هل انتهى الاقتتال الشّيعي – الشّيعي في العراق؟


يبدو أن الجهود الصامتة التي قادتها المرجعية في النجف، من أجل وقف صراع الإخوة الأعداء داخل "البيت الشيعي" في العراق، أتت ثمارها حتى الآن، وإن كان الكثير من الجمر تحت الرماد.

لم تكن "الحوزة صامتة" كما كان يشنع بها أنصار "التيار الصدري"، ويلمزون دائماً من قناة فقهائها، خصوصاً أنهم اختاروا بعد رحيل آية الله محمد صادق الصدر، مرجعاً دينياً في مدينة قم الإيرانية، وإن كان خريج مدرسة النجف، وأحد أبرز تلامذة آية الله محمد باقر الصدر، ألا وهو السيد كاظم الحائري.

محمد صادق الصدر، الذي اغتيل عام 1999، كان قد أوصى أتباعه في إحدى خطبه، بأنه بُعيد رحيله عليهم أن يختاروا بين أحد مرجعين: كاظم الحائري أو إسحاق الفياض.

مقتدى الصدر الذي ورث الزعامة عن أبيه، لم يكن مؤهلاً علمياً لأن يتولى الإفتاء الشرعي، فهو حتى الساعة ينظر له داخل أوساط الحوزة بوصفه "رجل سياسة وزعيم تيار"، كما أنه لا يمتلك "الفقاهة العلمية"، لذا عمد إلى الأخذ بوصية أبيه واختار الحائري، واستبعد الشيخ الفياض.

الأمر لا يتعلق بأعلمية الحائري على الفياض، بل لكون الحائري عالم دين خاض في الشأن السياسي، ويؤمن بـ"ولاية الفقيه"، وخارج العراق في قم، فيما إسحاق الفياض مرجع ديني كلاسيكي، لا يؤيد انخراط الحوزة في الحكم والعمل السياسي، إضافة إلى كونه مقيماً في حوزة النجف، أي في المدرسة العلمية التي لا تنظر إلى مقتدى الصدر بشيء من الاحترام الذي يرغب به ويأمله. بل أكثر من ذلك، فالعديد من البيوتات العلمية، تحمّل أنصار "التيار الصدري" مسؤولية مقتل السيد عبد المجيد الخوئي، عام 2003، بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، وعودة الخوئي من المملكة المتحدة إلى العراق، إذ اغتيل بطريقة دموية بشعة بالقرب من مقام الإمام علي بن أبي طالب، وامتُهن جثمانه؛ وهو الأمر الذي شكل صدمة كبيرة لبيوتات المرجعيات الدينية وأهالي المدينة. فأن يُسفك دم ابن السيد أبو القاسم الخوئي الذي كان المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة في العالم قبل رحيله و"أستاذ الفقهاء"، فمعنى ذلك أن هنالك خطباً جليلاً قد حصل، وخللاً اجتماعياً غير معهود، ولا يمكن نسيان تلك الحادثة التي لا تزال حاضرة حتى اليوم كـ"جريمة نكراء" في تاريخ النجف!

قد يكون مقتدى الصدر انحنى الآن للعاصفة، وفضّل الهدوء على الاصطدام مع النجف، وامتثل لأوامر آية الله علي السيستاني، الذي بحسب مصدر مقربٍ وعليم، أكد أن المرجعية قام بـ"توجيه رسالة شفوية غير مكتوبة، وذلك عبر قنواته الخاصة، من خلال بعض الشخصيات التي يثق بها، والتي أوصلت هذه الرسالة إلى مقتدى الصدر، بأن ما يجري الآن في العراق من اقتتال قد يقود إلى حرب أهلية مدمرة، وهو أمر يضر الشعب والدولة، ولذلك لا بد من وضع حد واضح وصريح لكل ما جرى"، مضيفاً: "لم يكن أمام الصدر خيار إلا الامتثال لرغبة السيستاني، لأنه يعلم أنه إذا أصدر السيستاني بياناً وذكر فيه الصدر بالاسم وحمّله وبقية المسلحين والمتصارعين مسؤولية إراقة دماء العراقيين، فسيتضرر الصدر كثيراً"، من دون أن يعني ذلك أن السيستاني يؤيد "الإطار التنسيقي" بل على العكس، فجميع من حمل السلاح وأراق دماً عراقياً هو مدان برأي السيستاني ومرجعيات النجف، سواء أكان "صدرياً" أم "إطارياً".

إن "ما يهم السيستاني هو منع الاقتتال العراقي – العراقي، وهو يريد أن تكون الدولة بعيدة من الميليشيات والأحزاب الدينية وبيد قيادات مدنية نزيهة وكفوءة، لأنه لا يرغب في ترجيح كفة فريق على آخر"، يقول المصدر القريب من البيت المرجعي.

هذا الجهد المرجعي رغم أهميته، إلا أنه معرّض للخطر في أي لحظة، كون الجهات المتصارعة تعيش الآن هدنة، ولم يتبلور حل حقيقي حتى الساعة، وقد ينفجر الصراع في أي وقت؛ وربما في نهاية شهر "صفر"، أي بعد انقضاء موسم "أربعين الإمام الحسين".

بحسب المعلومات القادمة من العراق، فإن هنالك عملية تحشيد وتسليح واسعة، سواء بين أنصار "التيار الصدري" أم أنصار "الإطار التنسيقي"، فكلا الفريقين يقتات على العنف، وتاريخياً هنالك علاقة تخادم متبادلة، ففصائل مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله النجباء" و"كتائب الإمام علي" وسواها من الفصائل المسلحة المنضوية تحت "الإطار التنسيقي"، ولدت من رحم "جيش المهدي" التابع للسيد مقتدى الصدر، والذي غيّر اسمه لاحقاً إلى "سرايا السلام".

حتى الحل السياسي التقليدي لن يكون مفيداً، لأن أي فريق من المتخاصمين إذا حكم، سيعمد إلى إلغاء الآخر، وملاحقته قانونياً، واستغلال الدستور، ليس بهدف ترسيخ الأمن الوطني والتنمية والسلم، بل في ملاحقة الخصوم وإضعافهم والقضاء عليهم.

بناءً على كل ما سبق، العراق قابل للانفجار في أي لحظة، وهو الأمر الذي إذا وقع لن تكون أضراره مقتصرة على الداخل العراقي وحسب، بل ستكون لهذا الاقتتال الشيعي – الشيعي على السلطة، تداعيات سلبية على جيران العراق، بحيث تضعف سلطة الدولة، وتتحول إلى منصة لتدريب الميليشيات والخلايا المسلحة وتهريب السلاح والمخدرات والممنوعات، وإطلاق الطائرات المسيّرة ضد أهداف حيوية في الخليج العربي أو دول الشرق الأوسط، تنفيذاً لأجندات خارجية أو مشاريع مؤدلجة ثورية وفوضوية!

* نقلا عن " النهار"

تاريخ الخبر: 2022-09-05 21:19:27
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 80%
الأهمية: 97%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية