«استرداد طه حسين».. كتاب ينتصر للسيرة الفكرية والذاتية لعميد الأدب العربي

يأتي كتاب “استرداد طه حسين" الصادر عن دار نشر خطوط وظلال بعمان – الأردن،  للناقد والأكاديمي المصري الدكتور ممدوح فرّاج النابي، كواحد من أبرز الكتب التي تنتصر للسيرة الفكرية والذاتية لعميد الأدب العربي، والكتاب يسعى إلى قراءة الفكر النقدي لطه حسين، قراءة جديدة، ويأتي كمحاولة للرد لمن أساءوا إلى شخصية الدكتور طه حسين، باعتباره بوقًا غربيًّا يردّد ما يُمليه عليه الغرب – من أساتذة تتلمذ عيلهم – كما يسعى - ضمن أحد أهدافه - إلى إثبات ريادات طه حسين الفكرية، في اتباع المناهج العلمية الحديثة واعتبارها آلية منهجة يتبعها الدارس في تناول الظواهر الأدبية.

ممدوح فرج النابي 

"طه حسين"  الشيخ المستنير 

ويشير المؤلف في مقدمة كتابه التي عنونها بـ "الشيخ المستنير" إلى أن الدكتور  طه حسين (1989- 1973) يمثّل حالة فريدة وخاصّة جدّا في الفكر والإبداع العربييْن، فهو معجزة فريدة وخالدة أيضًا، وعبقرية فكريّة وأدبيّة معاصرة بلا جدال، كما وصفه الدكتور محمد الدسوقي؛ لما أثارته كتاباته على تعدّدها – وتحديدًا النقديّة والفكريّة - من أفكار كان لها السّبق والريادة في تناول قضايا – على المستوى النقدي والفكري - إشكاليّة لم يكن من السّهل - مجرد - الاقتراب منها، أو حتى إثارتها بالسؤال لا بتقويضها وتفكيكها كما فعل، هذا من جانب، ومن جانب ثانٍ لما خلفته – هذه الأفكار - من هزات للثوابت بدعوتها إلى العقلانيّة، وعدم الركون إلى الموروث والمسلّم به. فأثار الكثير من الجدل سواء على مستوى شخصيته، أو على مستوى كتاباته، التي كانت تثويرًا وخرقًا للسائد، وكسرًا للجمود والتحجّر.

وبسبب هذه الأفكار وخروجها عن النّسق السائد أو الرائج، تمّ اصطياده من قبل رجال الدين إلى الفخاخ التي نُصبت له، بل يمكننا القول بأنه - على امتداد حياته - لم يهنأ قطّ بسبب مُلّاك الحقيقة المطلقة، أو المتزمتين من ذوي الأصولية الدينيّة، أو أصحاب الفكر الأُحاديّ المغلق بتعبير "حنّة أرندت" الذي يحكم على الواقع وهو خارجه، ويكتفي بذاته ولا يعترف بغيره.

في الشعر الجاهلي 

معاركه الأولى مع شيوخ الأزهر 

وقد أدان معسكر القديم - من الشيوخ ورجال الأزهر - أفكار طه حسين؛ لأنها كانت تُمهد لثورة على المُسلّمات الراسخة التي آمنوا بها - إلى حدّ التقديس - دون أن يعملوا عقولهم، وهو ما كان فارقًا كبيرًا بين عقولهم التي أبت التجديد والخروج عن أثر السّلف، وبين فكر طه حسين الذي كان يُحلّق بعيدًا، متجاوزًا لكل ما يرددونه من أفكار وقراءات؛ إذْ يُعمل العقل - أولاً وأخيرًا - في كل أمور حياته منذ أن كان طفلاً في الكتّاب؛ ومن ثمّ يمكن القول  - بلا أدنى ريبة - بأن طه حسين لم يَثُرْ فقط على مناهج الدرس التي كان ينتهجها الأساتذة والشيوخ في المدارس والأزهر ودار العلوم، بما طرحه من أفكار جريئة، بدءًا من دراسته عن أبي العلاء المعري، وما استنتجه من آراء أثارت معسكر القديم ضده، وهو ما واصله - بشكل صدامي - في كتاب "في الشعر الجاهلي"؛ وإنما ثار ثورة شاملة وعامة، كانت أشبه بثورة عارمة على الجمود والرجعيّة، كما واضح في سيرته "الأيام"، وسعيه لتحطيم الأنساق المقيّدة كافة، ووجوه الاستبداد التي عانى منها.

يؤكد النابي على أن "يتبنى هذا الكتاب منذ أن كان مشروعًا تأسّس مع مقالة "طه حسين وفتح آفاق المعرفة العلمية" وجهة نظر ربما يرى البعض فيها مبالغة – نوعًا ما – تتمثّل في أن فكر طه حسين وشخصيته كانا مُسْتَبَاحَيْن على الدوام، ومن ثمّ سَعَى هذا الكتاب - ضمن جُملة أهدافه المعلنة تارة والمضمرة طورًا - إلى استرداد الشيخ المستنير، الذي تكالب الجميع - المناصرون والأعداء - على اختطافه؛ فالمناصرون - إلا قليلاً-  لم يفعلوا سوى أن رددوا مكرور الكلام الذي قيل في كل مناسبة عنيت بطه حسين، دون أن يسعوا إلى قراءة متمهلة لتراثه، والنظر إليه بنظرة عقلانيّة كما كان يدعو في كتاباته، بعيدًا عن القراءات العجلى التي لم تضف له شيئًا، أو حتى تستكشف ما توارى بين السطور، من آراء وأفكار لها جاهزيتها الآن. 

وبالمثل كان أعداؤه باختزالهم فكره وحصره في دائرة ضيقة، بل وأشهروا سهامهم ونبالهم، دون أن يعطوا لأنفسهم فرصة للتفكير والابتعاد عن الفكر الأحادي الذي خندقوا فيه الرجل، حتى مَن عاد إلى صوابه منهم، وارتأى في الرجل ما يستحق أن يتناوله بالدرس، أساء له بقدر ما أحسن إليه، على نحو ما فعل المفكّر الإسلامي الدكتور محمد عمارة وحاول تمريره في كتابه "من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام" (2014)؛ إذْ تخيّل أن طه حسين مرتد فسعى - عبر كتابه - إلى استعادة طه حسين إلى صفوف الإسلاميين؛ حيث وجد أن العميد تأسلّم عندما تقدّم به العمر، بل أنكر أعماله الأولى الجاحدة العقيمة، وهو الأمر الذي لا يمت للحقيقة بصلة، ولا ينطوى على أية علاقة بشخصية طه حسين العنيدة. (راجع موقفه من مقالات أخي المنفلوطي، محمد سيد كيلاني: طه حسين الشاعر والكاتب).

دفاعا عن العميد

يشير النابي إلى ان الكتاب أشبه باسترداد لطه حسين من براثن الأيادي الآثمة التي عبثت بتراث الرجل وأفكاره، دفاعًا عن القيمة لا دفاعًا عن الشخص، وبناء على هذا يأتي هذا الكتاب في ثلاثة أقسام؛ القسم الأول يحمل عنوان "دفاعًا عن العميد". يحتوي هذا القسم على موضوعات: أصول الشك عند طه حسين، ورأى فيه المؤلف أنه كان سبّاقًا عن غيره في الشك في الشعر الجاهلي، منذ مقالته عن الخنساء، وثانيًّا سعى لإعادة الاعتبار لكتاب في الشعر الجاهلي، بعيدًا عما لحقه من اتهامات بأنه منتحل من دراسة مارجليوث عن "الانتحال في الشعر الجاهلي"، كما تطرق فيها إلى دراسة مصادر الشك عند طه حسين، والتي أرجعها إلى دراسته على يد الأستاذ نالينو، وهي المرحلة التي سبقت رحلته إلى باريس، وإن كان هناك – كنجيب سرور – يرجع مصادره إلى تأثره بشيخه أبي العلاء المعري. وناقش أيضًا  اختلاف مفهمومه للشك عن ذلك الذي قصده ديكارت في كتابه "مقال في المنهج".

الأيام 

أما الموضوع الثاني، فتناول – فيه المؤلف - ما لحق مذكراته "مذاكرات طه حسين" من تشويه وتحريف، بعدما أعادت إحدى المجلات نشرها احتفاء بذكرى رحيله، وأتعرض فيها لعلاقة المذكرات بالجزأين الأول والثاني من الأيام، وهل يمكن اعتبارها متممة للجزأين، أم هي منفصلة يمكن قراءتها كجزء مستقل. إضافة إلى عرض وسائل التشويه أو التحريف التي لحقت بالمذكرات.

أما الموضوع الثالث في هذا القسم، فهو مرتبط بالأيام، وتحريرها من الانتحال أو السّرقة كما تخيّل البعض، بأنها مأخوذة من رواية "منصور" لأحمد ضيف، وفيه عرض لقصة "الأيام" ودوافع كتابتها، وأهميتها في مسيرة الأدب العربي الحديث.

القسم الثاني من الكتاب جاء بعنوان "العميد والريادة" وهو أيضًا يتناول ثلاثة موضوعات هي: الأول بعنوان "فتح آفاق المنهج العلمي"، ودرس فيه كيف فتح طه حسين بدراسته عن أبي العلاء المعري،آفاقًا جديدة في البحث العلمي؛ إذْ طبق من خلالها أول منهج علمي رصين – في هذا التوقيت المبكّر - على شخصية أبي العلاء. وكان المنهج الجديد بمثابة ثورة على المناهج التقليديّة الشّائعة في المدارس والأزهر ودار العلوم، وقد اعتبره البديل لإنقاذ الأدب ودرسه في مصر. والثاني جاء بعنوان "طه حسين في مواجهة تودوروف" وفيه وضع المؤلف الناقدين في مقارنة تجمع بينهما على قدر ما بينهما من تباين ظاهر، فطه حسين ناقد اجتماعي، وتودوروف ناقد بنيوي. المقارنة غرضها تلاقي الأضداد في الأهداف، وقد لخصتها صيحة تودوروف المتأخرة بأن "الأدب في خطر"، وهي الصيحة التي تلتقي مع صيحة طه حسين التي أطلقها في الربع الأول من القرن العشرين، وهو يبحث عن مشاكل الدرس الأدبي في المدارس والجامعات. وبناء عليه درس الفصل كيف التقى الفكران من أجل هدف وحيد هو التنديد بأن الأدب في خطر. وأظهرت أن غايتهما – المشتركة - هي البحث عن غاية الأدب، وتمركزها حول الدور الاجتماعي، من حيث هو أداة معرفيّة واستنهاض وتهذيب، وأنّ له دورًا في توعية القارئ والارتقاء به.

أما الموضوع الثالث فهو متصل ببحث طه حسين عن "استعمالات الضمير الغائب في القرآن"، وهو البحث الذي قدَّمه طه حسين في مؤتمر المستشرقين، وهو ما أعاد الهجوم مُجدّدًا على طه حسين.

القسم الأخير من الكتاب، بعنوان "الوجه الآخر من العميد" قدم فيه المؤلف بعض وجوه العميد المتعدّدة، على نحو الناقد المــُعنِّف، والشيخ العاشق، والحاج طه. والغرض من هذا القسم هو تقديم صورة متكاملة لحدٍّ ما عن العميد، والكشف عن ملامح هذه الشخصية التي تجمع بين النقيضيْن في بعض جوانبها.

وقد صدر للمؤلف"ممدوح فرج النابي " من قبل كتب: السيرة الذاتية النسائية، ورواية السيرة الذاتية، ونجيب محفوظ الذاكرة والنسيان، وجماليات النص الروائي، والقارئ العادي. كما حصل مؤخرًا على جائزة كتارا فرع البحوث والدراسات النقدية، عن دراسته :"ضد الرواية، جغرافيا النصوص الروائية".

تاريخ الخبر: 2022-09-04 00:22:02
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية