يشهد عالمنا اليوم تغييراً مناخياً أصبحت له نتائج كارثية تجلت في ارتفاع درجات الحرارة واندلاع الحرائق في الغابات والفيضانات المدمرة. في الوقت الذي يزداد فيه استخدامنا اليومي للإنترنت وإدمانه، مما أثار جدلاً حول البصمة الكربونية التي تسهم بها أجهزتنا الصغيرة والذكية في التغير المناخي، والطاقة اللازمة لتشغيل السيرفرات والشبكات المنتشرة حول العالم، وما يصدر منها من حرارة.

يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. ولكن منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ. إذ ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات الغازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. ويعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.

بعد ظهور ثورة المعلومات الرقمية وانتشار الإنترنت أثيرت ثمة أسئلة حول الآثار السلبية لاستخدام الإنترنت على المناخ والبيئة. ففي تقرير لموقع (The Conversation) حول تغير المناخ: لماذا يجب على شركات التكنولوجيا معالجة الانبعاثات الناتجة عن التدفق المعلوماتي؟ ذكر الكاتب "دوق سبيتش" أن شركات التكنولوجيا مرت بعام صعب، بعد أن أدت تكاليف المعيشة إلى تقليل المستخدمين لتدفق البيانات التي يطلبونها، فلقد رفعت شركة "أمازون" من قيمة اشتراكها، وكذلك فعلت "تويتر" لنموذج الاشتراك الأزرق. لكن طرحت تساؤلات أيضاً عن تأثير كل هذه التقنيات على البيئة.

النفايات الإلكترونية أساس الكارثة

يمضي "سبيتش" إلى القول بأن الأبحاث تقدر النفايات الإلكترونية -العناصر الكهربائية المهملة من أجهزة الشحن إلى آلات التصوير- يمكن أن تتضاعف بين عامَي 2014 و2030. وقد بدأت اللوائح الجديدة معالجة هذه النفايات المادية، بما في ذلك أجهزة الشحن وإصلاح الأجهزة. ولكن لتقليل البصمة الكربونية الرقمية في العالم يجب أن تتجاوز هذه الجهود المادية لتشمل تأثير استخدام البيانات على البيئة أيضاً.

ويوضح الكاتب بأن النفايات الإلكترونية التي جاءت عقب الثورة الرقمية أصبحت تهدد أرضنا وصحتنا. وكمثال على ذلك فإن الشخص الذي يغيّر جواله كل 3 سنوات، على سبيل المثال، سيفعل ذلك 23 مرة إذا كان معدل حياته 70 عاماً، كما ذكرت ذلك منصة "تيك سلانغ" (techslang) في تقرير لها. وينتج عن تصنيع هذه الهواتف 1610 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو ما يساوي الطيران من لندن إلى نيويورك 2.5 مرة. وهذه هي الكمية التي يساهم بها كل شخص في التغير المناخي من تصنيع الهواتف المحمولة فقط. اضرب هذا الرقم في عدد سكان العالم الآن والبالغ نحو 7 مليارات إنسان ويمكن تخيل النتيجة.

إضافة إلى النفايات الإلكترونية يشير الكاتب "سبيتش" إلى أن العملات المشفرة. فلقد ذكر أنه "ربما سمعت أن العملات المشفرة ضارة بالبيئة بسبب الكميات الهائلة من الطاقة المستخدمة للتعدين أو إنتاج العملات الرقمية. وجدت إحدى الدراسات أنه يمكن أن يستهلك إنتاجها طاقة أكثر من استخراج كمية معادلة -حسب القيمة السوقية- من المعادن الفعلية مثل النحاس أو الذهب أو البلاتين. كما تشير تقديرات أخرى إلى أن شراء البيتكوين وتداولها يولد 18 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام.

ولكن حتى الأشخاص الذين لم يشتروا العملات الرقمية قد يتفاجأون بالبصمة الكربونية التي يتركونها من خلال أنشطتهم عبر الإنترنت. الطاقة المستخدمة في بث كل حلقات المسلسل الأمريكي Breaking Bad على "نتفليكس" ينبعث منها التلوث المكافئ لقيادة السيارة مسافة 27 ميلاً. حتى إن التمرير اليومي لمستخدم الوسائط الاجتماعية المتوسط ​​لمدة ساعتين و24 دقيقة يتسبب بانبعاثات مماثلة للقيادة لأكثر من 330 ميلاً لسيارة تعمل بالبنزين.

كلمة "شكراً" تحدث فرقاً

يؤكد الكاتب"سبيتش" أنه يمكن للتغييرات الشخصية الصغيرة في عاداتنا للتعامل مع الإنترنت أن تضيف تأثيراً كبيراً بشكل مدهش. فكل تفاعل رقمي لدينا يؤثر بشكل مباشر على الانبعاثات. فعلى سبيل المثال: إذا أرسل كل شخص بالغ بريطاني بريداً إلكترونياً واحداً من دون أن يكتب فيه كلمة “شكراً"، فيمكن توفير 16.433 طن من الكربون سنوياً. بالطبع إذا كان الاختيار بين السفر، بخاصة بالطائرة، أو إرسال بريد إلكتروني أو إجراء مكالمة فيديو، فإن الطريقة الرقمية تكون أقل ضرراً بكثير.

ويقترح الكاتب "سبيتش" أنه لضمان توافر مصادر الطاقة المتجددة الكافية لتشغيل بقية المجتمع بالإضافة إلى التقنيات الرقمية، يجب علينا تثبيط الأنشطة كثيفة الانبعاثات التي تولد ثروة ضخمة على حساب المستخدمين. مثل الإعلانات عبر الإنترنت، فيكشف الكاتب"أن الطاقة اللازمة لتشغيل متوسط ​​الحملة الإعلانية عبر الإنترنت تنبعث منها 5.4 طن من ثاني أكسيد الكربون -ثلث ما ينتجه المستهلك الأمريكي العادي في العام- بالإضافة إلى التشجيع على استهلاك مزيد من السلع".

مراقبة الاستهلاك الشخصي للكربون

توصي الكاتبة المتخصصة في القضايا البيئية لوسي سيغل في تقرير نشرته صحيفة "ذا تايمز" (The Times) البريطانية باستخدام حاسبة البصمة الكربونية التي اقترحها الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) وإدخال التفاصيل الخاصة بك لمعرفة حجم بصمتك الكربونية الشخصية، أي إجمالي الغازات الدفيئة الناجمة عن الانبعاثات التي تحتاج إليها في حياتك اليومية.

وتنصح الكاتبة باستخدام تطبيق لتتبع الاستهلاك الشخصي للكربون مثل تطبيق "بابرنت" (Pawprint) الذي جرى إطلاقه مؤخراً، الذي يسمح بمراقبة استهلاك الكربون تماماً مثل تطبيق مراقبة اللياقة البدنية.

الإنترنت ومبادرات الحفاظ على المناخ والبيئة

محركات البحث لها مبادرات مختلفة في هذا إطار مواجهة البصمة الكربونية، فقد أعلنت "غوغل" (Google) مؤخراً عن إجراء تعديلات على أدوات البحث الخاصة بها تزود السائقين بالمسارات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وفي الوقت نفسه يستخدم محرك البحث "أيكوسيا" (Ecosia) جزءاً من أرباح إعلاناته لدفع تكاليف إعادة التشجير في مناطق مختلفة من العالم، إذ جرى زرع أكثر من 135 مليون شجرة حتى الآن، وهذا تطور مهم جداً في مجال تحمُّل شركات التكنولوجيا مسؤوليتها الأخلاقية في مكافحة التصحر والتغير المناخي.

TRT عربي