العمل ضرورة إنسانية
العمل ضرورة إنسانية
يحث القديس بولس أهل تسالونيكي قائلا: ولما كنا عندكم أعطيناكم هذه الوصية مرارا, وهي أنه إذا كان أحد لا يريد أن يعمل فليس له أن يأكل(3:10).
كم هؤلاء الذين يرغبون في الحصول علي كل شيء دون أدني مجهود أو عمل؟ وما أكثر الذين ينتظرون خدمة الآخرين لهم دون أن يشمروا عن سواعدهم! ياله من مشهد غير معتاد ونستطيع أن نتأمله لساعات طويلة علي شاطئ المحيط بالعاصمة الأفريقية توجو, وهو عبارة عن مجموعتين من الصيادين تلتقيان كثيرا وتقومان بشد الشباك, ولكن هناك مفارقتين:الأولي في بعد المسافة بين المجموعتين وكأن كل واحدة تتجاهل شريكتها, وفي ذات الوقت نتخيل أن كل واحدة تقوم بعملها منفصلة عن الأخري وكأن هناك منافسة بينهما, ولكن مع التمحيص نكتشف أنهما مرتبطتان بنفس العمل, ولا يقتصر عملها علي شد الشباك معا نحو الشاطئ ولكنهما تقتربان حتي الوحدة بينهما, ونتيجة هذا نري شباكا مكتظة بكميات كبيرة من السمك.
والمفارقة الثانية هي تكوين كل مجموع بطريقة متناسقة مع الأخري من رجال ونساء وصغار وطاعنين في السن وشباب قوي البنية, ونتخيل في هذا المشهد أن أهالي القرية كلها موجودون علي الشاطئ ويمسكون بالحبال التي تجر الشباك.
كما نجد الجميع منهمكين في العمل دون استثناء, متحملين حرارة الشمس ونار الرمال.
كل هذا يدل علي العمل معا من أجل قوت يومهم الذي يتقاسمونه من حصيلة الصيد المشترك.
نستطيع أن نترجم هذا في حياتنا اليومية من خلال مسئولية كل فرد منا في العالم. نحن نمسك بحبل كبير يمثل عملنا اليومي والتزامنا, ومن المحتمل أن نكتفي بملاحظة جزء الحبل الذي بين أيدينا ونتخيل أن كل شيء ينتهي هناك, أي عند مشاغلنا البسيطة كل حسب دوره في المجتمع, ولكن الحبل لايتوقف عند الجزء الخاص بنا, ولكنه ممدود بين أيادي المليارات من البشر التي تتشبث به, وجميع أهالي تلك القرية يمثلون العالم كله بمسئوليات مختلفة. إذا لا يستطيع أي شخص أن يتهرب من دوره في جذب الحبل, لأنه يحمل عمل كل واحد منا للآخرين, كما أنه يظهر مجهودنا أو توانينا, نشاطنا أو كسلنا, التزامنا أو رفضنا, مسيرتنا أو خروجنا عن الطريق.
إذا لا يستطيع أحد أن يبرر كسله قائلا:ما قيمة عملي؟ من يشعر به؟ هل من الممكن أن يعتمد العالم علي تعبي؟ مما لا شك فيه أن الجميع يلاحظون دورنا ويشعرون بإسهاماتنا أو إخفاقنا, فالجميع يتشبثون بهذا الحبل.
لذلك يجب أن نعي بأن كل شخص منا له دور مهم في هذه القرية أي العالم الذي نعيش فيه, وهذا الحبل الغليظ لا يعني أنه مسئولية شاقة لبرنامج ما يخصني بمفردي أو لتكرار نفس الالتزامات اليومية, أو نعيد نفس البرنامج الأسبوعي بكل رتابة وملل, ولكنه الحبل الذي يربطني بمليارات من الأشخاص المنتشرين في كل المسكونة.
إذا كل عمل صالح أقوم به يعود بالخير علي الآخرين, كما أن تكاسلي يصيب الغير بالعدوي.
هنا نتذكر ما حدث مع كسري أنوشروان عندما شاهد فلاحا عجورا يزرع صنفا من الشجر لا يؤتي ثمره قبل أعوام, فقال كسري لذلك الرجل: يا والدي العزيز! إنك تتعب نفسك عبثا لأنك لن تذوق ثمره!, فكان رد العجوز: لقد صدقت يامولاي! ولكنهم غرسوا قبلنا فأكلنا, ونحن نزرع ليأكل من يأتي بعدنا!, فتعجب كسري من هذه النفس النبيلة وأمر بمكافأته, لكن الفلاح أجاب للتو: ها أنذا جنيت ثمرة تعبي قبل الأوان, ما أنبل هذا الرجل الذي يعتبر مثالا يحتذي به في العمل دائما دون النظر إلي المنفعة الشخصية الحالية, ولكن نعمل ونجتهد لأن العمل رسالة كل فرد منا حتي لو لم يكن في احتياج.
كما يجب أن نعمل بهدف منفعة الغير, لأن هناك حبلا يربطنا جميعا ونمسك به بأيدينا, إذا واجب علينا أن نفيد الغير بعملنا, مثلما نستفيد نحن من عملهم.
كما من سعادة ستغمرنا عندما نقوم بدورنا علي أكمل وجه ونتمم واجباتنا المطلوبة منا؟! علاوة علي ذلك نربح احترام وتقدير الناس لجهودنا المبذولة واعترافهم بالجميل نحو عندما يحين وقت الحصاد.
إذا لا نتمثل بالإنسان الاتكالي الذي يعتبر عالة تعيش من تعب الغير, الذي يقول عنه القديس فرانسيس الأسيزي مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية: ذبابة تعيش من فضلات الغير. ونختم بكلمات سفر الأمثال:لا تحب النوم لئلا تفتقر,افتح عينيك تشبع خبزا(20:13)