وزير خارجية تونس الأسبق: على تونس أن تبادر نحو المملكة المغربية وما نزال في مرحلة يمكن فيها الاستدراك


حاوره: محمد كريم بوخصاص

 

في الأزمات التي تحدث بين الدول، لا يمكن تجاهل آراء الدبلوماسيين المجربين، فهم الأقدر على فَكِّ شفرات التوترات وتحليل أبعادها واستشراف مآلاتها.

 

لذلك حاولنا، بكل السبل، التواصل مع وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونّيس، والذي يجر خلفه تاريخا طويلا من العمل الدبلوماسي، حيث عمل سفيرا لتونس في كبريات العواصم العالمية، وتكلل مسعانا بالنجاح، فجاء هذا الحوار الصريح لرجل خَبِرَ دهاليز الدبلوماسية التونسية.

 

 

لعل السؤال الأبرز الذي يفرض نفسه بقوة بعد القرار المثير للرئيس التونسي قيس سعيّد استقبال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، والذي أدخل العلاقات بين تونس والرباط في منعرج خطير، هو إلى أي مدى تعتقد أن هذه الأزمة ستبقى مستمرة؟

 

بالنسبة إلينا في تونس، نتمنى أن يصدر قرار حكومي بالمبادرة في اتجاه المملكة المغربية. نعتبر هذا الأمر ضروري ويعود إلى تونس التي عليها أن تتخذ مثل هذا القرار لأنها وراء الأزمة. إن الأمر يعود إلينا، ويجب أن نتحرك، لكن هذا القرار لم يصدر بَعدُ، ونحن آسفون لأننا تجاوزنا أجل الأسبوع يوم الجمعة الماضي دون أن تبادر تونس نحو المغرب.

 

في اعتقادنا، من الضروري أن تتخذ تونس مبادرة في اتجاه المملكة المغربية بصفة من الصفات مهما كانت الوسائل أو السبل، وما عدا هذا، فإننا سندخل في مصاعب أشد مما كنا عليها في المغرب الكبير، لأن القضايا تتراكم دون حل لأي أزمة، كالأزمة الداخلية بين الليبيين وأيضا التونسيين في ما بينهم، والأزمة الجزائرية المغربية الأخيرة التي تعود إلى شهر غشت من السنة الماضية، إضافة إلى المصاعب العالمية الجديدة المنزلة علينا.

 

الأفق بالنسبة إلينا مبهم وخطير، وربي يقدر الخير.

 

برأيك، ألا يعني عدم مبادرة تونس حتى الآن لاتخاذ خطوة اتجاه المملكة، أن ما قام به الرئيس التونسي هو تجسيد لسياسة جديدة تنهجها تونس تجاه المغرب، وهي سياسية عدائية إذا استحضرنا أن ملف الصحراء بالنسبة للمغرب هو النظارة التي ينظر بها إلى العالم كما قال الملك محمد السادس مؤخرا؟

 

أنا متأكد أن القضية ليست لها أبعاد سياسية، ولن تكون لها أبعاد سياسية، لأن البيان المسؤول الصادر عن وزارة الخارجية التونسية قبل أسبوع أكد أن تونس تلتزم بالحياد المطلق والكامل، بمعنى عدم وجود أي تحول في الموقف التونسي من أزمة الصحراء، ونحن نعتقد في تونس أن المقصود مما حصل ليس هو الاعتراف بالكيان الصحراوي لا بصفته حزبا ولا بصفته دولة. صحيح وقع استقبال وفد مكون من أربعة أشخاص من هذا الكيان، لكن القضية ستبقى جامدة لأن تونس لا تنوي إجراء تحول في موقفها من القضية الصحراوية لا مع الحزب الذي يُدعَي باسم «البوليساريو» ولا الكيان الذي يعطي لنفسه صفة الدولة.

 

إن التركيبة السياسية في تونس غير سهلة، والمناخ صعب، لكن الصعوبة التي دخلت فيها علاقاتنا مع المملكة المغربية أشد وأشد، لأننا ندرك حساسية قضية الصحراء بالنسبة للشعب المغربي. ونحن واعون كامل الوعي بعد خطاب الملك في 20 غشت الماضي بشدة الانتظارات عند الملك والحكومة والشعب المغربي، ومن سوء الحظ لم يتم تقييم جيد لهذه الزاوية من الاهتمام المغربي بالقضية.

 

لقد وقع ما وقع في قمة إفريقيا واليابان، لكن في اعتقادي ما نزال في مرحلة يمكن فيها استدراك الوضع، وآمالنا متعلقة بهذه العزيمة السياسية من تونس حتى تنفرج القضية. شخصيا قدمت مقترحا للقاء وزيري خارجية البلدين في نيويورك على هامش الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن يمهدا الطريق لقمة مغاربية تجمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، وسواء تحقق هذا اللقاء أم لم يتحقق فمن الضروري إطلاق مثل هذا النداء، والذي يستجيب كذلك للدعوة التي أطلقها الأمين العام لاتحاد المغرب العربي يوم 28 غشت، بل يجب الاستجابة له، خاصة من جانب تونس والمملكة المغربية.

 

صحيح كان موقف الخارجية التونسية واضحا – كما قُلتَ – بعدم اعترافها بالكيان الوهمي، لكن أفهم من كلامك غياب تواصل وتنسيق بين الخارجية التونسية والرئاسة التونسية، وأن خطوة قيس سعيد كانت معزولة عن الخارجية التونسية، هل هذا ما تقصده؟

 

لقد وقعت سابقة ليس لها أثر في الماضي، بأن يضع وفد يَدَّعِي «صفة الدولة الصحراوية» أقدامه في تونس. هذه سابقة خطيرة بالنسبة إلينا في تونس عموما، وأعتقد أن وزارة الخارجية التونسية واعية تمام الوعي بخطورة هذه السابقة، إلا أنها في اتصال مع الرئاسة ولا تتصرف في هذه الأمور إلا بقيادة رئاسية، بمعنى ليس للأسرة الدبلوماسية حرية التصرف الحقيقية. لكن أملي أن تبادر تونس إلى إطلاق مبادرة تجاه المملكة المغربية سواء عبر الرئاسة أو الحكومة أو على مستوى وزير الخارجية، فالمهم أن تكون مبادرة تونسية لا تُبقِي الأحوال على ما هي عليه منذ ثمانية أيام.

 

لا نريد أن نكون متشائمين، لكن لم تصدر أي مبادرة لمعالجة الأزمة حتى الآن بعد مضي أزيد من عشرة أيام على اندلاعها، ماذا لو بقي هذا الوضع على حاله؟ وما هي كلفة الأزمة على تونس وعلى علاقات البلدين بصفة عامة؟

 

إن الجسر بين تونس والمغرب والذي كان مطمئنا للجميع لا يجوز أن ينقطع، لذلك تجب الحيلولة دون تدهور العلاقات بين البلدين أكثر، خاصة أن العلاقات الدبلوماسية لازالت قائمة رغم أن السفراء لم يلتحقوا بعواصمهم.

 

ثم إن ما حصل يشكل خطرا على العلاقات بين تونس واليابان أيضا، والتي تعرف تراكما على مستوى المشاريع الثنائية زكته قمة تونس الأخيرة. وشخصيا أعتبر أن تصريح مدير التعاون الدولي الياباني قبل أسبوع والذي جعل التعاون بين تونس واليابان مرهونا بقرار صندوق النقد الدولي، له علاقة بالأزمة المرتبطة بالمغرب، لأن تونس باستقبالها لزعيم ما يسمى «البوليساريو» صدمت اليابان كذلك، والتي كانت معارضة أصلا لحضور وفد صحراوي في القمة، قبل أن يقع قهرا لإرادتها من طرف الاتحاد الإفريقي، ثم من طرف تونس كذلك، لذلك ستتضاعف العواقب مع اليابان.

 

كما أن تتبع الملف من طرف الولايات المتحدة الأمريكية سيكون له تأثير على تونس، لذلك نتمنى أن تنقشع هذه السحابة الصيفية في أقرب الآجال من أجل تصفية العلاقات بين تونس والمملكة المغربية.

 

منذ واقعة استقبال زعيم البوليساريو في تونس لم تستبعد تحليلات وجود تأثير لدول في الجوار على الرئيس قيس سعيّد للخروج من دائرة الحياد الإيجابي في ملف الصحراء، والأصابع تشير تحديدا إلى الجزائر وحتى فرنسا. أنت كدبلوماسي مجرّب، كيف تنظر إلى هذه التحليلات؟ ألا تبدو لك واقعية؟

 

نظريا، يمكن أن تُتَخذ تأويلات على هذا الأساس، لكن انطلاقا من معرفتي بالمناخ التونسي فإن القرار حر وسَيِّدٌ وتونسي لا تدخلَ فيه. صحيح أن الهجومات الصادرة عن الإعلام الجزائري الذي يثقل ويزيد و»يُخَمِّجُ» الأمر تُلقي بشبهات في هذا الاتجاه، لكني أنقض هذا الاحتمال، وأنا لا أصدق ارتباط ما وقع في الجمعة ما قبل الماضية بتأثيرات خارجية، لأن القرار في تونس كان دائما تونسيا وحرا وسيدا، وخطورته في كونه تونسي.

تاريخ الخبر: 2022-09-17 18:20:19
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 74%
الأهمية: 77%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية