عن دار النسيم للنشر والتوزيع صدر للكاتبة الجزائرية وهيبة سقاي رواية " الفجر جرح أسود وهي رحلةٌ يأخذ خلالها الكاتب قارئه إلى فكرة مُعينة، ولا توجد  بذلك رواية خالية من الصفة الاجتماعية باعتبار أن الواقع هو المدخل الأساسي، وهو عامل الجذب الوحيد للقارئ، الذي لا يُقبل على قراءة رواية لا تتطرّق إلى واقعه المعاش، «الدستور» التقت وهيبة سقاي وكان هذا الحوار.

ماذا عن “الفجر جرح أسود”؟

الرواية من النوع الاجتماعي، وأراها سوى سرد أدبي قادر على خلق الترادف مع الواقع، يستلهم من الحياة العامة وتحولاتها ما يمكن الاعتماد عليه في نسج أحداث أغلبيتها وليد الواقع المرير و منبثق منه. إنّ رواية "الفجر جرح أسود" يعدّ بمثابة أوّل عمل روائي  لي بطابع اجتماعي درامي مأساوي بحت، وهو يتطرّق أيضاً إلى مأساة أو موضوع الهجرة غير الشرعية على متن  قوارب الموت. قوارب  موت أو توابيت تبحر فجرًا و خلسة، يستقلّها شباب في عمر الزهور بحثا عن حياة أفضل هناك على  شاطئ الضفة المقابلة من البحر. منهم من ينجح في الوصول إلى أرض الأحلام و التّي قيل عنها الكثير، و البعض الآخر تلتهمه الأعماق الكئيبة الصامتة، فتحوّله إلى جزء منها، أو إلى لقمة  طيبة تلتهمها الحيتان، و تبصق بقاياها على ضفاف شواطئ الأراضي الأوروبية، والتّي طالما تاق معظمهم إلى رمالها الرمادية الباردة، كبرودة ذاك الفجر الذّي شهد رحلتهم الكئيبة الحزينة. 

ماذا عن مصائر أبطالها ضحايا الهجرة الغير مشروعة عبر البحر؟

إنّها مأساة الشّاب ناصر ورفاقه، جامعيون متخرّجون منذ سنوات من معاهد عالية بأعلى الشهادات والأوائل على دفعاتهم، ذنبهم الوحيد هو عجزهم عن الحصول عن فرصة عمل، أو حتى على ظّل واسطة، تنتشلهم من براثن بطالة قد أجبروا على أن يظّلوا حبساءها ولا مفّر لهم منها سوى إليها. 

وتضيف الكاتبة الروائية وهيبة سقاي، قد يستّقل الشبان مركبًا يكلّفهم ثمنا باهظًا، يضعون فيه كّل مدخراتهم ومدخرات عائلاتهم  من أموال مبيعات مجوهرات أمهاتهم وأثاث بيوتهم، ويركبون الموج في رحلة غير واضحة الملامح مجهولة المآل.

غرقى السواحل الإيطالية.

 ليتك تحدثينا عن تلك الرحلة بدقة أكثر فيما يخص طرحك لها روائياً في "الجرح فجر أسود؟

رأيت تلك الوقائع أو الأحداث في الواقع قبل رصدها سردياً حيث القارب يتقدّم بجنون  نحو الوجهة التّي ستمنح الخلود و السعادة الأبدية..اختفت اليابسة تمامًا، واختفت معها أرض الوطن عن الأنظار، تبّخرت رائحتها الزكية و حّلت مكانها رائحة الملح  المنبعثة من زبد المياه الهوجاء..هدير الموج يعلو..موجات رمادية حاقدة تهاجم القارب..تريد أن تنقّض على المحرّك و تشّل حركته..تريد أن  تغيّر وجهته، أن تعيده بركابه و الزمن، إلى  فجر البلدة العابس الأسود.

وماذا عن المافيا_ وتجارة المخدرات في الرواية؟

رصدت رسو القارب بعد ساعات إبحار طويلة، على سواحل إيطاليا حيث تبدأ معاناة أبطال الرواية المتماهية مع حقيقة ما شاهدت وسجلت بعيني الحقيقية. المهاجرون اللا شرعيون هناك يشهدون مأساة وفاة  صديقهم خالد الكهربائي متأثرًا بجراحه بعد ما داسته شاحنة نقل خضروات و هو يلوذ بالفرار من شرطة الهجرة، وقوع شريف الحقوقي فريسة في يد عصابة المافيا و تورّطه في نقل الأسلحة من و إلى إيطاليا عبر جبال الألب، و من ثّم اختفاؤه  في ظروف غامضة، لم تحرّك لها سفارة البلد الأّم ساكنًا، بالرّغم من النّداءات الكثيرة للشّباب المهاجر و مطالبتها بالتحقيق في أمر اختفاء رفيقهم المسكين.

ضف إلى ذلك معاناة أحمد المترجم، بعد ما ألقى عليه القبض خفر السّواحل مختبئا وراء أكمّة، و من ثّم  زجّه في السّجن مع  اللّصوص و  المجرمين و تجّار المخدّرات، حيث انهال عليه أحدهم ضربًا  بقضيبٍ حديدي صدئ تسبب في إلحاق أذًى بالغٍ بقدمه و من ثّم بترها.شُحِنَ بعدها خريج كليّة الترجمة كأي سلعة رخيصة، على متن باخرة ناقلة للحاويات إلى أرض الوطن، تلك التّي غادرها معافى  و عاد إليها معوّقًا بقدمٍ واحدة ونفسٍ مكسورة، يجّر أذيال الخيبة و الخزي و المهانة. 

وماذا عن تكرار تيمة الصهاريج والتي استخدمت من قبل في رواية الفلسطينى غسان كنفاني "رجال في الشمس؟

هناك اختلاف وقطيعة بين ماورد في رواية غسان وروايتي "الفجر جرح أسود" حيث أن بطلي ناصر يقرّر هو وصديقه كمال مغادرة الديّار الإيطالية  والسّفر إلى بريطانيا، مختبئين في صهريج  فارغ لشاحنة ناقلة للوقود السائل. في جوف تلك الكرة المعدنية  الضّخمة، التّي لم يكن لها قرار مسّطح بإمكانهما الجلوس أو التمدّد عليه، كانا يحاولان الالتصاق بجدارها  المقعّر الأملس الدبِق كعناكب  متعبة لزجة اللّيونة.كانت الظلمة مفزعة و رائحة الوقود التّي ملأت المكان تختلط بدمائهما، تخنق أنفاسهما. حرقة دامية تمضغ وحدتهما الرّهيبة و الخوف من أن ينكشف أمرهما من طرف شرطة الحدود البريطانية، كان بمثابة إبرٍ حّادة  تنغرس  في أعصابهما المتوّترة

تلك هي معاناتهم، ظلّت تقتفي خطاهما إلى أن أتت على القليل من الأمل الذّي تشبّثا به   و الذّي تخلّى عنهما هو كذلك، و تركهما فريسة للأسى و الإحباط و اليأس القاتل.

يذكر أن الكاتبة الجزائرية وهيبة سقاي" من مواليد مدينة قسنطينة بالشرق الجزائري.

ــ حاصلة على شهادة الدراسات العليا   D.E.Sفي علم الأحياء الدّقيقة  Microbiologyمن جامعة قسنطينة.

ــ حاصلة على شهادة في الترجمة العلمية من معهد للترجمة بالإمارات العربية المتحّدة.

أستاذة معيدة بمعهد جامعة بقسنطينة. باحثة مخبرية.  وعضو اتحّاد الكتاب الجزائريين. 

تكتب مونودراما المسرح وتمزج الحلم بالخيال بالرومانسية وهذا رغم واقعية كتاباتها التي تبعث على التفاؤل وحب الحياة ولها مجموعتين قصصيتين "حلم حياتي" "دموع أغرقت البحر"ونشرا أيضاً بدار النسيم، ولها مسرحيات وقصص قصيرة، وقصص للأطفال نشرت العديد منها على كّل من المدوّنة الأدبية للروائي أحمد طوسون الإلكترونية، ومدونة حّي بن يقظان، لأدب الطفل، لنفس الروائي، وجريدة الديوان المصرية، وجريدة النقابة الفرعية لاتحاد كتاب محافظة الغربية، والجريدة العراقية الأسترالية، وكذا جريدة الصدى الليبية المغاربية.