لجنة إعادة التمكين


لجنة إعادة التمكين

خالد فضل

منذ انقلاب البرهان/ حميدتي المشؤوم في 25 اكتوبر 2021م، نشطت عناصر العهد المباد بصورة لافتة، مما يؤكد الزعم القائل إنّ الانقلاب نفسه إنما هو صنيعة من صنائعهم، وأنّ قائده إنما يؤدي دوراً رُسم له مسبقاً؛ وهو دور قذر يتناسب مع الطبيعة القذرة للعهد المباد وتنظيمه اللئيم.

للأمانة سمعت اسم البرهان في صبيحة يوم 11 أبريل 2019م، اتصلت علينا سيّدة من أقاربي وكانت خارج السودان يومذاك، كان التلفزيون يبث في الأناشيد الوطنية والمارشات فقط طيلة النهار، ذكرت لنا تلك السيدة أن من سيذيع بيان تنحية البشير ضابط اسمه البرهان؛ وهو اسم غير متداول بكثرة ضمن قيادات الجيش البارزة، على آخر ظهيرة اليوم أذاع ابن عوف بيان اللجنة الأمنية، وأن رأس النظام متحفظ عليه في مكان آمن، وأنّ اللجنة الأمنية ستسلم السلطة بعد عام واحد.. إلخ السيناريو المعلوم، وحدث ما حدث من اشتعال الثورة ضد ابن عوف وهتف الثوار بإبداع خلاق، شالوا وداد وجابوا أماني زي ما سقطت أول حتسقط تاني!! وظهر البرهان ظهر الجمعة في ساحة الاعتصام وصافح إبراهيم الشيخ واصطحبه معه إلى داخل مباني القيادة، وبقية ما صار معلوم من وقائع.

بعض ذوي الدربة والنظر الأعمق حللوا ما حدث، توصلوا إلى خلاصات تشير إلى أنّ الثورة لا تمضي نحو ختام جيّد وحقيقي، ثورة ظلّت متقدة الجذوة منذ يوم الانقلاب الجبهجي الأول، مهرها مئات الشهداء، آلاف الضحايا ملايين المشردين والمعذبين من البشر السودانيين، تنتهي هكذا، بين يدي عسكر كل ولائهم لقائدهم البشير؛ لأنّ الولاء صار للمصالح الذاتية ولتذهب مصالح الشعب والوطن إلى الجحيم.

في الواقع تاريخ القيادات العسكرية حتى عندما كان هناك جيش واحد يشير مع الأسف إلى تقدّم الولاءات ما دون الوطنية في غالب الأوقات، ولعل ظاهرة كثرة المحاولات الانقلابية منذ الاستقلال تشير إلى قلق عميق يعتمر داخل صفوف الجند، وليس لي الجزم بأنّ الدوافع كانت خيرة في كل الأحوال، فما من جماعة عسكرية استولت على الحكم كانت بأفضل من سابقتها، الدليل العملي هو معدلات التدهور والانهيار في كافة أوجه النشاط البشري في البلاد، ومع طول مكث العسكر على قيادة الحكم تطاولت غربة البلد عن التقدّم والازدهار، هذه هي الوقائع بائنة لا تحتاج إلى مصباح ديجونيس ليضيئها!.

الآن ومنذ عودة العسكر العلنية للسيطرة على الحكم بانقلاب البرهان/ حميدتي، وربما لا نغادر الحقيقة إذا قلنا (انقلاب كرتي) بات من الواضح الفاضح أنّ المخطّط يستهدف تصفية ما أفرزته الفترة القصيرة من عمر السلطة التنفيذية المدنية بقيادة د. عبد الله حمدوك، لقد كانت هناك محاولات لبداية تأسيس عهد مدني جديد في البلاد على أنقاض عهود العسكرتارية المتطاولة، فتنّفس الناس نسيم بسيط من الحريات العامة والخاصة بعد تعطيل قانون وشرطة ومحاكم ما كان يعرف بالنظام العام، وهي في الحقيقة وسيلة من وسائل القمع المنظم للحريات أكثر من كونها قوة لحراسة النظام العام!.

عادت تلك الممارسة القامعة من جديد وسبقها عودة صلاحيات جهاز الأمن في الاعتقال وممارسة الأساليب المعهودة في القمع، بل لوّح حميدتي من دارفور بعودة الخدمة الإلزامية كوسيلة للعقاب ضد الشباب الثوار.

أما في مؤسسات الدولة فقد عادت عناصر العهد المباد إلى مواقع القيادة في كل مرفق، لقد صار (القحاتة) كما يقولون هم الفلول، بعد أن عاد الفلول الحقيقيون إلى السلطة والتسلط، وقد رافقت عودة الفلول احتفالات ومهرجانات، قرأت قبل بضعة أشهر لافتات معلّقة على جدران وزارة مالية سيدنا جبريل، تُعلن عن مهرجان الاحتفال بعودة المفصولين!!!

المفصولون هؤلاء كانت قد أحالتهم لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين إلى المعاش، لقد كان عمل تلك اللجنة جباراً، كانت جادة في تفكيك التمكين وسط مسرح هازل!! ووسط تربّص من يكنون الولاء لمصالحهم من عسكر السوء، وعلى نهج وزارة المالية قس بقية مؤسسات الدولة التي عادت الآن بعد 11 شهراً على الانقلاب لتصبح من جديد بين يدي أعوان نظام الإسلاميين الفاسد وتمكينهم المفسد، وها هم من تبقى من الثوار في كل مرفق يتعرّضون لحملات الابتزاز النتنة والحملات الإعلامية القذرة ذات الطبيعة (الأمنجية القحة)، بتهم تثير الضحك على شر البلية، مثل الإنتماء لحزب كذا أو اليسار السوداني!! اليسار الذي يشكّل لدى البعض عقدة “عديل كدة”، لا أدري ما السر وراء تلك العقدة، أهو الشعور بالعجز عن تقديم التضحيات من أجل الشعب كما في سيرة اليساريين عموماً، نعم لليسار عيوبه ونواقصه دون شك، ولكن لا أعتقد أن ما سببه اليساريون من بلاوي وطنية يعادل واحد من ألف مما سبّبه اليمينيون والمعتدلون والوسطيون كما يزعمون.

آن الأوان لفحص أي مقولة، هناك جيل جديد يصنع في تاريخه الجديد بنفسه، لا تنطلي عليه الحيل والأحابيل القديمة الكريهة، ليس لديه تابوهات معلّبة مثل اليسار أو الشيوعيين، جيل يقيس بالوعي كل ممارسة ولا تخدعه الشعارات الهزيلة، ورغم إعادة التمكين التي تجري بسرعة، وعودة واجهات النظام المباد بقرارات مطبوخة، وما يصدر كل صباح من عودة منظمة وواجهة إنقاذية، رغم ذلك فإن الموجة الثانية من الثورة وقد استصحبت معها أخطاء الموجة الأولى، الموجة الثانية ستجرف بتيارها العارم كل المتاريس القبيحة، كل أعوان القهر وواجهاته، فالهدف راسخ وواضح سلطة مدنية كاملة.

تاريخ الخبر: 2022-09-09 00:23:01
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

غادة عبد الرازق: ندمانة ولو رجع بيا الزمن مكنتش هخش التمثيل

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:59
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

مهمة غير مسبوقة.. الصين تغزو الجانب البعيد من القمر

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:54
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

أول تعليق من نيشان بعد إعلان ياسمين عز حصولها على حكم ضده

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية