في وداع ملكة استثنائية
معاذ زكريا المحامي
بعد حياة حافلة بالعطاء رحلت آخر ملكات بريطانيا، الملكة اليزابيث الثانية عن عمر ناهز (96) عاماً؛ بعد (70) عاماً من جلوسها على عرش المملكة المتحدة في خمسينيات القرن الماضي؛ عاصرت فيها العديد من الأحداث الجسام؛ تداعيات ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية بروز النظام العالمي الجديد بقطبيه الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية؛ انتهاء العهد الاستعماري ونيل المستعمرات البريطانية السابقة لاستقلالها- ومن بينها السودان- رحلة أبولو 11 وصعود الإنسان للقمر؛ مروراً بحركة الحقوق المدنية في أمريكا؛ حربي 1967م و1973م وفترة الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي؛ وسقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ وأحداث 11 سبتمبر 2001م والغزو الأمريكي للعراق؛ واستفتاء استكلندا؛ وغيرها الكثير من الأحداث العالمية.
عملت إليزابيث الثانية خلال هذه الفترة الطويلة مع (15) رئيساً للوزراء في بريطانيا؛ بدءاً من ثعلب السياسة الدولية ونستون تشرشل؛ والذي قال عنها ذات مرة إبان توليها العرش بعد وفاة والدها، إنها تتمتّع بثقة عالية بالنسبة لفتاة في عمرها؛ مروراً بأول امرأة تتولى رئاسة الوزارة في المملكة المتحدة الزعيمة الراحلة ماغريت تاتشر (المرأة الحديدية)، ومروراً بتوني بلير والذي قالت له الملكة عندما التقته لأول مرة (أنت رئيس وزرائي رقم 10؛ الأول كان تشرشل؛ وحدث ذلك قبل ولادتك أنت) وأخيراً السيدة/ ليز تراس رئيسة الوزراء الحالية.
خلال فترة توليها العرش سافرت الملكة إلى العديد من دول العالم؛ وكان السودان من بين هذه الدول؛ فقد زارته في العام 1965م عقب ثورة أكتوبر المجيدة؛ استقبل السودانيون الملكة الشابة بالأغاني والأهازيج ونظمّوا على شرفها سباقاً للهجن واحتفوا بزيارتها أيما احتفاء.
والآن وبعد رحيلها يتذكّر الزعماء وقادة العالم الملكة الراحلة بالخير ويشيدون بحكمتها وشجاعتها وطيبة قلبها؛ ولعل هذه أبرز الصفات التي اكسبتها حب وتعاطف الكثيرين معها؛ حتى أولئك المعارضين للنظام الملكي؛ على الرغم من أن الملك في بريطانيا يملك ولا يحكم.
هي بلا شك شخصية استثنائية وأسطورية؛ فعندما نتحدث عن المملكة المتحدة يتبادر للذهن وللوهلة الأولى صورة الملكة بقامتها القصيرة وملامح وجهها الوقورة.