«لم يكن من السهل على المرأة أن تلج عالم الصحافة، وتثبت وجودها كذات فاعلة فى العصر الحديث إلى جانب الرجل، وكما أنه لم يكن من السهل أن تؤسس المرأة الصحف النسائية وتدخل عالم الكتابة الذى كان محرمًا عليها، إلا أن هناك جهودًا إنسانية تضافرت بعضها البعض فأيقظتها من خدرها وبذرت لها بذور النهضة النسائية».

هكذا وصفت الكاتبة الدكتورة كوثر محمد مروان، بداية دخول المرأة عالم الصحافة، من خلال كتابها «الصحافة النسائية فى القرن العشرين.. من نهاية القرن التاسع عشر حتى القرن العشرين».

وأكدت فى كتابها، الذى يضم بين دفتيه ٣١٨ صفحة، أن دخول المرأة فى عالم الصحافة يعد نقلة نوعية فى مسألة الإفصاح عن نفسها بعد أن كان الرجل هو المتكلم عنها، والمفصح عن حقيقتها وصفاتها بقلم ذكورى، «لقد أدركت المرأة أن جميع الشرائع السماوية قد كرمتها وأعطتها حقها، غير أن الثقافة والتاريخ والذكورة قد بخستها هذا الحق».

وقالت إن الصحافة النسائية كانت عسيرة الحمل والولادة، حيث ولدت من رحم المعاناة ولم تولد بمحض الصدفة، وكانت نتيجة لنور العلم الذى تسلل إلى عقل المرأة من دهاليز الظلمة التى كانت حبلى بالأشباح والخفافيش.

ووفق الكاتبة، ولدت الصحافة النسائية فى أرض مصر على أيدى شاميات سوريات مسيحيات تعلمنّ وفقًا لنظم التعليم الأوروبية بعد أن أتقنّ بعض اللغات الأجنبية ونهلن من منابع الثقافة الغربية، ثم تولت النخبة مظاهر التقدم والارتقاء عبر مجلاتهن النسائية إلى المجتمع النسائى.

واحتفظت الأوساط الأدبية والصحفية بأول مجلة نسائية وهى مجلة «الفتاة» التى صدرت عام ١٨٩٢ لصاحبتها هند نوفل، وهى فتاة لبنانية مسيحية لتكون أول امرأة عربية شامية تحمل لواء الصحافة النسائية على أرض مصر بمدينة الإسكندرية، وتكون مجلتها أول مجلة بالوطن العربى، حيث لقبت هند بأم الصحفيات العربيات وعميدتهن، وأول رصاصة صحفية فى معركة تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها.

وبعد أن أضاءت هند الطريق، تبعتها بارونة الصحافة النسائية ورائدة من رائدات النهضة النسائية فى مصر «ألكسندرا مليتادى»، صاحبة مجلة «أنيس الجليس» التى أنشأتها عام ١٨٩٨، حين وجدت الحاجة ماسة إلى مجلة نسائية بعد أن أغلقت هند نوفل مجلتها نظرًا لظروف زواجها، وكانت مجلة الأنيس أكثر نضجًا وأوسع انتشارًا من سابقتها، وتعد ثانى مجلة نسائية ظهرت فى مدينة الإسكندرية.

اتخذت ألكسندرا من مجلتها منبرًا حرًا للدفاع عن المرأة الشرقية، كما لعبت دورًا كبيرًا فى دفع بنات عصرها إلى دخول المدارس والعمل على تثقيفهن ومساواتهن مع الرجل، ورسم طريق التقدم والخروج من المجتمع الحريمى وقيوده إلى حياة التحرر، واسترداد كرامة المرأة.

ولعل أهم ما كان يميز غلاف مجلتها، التى صدر العدد الأول منها يوم ٣١ يناير عام ١٨٩٨، أنه كتب على الغلاف أنها مجلة نسائية علمية أدبية فكاهية، تصدر فى آخر كل شهر.

وجاء رسم الغلاف ليشير إلى أبرز معالم حضارة مصر المتمثلة فى الأهرامات ويظهر أبوالهول شامخًا على غلاف المجلة، خلفه أشجار النخيل الباسقة وعلى يمينه مجرى نهر النيل العظيم والشمس من أمامه ساطعة تعكس أشعتها على الأهرامات.

وبما أن المجلة نسائية فأرادت أن تظهر محاسن المرأة بما خصها الله دون سائر البشر، فذكرت أن الله وهبها الجمال والرحمة والرقة واللطف.

وخصصت المؤلفة فصلًا كاملًا لكُتّاب مجلة «الأنيس» لكشف الستار عن حياتهم، ومن أبرزهم خليل مطران، نقولا رزق الله، أمين الحداد، أحمد محرم، ملك حنفى، أحمد زكى أبوشادى، نجيب حداد، خليل زينية، والكاتب قسطاكى الحمصى فارس، أحمد الكاشف، لبيبة ماضى هاشم، لبيبة شمعون، إستر مويال، عفيفة أظن.

ومن ضمن المجلات التى ذاع صيتها والتى ذكرتها الكاتبة مجلة «العائلة»، التى صدرت فى سنة ١٨٩٩ لصاحبتها إستر مويال، وهى مجلة نسائية نصف شهرية علمية أدبية، استمرت فى الصدور حتى تحولت إلى جريدة تحمل نفس الاسم فى أول مارس عام ١٩٠٤، وقد تبنت إستر مويال فى مجلتها قضية المرأة ودافعت عنها. 

وأيضًا من بين المجلات النسائية التى رصدتها المؤلفة مجلة «شجرة الدر» التى صدرت سنة ١٩٠١ فى أول مايو بالإسكندرية، وكانت مجلة علمية نسائية صدرت باللغتين التركية والعربية.

تبنت هذه المجلة قضايا المرأة فنشرت فيها موضوعات عن الزواج والطلاق وتاريخ النساء المسلمات وغيرها من الموضوعات التى تخص المرأة الشرقية، وتعد سعدية سعد الدين أول امرأة مصرية مسلمة تصدر مجلة نسائية، إلا أنها كانت قصيرة الأجل لأن الإقبال على مجلة باللغتين كان محدودًا، ولهذا السبب فإن المجلات التى صدرت بعدها كانت باللغة العربية فقط.

وتطرقت المؤلفة إلى العوامل التى ساعدت على نهضة المرأة المصرية وبعثها من تخلفها للوصول بها إلى النهضة والارتقاء، ومنها: حملة نابليون وتأثيرها على نساء المجتمع المصرى، والنهضة النسائية والإرهاصات الأولى لها فى عهد الأسرة العلوية.

وأشارت الكاتبة إلى أن مَن نادى بتعليم المرأة وتثقيفها فعل ذلك بعد أن وجد وضع المرأة مزريًا فوصفها بأنها نصف إنسان، محكوم عليه بألا يرى النور، إلا يوم تخرج من بيتها إلى بيت زوجها ثم القبر.