غناء تحت المطر

فى الطريق لمعرض الفنون زخات مطر؛ يفتح مظلته، يدخل لصالة العرض، وعند تلك الصورة التى تحمل فى طياتها منحوتة توقف، وحوله جمع يتابعونها، يقترب أكثر فأكثر، راح يتفرس بأصابعه صورة المنحوتة ليتلمس أبعادها ولكن كيف؟! يأخذ نفسًا عميقًا، يلقى بناظريه على صفحة الصورة، يمد بعدها كفيه ليغوصا فى الصورة، فيمد ساعديه، تحتضن كفاه المنحوتة يتلمس أبعادها الثلاثية وانحناءاتها التى يصدها الواقع فتترفع بكبرياء محلقة، تبتسم رغم الجراح والآلام؛ وكأنها لم تتجرع مرارة الدمع يومًا، طفلة فى جسد امرأة، شامخة بتحد تحلق رغم كآبة الغيمات، تنوء رأسه الحبلى بالحواديت، تئن روحه فى شوارع المدينة، يحلم بأن يعود فاعلًا بعد أن صار مفعولًا؛ لينفض ما علق بها من أتربة ورمال، يصفعه صراخ مواليد المدينة الذين يخرجون من أرحام أمهاتهم يسرعون الخطو نحو بوابات المقابر العتيقة، تضيق بهم الأماكن؛ فلا مكان اليوم للحواديت، ومع الغروب يجلس أمام البحر الممتد؛ ليتسع لأحلام مملكته الشاسعة، يغفو مع نسائم البحر يتجلى أمامه القادم من بين أضبة الزمن فوق حصانه قد تكشفت ساقاه يغرس رمحه فى رمال الشاطئ.

■ انطلقوا فالبداية هنا

■ الطير تحط على الحَب يا مولاى

■ انثروا المزيد من الحَب ولتحط الطير هنا من كل جنس

■ نفعل أيها القائد

■ سأنطلق بجيوشى صوب الشمس وليبق هنا فلاسفة الجمال ليشرفوا على التخطيط والبناء

■ أمر مولاى القائد الأكبر

تتهادى على صفحة الماء الزرقاء الأشرعة البيضاء تشع ضياؤها للبر الشمالى، تعبر طريحة زيوس عبر الأشرعة للمدينة التى أزهرت أقلامًا وقراطيس، تنبت أشجار الزيتون بالدهن وصبغ للآكلين، تنقضى القرون تقطعت الأشجار تزحف الرمال من الصحراء على الشوارع تغطى الأرصفة؛ تنطفئ القناديل تظلم الشوارع، تهجر الطيور المدينة، تخبو أشعة الشمس؛ فيغادر الفلاسفة المدينة يلحق بهم الجمال؛ تثور الأمواج؛ تتحطم الأشرعة البيضاء، يصم الآذان نعيق غربان غرابيب، قاطنو المدينة صاروا جوعى بلا أسنان، فى المسرح الرومانى ينزل المدرجات إلى الأسفل مجرورًا بكسرة الروح إلى التابوت الحجرى، ينتفض فجأة ينزع يده فإذا به ما زال أمام الصورة يتأمل فيها وحده وقد انصرف الجمع من حوله، ترتسم على شفتيه ابتسامة رقيقة يمضى وقد احتلت المنحوتة جوارحه، تنساب إلى روحه صوت أغنيات لوتشانو بافاروتى الحالم ومع صوته الناعم الجميل ينقضى الوقت، يغلق المعرض بابه فيخرج للشارع والأمطار ما زالت تنهمر، يغلق مظلته يرقص على أغنية فرانك سيناترا «غناء تحت المطر». 

تاريخ الخبر: 2022-09-03 21:22:16
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية