بعد 172 يوماً من الإضراب عن الطعام، انتزع الأسير الفلسطيني خليل عواودة قرار حريته من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد تعهُّد بالإفراج عنه في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ينضمّ الأسير عواودة إلى قائمة طويلة من الأسرى الذين خاضوا معركة الإضراب عن الطعام أو ما يُعرف بـ"معركة الأمعاء الخاوية"، منذ بداية الاحتلال، حتى أصبح وسيلة نضالية ضد السجّان الإسرائيلي، في مواجهة سياسة الموت البطيء.

يمتنع الأسير المضرب عن الطعام عن تناول جميع أصناف المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح، ويعلم أنه قد يكون وسيلة الاحتجاج الأخيرة في حياته.

تبدأ الحالة الصحية للأسير بالتدهور منذ الأسبوع الأول للإضراب، إذ يبدأ الجسم بتحليل أنسجته في محاولة للبقاء على قيد الحياة، ومن الممكن أن يُتوفى بعد شهرين من بدء الإضراب، بسبب فشل في عمل القلب.

يلجأ الأسرى عادةً إلى هذه الخطوة الأخطر والأقسى بعد نفاد جميع الخطوات النضالية الأخرى، وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح مع إدارة السجون. لكن ما الذي يجبر إدارة السجون على الانصياع لمطالب الأسير؟ وما الأبعاد الجسدية والنفسية لاستراتيجية الإضراب نفسه؟

يروي الأسير الفلسطيني المحرر محمد عرندس تجربته في الإضراب عن الطعام وما يمرّ به الأسير قبل الإضراب وبعده، إذ أضرب عن الطعام 6 مرات خلال سنوات اعتقاله طوال 16 عاماً بسجون الاحتلال.

يقول عرندس لموقع TRT عربي إن الأسرى يوزّعون قبل بدء أي إضراب نشرات طبية توجيهية، ويأخذون استشارات من أطباء تغذية ومستشارين يُتواصل عبرهم من السجون".

ويوجّه الأسير قبل الإضراب، وفق عرندس الذي كان يعمل معالجاً طبياً للأسرى المضربين داخل السجون، بحلق شعره في كل المناطق بجسده، وأن لا يُكثِر الأكل، لأنه سيمكث في بطن الأسير "وقد يتحجّر" نتيجة صعوبة في عملية الإخراج.

ويشير إلى أن الأسير يمرّ خلال أول ثلاثة أيام من الإضراب بوهن شديد وصداع ثم وجع في المفاصل، لافتاً إلى أن هذه الأعراض تصاحب الأسير كلما تقدم في الإضراب، ويزداد الألم بشدة في العظام، وبالتالي يصبح عاجزاً عن الوقوف.

ويضيف: "كثير من الأسرى يُصابون بفشل كلوي، وضعف رؤية، ونحل في الشعر، وبعضهم فقد صوته مؤقتاً"، مستدركاً: "أنا شخصياً فقدت صوتي وقدرتي على الكلام لمدة أسبوع".

ويصف عرندس ما يمرّ به الأسير خلال فترة الإضراب جسدياً بأن "الجهاز الهضمي يكون عاطلاً عن العمل".

في السياق نفسه يروي مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين عبد الله قنديل، أن التأثيرات الجسدية المصاحبة لإضراب الأسير عن الطعام متعددة ومتشعبة، وأنها تصاحب الأسير سنوات طوالاً سواء أبقي في الأسر أم بعد تحرره.

ويقول قنديل لموقع TRT عربي إن "مئات الأسرى الذين أضربوا عن الطعام لمدة تجاوزت أسبوعين أصيبوا ببعض الأمراض المزمنة الناجمة عن إضرابهم، وبعضهم فارق الحياة على أثر ذلك".

ويشير إلى أنه نتيجة بقاء الأسرى سنوات طويلة في السجون في بيئة غير صحية على الإطلاق، إضافة إلى عدم وجود تغذية صحية، تصبح المناعة لديهم في أدنى مستوياتها مع مرور الوقت، مما يجعل مسألة الإضراب عن الطعام مع وجود هذه العوامل سبباً رئيسياً في استفحال الأمراض وعدم قدرة أعضاء الجسم على مقاومتها.

من ناحيته يشير الأسير الفلسطيني المحرَّر حازم أبو حسنين إلى أن الأسير لا يلجأ إلى الإضراب إلا في فصل الصيف، باعتبار أن الجسم في هذا التوقيت من العامّ يحتاج إلى الطاقة التي تمدّه بالحيوية.

ويقول أبو حسنين لموقع TRT عربي إن كلمة السير في الإضراب هي "شُرب الماء"، لأن تناوله يزيد قدرة الجسم على الصمود، وينبه إلى أنه إذا ما استمرّ الإضراب أكثر من شهر فيُضطرّ الأسير إلى تناول بعض الفيتامينات.

ولفت إلى أن الأسرى الأكثر صموداً في هذا الإضراب صنفان فقط: صحيح البنية الجسمية، وصحيح الجسد، أي الذي يمتلك لياقة وعضلات وجسماً رياضياً، قائلاً: "أي تساقط في طريق الإضراب يؤثّر نفسياً في الأسرى".

ويؤكّد أبو حسنين، الذي اعتُقل 16 عاماً في سجون إسرائيل وشارك في خوض إضرابات عن الطعام، أن "الإضراب خطوة عالمية يتخذها أي رجل أو أسير يعتبر نفسه تحت الظلم".

تعرّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر "الإضراب عن الطعام" بأنه شكل من أشكال الاحتجاج، وهي تراقب بدورها حالة المضربين عن الطعام، لضمان معاملتهم باحترام، وحصولهم على الرعاية الطبية الكافية إذا لزم الأمر، والسماح لهم بالبقاء على اتصال مع عائلاتهم.

وحول الأسباب التي تدفع إدارة السجون الإسرائيلية للرضوخ لمطالب الأسير المضرب عن الطعام، يجيب أبو حسنين بأن ذلك مرتبط بعوامل نجاح هذا الإضراب من عدمه.

ويوضح أن أي إضراب يخوضه الأسرى الفلسطينيون يحتاج إلى أمور أساسية: وضوح الرؤية والهدف من الإضراب، ووجود قيادة موحدة تدير الإضراب وتفاوض إدارة السجون.

كما يشير أبو حسنين إلى عامل ثالث مهمّ هو الواقع السياسي في الخارج من ناحية الزخم الشعبي والجماهيري والرسمي، الذي يمدّ الأسير بالطاقة لإكمال الإضراب وإنجاحه.

ويؤكّد عرنس من جانبه أن وجود قيادة سياسية خلف الأسير يشكّل أحد أهمّ وأكثر أدوات الضغط التي تقع على إدارة السجون الإسرائيلية، وتضطرّها إلى الاستجابة لمطالبه.

يُذكر أن سلاح "الإضرابات الفردية" لم يكُن وليد اللحظة، إذ جرت أول تجربة فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام في سجن نابلس بالضفة الغربية المحتلة في أوائل عام 1968.

ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 4550، فيما ارتفعت قائمة "عمداء الأسرى"، وهو مصطلح يُطلِقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 20 سنة على التوالي، بشكل لافت لتصل اليوم إلى 273 أسيراً، بعد أن انضمّ إليها قسراً 23 أسيراً خلال شهر أغسطس/آب الماضي، وفق بيانات فلسطينية رسمية.

وحسب توثيق لنادي الأسير الفلسطيني، فقد خاض الأسرى الفلسطينيون 24 إضراباً عن الطعام منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، غالبيتها تتعلق بمطالب حياتية للأسرى، واستطاعوا خلالها تحقيق مكتسبات.

ويسجّل الأسرى في هذه الجولة انتصاراً جديداً على إدارة السجون الإسرائيلية ضمن معركة "الأمعاء الخاوية" المستمرة أداةً نضاليةً فاعلةً، بإعلان وقف خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام بعد تراجع إدارة السجون عن قرار النقل التعسفي لأسرى المؤبدات دوريّاً، وهو ما اعتبرته لجنة الطوارئ العليا للحركة الوطنية الأسيرة "دليلاً على أن هذا العدوّ لا يتراجع عن عدوانه إلا عندما يرى صمودنا ووحدتنا التي تتجسد في كل مرة داخل قلاع الأسر".



TRT عربي