في رحلة حياته..
والأحداث حولنا تؤكد ذلك كل لحظة..
لا سلام قال الله للأشرار فهو يجعل هلاكهم في أفراحهم..
الشروالخطية ونتائجهما المخزية المحزنة هما أقوي مرشد لحتمية ابتغاء رضا الله والاستماتة في الحصول عليها بالجهاد الصارم مع النفس والروح والجسد لضمان حياة آمنة راضية متنعمة بالسلام والبركة والسعادة الحقيقية يسيج الله حولها بسور من نور ونار لحماية كل من جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي.. سعي البداية الطيبة والنهاية الطيبة والحياة الطيبة فيما بينهما بعيدا عن الهلاك الناتج عنشيخوخة الشر.