أفكار للخروج من المأزق الراهن


جمال عبدالرحيم صالح

أفضل ما يمكن به وصف الواقع الراهن، أنه صراع ضعفاء، حيث الضعفاء المقصودين هم الإنقلابيين ومناصريهم من جهة، وقوى الثورة من جهة أخرى!

يتمثل ضعف الانقلابيين ومناصريهم في فشلهم الذريع في تنفيذ ما وعدوا به من تشكيل لحكومة مقبولة، وفي خلو جرابهم من أي برنامج يمكن أن يجد القبول في الشارع، أو التأييد من حلفائهم الإقليميين، دعك عن المجتمع الدولي. لقد فشلوا في توحيد صفوفهم وخطابهم، بل فشلوا حتى في تحقيق أوجب واجباتهم، والتي تعتبر مهمتهم الأساسية، وهي حماية الوطن ومواطنيه. لقد كان حصيلة ما قدموه لنا، قادة بائسين فاقدين للكفاءة المهنية والسياسية، ليس في جعبتهم غير القتل والغدر، وغير أفكار فطيرة يرددونها برتابة كدعوتهم “للمدنيين” للتوافق أو إجراء انتخابات.

أما ضعف قوى الثورة فيتمثل في فشلها، وطيلة ما يقارب العام، في صياغة رؤية وخارطة طريق، وفشلها في تنظيم نفسها وتوحيد قيادتها. ليس ذلك فحسب، بل أنها مختلفة حتى في إختيار الآلية الأنسب للخروج من دائرة الإنتظار إلى دائرة الفعل، فمن رافض للحوار مطلقاً مع العسكر، إلى كاره للحوار حتى مع قوى الثورة الأخرى، إلى طاعن في الآلية المدعومة دولياً، والمعضَّدة من قبل الحكومتين الأمريكية والسعودية. يكفي دليلاً على حالة الشرذمة والتوهان، أن يتبنى أحد رموز الثورة، وأعني هنا الأستاذ/ إبراهيم الشيخ، موقفاً سياسياً تُشْتَّم منه رائحة اليأس والخذلان.

تنبني هذه الورقة على قاعدة أن الفشل في توحيد قوى الثورة تحت مركز واحد، ذو رؤية موحدة، وإرادة منتجة، أضحى أمراً واضحاً ومؤكداً. إنه، ورغم تطاول الآماد التي بلغت العام إلا قليلاً، إلا أن الأزمات لا زالت تتعاظم، والخلافات تتمدد، والمواثيق والمبادرات تتعدد وتتكاثر. والحال كذلك، لا بد من تلمس طريق آخر يمكن عبره تنفيذ شعارات الثورة، بدون أن يكون ذلك مرهوناً بالوصول للوحدة المنشودة (المستحيلة في الواقع) بين قوى الثورة. فالزمن أصبح يمثل الخطر الأكبر على الثورة الآن.

1) ملخص للحقائق المجردة على الأرض:

*  الانقلابيون معزولون، حتى اليوم، على الأقل؛ وقد فشلوا في إقناع الشعب والمجتمع الدولي بجدارتهم في أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية. أكثر من ذلك، يؤكد الواقع الماثل أن هنالك إنقسام واضح في وسطهم، وهو أمر يمكن أن يشكل فرصة جيدة لقوى الثورة إن أحسنت التعامل مع ذلك الواقع، كما بذات القدر يمكن أن يشكل خطراً على مصيري الثورة والدولة.
*  قوى ثورة، لديها فرصة ذهبية لتشكيل سودان جديد، لكنها تفتقد للوحدة والتماسك الضروريين حيث مضى قرابة العام بدون وجود بارقة أمل لتوحدها.
*  عشرات المواثيق والمبادرات والمقترحات ملقاة على الطاولات في الوقت الذي تسيل فيه دماء الشباب على مدار اليوم في سبيل تحقيق حلم أصبح يضيع من أصابعهم كل يوم وآخر في انتظار المجهول.
*  لجان المقاومة هي التيار الرئيسي والحاسم، لكنها تفتقد للقيادة، وتنقصها الخبرة السياسية التي تسمح لها بتشكيل مؤسسات حكم لوحدها.
*  تعاطف دولي مع الثورة السودانية، لا يجد من يستثمره بشكل إيجابي، وربما ينزوي قريباً يأساً من حالة الإنسداد السياسي السائد والمتزايد، وضعف قوى الثورة في توحيد قواها.
*  بإختصار فإن القوى المدنية فشلت في تحقيق أهداف الثورة نتيجة لضعفها الذاتي، رغم توفر الشروط الموضوعية بألمع ما يكون.

2) مهام الفترة الإنتقالية (للتذكير):

هناك دعوات تصعد وتهبط من جانب الإنقلابيين، لتسويق فكرة أن حل الأزمة السياسية يمكن أن يتم عبر الإنتخابات “النزيهة”، وكأن هذه الانتخابات النزيهة ستقوم في الواق الواق وليس في السودان الذي نعرفه! وكأن هذه الانتخابات مجرد قضية فنية إجرائية تعني توفير صناديق وأوراق للإقتراع وقوائم مرشحين. إن أي حديث عن إنتخابات بدون التقيد بالشروط التالية، لا يعدو غير كونه تضييع للوقت؛ فالإنتخابات، كإجراء، لن تؤسِّس نظاماً ديمقراطياً لوحدها:
*  إصلاح المؤسسات العدلية كالقضاء والنيابة العامة شخوصاً وهياكل، وتطعيمها بعدد وافر من أولئك المقتدرين سواء الذين تقاعدوا بالمعاش، أم فصلوا لأسباب سياسية.
*  هيكلة المنظومة الأمنية من جيش وأمن وشرطة وتوحيد قوامها ودعمها بعدد وافر من المقتدرين المشهود لهم بالمهنية والنزاهة والذين غادروها بالتقاعد أو بالفصل.
*  إصدار قانون للعزل السياسي، يُجرِّم ويبعد جميع رموز وقيادات المؤتمر الوطني من ساحة الفعل السياسي.
*  إصدار قانون للتنظيم الحزبي، يلزم جميع الأحزاب بعقد مؤتمراتها وتنظيم عضويتها.
*  تكوين مفوضية عامة للدستور، تدير نقاشاً مجتمعياً مفتوحاً لا يستثني أحداً، وتصوغ من خلاله، وعبر مؤتمر شامل، دستوراً مؤقتاً للسودان، يكتسب ديمومته عند طرحه في البرلمان القادم.
*  قيام مفوضية للعدالة الإنتقالية، تضع المعايير والأسس اللازمة لتحقيقها، ثم تراجع وتنظر في المظالم والإنتهاكات السابقة والحالية.
*  قيام مفوضية عامة لمحاربة الفساد وتفكيك دولة الإنقاذ وفق قانون ينشأ لهذا الغرض، يتم من خلاله تفادي سلبيات تجربة لجنة التفكيك السابقة.

3) آفاق الحل للأزمة السياسية كما نراه:

بالنظر لوضع الإنقسام والتشرذم الذي تعانيه القوى المدنية، ذلك الذي تدل عليه علامات كُثَر آخرها ما صاحب موكب 26 يوليو السابق من أحداث، فإن ثورة الشعب ستذروها الرياح في حال لم تتخذ خطوات جريئة من أحد أو بعض مكونات قوى الثوة. وفي هذا أعتقد أن قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) هي الأنسب للقيام بهذه الخطوة الجريئة باعتبارها الأفضل تنظيماً، والأوسع تمثيلاً للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والأكثر تماسكاً وتوافقاً. وفقاً لهذا المقترح، سيكون مطلوباً من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الآتي:

*  إجراء التعديلات المطلوبة على الوثيقة الدستورية، أو إصدار وثيقة دستورية غيرها، لتكون إطاراً يحكم الفترة الانتقالية.
*  تجهيز قائمة المرشحين للمناصب الدستورية مشفوعة بسيرهم الذاتية. يشترط في المرشحين الكفاءة المهنية والشخصية بالإضافة للإلتزام الثوري.
*  تحديد نسب توزيع مقاعد المجلس التشريعي وفي هذا أرى أن يتم الإتفاق على تخصيص 51% من مقاعد المجلس التشريعي للجان المقاومة، و 20% لحركات دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان، مع ذهاب بقية المقاعد لقوى الحرية والتغيير.
*  طرح المقترحات أعلاه على من تراه مناسباً، ومتقبلاً للفكرة، من قوى الثورة الأخرى لإعطائها مزيد من الزخم، شريطة الإلتزام بقيد زمني محدد، تجاوزاً للتطويل الذي يسم مفاوضات التوحيد الجارية حالياً.
*  دفع التصورات الثلاثة أعلاه للمُسهِّلين الخارجيين (الآلية الثلاثية وحكومتي أمريكا والسعودية).
*  الطلب من المُسهِّلين عرض تلك التصورات ومناقشتها مع لجان المقاومة وكيانات الثورة الأخرى.

٤) دور المُسهلين (الآلية الثلاثية وحكومتي أمريكا والسعودية):

*  الخروج من دور المستمع لدور المبادر والفاعل والمشارك في الحل.
*  عرض التصور المقدم من قوى الحرية والتغيير، وبكل تفاصيله، للجان المقاومة للإضافة والتعديل عليه.
*  عرض التصور للمكون العسكري ومختلف القوى الفاعلة الأخرى.
*  القيام بدور الوسيط عبر ترتيب اللقاءات المتعددة الأطراف واللقاءات الغير مباشرة.

5) مصير إتفاق جوبا:

لقد أوضح سير الأحداث الكثير من المثالب والعيوب حول ذلك الإتفاق. وفي هذا نرى الآتي:

*  الحركات المسلحة الموقعة عليه ليس لها وجود سياسي، لا في الشارع، ولا في الميدان، يبرر ما حصلت عليه من استحقاقات. كما أثبتت الكثير من الأحداث، كاعتصام القصر، ومؤتمر قاعة الصداقة، ميل هذه القوى لعرقلة التطور الديمقراطي.
*  أثبتت التجربة العملية، أنه ليس هناك على أرض الواقع ما يمكن تسميته بمساري الشمال والوسط. هذا بالإضافة إلى أن الأحداث أوضحت أن ما سمى بمسار الشرق فشل في أن يمثل الشرق.
*  بوقوف أطراف إتفاق جوبا مع الإنقلاب العسكري، الذي صادر الوثيقة الدستورية، التي تعتبر مرجعية الفترة الإنتقالية، سقطت المرجعية الممنوحة لذلك الإتفاق ودستوريته.
*  يمكن، وبهدف ضم الحركات والمجموعات الموقعة على إتفاق جوبا، تحديد نسبة مئوية لها من مقاعد المجلس التشريعي، كما اقترحنا أعلاه؛ كما يمكن القبول ببنود الإتفاق المتعلقة بتخصيص الموارد المالية.

6) توضيح:

لا يعني تقديم مقترحاتنا هذه، حتى ولو تم القبول بها أو ببعضها، أن تكون بديلاً لحركة الشارع، كما لا يجب أن يعني ذلك إيقاف الحوار الدائر بين الأطراف المختلفة الممثلة لقوى الثورة في إتجاه توحيدها.

تاريخ الخبر: 2022-08-22 15:22:43
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

عادل رمزي مدربا جديدا لمنتخب هولندا لأقل من 18 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 21:26:15
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

عادل رمزي مدربا جديدا لمنتخب هولندا لأقل من 18 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 21:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية