برز سؤال جوهري مع هذه السلسة من الحرائق والفيضانات التي انتظمت العالم مؤخراً بسبب التغير المناخي: كيف يمكن للبلدان أن تحمي بنيتها المعمارية والتحتية من تغير المناخ؟ وهل تصمد المباني الحالية في عصر الصدمات المفاجئة والكوارث المناخية؟ هذه الأسئلة وغيرها دفعت المعماريين إلى التفكير في تصاميم جديدة للتكيف مع المتغيرات المناخية، كما أن عليها الإسهام في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

تؤكّد الكاتبة إليزابيث برو في مقال لها نُشر في صحيفة الفورين بوليسي، إن الطقس القاسي ليس جديداً. كانت هناك أساطير الفيضانات العظيمة التي تمتدّ عبر أوراسيا. لقد شكّل الجفاف والزلازل مجرى الأنهار عبر التاريخ. لكن المهندسين المعماريين والمصممين كانوا ذات يوم قادرين على النظر إلى المعايير المناسبة، كما كانت لديهم الرؤية للمستقبل. توقعت مدينة أمستردام الفيضانات، وتوقعت اليابان الزلازل، وتوقعت أستراليا موجات الجفاف.

اليوم يفاقم تغيُّر المناخ في البلدان المكتظة بالسكان، الظواهر المناخية القاسية، لأن على العالم تعديل هندسته المعمارية وبنيته التحتية لمواجهة ما هو غير متوقَّع.

البناء على ركائز وأعمدة

بدأ بعض المهندسين العمل على طرق جديدة لبناء المنازل على ركائز وقوائم متينة، هذه الطريقة سيحتاج إليها كثير من المنازل في عديد من المدن، لأن تغيُّر المناخ يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر وبالتالي مزيد من الفيضانات. بنَت أجيال من الفلبينيين وغيرهم من مواطني جنوب شرق آسيا المقيمين في الأراضي المنخفضة، المنازل على قوائم متينة، ولكن الآن ستحتاج إليها الدول الأوروبية أيضاً.

كذلك الحال في الساحل الشرقي للولايات المتحدة وربما الساحل الغربي. في ميامي يدفع السكان الأثرياء بالفعل للمهندسين المعماريين لبناء منازلهم على طابق واحد فوق الأرض.

الأحياء العائمة

الخيار الآخر يتمثل في العيش على المياه نفسها والارتفاع والانخفاض معها. مدن كأمستردام وروتردام بهولندا، قضت ما يقرب من عقد من الزمان في بناء أحياء عائمة. بدورها تشقّ كوبنهاغن شوارع يُطلَق عليها " انفجار السحاب"، وهي شوارع عادية محدبة، وستسمح للفيضانات السريعة بالتدفق نحو الميناء والتصريف في البحر. تعمل العاصمة الدنماركية أيضاً على إنشاء ما يسميه مخططو المدن "حدائق الجيب" و"الحدائق الغارقة"، التي يمكن أن تكون بمثابة خزانات للفيضانات.

هذه الهندسة المعمارية المبتكَرة ستعطي هذه المدن منظراً جمالياً، من الأشجار والمرتفعات الخضراء المفترَض أن تعمل كخزانات للمياه الفائضة وتسمح بتصريفها في نفس الوقت.

المنازل الذكية

يُبنى الآن في جميع أنحاء العالم ما يسمى المنازل الذكية أو المنازل السلبية "Passive houses"، وهي منازل عادية تماماً تستوعب عائلة واحدة أو أكثر، ولكنها تتمير بالكفاءة القصوى في استخدام الطاقة. على الرغم من أن تكلفة بنائها أكثر بقليل من المنازل والمكاتب العادية، فإن "المنازل السلبية" لا تتطلب طاقة كبيرة للتدفئة أو التبريد.

هنالك عديد من تقنيات الزراعة الذكية. (Others)

الزراعة المائية

في أماكن أخرى من العالم تسعى الشركات والأفراد المتحمسون إلى "الزراعة المائية" Hydroponic Farming، التي يمكن إجراؤها عمودياً ولا تتطلب أي تربة. يُعَدّ إنشاء هذه المزارع أكثر تكلفة من المزارع التقليدية، ولكنها تتطلب مساحة أقلّ بكثير. هذا القطاع المزدهر أصبح يجتذب رؤوس أموال كبيرة، إذ تضاعف الاستثمار فيه بالولايات المتحدة إلى ما يقرب من مليار دولار بين عامَى 2019 و2020.

تواجه الزراعة العمودية مستقبلًا تجارياً مشرقاً في وقت تتأثر فيه الزراعة التقليدية بشدة بسبب التغيرات المناخية.

في أماكن أخرى يزرع مزيد من الشركات والمؤسسات أسقُفاً خضراء في مبانيها. تمنح الأسطح عمال المكاتب والزوار فرصة نادرة لتجربة الطبيعة، كما تمتص الحرارة ومياه الأمطار، وتساعد مبانيهم على تقليل استهلاك الطاقة وتعزيز التنوع البيولوجي.

TRT عربي