أثيرت ضجة بشأن وجود طبق "السلطة الروسية" ضمن قائمة الطعام في قمة الناتو والتي عقدت بمدريد في يونيو/حزيران الماضي، في تأكيد أن دبلوماسية الطعام أصبحت تحتل حيزاً واسعاً في عالم اليوم. وأن تقديم الطعام على الموائد الدبلوماسية يحمل الكثير من الرسائل بين الدول كما بين الأفراد.

كانت موائد السلاطين والأباطرة العامرة بشتى أصناف الطعام مكاناً للتداول مع ضيوفهم من الدول الأخرى بغية التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات منذ القدم. تعتبر طبيعة الطعام الذي يجري تقديمه في حفلات الاستقبال والقمم الدبلوماسية مهمة جداً لصنع القرار.

ذكرت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أن أقدم صيغة للدبلوماسية العامة كانت تتمثل في الطعام، بدبلوماسية الطهي تتخطى التي الحواجز والحدود، وهي أداة لخلق التفاهم بين الثقافات وتحسين التفاعل والتعاون. وهي دبلوماسية مستحدَثة تقوم على نظرية التأثير والإقناع، فعلى طاولة الطعام يُمكن فهم النزاعات بأبعادها السياسية والاقتصادية أو الدينية، وطرح الحلول لهذه الإشكالات، فالغذاء يسهّل عملية التواصل والاتصال ويُخفض من منسوب التوتر ويفتح أبواب التوافق على مصاريعها.

يُعرَف هذا النوع من الدبلوماسية بأسماء من قبيل "دبلوماسية الطهي" أو "دبلوماسية المعدة" أو "دبلوماسية المائدة"، وبصورة أكثر وضوحاً فإن "Gastrodiplomacy" هو استخدام الممارسات الغذائية كأداة للقوة الناعمة، بهدف تنسيق العلاقات الدولية وتطويرها من خلال الربط المنطقي بين الجغرافيا السياسية للغذاء والعادات والتقاليد، أي أنها جزء لا يتجزّأ من الدبلوماسية الثقافية التي تحلِّل احتياجات البلدان وتدفقاتها الإنتاجية على كل المستويات، والنظر في قنوات التواصل المتاحة لإقامة اتفاقات وصفقات بينية.

يشير الكاتب فابيو باسيكولي في مقال له في فورن بولسي حول كيفية استخدام الدول الغذاء لكسب الأصدقاء والتأثير في الناس، إلى "أنه تم استخدام دبلوماسية المعدة Gastrodiplomacy في إشارة إلى الحملات العالمية الدبلوماسية الناعمة التي تهدف إلى زيادة الاهتمام بفن الطهي والمنتجات الغذائية الخاصة بالدولة من أجل رفع مكانتها، وتوليد النوايا الحسنة، والاستمتاع بالمكاسب الاقتصادية والتجارية غير المتوقعة". وُصِفَت الدبلوماسية الغذائيّة بطرق مختلفة على أنها "ممارسة حكومية لتصدير تراثها الطهوي الوطني كجزء من جهود الدبلوماسية العامة"، أو "ممارسة مشاركة التراث الثقافي لبلد ما من خلال الطعام"، أو ببساطة "كسب القلوب والعقول من خلال المعدة".

ويضيف ببسيكولي بأن الحكومة التايلاندية في عام 2002 أطلقت مبادرة لزيادة عدد المطاعم التايلاندية حول العالم من 5500 إلى 8000. هدفت المبادرة إلى تسهيل قدرة كل من المطاعم التايلاندية وغير التايلاندية على استيراد الطعام من تايلاند، وتوظيف طهاة تايلانديين، وحتى الحصول على قروض ميسرة. كانت الحكومة التايلاندية عازمة على تقديم صورة إيجابية، ربما لموازنة التصور السلبي الناجم عن سمعة البلاد كوجهة للسياحة الجنسية. جرى إنشاء علامة "Thai Select" للمصادقة على المطاعم التي توظف طهاة وموظفين تايلانديين، حيث ضمنت الأطباق التايلاندية في قوائمها، والمكونات المستخدمة وأدوات المائدة المستوردة من تايلاند. كما أنه جرى توقيع اتفاقيات مع دول أجنبية لتسهيل حصول الطهاة التايلانديين على تأشيرات العمل.

تبنت العديد من الدول استراتيجيات مماثلة للانطلاق بأطعمتها نحو العالمية. كما دخلت العديد من الدول في شراكات مع دول أخرى، فقد أقامت شبكة الدبلوماسية الدولية العامة والتي تضم 9 دول من بينها تركيا وقطر وتايوان ونيجيريا، المنتدى الدبلوماسي لفن الطهي بالعاصمة القطرية الدوحة، والذي عبر عن مفهوم جديد للطعام يتخطى كونه مظهراً من مظاهر الكرم والاحتفاء، إلى كونه عنصراً مهماً وفاعلاً وقوة ناعمة في تعزيز التواصل بين الشعوب و المجتمعات ونشر الثقافات، بل وكسر الحواجز بين قادة الدول.

تركيا ودبلوماسية الطعام

تسعى تركيا إلى تعزيز مكانتها في "دبلوماسية الطعام" وإبراز قوتها الناعمة في هذا المضمار من خلال طرق عدة. فتركيا تبذل جهودا مختلفة لتعزيز والترويج ل"سياحة الطعام".

فعلى سبيل المثال فقد كانت هناك فعاليات أسبوع المطبخ التركي في مايو/أيار الماضي والذي انطلق في عدة مدن بتركيا، كما تضمن فعاليات خارج تركيا، كاستضافة البيت التركي بوسط مدينة نيويورك الأمريكية، فعالية للتعريف بالمطبخ التركي والترويج له.

كما شاركت السيدة الأولى أمينة أردوغان في مهرجان الطهي والذي أقيم بولاية بالكسير، حيث ذكرت بأن "دبلوماسية الطعام تعد من القوة الناعمة للدول، فافتتاح المطاعم العريقة في المدن الكبرى حول العالم، لا تعد أماكن للطعام والشراب فحسب، بل ممثلاً يرفع راية البلد الأم. مؤكدة أن أبواب المطاعم لا تنفتح على ما بداخلها من طاولات وكراسي فقط، وإنما تنفتح أيضاً على حضارة وثقافة وجغرافية وعادات وعقيدة البلد. وأكدت أمينة أرودغان أن" تراثنا هو طريقة فريدة لتعزيز صورة بلادنا والتعبير عن أنفسنا بالشكل الأمثل".

يتميز المطبخ التركي بالتنوع فلكل ولاية تركية نكهتها وطبقها المميز، مما يرضي جميع أذواق السياح، وهذا ما تسعى تركيا للترويج له من أجل جذب المزيد من السياح لتذوق الطعام التركي والتعرف على فن الطهي التركي. يقول رمضان بينجول اختصاصي فن الطهي التركي الذي تحدث لموقع trthaber عن المطبخ التركي وإمكانياته "المطبخ التركي بمرحلة جيدة جداً، لكنه لم يأخذ مكانته المستحقة في العالم بعد، لذلك علينا العمل أكثر على برامج التسويق بشكل أكبر. إذا عملنا جيداً يمكننا تحقيق دخل يتراوح بين 10 و15 مليار دولار سنوياً. توجد دول تنفذ هذه المهمة جيداً، على سبيل المثال بيرو وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وأجزاء معينة من الولايات المتحدة الأمريكية".

نال الكثير من طهاة الموهوبين في تركيا شهرة عالمية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحوا من المشهورين عالمياً بفضل الملايين من متابعيهم حول العالم، وأصبحت مطاعمهم مقصداً للسياح من مختلف دول العالم، كما أن متابعيهم على السوشيال ميديا يأخذون منهم وصفات من الطبخات التركية المتنوعة، ومن بين أشهر هؤلاء الطهاة نصرت غوكشيه وبوراك أوزدمير.

لقد أضاف الطعام بعداً جديداً للسياحة، فأصبح السائح يسعى إلى الاستمتاع بتجارب الأكل المميزة وتذوق أصناف جديدة لم يكن يعرفها من قبل، كما أن سياحة الطعام جعلت من المطبخ فرصة للتعرف على الجوانب الثقافية والاجتماعية للشعوب الأخرى، والتعرف عن قرب على هويتهم الثقافية والاجتماعية.



TRT عربي - وكالات