توقع تقرير تحليلي نشره موقع بلومبيرغ أن يؤدي التراجع الأخير في أسعار النحاس إلى تفاقم العجز الاقتصادي القادم، حيث يثبط الركود الاستثمارات الجديدة للمعدن المستخدم في كل شيء تقريباً، من رقائق الكمبيوتر مروراً بالمركبات الكهربائية ووصولاً إلى شبكات الكهرباء وأنظمة الطاقة ومكيفات الهواء.

ومنذ مارس/آذار الماضي، هبط سعر النحاس بمقدار الثلث تقريباً وسط توقعات أن يصل سعر الطن إلى حوالي 6600 دولار في الربع الأول من عام 2023، وذلك نتيجة لبيع المستثمرين بسبب مخاوف من أن الركود العالمي سيؤدي إلى إعاقة الطلب على المعدن المرادف للنمو والتوسع. فيما تأتي موجة البيع هذه بعد التحذيرات التي أطلقها أكبر عمال المناجم وتجار المعادن، من أنه في غضون عامين فقط سيظهر نقص هائل في المعدن الأكثر أهمية في العالم، المعدن الذي يمكن أن يُحدث بحد ذاته كبح النمو العالمي، وإذكاء التضخم عن طريق رفع تكاليف التصنيع وإخراج أهداف المناخ العالمية عن مسارها.

وحسب محللي بلومبيرغ، فإن الانكماش الأخير ونقص الاستثمار الذي تلاه يهددان فقط بجعل الأمر أسوأ. وتؤكد الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية أيضاً السبب الذي دفع كبير الاقتصاديين في مجموعة BHP، أكبر شركة تعدين في العالم، هذا الشهر فقط إلى القول إن النحاس أمامه طريق "وعر" في المستقبل بسبب مخاوف الطلب، إلى جانب الركود الاقتصادي الذي تحركه أوروبا بشكل خاص.

مؤشر لقياس الاقتصاد العالمي

يمتلك النحاس القدرة على التنبؤ بقوة الاقتصاد ونقاط تحول دوراته ما بين النمو والركود، ولهذا ينظر بعض المستثمرين إلى أسعار النحاس على أنها مؤشر لقياس الاقتصاد العالمي. وفي معظم الأوقات يُنظر إلى انخفاض أسعار النحاس على أنها مؤشر رئيسي على الانكماش الاقتصادي الوشيك، وذلك بسبب التنوع الكبير لاستخدامات هذا المعدن.

بشكل عام، يشير ارتفاع أسعار النحاس إلى طلب قوي على النحاس، وبالتالي اقتصاد عالمي متنام. بالمقابل، عندما تنخفض أسعار النحاس، فإن ذلك يشير إلى ركود الطلب وتباطؤ اقتصادي وشيك.

ووفقاً لموقع Investopedia، غالباً ما يستشهد محللو السوق والسلع بـ"دكتور نحاس" (Doctor Copper)، وهو في الواقع مصطلح اقتصادي يطلق على النحاس لقدرته على التنبؤ بالصحة العامة للاقتصاد، حيث يتمتع هذا المعدن بقدرة قوية على تقييم الرفاهية الاقتصادية الشاملة من خلال سعر النحاس بسبب التطبيق واسع النطاق للمعادن في البناء، والمعدات الكهربائية والنقل.

أحد العمال أثناء تنقيبه عن النخاس في منجم النحاس ببلدة بور الصربية. (Reuters)

لماذا النحاس مهم؟

النحاس ضروري للحياة الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا والطاقة ونقلها، حيث يعتبر موصلاً كهربائياً وحرارياً فعالاً، ويسهل تشكيله وتحويله إلى أسلاك. تقدر جمعية تنمية النحاس (CDA) النسبة المئوية لإنتاج النحاس العالمي الذي يستهلكه كل قطاع بحوالي: 46% المباني، 21% كهرباء، وحوالي 16% للنقل، بالإضافة إلى 17% آخرين تستخدم في صناعة المنتجات الاستهلاكية والآلات الصناعية والمعدات.

وبينما يبلغ متوسط ​​وزن النحاس المستخدم في السيارات العادية حوالي 30 كيلوغراماً، يذهب أكثر من 180 كيلوغراماً عند تشييد منزل أسرة واحدة. ويعد النحاس عنصراً أساسياً في صناعة السيارات الكهربائية، حيث يستخدم ضعف كمية النحاس التي تستخدمها السيارات التي تعمل بالبنزين، وفقاً لـ "تحالف النحاس" (Copper Alliance).

وحسب تقرير بلومبرغ، يعد المعدن، الذي يعتبر مهماً لتوصيل ونقل الكهرباء، أيضاً مفتاحاً لعالم أكثر اخضراراً، فبينما تم تركيز قدر كبير من الاهتمام على الليثيوم - وهو عنصر رئيسي في بطاريات اليوم - فإن انتقال الطاقة سيجري تشغيله بواسطة مجموعة متنوعة من المواد الخام، بما في ذلك النيكل والكوبالت والصلب. عندما يتعلق الأمر بالنحاس، فإن ملايين الأقدام من الأسلاك النحاسية ستكون ضرورية لتقوية شبكات الطاقة في العالم، وستكون هناك حاجة إلى أطنان لبناء مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

الكوكب يعتمد على النحاس

مع تحول العالم إلى الاعتماد على الكهرباء بشكل أوسع في ظل المساعي لتخفيف حدة التغير المناخي من خلال التحول إلى الطاقة الخضراء، سيتضاعف الطلب على المعدن إلى 50 مليون طن متري سنوياً بحلول عام 2035، وفقاً لدراسة من تمويل S&P Global.

نظراً إلى دمج النحاس في توليد الطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية، يقدر البنك الدولي أن الطاقة النظيفة وحدها ستدفع الطلب العالمي على النحاس نحو الارتفاع بنسبة 200% بحلول عام 2050. وفي حين أن هذه التوقعات افتراضية إلى حد كبير؛ نظراً لأن النحاس لا يمكن استهلاكه إن لم يكن متاحاً، فإن التحليلات الأخرى تشير أيضاً إلى احتمالية حدوث طفرة، حيث تقدر BloombergNEF أن الطلب سيرتفع بأكثر من 50% من 2022 إلى 2040.

ونقلت بلومبرغ تحذيرات خبراء السلع من أزمة النحاس المحتملة لأشهر، إن لم يكن سنوات. فمن المتوقع أن يؤدي التراجع الأخير في السوق إلى تفاقم مشاكل العرض في المستقبل، من خلال تقديم شعور زائف بالأمان، وخنق التدفق النقدي والاستثمارات. وأشاروا إلى أن تطوير منجم جديد وتشغيله يستغرق ما لا يقل عن 10 سنوات، ما يعني أن القرارات التي يتخذها المنتجون اليوم ستساعد في تحديد الإمدادات لمدة عقد على الأقل.

وعلى الرغم من أن النحاس قد صقل أوراق اعتماده في مجال إزالة الكربون، إلا أن صناعة التعدين غالباً ما تواجه معارضة عامة، فعلى الدوام تتورط الشركات في معارك قانونية وسياسية مطولة للحصول على الموافقات التنظيمية لتطوير أو توسيع المناجم تحت الأرض.

TRT عربي