المغرب والجزائر: هل ينسجم احتضان القمة مع قطع العلاقات مع الجار؟  


 

 

 

تحتضن الجزائر القمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين، مطلع شهر نونبر المقبل، في ظروف استثنائية طبعها التأجيل لأسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط بظروف جائحة كورونا ومنها ما هو مرتبط بالمناخ السياسي العربي العام.

 

ولكن الذي يهم المغرب بالضبط هو استغلال الجزائر لهذه المحطة لمواصلة حربها التقليدية، فكيف يمكن لقمة تسمى عربية هدفها جمع الشمل أن تكون فب دولة قطعت بشكل أحادي علاقاتها الديبلوماسية مع جارتها؟!

 

 

هل وفرت الجزائر أجواء مناسبة؟

 

 

المعتاد في القمم العربية أن الدول المستقبِلة تراهن على توفير الأجواء الملائمة لانعقادها في ظروف حسنة، بناء على جدول أعمال متفق عليه بين جميع الأطراف، والتزاما بأقصى درجات الحياد.

 

عُرف خرقته الجزائر، حسب محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش في حديثه لـ»الأيام» الذي فصل في هذه النقطة بقوله:» الجزائر لم تلتزم بالحياد ونحن نرى كيف نبشت في بعض الملفات التي لا تحظى بالتوافق العربي، خاصة عملها على إشراك سوريا وإرجاعها إلى الجامعة العربية تحت قيادة بشار الأسد، والكل يعلم بأن الدفع في هذا الاتجاه فيه إرضاء لإيران التي باتت الجزائر تعتبرها حليفا استراتيجيا لها، والأكيد بأن هذه النقطة هي موضع خلاف لدى الدول العربية خاصة دول الخليج والدول المناوئة للنظام القائم في سوريا بقيادة الأسد».

 

«الجزائر لم تلتزم كذلك بالحد الأدنى من الاحترام لجارتها المملكة المغربية، خاصة ما يتعلق برفع مستوى التوتر وشنها حربا سيبرانية ضدها، وهذا ما اعتبرته الدول العربية أمرا غير مقبول لأن المستقبِل للقمة يجب أن يوفر كل الأجواء الحسنة والمناسبة والمناخ الأمثل لتكون أرضه مساحة للحوار والتفاهم والتواصل، وهذا لم يتحقق مع القيادة الجزائرية التي لم تكن موفقة في مباشرة مجموعة من الخطوات التي اعتبرت عدائية وغير مقبولة». يضيف الغالي.

 

 

تناقضات السياسة الخارجية الجزائرية

 

القيادة في الجزائر، كما يؤكد محمد الغالي، ارتكبت أخطاء جسيمة عكستها خطوات خارجيتها غير الموفقة بخصوص مجموعة من الملفات التي حاولت الخوض فيها بالرغم من كون بعضها ظلت تقليديا من اختصاص بعض الدول التي اعتادت لعب دور الريادة فيها، مثل القضة الفلسطينية، حيث أصبحت الجزائر تعتبر نفسها الرائدة والقادرة على رعاية الحوار الفلسطيني الفلسطيني.

 

هذه الخطوة، حسب الغالي دائما، إلى جانب الخطوة الأخرى المتمثلة في استقبال قيادات إثيوبية على أراضيها، لم ترق لمصر اعتبارا لكونها تمس أمن مصر ودول أخرى.

 

الجزائر، في نظر الصحفي المصري أيمن عبدالعزيز، تحاول تحقيق مكاسب ولو شكلية في حدودها الدنيا، مثل ضمان انعقاد القمة في موعدها، خاصة بعد تجدد الحديث والشكوك حول هذا الأمر. فالخلاف الجزائري المغربي وقطع العلاقات، حسب المتحدث نفسه، يدفع الجزائر أكثر لإثبات أنها ماتزال قادرة على تحقيق توافق عربي يكفي على الأقل لانعقاد القمة. كما تراهن الجزائر على ضمان علاقات متوازنة في ما يخص الملفين الليبي والتونسي بالسعي لمنع تدهور الأحوال أكثر في هذين البلدين، ما قد يكون من ضمن قائمة النجاحات التي تسعى الديبلوماسية الجزائرية لتحقيقها في هذه القمة.

 

 

تراجع الدور المصري وتحول مراكز القوى

 

لم يعد خافيا تراجع الدور المصري على الصعيد العربي، اعتبارا لمعطيات كثيرة منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي مرتبط بالمناخ السياسي العالمي والتحولات الجارية في المنطقة، وهو معطى يطرح السؤال عما تشكله القمة لمصر وباقي الدول العربية.

 

بالنسبة للصحفي والكاتب المصري أيمن عبدالعزيز فالأمر واضح: «في تقديري الشخصي لا أعتقد أن القمة تمثل الكثير لمصر أو لأي دولة عربية، أكثر من مجرد فرصة لإعادة تكرار ما سبق التأكيد عليه من قبل ولم يتم تفعيله من بيانات وقرارات. أعتقد أن دور مصر الفعلي والحقيقي المؤثر تراجع نظرا للمشاكل الاقتصادية العميقة التي تعاني منها وهي ظاهرة للجميع، وبكل أسف هذا الدور يتعرض للمنافسة الشرسة من دول أخرى باتت لها بالفعل أيدي خفية أحيانا وظاهرة بوقاحة أحيانا أخرى، تمارس من خلالها أدوارا سلبية بل وهدامة في عالمنا العربي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه».

 

ويخلص أيمن عبدالعزيز إلى القول: «غياب الدول الكبرى عن لعب دورها الإقليمي وتراجع نفوذها أمام الدول الخليجية صاحبة النفوذ المالي الكبير، من شأنه أن يزيد المشهد السياسي العربي سخرية وعبثية وتقزيما للقوة العربية أكثر فأكثر، وبالتالي لا أعتقد أننا يمكن أن نعول حتى على قرارات فعلية لها الحد الأدنى من المعقولية».

 

 

العرب وتقاطبات الكبار

 

 

يعتبر الأستاذ محمد الغالي أن المناخ الدولي المتوتر عامل آخر يرهن القمة، خصوصا وأن كل دولة من الدول العربية محسوبة على حلف معين منها، فمنها ما هو محسوب على الاتحاد الأوروبي وعلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، ومنها ما هو محسوب على روسيا وبعضها محسوب على تركيا وآخر على الصين.

 

«مسألة سقوط الدول العربية في تقاطبات الدول الكبرى عقد بدوره من المهمة، فالجزائر لم تستطع أن تلعب دورها كذلك في هذا الباب حتى تلطف الأجواء والمساهمة على الأقل في جبر للخواطر من الناحية المعنوية والنفسية بالنسبة للقادة العرب، ونتيجة كل هذه المعطيات نلمسها في عدم تحمس مجموعة من الدول العربية للمشاركة بثقلها في القمة، فالبعض يتحدث عن كون التمثيلية لن تصل لمستوى رؤساء الدول، بل رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية فقط حسب ما يروج.

 

كل هذه المعطيات تؤكد بالملموس أن الجزائر لم تكن موفقة في تحضيرها لهذه القمة، وبالتالي ما تطلقه الجزائر من شعارات هنا وهناك هو فقط من باب الترف وذر الرماد في العيون» يستطرد الغالي.

 

الدولة المنظمة للقمة، حسب الغالي دائما، يجب أن تكون لديها القدرة أولا على توفير الأمن والأمان والطمأنينة والسكينة لضيوفها، وتكون لها كذلك الاعتبارية التي تساعدها على إدارة جلسات النقاش والحوار وتدبيرها خلال مختلف مراحل سريان القمة العربية ومناقشة ما هو متعلق بجدول الأعمال، لكن الملاحظ أن الجزائر حاولت إدراج بعض النقاط التي لا تحظى بالتوافق العربي، واضعة نفسها في موقف لا ينظر إليه بعين الرضا كدولة يمكن أن تكون قادرة على تنظيم هذا النوع من القمم العربية.

 

وينحو أيمن عبدالعزيز في الاتجاه نفسه إذ يقول: «للأسف، كل الدول العربية جزء من تحالف بائس في هذا الجانب أو الجانب الآخر، والجميع ـ خصوصا الصغار ـ يبحثون عن دور أكبر على ما يعتقدون أنه جثث الكبار، بالنسبة لنجاح القمة من عدمه أعتقد أن مجرد انعقاد القمة بأي شكل وأيا كانت القرارات الكلامية المعتادة والبئيسة التي يمكن أن تتمخض عنها، فيمكننا بكل أسف اعتباره نجاحا للقمة بدلا من عدم انعقادها أو تفجر الأمور بسبب ذلك، بدرجة أكبر مما هي عليه الآن. لا يجب أن ننسى أن مصير القمة نفسها حتى الآن مازال مهددا، وأقصى أمل يمكن تحقيقه هو بلوغ درجة من التوافق حول بعض القضايا التقليدية مثل القضية الفلسطينية، أما الإجماع فهو ضرب من الأوهام».

 

 

الحاجة لإصلاح الجامعة العربية

 

يقر خالد الشرقاوي السموني بصعوبة القمة العربية التي ستنعقد في هذه الظرفية الدولية المرتبكة، حيث يستفحل الصراع بين روسيا والغرب، وتسود أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة، يترقب على إثرها العالم أزمة أخرى غذائية، بسبب هشاشة الاتفاق المبرم بين روسيا وكييف برعاية أنقرة، وكذا هيمنة الغرب على الإمدادات الغذائية وعدم تحويلها إلى الدول الأكثر احتياجا.

 

«ننتظر من القمة أن تكون مناسبة لإصلاح جامعة الدول العربية وإحداث إصلاحات عميقة داخلها وبصفة أساسية تغيير نظامها الداخلي والقوانين الأخرى المنظمة لها» يقول السموني.

 

ويضيف المتحدث نفسه في هذا الصدد: «على الجزائر بصفتها الدولة المُضيفة للقمة أن تتحمل مسؤوليتها لإنجاحها. يجب أن تكون القمة العربية القادمة المقررة في الجزائر في شهر ‏نوفمبر القادم قمة المصالحة العربية. فالعالم العربي بحاجة إلى لمّ الشمل وتجاوز الخلافات والنظر إلى الأخطار أكثر من أي وقت مضى، وهو بحاجة كذلك لرؤية عربية مشتركة لكونها السبيل لإنجاح القمة العربية وتوحيد الصفوف وتبني مبادرات للم الشمل سعيا لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين».

 

تاريخ الخبر: 2022-10-16 18:18:48
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 70%
الأهمية: 77%

آخر الأخبار حول العالم

قتل طفل في مصر ونزع أحشائه بسبب "الأنترنت المظلم"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

الدورة الـ16 للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس ..توافد غير مسبوق للزوار

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:07
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

يتضمن "تنازلات".. تفاصيل المقترح الإسرائيلي لوقف الحرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

يتضمن "تنازلات".. تفاصيل المقترح الإسرائيلي لوقف الحرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:42
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

قتل طفل في مصر ونزع أحشائه بسبب "الأنترنت المظلم"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:52
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية