ما مدى خطورة أزمة الجنيه الاسترليني؟ | صحيفة الاقتصادية


انخفض الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل الدولار الإثنين، ما دعا المحللين إلى مقارنة مساره بمسار عملة الأسواق الناشئة.
جاء ذلك في أعقاب انخفاض الجنيه الاسترليني على أثر حزمة تخفيض الضرائب التي طرحها كواسي كوارتينج وزير المالية البريطاني الجمعة التي بلغت 45 مليار جنيه استرليني.
لكن في الماضي كان الجنيه البريطاني يرتفع وينخفض مقابل الدولار الأمريكي، ومنذ الحرب العالمية الثانية كان اتجاهه هبوطيا باستمرار. في نظام بريتون وودز الذي اعتمد بعد الحرب لأسعار الصرف الثابتة لكن القابلة للتعديل، تم تحديد قيمة الجنيه الاسترليني الواحد في البداية عند 4.03 دولار، لكن المملكة المتحدة لم تكن قادرة على الحفاظ على هذا السعر بسبب العجز التجاري المستمر وتدفقات العملة الخارجية.
تبع الانخفاض الكبير في قيمة العملة الذي حدث في 1949 انخفاض آخر في 1967، وكانت هناك أزمات واجهها الجنيه الاسترليني مع أسعار الصرف الثابتة إلى أن انهار نظام بريتون وودز في 1971. وفي 1985، عندما كان الدولار قويا بشكل غير مستدام، وصل سعر الجنيه الاسترليني إلى مستواه المنخفض السابق بعد نظام بريتون وودز والذي يزيد قليلا على 1.05 دولار.
فيما يلي، تنظر "فاينانشال تايمز" في أهمية أزمة الجنيه الاسترليني الحالية.
لماذا يتعرض الجنيه الاسترليني إلى الضغط الآن؟
على مدار الـ70 عاما الماضية، كان الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه الاسترليني مقابل الدولار الأمريكي يعكس في الغالب ارتفاعا في معدلات التضخم في المملكة المتحدة مقارنة بالولايات المتحدة، ما يتطلب سعر صرف أقل لمعادلة مستويات الأسعار في كلا البلدين.
ليس هناك شك في أن الانخفاضات الأخيرة في قيمة الجنيه الاسترليني تمثل تصورا لمشكلة تتعلق بعملة المملكة المتحدة وليس مجرد قوة الدولار الأمريكي. انخفض الجنيه الاسترليني 3 في المائة تقريبا مقابل اليورو خلال الأسبوع الماضي، وانخفض أكثر من 7 في المائة مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسين للمملكة المتحدة منذ بداية آب (أغسطس).
يعكس ذلك التصور في الأسواق المالية الدولية وجهة نظر مفادها بأن السياسة الاقتصادية للمملكة المتحدة تتحرك في الاتجاه الخاطئ، تماما كما حدث بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عندما فقد الجنيه الاسترليني 10 في المائة من قيمته.
ترى وجهة النظر هذه أن الاقتراض من أجل التخفيضات الضريبية الدائمة هو مجازفة متهورة من حكومة رئيسة الوزراء ليز تراس، التي من شأنها أن تزيد العجز التجاري للمملكة المتحدة وتدفع التضخم للأعلى ولن تفعل كثيرا للنمو.
قال روبرت وود، الخبير الاقتصادي البريطاني في بنك أوف أمريكا، "لقد تفاعلت أسعار الأصول في المملكة المتحدة مع الحزمة المالية بطريقة أقرب إلى الأسواق الناشئة، مع بيع الجنيه الاسترليني والذهب".
ردت الحكومة بالقول إنها لن تجري مراجعة للإنفاق لزيادة نفقاتها على الخدمات العامة هذا الخريف في محاولة منها لإظهار المسؤولية المالية. لكن الأسواق تركز أكثر على ما أعلنه الوزراء وليس على وعودهم.
هل هناك ما يستدعي القلق؟
تعكس الأسواق المالية رأي الأغلبية العظمى من الاقتصاديين التقليديين بأن الشروع في أكبر تخفيضات ضريبية منذ 50 عاما هي سياسة خاطئة عندما تكون معدلات البطالة منخفضة وعندما لا توجد طاقة فائضة كافية في الاقتصاد لنمو إضافي غير تضخمي.
إن المخاوف بشأن تعهد تراس المتكرر بالتخلي عن "معتقد" وزارة الخزانة تكمن في أن الانخفاض السريع في الجنيه سيكون له آثار غير سارة لمعظم الناس في المملكة المتحدة وسيحد من طموحات الحكومة.
فيما سيؤدي انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني إلى زيادة التضخم. لدى بنك إنجلترا قاعدة أساسية مفادها بأن 60 إلى 90 في المائة من الانخفاض في سعر الصرف سيكون له وقع في ارتفاع أسعار الواردات. لذا، انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني 7 في المائة من شأنه أن يضيف 1.5 إلى 2 في المائة إلى الأسعار على مدى عامين إلى ثلاثة أعوام. سيؤدي هذا إلى تفاقم التضخم المرتفع أصلا في المملكة المتحدة وكذلك أزمة تكلفة المعيشة.
أيضا ارتفاع معدل التضخم والحاجة إلى جذب الاستثمار الأجنبي لتمويل العجز التجاري الهائل في المملكة المتحدة سيتطلب أيضا أسعار فائدة أعلى. الأسواق المالية الآن تتوقع أن يرفع بنك إنجلترا الفائدة إلى أكثر من 5 في المائة العام المقبل، وارتفعت تكلفة الاقتراض الحكومي. ارتفعت تكاليف الاقتراض لمدة عامين من 0.4 في المائة قبل عام إلى نحو 4 في المائة.
ستؤثر تكاليف الاقتراض المرتفعة هذه في الأسر والشركات التي تفكر في الاستثمار. على الرغم من أن المصدرين سيستفيدون من تدني أسعار المنتجات البريطانية في الأسواق الدولية، فإن اقتراض الحكومة من أجل النمو قد يكون له تأثير عكسي.
قال سوشيل وادواني، مدير الأصول وصانع السياسات سابقا في بنك إنجلترا، في عطلة نهاية الأسبوع، "من السهل جدا رؤية كيف ستؤدي خطة التوسع المالي لتراس وكوارتينج إلى انخفاض النمو إضافة إلى أسعار الفائدة التي يجب أن ترتفع كثيرا استجابة لأزمة الأسواق وتراجع الثقة".
ما الذي يمكن فعله؟
هناك أربع طرق محتملة متاحة لسلطات المملكة المتحدة إذا أرادت وقف انخفاض الجنيه الاسترليني.
الأولى، يمكن للحكومة أن تأمر بنك إنجلترا بالتدخل في أسواق العملات، وشراء الجنيه الاسترليني باحتياطياته من العملات الأجنبية. لكن هذا يمثل إشكالية، وفقا للسير جون جييف، النائب السابق لمحافظ بنك إنجلترا. قال لمحطة "بي بي سي" الإثنين، "ليس لدينا كثير من الاحتياطيات مقارنة بحجم سوق العملات، لذا لا أعتقد أنه يعد سلاحا فاعلا".
الثانية، أن تعكس الحكومة التغييرات في سياستها المالية، لكن سيكون تنفيذ ذلك صعبا للغاية بالنسبة إلى وزير المالية ورئيسة الوزراء الجديدين.
أما الثالثة، فهي إمكانية أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة لزيادة العائد المتاح للأشخاص الذين يملكون أموالا في المملكة المتحدة، مثلما فعل كثير من الاقتصادات الناشئة هذا العام. أشار البنك المركزي إلى أن مزيدا من الزيادات في أسعار الفائدة ستتم في اجتماعه في تشرين الثاني (نوفمبر)، لكن الأسواق المالية تريد التحرك بسرعة أكبر.
الرابعة، قد يسعى كبار المسؤولين في بنك إنجلترا إلى طمأنة الأسواق من خلال توضيح أنهم سيتخذون إجراءات فورية إذا خرج التضخم أو الاقتراض العام عن السيطرة. قد يكون الحديث عن ارتفاع سعر الجنيه، خاصة مع الوعد بأسعار فائدة أعلى، سلاحا فاعلا في استعادة الثقة.
ما الذي ستفعله الحكومة؟
لا ينوي كوارتينج التراجع عن خطة تخفيض الضرائب التي تعتمد على الديون التي وضعها الجمعة الماضية. في الواقع، قال الأحد إن هناك "مزيدا في المستقبل" فيما يتعلق بخفض العبء الضريبي.
أكدت كلوي سميث، وزيرة العمل والمعاشات، الإثنين أن وزير المالية لن يغير خطته. "إن الحكومة تركز بشكل مطلق على تنفيذ حزمة النمو كما حددناها"، كما قالت.
في محاولة لطمأنة الأسواق بأن كوارتينج لم يكن ينوي زيادة الإنفاق قبل الانتخابات العامة - الأمر الذي سيزيد من الديون - قالت وزارة المالية الأحد إنها ستلتزم بخطط الإنفاق الحالية حتى 2025.
"بات من المهم أكثر من ذي قبل أن تعمل الدوائر بكفاءة لتدبير أمورها ضمن الميزانيات الحالية، مع التركيز على إطلاق العنان للنمو وتقديم خدمات عامة عالية الجودة"، وفقا لوزارة المالية.
قال جيرارد ليونز، الذي يقدم المشورة لحكومة تراس الجديدة بشأن السياسة الاقتصادية، الإثنين إن على كوارتينج الالتزام بخطته وإن بنك إنجلترا يجب أن يرفع أسعار الفائدة للابتعاد عن "الأموال الرخيصة".

تاريخ الخبر: 2022-09-30 00:23:05
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 35%
الأهمية: 44%

آخر الأخبار حول العالم

الاحتلال يُجدد القصف على غزة.. هل أسفر عن ضحايا؟

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 06:21:59
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

وزير الخارجية الأمريكي: واشنطن ترفض أي عملية برية في رفح الف

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 06:22:05
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

ماذا قال أنتوني بلينكن لوزير الدفاع الإسرائيلي بشأن فلسطين؟

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 06:22:10
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية