لقد دخلت كازاخستان مرحلة مقامرة دبلوماسية عالية الخطورة، إذ تحاول الالتفاف على روسيا لشحن نفطها إلى أوروبا المتعطشة للطاقة.

تعتمد كازاخستان الواقعة في آسيا الوسطى على النفط في أكثر من 50 في المئة من عائداتها الاقتصادية، ويأتي أكثر من ثلثي ذلك من المشترين الأوروبيين.

لكن هناك مشكلة، فكازاخستان، وهي تاسع أكبر مصدّر للنفط في العالم، تشحن تقريباً كل نفطها عبر الأراضي الروسية.

استخدمت موسكو، التي تواجه عقوبات دولية بسبب هجومها على أوكرانيا، تكتيكات مختلفة لمنع "نور سلطان" من استخدام طريق بديل.

يقول إيكبولجون قورابوييف، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة إم.ناريكباييف كازغو، في العاصمة الكازاخية نور سلطان: "لقد شوهد مثال واضح للضغط الروسي على كازاخستان في يوليو/تموز الماضي عندما أمرت محكمة روسية محلية بوقف تشغيل خط أنابيب بحر قزوين (CPC) بذريعة انتهاكه للقواعد البيئية".

وأضاف قورابوييف في حديثه مع TRTWorld أن "اللافت للنظر أن قرار المحكمة هذا قد اتُّخذ في 5 يوليو/تموز، أي بعد يوم واحد من مكالمة هاتفية بين رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف وتشارلز ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، إذ عرض توكاييف استعداد كازاخستان لزيادة صادرات النفط إلى الاتحاد الأوروبي".

يمرّ خط أنابيب بحر قزوين بطول 1500 كيلومتر عبر الأراضي الروسية لنقل النفط الكازاخستاني إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود.

تسعى كازاخستان، التي تصل معظم صادراتها النفطية إلى الأسواق الأوروبية عبر موانئ البحر الأسود الروسية ، إلى طرق بديلة مثل خط أنابيب باكو - تبيليسي - جيهان لضمان وصول بترولها إلى الغرب. إلى الشمال باللون الأزرق خط بحر قزوين. وإلى الجنوب باللون الأخضر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان (Others)

وكانت محكمة روسية عُليا ألغت القرار المشار إليه، لكن وجود سلسلة من الأحداث التي عاقت الشحنات الكازاخستانية أثار مخاوف بشأن اتساع الخلاف بين الدولتين الجارتين.

وبعد عاصفة ضربت منشآت التحميل في ميناء نوفوروسيسك في مارس/آذار، قالت السلطات الروسية إنها لن تكون قادرة على التعامل مع نفط خط بحر قزوين لعدة أشهر، مما يحرم كازاخستان مصدر دخلها الرئيسي.

وفي هذا السياق قالت موسكو إنها غير قادرة على استيراد المعدات اللازمة لإصلاح المنشآت بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية-الأوروبية، التي جعلت المبادلات التجارية الدولية صعبة على الشركات الروسية.

يرى قرابوييف أن وراء حكم المحكمة الروسية أبعاداً سياسية، ففي الأشهر الأخيرة لم تكُن السياسة الخارجية لكازاخستان متماشية مع موسكو في ما يتعلق بقضية أوكرانيا.

سبب آخر وراء رغبة روسيا في معاقبة كازاخستان، الجمهورية التي كانت سابقاً تابعة للاتحاد السوفييتي، وتُعتبر حليفة لموسكو حاليّاً، فقد استكشفت كازاخستان مؤخراً طرقاً بديلة للنفط، بما في ذلك إمكانية نقل النفط الخام عبر خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان (BTC)، الذي يمر عبر تركيا. وقد ألمح الرئيس توكاييف إلى هذا خلال اتصاله مع رئيس المجلس الأوروبي.

يقول قورابوييف إن خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان، الذي يمرّ من أذربيجان إلى جورجيا ومنطقة البحر المتوسط في تركيا، "يمكن اعتباره بديلاً جذاباً لنقل النفط الكازاخستاني إلى أوروبا". ويذكر أن كازاخستان اتبعت موقفاً محايداً من الهجوم الروسي على كييف، ورفضت الاعتراف بالمناطق الانفصالية الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا كدول مستقلة.

ويرى قرابوييف أن "ضغوط روسيا تتزايد لدفع كازاخستان إلى اتخاذ موقف بشأن أوكرانيا. هذه الضغوط الجيوسياسية تُترجَم إلى تأثير غير مرغوب فيه في التجارة الخارجية"، غير أن خبراء يقولون إن الضغوط الروسية لا تثمر.

في الشهر الماضي رفض الرئيس الكازاخستاني تَسلُّم وسام ألكسندر نيفسكي، وهو وسام مرموق يُمنَح للمواطنين الروس الذين يتمتعون بسجلّ خدمة مدنية مرموق. أجبرت الخلافات بين كازاخستان وروسيا والمخاوف الأمنية في البحر الأسود حكومة توكاييف على استكشاف بدائل مثل خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان لنقل نفطها إلى الأسواق الأوروبية.

إن استخدام خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان لنقل النفط من كازاخستان ودول آسيا الوسطى الأخرى إلى السوق الغربية ليس فكرة جديدة. لقد افتُتح خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان عام 2006، ويُستخدم أساساً لشحن النفط الأذربيجاني.

يقول مسؤول كبير في وزارة الطاقة التركية، طلب عدم الكشف عن هويته، إن النفط الكازاخستاني ضُخّ عبر خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان في مناسبات قليلة. وقال المسؤول لـTRT World إن النفط الكازاخستاني الذي يُنقَل عبر خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان مطلوب منذ عام 2018 عندما أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.

وقال المسؤول التركي في وزارة الطاقة إن "تَدفُّق النفط الكازاخستاني في خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان زاد ثلاث مرات بين عامَي 2018 و2021". تعتمد حكومة كازاخستان أكثر على خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان هذا العام في أعقاب المشكلات التي طرأت على خط أنابيب بحر قزوين. وأضاف: "أهمية الطرق البديلة في أمن إمدادات الطاقة واضحة. أثبتت تركيا دائماً أنها طريق موثوق به. ربما كان خط أنابيب بحر قزوين أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية لكازاخستان، لكن هذا المثال يوضّح لنا أيضاً أنه في بعض الحالات تكون الثقة أكثر أهمية".

يقول الخبراء إن الصراع الجاري في أوكرانيا، الذي زعزع استقرار سوق الطاقة، زاد إغراء خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان ولو كانت تكلفة نقل النفط الكازاخستاني من خلاله أعلى وتستغرق وقتاً أطول بكثير.

من المرجح أن تزيد أوروبا، التي كانت تعتمد حتى وقت قريب على روسيا في تلبية معظم احتياجاتها من النفط والغاز، اعتمادها على كازاخستان، كما يقول أوتابيك أومونكولوف، الأكاديمي الأوزبكي الخبير في سياسات آسيا الوسطى. يشكّل النفط الكازاخستاني حالياً ما يقرب من 6 في المئة من استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

من ناحية أخرى حسب أومونكولوف، فقد دفعت مشكلات كازاخستان المتزايدة مع حليفتها القديمة روسيا أيضاً الجمهورية السوفييتية السابقة لإيجاد بديل جيد لخط أنابيب بحر قزوين الذي تسيطر عليه موسكو. أثار بعض التصريحات الروسية، بما في ذلك الخطاب الذي ألقاه الرئيس فلاديمير بوتين عام 2014، الذي بدا كأنه يشكّك في وحدة أراضي كازاخستان، مخاوف في نور سلطان، مؤكدة الحاجة إلى إيجاد طرق بديلة لبيع صادراتها الأكثر قيمة.

في حديثه مع TRTWorld يقول إسريف يالينكيليجي، وهو محلل سياسي متخصص بمنطقة أوراسيا يقيم في موسكو، إن بين القادة الكازاخستانيين عدم ارتياح بشأن تشكيك روسيا في وحدة أراضي كازاخستان. وأضاف: "بين النخب الكازاخستانية شعور متزايد بأن الدولة بحاجة إلى تقليل اعتمادها على روسيا في مختلف المجالات، ناهيك بنقل النفط".

يعتقد أومونكولوف أن البحث عن طرق بديلة مثل خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان تأخذه حكومة كازاخستان على محمل الجِدّ، لأن الطريق الأذربيجاني-التركي "يمنحهم كثيراً من الأمل لتصدير نفطهم" بلا مساعدة روسية. ورغم أن خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان يتمتع بقدرة تصديرية أقلّ من خط أنابيب بحر قزوين، فإن السيطرة الروسية على الأخير تجعل كازاخستان تشعر بالتوتر. ويضيف: "يتوافق خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان مع السياسة المعلنة رسمياً لكازاخستان لتطوير طرق بديلة لصادرات النفط، كما أنه سيتوافق مع الاتجاه العامّ لتنشيط الروابط الاقتصادية والتجارية بين البلدان الناطقة بالتركية.

المقاربة الروسية

تسببت التطورات المتعلقة بتصدير النفط عبر خط أنابيب بحر قزوين في إزعاج الروس الذين حاولوا الضغط على نور سلطان لتجنُّب أي طريق نقل آخر للنفط الكازاخستاني. لكن يبدو أن محاولات موسكو أدت إلى نتائج عكسية، إذ تهدف كازاخستان إلى زيادة استخدام خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان.

يتنبأ يالينكيليجي بردّ فعل روسي محتمَل على استخدام كازاخستان خطّ أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان، ويضيف: "في الوقت الذي تمارس فيه الدول الغربية ضغوطاً كبيرة على صادرات النفط والغاز الروسية، فإن موسكو لن تسمح لكازاخستان بإهدار دبلوماسية الطاقة الروسية".

ويعتقد أومونكولوف من جانبه أيضاً أنه إذا لم يُنسَّق استخدام كازاخستان لخطّ أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان مع الروس بطريقة دقيقة، فقد تستخدم موسكو وسائل مختلفة لمنع استخدام نور سلطان خط الأنابيب المشار إليه.

ووفقاً ليالينكيليجي فإنه في الوقت الذي توصلت فيه خمس دول حول بحر قزوين إلى اتفاق تاريخي عام 2018 بشأن حدود المياه الإقليمية وتقاسم مواردها الطبيعية، فإن القضايا التي لم تُحَلّ في ما يتعلق بالحقوق البحرية قد تعرّض جهود كازاخستان لاستخدام خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان للخطر.

يُذكر النفط الكازاخستاني يُنقَل على متن ناقلات عبر بحر قزوين قبل ضخّه في خطّ أنابيب بحر قزوين بميناء قرب العاصمة الأذربيجانية باكو. يقول خبراء إن روسيا التي لها نفوذ كبير في الشؤون البحرية لبحر قزوين، قد تعترض على تحركات الناقلات الكازاخستانية في البحر إذا تصاعدت التوترات بين موسكو ونور سلطان.



TRT عربي