تراس .. والتوقعات الكئيبة للاقتصاد البريطاني «2 من 2»


إن كان من غير المحتمل، السيطرة على التضخم في بريطانيا من خلال مجموعة غير تقليدية من السياسات التي وعدت تراس بتنفيذها، التحكم في أسعار الطاقة ودعمها، خفض الأجور الحقيقية عن طريق وقف الإضرابات وتشديد التشريعات المناهضة للنقابات، دفع بنك إنجلترا لتشديد السياسة النقدية، ثم استخدام التخفيضات الضريبية والإنفاق العام لدعم الشركات والفئات الاجتماعية ذات الأهمية السياسية. من الممكن أيضا، وربما الأكثر احتمالية، أن يعمل اقتصاد متقدم مثل بريطانيا، بمستويات تضخم أعلى بكثير من الهدف التقليدي البالغ 2 في المائة. ومن المحتمل جدا ألا يكون لإدارة عجز عام أي آثار كبيرة في التضخم أو أسعار الفائدة عندما يؤدي خفض الأجور الحقيقية إلى إبقاء الاستهلاك ضعيفا.

إذا ثبتت صحة هذه التصريحات، فإن سياسات تراس غير التقليدية يمكن أن تتجنب الركود العميق الذي يعده الجميع في المملكة المتحدة الآن أمرا حتميا، ودون التسبب في كارثة تضخمية. كان الرئيسان الأمريكيان رونالد ريجان ودونالد ترمب من المسرفين الماليين الذين تجاهلوا النصائح الاقتصادية من خلال خفض الضرائب وإدارة عجز لم يكن من الممكن تصوره في السابق. ومع ذلك، لم يسفر ذلك عن أي كوارث متوقعة على نطاق واسع.

كانت مارجريت تاتشر أكثر جرأة في تحدي السياسات التقليدية في المجال الاقتصادي. في 1981، وجه 364 من الاقتصاديين البارزين رسالة شهيرة إلى صحيفة "التايمز" يدينون فيها تاتشر ومستشارها جيفري هاو، لقلبهما الاقتصاد الكينزي رأسا على عقب من خلال فرض تدابير مالية صارمة في خضم أعمق ركود يشهده تاريخ بريطانيا الحديث. ونظرا إلى أن هذا التخفيض الضخم في الاقتراض كان مصحوبا بانخفاض هائل في أسعار الفائدة وانخفاض 30 في المائة في قيمة الجنيه الاسترليني، فقد تبين أن ميزانية هاو لـ1981 كانت أدنى نقطة في الركود الذي شهدته الفترة ما بين 1980 و1981 وأثارت عقدا من النمو القياسي.

هل يمكن لكوارتنج وتراس الآن تحقيق شيء غير متوقع مماثل من خلال إعادة إحياء الاقتصاد الكينزي؟ هل سيعملان على توسيع العجز لتحفيز النمو بينما تعمل أسعار الفائدة المرتفعة والعملة الأقوى على إبقاء التضخم تحت السيطرة؟

بصفتي خبيرا اقتصاديا محترفا، فقد تدربت على مقاومة فكرة مفادها أن التوسع الهائل في الاقتراض العام يمكن أن يكون الطريقة الصحيحة للتعامل مع تضخم مزدوج. لكن بصفتي محلل سوق، أشارك كوارتينج تفضيله للتاريخ على النظرية والسلوك البشري على النماذج الرياضية.

في الثمانينيات، رعت المؤسسة الاقتصادية الكينزية تاتشر وسخرت منها لتجربة سياسة غير تقليدية جذريا. واليوم، تعتمد المؤسسة التقليدية نظرية تاتشر، في حين يعد مؤيدو النظرية الكينزية غير تقليديين بشكل جذري. إذا نجح التوسع المالي البريطاني بشكل أو بآخر على النحو المنشود، فستصبح تراس أول رئيسة وزراء محافظة ناجحة منذ عهد تاتشر. كما ستكون بريطانيا مرة أخرى نموذجا دوليا للسياسة الاقتصادية، هذه المرة من خلال إعادة تأهيل النظرية الكينزية القائلة إنه يجب على الحكومات الاقتراض بجرأة في فترات الركود أو فترات النمو الاقتصادي غير الكافي.

يبالغ هذا التحليل الأساسي الكينزي أحيانا في الإصدارات المتطرفة من النظرية النقدية الحديثة، التي توصف أحيانا بأنها "شجرة أموال سحرية". في الشهر الماضي، اقتنعت بهذه الفكرة، ووصفت الفكرة القائلة إن صناع السياسة الأمريكيين سيكونون قادرين على خفض معدلات التضخم دون التسبب في ركود حاد بأنها "فكرة وهمية". لكن أسعار السوق للسندات والأسهم والدولار تشير جميعها إلى أن نسخة منها تتمتع بالمصداقية بالنسبة إلى عديد من المستثمرين في الأصول الأمريكية. إذا اعتقدت الأسواق الآن أن الولايات المتحدة تمتلك شجرة أموال سحرية، فربما تستطيع بريطانيا العثور عليها أيضا. قد يبدو هذا سخيفا بالنسبة إلى خبراء الاقتصاد المحترفين، لكن يجب على بقيتنا احترام آراء الآخرين.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".

تاريخ الخبر: 2022-09-12 12:17:36
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 94%
الأهمية: 88%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية