الملك تشارلز الثالث: إضافة أم خصما علي رصيد الملكة الراحلة؟
الملك تشارلز الثالث: إضافة أم خصما علي رصيد الملكة الراحلة؟
الاثنين الماضي شهد العالم إسدال الستار علي حياة الملكة إليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة بإتمام الصلاة الجنائزية عليها ومواراتها مثواها الأخير بكنيسة القديس جورج بقصر وندسور حيث دفن والداها الملك جورج السادس والملكة الأم وزوجها الأمير فيليب, تاركة خلفها تاريخا حافلا يمتد عبر سبعين عاما, عمر جلوسها علي العرش والذي يعد رقما قياسيا غير مسبوق في تاريخ ملوك إنجلترا, بل أيضا في تاريخ ملكيات العصر الحديث ـ والحقيقة أن الملكة إليزابيث الثانية وهي تغادر عالمنا تترك رصيدا حافلا من التقدير والاحترام لدي رعيتها من الشعب الإنجليزي وشعوب المملكة المتحدة ـ إسكوتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية ـ علاوة علي باقي الدول التابعة للتاج البريطاني ومجموعة دول الكومنولث… رصيد تأسس اعتمادا علي تاريخها الطويل الراسخ في احترام الدستور والحرص علي رعاية مصالح تلك الشعوب وإعلاء عرقياتها, الأمر الذي أفرز من الملكة إليزابيث أيقونة محبوبة ومهابة لدي سائر هذه الشعوب… وذلك هو جوهر تساؤلنا اليوم: هل يكون الملك تشارلز الثالث بشخصيته وبأدائه رصيدا مضافا علي ما تمثله والدته أم يتحول إلي رصيد مخصوم من إنجازاتها؟.
هذا ملف شائك جدا وهو ينفتح علي مصراعيه في هذه الآونة بعد أن تداعي صمام الأمان الذي طالما حال دون انفجاره ـ وغني عن القول إن الملكة إليزابيث الثانية من جسدت صمام الأمان هذا ـ فقد عايشنا جميعا عبر نصف القرن الماضي دعوات ومحاولات نابعة من شعوب المملكة المتحدة ومن بعدها شعوب الدول التابعة للتاج البريطاني للانسلاخ عن الاتحاد أو التبعية وإعلان الاستقلال وتأسيس جمهوريات ديمقراطية مستقلة… بل لعل تلك الدعوات لم تسلم من وجود أصوات مكتومة مماثلة لها داخل إنجلترا نفسها معقل التاج البريطاني… لكن الحقيقة تشهد أن سائر تلك الدعوات لم تثمر ولم تدرك الغرض منها بفضل القيمة الهائلة التي مثلتها الملكة إليزابيث الثانية والرابطة القوية التي وثقتها بكل الدول والكيانات التابعة للتاج البريطاني… أما الآن فالعالم يقف عند مفترق طرق تاريخي ليراقب جلوس الملك تشارلز الثالث علي العرش ويتساءل في ترقب: هل انفرط عقد العرش البريطاني برحيل إليزابيث الثانية؟… وما مدي قدرة تشارلز الثالث علي الحفاظ علي الرصيد الذي تسلمه منها؟.
في هذا الصدد هناك محاور عديدة يتوجب تأملها ومتابعتها لأن المستقبل القريب سوف يسطر الإجابة علي هذا السؤال ومنها ما يلي:
** أمام الملك تشارلز الثالث تحد كبير في الحفاظ علي وحدة المملكة المتحدة وهي إنجلترا وإسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية, فقد ربطتها علي مدار العقود السبعة الماضية القدرات الملكية الفريدة للملكة إليزابيث الثانية والتي تجلت في استمرار تواجدها وتجوالها وتواصلها مع شعوبها ورعايتها لمصالحهم مما ربطهم بالتاج البريطاني ونأي بهم بعيدا عن التجاوب مع دعوات الانفصال والاستقلال… لكن الآن ها هي تلك الدعوات تستيقظ من جديد خاصة في إسكتلندا وأيرلندا الشمالية حيث يشعر أنصار التيار الجمهوري القوميون بأن الوقت قد حان للانفصال عن المملكة المتحدة كي تصبح إسكتلندا دولة مستقلة وكي تنضم أيرلندا الشمالية لجمهورية أيرلندا ويتم توحيد الجزيرة الأيرلندية.
** بالنسبة لمجموعة دول الكومنولث يبرز التساؤل, هل يستطيع الملك تشارلز الثالث أن يسد الفجوة التي نشأت عن رحيل الملكة إليزابيث الثانية وأن يتمكن من إيجاد طرق جديدة للترابط بين المملكة المتحدة ـ إذا لم ينفرط عقدها ـ وبين دول الكومنولث.
من الواضح أن هذا يمثل تحديا مصيريا من الصعب التنبؤ بنتائجه… والشواهد تثبت أن المبعوثين البريطانيين في الفترة الأخيرة الذين أوفدتهم الملكة لزيارة دول المجموعة وتفقد أحوال شعوبها ـ وكانوا ضمن أفراد العائلة الملكية ـ لم يكن طريقهم سهلا مفروشا بالورود, بل استقبلتهم مظاهرات معارضة وأصوات مطالبة بالاستقلال وبدفع بريطانيا تعويضات لتلك الشعوب عن فترات استعمارها لهم.
** ظهرت هذه التطورات في أنتيجوا وبربادوس, وفي جامايكا وفي جزر البهاما التي صرح الأمير ويليام ولي العهد البريطاني وحفيد الملكة إليزابيث ونجل الملك تشارلز بعد زيارته لها بصحبة زوجته كاثرين مؤخرا بأن أيام النظام الملكي في منطقة البحر الكاريبي قد تكون معدودة, وأن المستقبل مرهون بما تقرره شعوبها.
** ولا يمكن إغفال ما قد تحمله الأيام في نفس السياق بالنسبة لجزر فوكلاند التابعة للتاج البريطاني سياسيا والتي سلختها إنجلترا عن الأرجنتين وخاضت في سبيل ذلك حربها البحرية الشهيرة إبان رئاسة مارجريت تاتشر للوزارة البريطانية.
** غني عن القول إن التيار الجمهوري في كندا وأستراليا ونيوزيلندا آخذ في الصعود وسوف ينمو بعد رحيل الملكة بحيث أصبح بقاء هذه الدول ضمن تبعية التاج البريطاني أقل يقينا في المستقبل عما كان عليه في الماضي القريب.
*** كل هذه التحديات تشير إلي أن جلوس الملك تشارلز الثالث علي عرش المملكة المتحدة خلفا لوالدته الملكة إليزابيث الثانية لن يكون بالأمر الهين الذي يحسد عليه!!