تصاعد التوتر مرة أخرى بين تركيا واليونان، على الرغم من انخراطهما في نقاش متبادل حول مجموعة من القضايا على مدار سنوات. في المقابل فإن آخر شيء كانتا بحاجة إليه هو أن تتخذ الولايات المتحدة خطوة سياسية من شأنها أن تزيد الأمور سوءاً، فقد رفعت واشنطن مؤخراً حظر توريد الأسلحة عن قبرص اليونانية، وهي خطوة أدانتها تركيا التي تُعَدّ الضامنة لأمن مئات آلاف المدنيين الذين يعيشون على الجانب الناطق باللغة التركية من الجزيرة المقسمة.

وقال رئيس جمهورية شمال قبرص التركية أرسين تتار في بيان، إن هذه الخطوة ستؤدي إلى التصعيد في المنطقة ورفع حدة التوترات بين أنقرة وأثينا.

وفي حين أن البلدين حليفان في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تضاعفت التوترات بينهما في الأشهر الأخيرة بسبب ما تصفه أنقرة بأعمال أثينا "الاستفزازية" ضدها. وفي ما يلي مجالات التوتر الرئيسية بين تركيا واليونان.

1- انتهاك المجال الجوي التركي والمياه الإقليمية

بلغت انتهاكات اليونان للمجال الجوي التركي ومياهها الإقليمية 1123 مرة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، وهو اتجاه استمر في منذ العام السابق، وفقاً لمصادر وزارة الدفاع التركية. ففي أغسطس/آب كانت الطائرات التركية التي تحلّق فوق بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط "محاصَرة" جرَّاء نظام دفاع جوي يوناني من طراز S-300 نشرته أثينا في جزيرة كريت، وهي حادثة واحدة فقط من بين 14 حادثة منفصلة وقعت ما بين 15 أغسطس و4 سبتمبر/أيلول من العام الحالي. وقد عرضت أنقرة هذه الحوادث على الناتو مراراً. ورفض المسؤولون الأتراك التفسيرات التي قدمتها أثينا لوضع طائراتها هذه في مرمى الخطر.

2- إيواء التنظيمات الإرهابية

اعتقلت الشرطة في إسطنبول مؤخراً مشتبهاً به إرهابياً تلقى تدريباً في اليونان، وفي وقت سابق من شهر يونيو/حزيران تحدث وزير الدفاع التركي خلوصي أقار عن كيفية نشاط أعضاء تنظيم PKK الإرهابي وتنظيم فتح الله غولن في بلدة لوريوم بالقرب من أثينا. تحول مخيم لوريوم للاجئين إلى مركز تجنيد وقاعدة لإرهابيي تنظيم PKK، وفقاً لتقارير ومقاطع فيديو حُصل عليها من المنطقة.

TRT عربي (TRT Arabi)

وفي حملته الإرهابية التي استمرت لأكثر من 35 عاماً ضد تركيا، كان تنظيم PKK الإرهابي، الذي أدرجته تنظيماً إرهابياً تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مسؤولاً عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، منهم نساء وأطفال. هذا التهديد أثاره القادة الأتراك بشكل واسع في عديد من المنتديات الدولية، وعبّروا عن جديتهم في التعاطي معه.

أما جماعة فتح الله غولن الإرهابية التي يقيم زعيمها في الولايات المتحدة فنظّمَت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، الذي خلّف 251 قتيلاً و2734 جريحاً.

3- التضييق على تركيا في ممارسة حق التنقيب والبحث عن النفط والغاز

أرسلت تركيا سفينة التنقيب الرابعة، التي تحمل اسم عبد الحميد خان، للتنقيب عن مخزون الهيدروكربون في شرق البحر المتوسط في أغسطس كجزء من استراتيجيتها الكبرى للتنقيب عن الغاز، التي بدأت عام 2018. واتهمت اليونان والاتحاد الأوروبي أنقرة بالتنقيب "غير القانوني" قبالة سواحل قبرص في عام 2019، وهو ادّعاء نفته تركيا. ويكمن جوهر الجدل في الموضوع حول الخلاف بين الأطراف على الجزيرة المقسمة.

كما أن للبلدين مطالبات مختلفة بشأن شرق البحر الأبيض المتوسط؛ ترى اليونان أن جزرها في بحر إيجة يمكن أن تكون ضمن مناطقها الاقتصادية الخاصة (EEZ) التي من شأنها أن تسمح لأثينا بفرض سيادتها على بعد 200 ميل بحري من شواطئ تلك الجزر، وفي المقابل ترى تركيا أن الجزر لا يمكن أن تشكل مناطق اقتصادية خاصة بها وأن المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان تبدأ من البر الرئيسي لها فقط، لا من امتداد مئات الجزر الصغيرة من حولها. تمتلك تركيا أطول خط ساحلي من بين جميع البلدان المطلة على شرق البحر المتوسط، ومع ذلك تلقى جهودها في البحث عن احتياطيات نفطية انتقادات من القادة الأوروبيين.

4- الاستمرار في عسكرة الجزر

أعربت تركيا مراراً وتكراراً عن قلقها إزاء استمرار أثينا في عسكرة جزر بحر إيجة الشرقية. يقع أكثر من اثنتي عشرة جزيرة يونانية بالقرب من تركيا، وكثير منها على درجة كبيرة من القرب، ويمكن رؤيتها بالعين المجردة من السواحل التركية. وأكدت أنقرة أن موضوع السيادة على الجزر سيكون موضع مراجعة إذا استمرت أثينا في انتهاكاتها. من المفترض أن تكون جزر ساموثراكي وليمنو وليسفوس وساموس وخيوس وبسارا وإيكاريا منزوعة السلاح، لكن اليونان تنتهك الاتفاقات المتبادلة من خلال استمرار نشر الألوية والفرق العسكرية، فضلاً عن مجموعة من الأسلحة من قبيل المدافع والبنادق.

5. تقويض الأقلية التركية المسلمة في غرب تراقيا

أكّد مفتي الأقلية التركية المنتخب حديثاً في منطقة زانثي في تراقيا الغربية في اليونان مؤخراً، استمرار الممارسات التمييزية ضد الأقلية التركية في المنطقة.

خريطة تظهر حدول كل من تركيا واليونان (Others)

وأوضح المفتي مصطفى ترامبا أن هدف السلطات اليونانية هو وضع المسيحيين في مؤسسات الأقلية المسلمة والمؤسسات الدينية، موضحاً أن "القانون الأخير ينصّ على أنه يمكن أيضاً توظيف المسيحيين أو الأشخاص من ديانات مختلفة في المكاتب التابعة لمفتي المسلمين ومجالس أمناء المؤسسات التابعة للأقلية المسلمة".

ولطالما شجبت أنقرة انتهاكات اليونان لحقوق مسلميها والأقلية التركية التي يبلغ قوامها 150 ألف شخص، والتي تمثلت بإغلاق المساجد والمدارس وصولاً إلى عدم السماح للأتراك المسلمين بانتخاب قادتهم الدينيين. هذه الإجراءات تنتهك معاهدة لوزان لعام 1923 وأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مما يجعل اليونان دولة تنتهك القانون، على حد قول المسؤولين الأتراك.

وفي تطور لافت، ذكرت وسائل إعلام محلية أن نائب رئيس البرلمان اليوناني دعا في أغسطس إلى "ضرورة التجسس على" النواب الأتراك المسلمين في البلاد. وفي السياق نفسه دعت تركيا السلطات اليونانية إلى إجراء تحقيق حول تهديد بالقتل ضدّ نائب يوناني ينتمي أيضاً إلى الأقلية التركية المسلمة في البلاد.



TRT عربي