التنمر في مكان العمل آفة تحتاج إلى التدخل | صحيفة الاقتصادية


صراخ. وصياح. وتهجم على شخصه، إضافة إلى الانتفاع من أبحاثه دون مشاركة التكلفة.
بعض السلوكيات التي يقول مرتضى محمودي، عالم في تكنولوجيا النانو الطبية من جامعة ولاية ميتشيجان، إنه كان عليه أن يتحملها من زميل أعلى منه رتبة في مكان عمله السابق، في الوقت الذي انطلقت فيه مسيرته المهنية.
لأنه يشعر بالانزعاج الشديد إزاء تلك المعاملة، اشتكى إلى مسؤول أعلى منه. ولكن بدلا من أن يعالج مشكلة التنمر، أصدر المسؤول الأعلى تعليماته إلى المدعى عليه بالإشراف على محمودي، وسارت حياته من سيء إلى أسوأ.
قال محمودي: "من أجل القيام بتجربة، كان علي الحصول على الموافقة. ولشراء المواد اللازمة لها، كنت بحاجة للحصول على إذن – هذا الامتياز لا يتمتع به طالب الدكتوراه". وعندما وجد المحققون الداخليون أن كثيرا من مزاعمه صحيحة، لكنهم تركوا خصمه في المنصب، استقال محمودي. "كنت محظوظا. فقد كانت سيرتي الذاتية ممتازة، وأحمل بطاقة الإقامة الخضراء ولدي عروض من مؤسسات أخرى. لكن بالنسبة إلى معظم الناس، هذا ليس ما يحدث معهم"، كما يقول محمودي الذي شارك لاحقا في تأسيس "أكادميك باريتي موفمنت" وهي منظمة غير ربحية لمكافحة التنمر.
إن القصص عن المشرفين المتعسفين شائعة - التي تفهم على نطاق واسع على أنها سلوك يعده المرؤوسون عدائيا، بدءا من الانتقادات القاسية المتواصلة إلى التخريب الوظيفي. وفقا لمعهد التنمر في أماكن العمل ومقره الولايات المتحدة، فإن 30 في المائة من الأمريكيين يتعرضون للتنمر في عملهم، ومعظم ذلك يأتي ممن هم في مناصب أعلى.
حسب اعتقاد جاري نامي، الشريك المؤسس لمعهد التنمر في أماكن العمل، أن اللوم يقع جزئيا على ترقية العاملين بناء على مهاراتهم الفنية دون تهيئتهم للإدارة. يقول نامي: إن هؤلاء المديرين الجدد هم المسؤولون الآن، بينما "يتخلى الناس عن وظائفهم من أجل البقاء"، لأن الرؤساء يتشبهون بالطغاة والمتكبرين الذين تصورهم الروايات والأفلام الدرامية على شاشة التلفاز.
مع ذلك، فإن الرؤساء المتنمرين لا يمثلون الصورة النمطية عن شخصية توماس جرادجريند المهووس بدقة المقاييس في رواية "الأوقات الصعبة" لتشارلز ديكنز، ولا حتى مع الرئيس المجهد تحت ضغط تحقيق الأهداف. وفقا للأبحاث المتزايدة، فإن كلا الموظفين ذوي الأداء المنخفض والأداء العالي يجذبان نسبة كبيرة من التنمر، ما يشير إلى أن بعض الأفراد لا يمارسون التنمر في محاولة مضللة منهم لرفع مستوى الأداء، ولكن كأداة مهنية لطرد صغار الموظفين الذين يظهرون إشارات التفوق عليهم. مثلا، أفادت دراسة هولندية أن النساء تعرضن للتنمر لأول مرة، أو أنه ازداد سوءا بعد أن حصلن على منح مالية وأوسمة. أظهرت التجارب أيضا أنه عندما تنخرط النساء في الألعاب عبر الإنترنت، فإن الرجال الأقل نقاط في اللعبة يظهرون العداء لهن، ربما لأنهم يخشون فقدان مراتبهم في اللعبة.
من أوجه التنمر الأخرى هو، من يقوم بممارسة السلطة على من؟. حيث تشير الدراسات التي أجريت على العاملين غير المثبتين وتلاميذ المحاماة والمتدربين الطبيين إلى أنه عندما ينظر إلى المشرفين من قبل من هم أدنى منهم وظيفيا على أنهم حراس للوظائف والفرص، فإن البعض يسيء استخدام هذه السلطة. في تحليل لدراسة استقصائية قام بها محمودي وزملاؤه، تحدث بعض الأكاديميين الشباب وطلاب الدراسات العليا عن كيفية استخدام المشرفين "لبياناتي في الأوراق أو براءات الاختراع دون الاعتراف بمساهمتي فيها"، ووصف آخرون لكونهم مجبرين بالقوة على التنازل عن حقوقهم في نتائج أبحاثهم. بينما كان العلماء المغتربين معرضين للاستغلال بشكل خاص، حيث أفاد البعض أن زملاءهم الأعلى مرتبة منهم هددوهم بإلغاء تأشيراتهم، ما يعرضهم لخطر الترحيل.
عندما يسيء كبار المسؤولين استخدام أنظمة الشركة لمعاقبة الموظفين الذين يستاؤون من وجودهم أو صراحتهم، يقول ناريندر كابور، أستاذ الزائر في علم النفس العصبي في يونيفرسيتي كوليدج لندن: "يصبح التنمر أكثر من مجرد شخص يسيء التصرف تجاه شخص آخر". يصبح الأمر حينها "منهجيا". زعم كابور، الذي قام بنفسه بالتبليغ عن مخالفات صاحب عمل سابق، أنه حرم من الموارد وأقيل من وظيفة بالمستشفى، لأنه اشتكى من بعض الممارسات التي عدها خطرة. لكن على الرغم من أن محكمة العمل قد حكمت بأنه أثار مخاوفه بشكل مشروع وتم استبعاده بطريقة غير عادلة، إلا أنها قررت أن سبب إقالته كان انهيار العلاقات مع مديريه، وليس إبلاغه عن المخالفات.
فيما يقول كيفن بولتر، شريك في "فريذز"، وهي شركة محاماة بريطانية، إن التنمر الانتقامي على الموظفين الذين يثيرون مخاوف مشروعة "يحدث أكثر مما يعتقده المرء". لكن إقناع المحققين قد يكون صعبا. بمرور الوقت، "هناك نمط لمعاملة شخص واحد بشكل مختلف" تتم إضافته إلى التنمر، كما يقول. مع ذلك، يبدو أن كل اعتداء صغير على حدة يبدو تافها - مثل رفض طلبات أحد الموظفين لحضور الدورات أو المؤتمرات التي يحصل عليها أقرانهم.
في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، على عكس بعض الدول الأوروبية، لا يعد التنمر في مكان العمل غير قانوني، ما لم يكن هناك خرق لقانون المساواة. مع ذلك، في أعقاب حملة "هاشتاق مي تو" وتحركات الجهات التنظيمية والهيئات المانحة لمعاقبة المنظمات التي تحمي المتنمرين، أنشأ عديد من أصحاب العمل مكاتب المظالم وخطوط ساخنة للإبلاغ عن المخالفات، وأعلنوا أنه لن يتم التسامح مع التنمر.
مع ذلك، على الرغم من هذه الإجراءات، فإن 70 في المائة من الأكاديميين الذين تعرضوا للتنمر ممن شملهم الاستطلاع من قبل محمودي ورفاقه لم يبلغوا مؤسستهم عن المعاملة السيئة التي تلقوها، وذلك بسبب خوفهم من التداعيات بشكل رئيس. من بين الذين أبلغوا عن التنمر، قال معظمهم إنه لم يتم اتخاذ أي إجراء أو أنه تمت حماية المتنمر، وتعرضوا للانتقام على أثر ذلك.
قد يكون السبب الجذري لاستعصاء معالجة قضية التنمر هو حقيقة أنه بينما تقول المنظمات إنها تمقت التنمر، إلا أن قليلا منها يقوم بعلاج اختلالات القوة التي تفيد المتنمرين وتضعف ضحاياهم. عندما توجه الاتهامات لأحد المديرين المؤثرين "سيكون هناك إحجام من الناحية الثقافية عن العثور على تلك المخالفات"، كما يقول تشارلي تومسون، شريك في شركة ستيوارت للمحاماة في المملكة المتحدة. غالبا ما يتردد مسؤولو الموارد البشرية في مساءلة المديرين، في حين أنه قد يكون لدى المسؤولين الكبار الدافع لإعادة صياغة حادثة التنمر على أنها سوء تفاهم وصراع بين الأشخاص، متجاهلين حدوث سوء استخدام للسلطة. كما تقول لورالي كيشلي، أستاذة في قسم الاتصالات في جامعة واين ستيت بديترويت أنه مع الوساطة، مثلا، يصبح التركيز على مسألة "كيف يمكننا أن نعيش في المستقبل، وليس إعادة صياغة الماضي؟". وتضيف أن تجاهل القصة الأساسية "يمكن أن يصبح عن غير قصد الأداة" التي تسمح باستمرار التنمر.
حتى عندما يجلس أصحاب العمل والضحايا من أجل التفاوض، فإن القوة غير المتكافئة تكون لصالح المتنمر. في الخدمات المالية "التهديد الأكبر المستخدم للتنمر، هو أن يوضع الشخص في خطة لتحسين أدائه أو أن يتم اتهامهم بقضية سلوك" التي قد يسمع عنها أصحاب العمل المحتملين وتخيفهم من الضحية، كما تقول فوديا سمارت، شريكة في شركة سبنسر ويست للمحاماة ومقرها لندن. بالتالي، حتى مع وجود أدلة دامغة، يصر عدد قليل من الضحايا على معاقبة المعتدين عليهم. تضيف سمارت أن معظمهم "يريدون فقط المضي قدما، مع وجود اتفاق مرجعي فيما بينهم". لياه بي هوليس، باحثة بارزة في جامعة روتجورز، تركز على التنمر في مكان العمل، تشكك أيضا في الوعود الورقية. وتشير إلى أن "السياسات والإجراءات تكون جيدة فقط إذا كان الأشخاص الذين يديرونها كذلك. إن الناس يخالفونها دائما".
يمكن أن يكون البديل عن الثقة بالذين يتمتعون بسلطة الإشراف الذاتي هو التكاتف مع الذين لا يملكونها. وفقا لنصيحة محمودي، عند الإبلاغ عن التنمر، ابحث عن أشخاص آخرين مروا بالموقف نفسه. قال: "إذا قدمتم قضيتكم معا مع توثيقها بالأمثلة، فستكون قوتكم أكبر. وذلك يجعل من الصعب على أرباب العمل التستر على هذه الدعاوى".
إعادة التوازن في السلطة يؤدي إلى إصلاح الثقة في إجراءات الشركات التي يشتبه أنها تفتقر إلى الاستقلالية أو تعزز ممارسة الظلم. من إحدى الأفكار المدعومة من قبل نحو 20 مجموعة من العاملين الصحيين التي تتمتع بالشعبية، بما في ذلك مؤسسة الأبحاث المستقلة أوار إن إتش إس أوار كونسيرن وجمعية الأطباء في المملكة المتحدة، هي إنشاء لجان التدقيق بحيث ينتخبها الموظفون وتتمتع بصلاحيات قانونية للإشراف على الإجراءات التأديبية وإيقاف كل من لديه دوافع خبيثة. بينما تتألف اللجان من الأطباء والممرضات والمديرين غير التنفيذيين لصناديق الخدمة الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، فهي التي ستعطي الثقة بأن "النظام عادل. وأن من شأنه أن يغير الثقافة"، كما يقول أرون باكسي، طبيب استشاري متقاعد وناشط.
بشكل عام، فإن إعطاء أهمية أكبر في عمليات الاختيار لرأي الأقران والموظفين المبتدئين، من خلال شكل من أشكال التقييم على نمط 360 درجة، قد يؤدي إلى طرد المرشحين الذين يرتقون في الرتب عن طريق إغراء من هم أعلى منهم والتنمر على من هم دونهم. لكن يجب أن تكون المنظمات مستعدة للعمل، وفقا لما تتعلمه، حسب تحذير بولتر من شركة فريذز للمحاماة. يضيف: "إذا اكتشفت أن بعض الأشياء ليست صحيحة، فعليك التعامل معها" – ويضيف أن هذا قد يكون هو السبب في أن الأساليب التصاعدية ليست أكثر انتشارا.
للتغلب على القصور الذي يكافئ التنمر، فإن ذلك يتطلب من المنظمات "إظهار قوتها في عدم التسامح المطلق" والآليات التي لا تعتمد على المؤسسات التي تقوم بتقديم بلاغات ذاتية عن الإساءة إلى المنظمين، كما يبين محمودي. يقول: "الكل يعلم أن التنمر يحدث. لكن لا أحد يتحدث عنه. ولا أحد يتصرف حياله".

تاريخ الخبر: 2022-10-09 00:23:08
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 33%
الأهمية: 39%

آخر الأخبار حول العالم

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:54
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:26:00
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية