في وقت تتزايد به مخاوف اندلاع كارثة نووية في ظل استمرار القصف بجانب محطة زابوريجيا الأوكرانية -أكبر محطة نووية لتوليد الكهرباء في العالم- والتي قطعت عنها القوات الروسية مؤخراً أغلب موارد الطاقة الرئيسية اللازمة لتبريد المفاعلات، بدأت ألمانيا تستشعر خطر حدوث مأساة نووية تفوق ما حصل في محطة فوكوشيما اليابانية قبل 11 عاماً.

وإلى جانب الخطر النووي الذي يقف على أعتاب القارة الأوروبية يعاني الاقتصاد الألماني مشكلات غاية في الخطورة قد لا توقف نموه وتدخله في ركود وحسب، بل قد تلحق ضراراً بالغاً بقطاع الصناعة الذي يعتمد بشكل أساسي على الغاز الرخيص القادم من روسيا والذي تعوق موسكو ضخه عبر أنبوب "نورد ستريم1" رداً على مشاركة ألمانيا بالعقوبات الغربية على روسيا، وتزويدها لأوكرانيا بالأسلحة والمعدات مجاراةً للدعوات الأمريكية التي ترسل معونات أسلحة بمليارات الدولارات.

ولا شك بأن موجة الجفاف الحادة التي تضرب القارة العجوز وتسببت بجفاف نهر الراين -عصب النقل التجاري الرئيسي في البلاد، بالإضافة إلى التحذيرات التي تقول إن شتاءً قاسياً ينتظر القارة برمتها، تضغط على الحكومة الألمانية لإيجاد حلول لأزمة الطاقة التي تنذر بالإتيان على الأخضر واليابس في ألمانيا إذا ما طال عمر الحرب الأوكرانية وازدادت حدتها خلال الأيام والأسابيع القادمة.

الاصطفاف مع الغرب ضد روسيا

منذ بداية الحرب الأوكرانية قبل 6 شهور لم تكن ألمانيا من الدول المسارعة لدعم أوكرانيا بالسلاح، لكن توحد الغرب واصطفافهم خلف الولايات المتحدة دفع ألمانيا إلى الانخراط بالخطط الغربية التي وضعت لغرض هزيمة روسيا عبر حزم العقوبات الاقتصادية والسياسية غير المسبوقة.

حاولت ألمانيا البقاء على الحياد فيما يتعلق بمسألة إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة إلى أوكرانيا، حتى بدأت تتعرض لموجات انتقاد حادة من القادة الأوكرانيين ووسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، الأمر الذي دفعها بالنهاية إلى اللحاق بركب أمريكا وحلفائها ووضع اقتصادها وماكيناتها الصناعية تحت رحمة روسيا وغازها الطبيعي.

وما أن بدأت العقوبات الروسية تؤتي أكلها على الاقتصاد الألماني ووصوله إلى جيوب المواطنين الألمان، حتى استشعرت الحكومة الألمانية خطورة ما تفعله وعدم نجاعته بالشكل الذي خطط له. كما أدركت أن إطالة عمر الحرب لن يصب بمصلحة ألمانيا ولا اقتصادها في ظل الجفاف وأزمة الغاز واقتراب الشتاء، لذلك بدأت في البحث عن وسائل أخرى لحل المسألة والتوقف عن مجاراة أمريكا وإرسال المزيد من الأسلحة.

ألمانيا أكبر الخاسرين

بدأت بعض النخب السياسية الألمانية ترى أن طول عمر الحرب يصب بمصلحة أمريكا فقط، التي لا تتوانى عن إرسال مساعدات حربية ضخمة إلى أوكرانيا في ظل مساعيها الرامية إلى استنزاف روسيا عبر الإبقاء على نار الحرب الأوكرانية مشتعلة بعيداً عن حدودها ومصالحها. وقبل أيام وتحديداً في ذكرى استقلال أوكرانيا عن روسيا أرسلت الولايات المتحدة أسلحة تجاوزت قيمتها حاجز 3 مليار دولار، ما يؤكد المزاعم التي تقول إن واشنطن مستمرة بتغذية الحرب الأوكرانية وتريد لها الاستمرار.

في الأشهر الأولى من عمر الحرب كانت ألمانيا متفقة مع الرؤى الأمريكية المطالبة باستقلال أوكرانيا وسيادتها الكاملة على كل أراضيها وضرورة مقاومة الهجوم الروسي حتى آخر جندي أوكراني، لكن الحال تغير في الوقت الحالي، خصوصاً أن الأزمات بدأت تتفاقم وتمتد من الاقتصاد والصناعة إلى البيئة والطاقة، وصولاً إلى خطر حدوث كارثة نووية بالقرب من الحدود الألمانية.

بالمقابل أمر بوتين بزيادة عدد أفراد الجيش الروسي بـ10% ليصل عددهم إلى أكثر من مليونَي جندى مقاتل، فيما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن دبلوماسي روسي كبير تحذيره من أن موسكو لا ترى إمكانية في التوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لافتاً إلى أنها تتوقع صراعاً طويلاً.

استمرار الحرب ينعكس بشكل سلبي على ألمانيا واقتصادها، وحتى استقرارها السياسي، خصوصاً أن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز لم يأتِ إلى سدة الحكم بالتزامن مع الحرب وحسب، بل وجد سلفه المستشارة أنغيلا ميركل وضعت معظم البيض الألماني في سلة بوتين.

البحث عن وسائل أخرى

حسب صحيفة سبيكتور البريطانية دعا ممثلو الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الذي يتزعمه المستشار الحالي أولاف شولتز، في أحدث نداء علني له هذا الأسبوع من أجل السلام في أوكرانيا، إلى إنهاء توريد الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا والدعوة إلى محادثات سلام مع روسيا.

وفي رسالة بعنوان "يجب أن تصمت الأسلحة" جادل المؤلفون بأن الوقت قد حان لإيجاد طريقة للعيش مع الحكومة الروسية والضغط على المستشار أولاف شولتز. وجاء في الرسالة أن "استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الضحايا والدمار. نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن كنقطة مرجعية لمفاوضات سلام شاملة".

يطالب نداء الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري نفسه بوقف إطلاق النار في أوكرانيا حتى لو كان ذلك يعني "قبول الحقائق التي قد لا يحبها المرء". فيما يأمل الموقعون أن تتمكن دول ثالثة من التدخل كوسطاء.

TRT عربي