البعد الاقتصادي المفقود بعد الثورة


البعد الاقتصادي المفقود بعد الثورة

* د. دلال عبد العال عمر

ما بين التغيير الاقتصادي والسياسي ما بعد الثورة والمعادلة المتوازنة نتفق جميعنا في أنه بدون وضع اقتصادى مستقر لا توجد أي ضمانات للانتقال– بمعنى استمرار أهداف الثورة حول تحقيق الشعارات المنشودة نحو التغيير، ونعني بالتغيير ها هنا، تغيير كل شئ، عدا المبادئ التي قامت عليها الثورة، لأنها هي بمثابة الدستور الذي خرج الناس وتجمّعوا حوله، ويتضمّن ما وافقوا عليه لتغيير النظام البائد إلى آخر جديد.

ولكن يبدو أن حكومة ما بعد الثورة لم تكن تشبه الثورة التي مهر شبابها أرواحهم من أجل حالٍ أفضل، وبالرغم من أننا لا يمكننا أن نعفي خصوم الثورات في الداخل والخارج من مسؤولية فشلها؛ إلّا أن الأمر المهم، هو أن الذين تصدّروا المشهد بعد الثورة، لم يفهموا أن المرحلة تتطلب سياسات واستراتيجيات جديدة، وأن تضع في أجندتها أولويات المواطن المطحون، وفي إطار حكم الانقلابيين اليوم من كيزان وحركات مسلحة وعسكر يجب الاستمرار في توحيد جبهة القوى الثورية من الشارع والسياسيين.

* وإذا أردنا الحديث عن المعادلة المتوازنة فلنستىجع كتاب بنيامين فريدمان في كتابه الشهير “التبعات الأخلاقية للنمو الاقتصاديThe Moral Consequences of Economic Growth”، حيث رأى أن زيادة الدخل بشكلٍ مستمر عامل رئيسي للحفاظ على الديمقراطية الشاملة. وبالتالي، فإن العلاقة بين الاقتصاد والتغيير السياسي تسير بشكل متوازٍ ومتوازن، فلا يمكن عزل أحدهما عن الآخر.

فريدمان فسّر في كتابه تلك المعادلة المتوازنة بالإشارة إلى أن القيم الديمقراطية في الدول الغنية عرضة للخطر، عندما تقل فيها معدلات الأجور لفترة طويلة. فمجرد كون الدولة غنية لا يحميها من تقهقر مجتمعها إلى التعصب والعنف وهذا ما حدث منذ الاستقلال دولة غنية كدولتنا لكن دون إدارة وإرادة وطنية حقيقية يفقد عدد كبير من الناس إحساسهم بالتفوق المادي.

وكذلك البديهي أنه في فترات الانتعاش الاقتصادي، يصبح المجتمع أكثر انفتاحاً وديمقراطية، بينما في حالات الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي يصبح أكثر توتراً وعنفاً وظلماً للأقليات.

وعلى ذلك، فإن العلاقة بين التنمية والتغيير الديمقراطي تنطوي على تأثير متبادل Economic transition. فكما أن الديمقراطية توفِّر الإطار المحفّز للتنمية، فإن التنمية كذلك تخلق مناخاً مواتياً لتطور الديمقراطية.

* إن الثورات الناجحة التي استطاعت أن تؤسس لنفسها نظاماً جديداً، كانت تسير على قانون شديد الأهمية في التغيير والمتحدث أبداً عن تغيير جذري في فترة محدّدة فهذا وهم زائف خلقته إحدى القوى السياسية لتدغدغ مشاعر الشباب.. ما أتحدث عنه، هو التغيير الإصلاحي المتدرِّج فنحن نعالج موروثات منذ ما قبل الاستقلال، إن إدراك سياسة المسارات المتوازنة بين التنمية وعمليات التغيير السياسي لا يزال يشكل بعداً مفقوداً في السودان. فرغم الإقرار بأن العوامل الاقتصادية ليست وحدها التي أشعلت ثورة ديسمبر المجيدة، لا سيما مع وجود دوافع متداخلة من غياب الحريات، وإهانة الكرامة، وغياب العدالة الاجتماعية، والتهميش الاقتصادي والمناطقي، فإن مرحلة ما بعد الثورة شهدت انغماساً في صراعات التغيير السياسي بمشتملاته من تغيير غير حقيقي، مقابل سوء إدارة للتحديات الاقتصادية للمرحلة الانتقالية، الأمر الذي خلّف وسيخلّف تدهوراً في القطاعات الاقتصادية.

لقد بدا أن هناك فجوة بين التطلّعات الاقتصادية لمجتمعات ما بعد الثورة الساعية لمواجهة معضلات الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومدى قدرة الأنظمة القديمة من قوى سياسية على طرح رؤية لخروج المجتمعات من أزمتها الاقتصادية.

* السكرتير الاقتصادي للحزب الاتحادي الموحد

تاريخ الخبر: 2022-09-19 06:22:20
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية