الحسيني: الجزائر تسعى لموقع جديد في المنطقة العربية على أنقاض أنظمة منهارة


 

 

 

لا يعلق تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية آمالا كبيرة على القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، مطلع نونبر المقبل، لاعتبارات بعضها مرتبط بالحصيلة المتواضعة لكل القمم السابقة، من منطلق الواقع الراهن ومخرجات مختلف الدورات منذ تأسيس الجامعة، وبعضها مرتبط بطبيعة النظام القائم في البلد المستضيف للدورة الحالية، والتشنجات التي تطبع علاقته مع عدد من الدول العربية يأتي في مقدمتها المغرب، إلى جانب عقيدته العسكرية الراسخة المعتمدة على تطويق جاره وإضعافه بصفته منافسا إقليميا.

 

 

ما هي أبرز رهانات القمة العربية المقبلة في الجزائر؟

 

منذ تأسيس الجامعة العربية إلى اليوم، كانت هناك بعض اللحظات المهمة في تاريخ القمم العربية، لكن بشكل عام، أظن أن القرارات كانت طموحة في توقعاتها وجد طوباوية في آمالها، وعلى صعيد الواقع أعتقد أن الجامعة منذ تأسيسها سنة 1946 إلى اليوم لم تنتج أي قيمة مضافة للأسف الشديد، بالنسبة للعالم العربي، وهذه أمور نراها في الواقع.

 

 

في منتصف ستينيات القرن الماضي، كانت الجامعة قد أطلقت مشروع السوق العربية المشتركة، لكن شيئا من هذه السوق لم يتحقق حتى الآن، بل لم تستطع حتى المرور إلى المراحل الأولى الخاصة بمنطقة التبادل الحر ثم الاتحاد الجمركي، قبل التفكير في السوق المشتركة. الجامعة العربية فكرت كذلك في قمة عهد الناصرية والقومية العربية والتيار البعثي وغيرها في تشكيل مجلس للدفاع العربي المشترك في إطار الجامعة العربية. هذا المجلس لم ير النور في الواقع وظل نظريا وبالتالي ظلت الصراعات بين المجموعات العربية أكثر من صراعات هذه المجموعات خارج الجامعة العربية. ثم حتى على المستوى النظري لا تزال قاعدة الإجماع التي طوقت هذه المؤسسة منذ تأسيسها إلى اليوم حجرة عثرة أمام أي تقدم على مستوى آلية اتخاذ القرار.

 

 

أتيحت لي الفرصة لأشارك كخبير لتقديم نظرة حول مستقبل الجامعة وسبل إصلاحها، ووضعت وثيقة تفصيلية من حوالي 50 صفحة تضم كل المقترحات، نوقشت لنصف يوم كامل في المقر المركزي للجامعة العربية بالقاهرة، لكن التوصيات ظلت حبرا على ورق ولم تعرف طريقها للتنزيل في أرض الواقع.

 

 

هناك بعض الدول التي تحاول توظيف الجامعة العربية لخدمة مصالحها الخاصة، وأظن أن ما يجري اليوم من إعداد لهذه القمة في الجزائر يعطي صورة عن المستوى الذي بلغته وضعية العالم العربي، فالمؤسسة العسكرية بالجزائر تريد أن تلمع صورتها في وقت لاتزال فيه الحدود مع جارها المغرب مغلقة، والأجواء كذلك، ليس فقط على الطائرات العسكرية بل حتى المدنية. بعض البعثات الرياضية المشاركة في بطولات بالجزائر مرت قبل أسابيع عبر التراب التونسي لتدخل الجزائر. النظام الجزائري ذهب أبعد من ذلك، بل عمد إلى الإضرار بالشعب الجزائري والمساس بحقوقه المشروعة من واردات الغاز الذي يمر عبر التراب المغربي نحو إسبانيا وهي مداخيل بملايير الدولارات، حرم منها شعبه ليبقى الشعب المغربي محروما من تلك النسبة المحدودة من مداخيل الأنبوب، واستعماله كمصدر للغاز. عندما تصل الأمور إلى هذا الحد يتساءل المرء هنا: هل هناك مكان صالح فعلا لقيام الوحدة العربية أو حتى عمل عربي مشترك مع دول من هذا المستوى وفي هذا الحضيض؟ هذا سؤال مهم لكل من يشارك في القمة العربية اليوم لكي يطرحه على نفسه قبل أن يشارك ويساهم في اتخاذ قرارات جديدة لن تجدي أي نفع في المستقبل.

 

 

ما هي رهانات النظام الجزائري من تنظيم القمة؟ وهل يسعى لاستعادة دور ما في المنطقة العربية باستغلال التغيرات الحاصلة؟

 

 

أعتقد أن العقيدة العسكرية للنظام الجزائري تعتمد على محورين أساسيين، الأول هو كونها تعتقد أن قوتها لا تكمن إلا في ضعف محيطها، وهي لا ترى في هذا المحيط إلا دولة واحدة وهي المغرب، وبالتالي فكل جهودها موجهة نحو تطويق المغرب وإضعاف دوره في مجاله الإقليمي قبل كل شيء. ولدينا عبرة بالنسبة لما جرى في تونس من تقديم لدعم بمئات الملايين من الدولارات لم يكن هدفها إعانة الشعب التونسي في محنته ودعمه بل كان الهدف الوحيد هو انتزاع تطور أو انقلاب في الموقف التونسي من قضية الوحدة الترابية، والذي ظل موقفا راسخا منذ عهد الحبيب بورقيبة حتى الآن. ما حدث لا يشكل مؤامرة يقودها النظام الجزائري مع تونس بل مع شخص وحيد وهو السيد قيس سعيد الذي احتكر السلطة ومارس نوعا من الديكتاتورية يكاد يكون كل التونسيين دون استثناء ينتقدونها ويعتبرونها نوعا من الانقلاب على الشرعية وعلى الدستور السابق وعلى العلاقات المفضلة مع بلدان المغرب الكبير جميعا، خاصة وأنهم كانوا يعتبرون أن تونس قد تكون بفضل حكمة قيادتها وحيادها الإيجابي أفضل وسيط لإعادة المياه إلى مجاريها في منطقة المغرب الكبير.

 

 

اليوم، تم محو هذه الصورة بسبب القرار غير المسؤول الذي اتخذه رئيسها قيس سعيد وأعتقد أن الأمور ستسير إلى ما هو أسوء في مستقبل غير بعيد. من جهة أخرى نلاحظ كذلك أن النظام الجزائري يحاول تطويق المغرب على كل المستويات، فالمنفذ الوحيد الذي مازال أمامه نحو إفريقيا هو موريتانيا وهناك محاولات جادة وقوية جارية الآن من طرف الجزائر لاحتواء النظام الموريتاني مجددا، وهم يعلمون أن هذا البلد حلقة ضعيفة في التوازن المغاربي وهناك دعوات إلى تنظيم مناورات مشتركة في المحيط الأطلسي وفتح طريق جديدة بين الجزائر وموريتانيا في محاولة لتجاوز معبر الكركرات. وهناك محاولات لإعادة موريتانيا إلى السياسات السابقة التي تلت انهيار نظام المختار ولد دادة.

 

 

وبالتالي، أظن أن الديبلوماسية المغربية عليها أن تأخذ جانب الحذر في ما يتعلق بهذه التطورات الهادفة إلى تطويق المغرب في حدوده الوطنية، ومنع إشعاعه على الصعيدين الإفريقي والعربي.

 

 

والمحور الثاني، هو أن النظام الجزائري اليوم يقود نوعا من البحث في إطار سياسة المكانة عن موقع جديد له داخل المجموعة العربية، بعد تعرض عدد من الأنظمة للانهيار وأصبحت دولها فاشلة (FAILED STATES) مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، وهي تبحث على أنقاض هذا التدهور الذي تعيشه المنطقة العربية، لكي تجد لها مكانا يعطيها موقع الريادة في الوضع الراهن. هذه الريادة لن تكون فالجميع يعلم التناقضات الجوهرية القائمة بين الكثير من البلدان العربية والنظام الجزائري، سواء على مستوى تحالفاته ذات الطبيعة الاستراتيجية أو على مستوى صبغته العسكرية الديكتاتورية أو على مستوى طموحاته للهيمنة التي لم تعد تخفى على أحد.

 

 

في هذا السياق، كيف تفسر سعي الجزائر للم الشمل العربي كما تقول في وقت تضايق فيه سياستها الخارجية عددا من الدول مثل مصر في الملفين الليبي والإثيوبي مثلا، أو التقارب مع إيران ضدا على إرادة دول الخليج، أو إعادة سوريا للجامعة العربية في غياب إجماع على هذه النقطة؟

 

 

هذه هي النقط المميزة للنظام الجزائري عن بقية الأنظمة العربية الأخرى، فتوجهاته مشبوهة في ما يتعلق بإمكانية المساهمة بشكل جدي في الوحدة العربية. لنتصور مثلا أن هذا النظام يحاول إقناع دول الخليج بضرورة التفاهم مع إيران حليفه المركزي، وهذا شيء لا يمكن قبوله في المرحلة الراهنة مادامت إيران تتسم بالهيمنة الإيديولوجية التي تفرضها من خلال النظام السوري وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، والأعمال غير الطبيعية التي تمارسها في حق المهاجرين العرب في بلدان أوروبية تشهد انتشارا للمذهب الشيعي بشكل خطير. الأكثر من هذا أن الصبغة العسكرية للنظام الجزائري لم تعد مقبولة في مجتمع يتطلع للديموقراطية والحداثة والانفتاح على العالم، وبالتالي توظيف البترول والغاز من قبل النظام الجزائري بطريقة غير منتجة على حساب رخاء الشعب وتقدمه، وتوظيفه للبحث عن مناطق نفوذ جديدة عبر العالم. كل هذا يظهر للجميع نوعا من التعنت والاستخفاف بالمبادئ الأساسية التي تنظم العلاقات بين الدول، بما فيها التعايش السلمي وتسوية المنازعات بالطرق السلمية. يستمر هذا النظام في عدائه نحو المغرب بشكل لم يسبق له مثيل بين أي دولتين عربيتين ومثل هذا النظام لا يمكن أن ينجح في تحقيق التضامن العربي أو العمل العربي المشترك فبالأحرى الوحدة العربية.

 

 

إلى أي درجة ستؤثر اتفاقات أبراهام على جدول أعمال القمة ونتائجها، خصوصا وأن الجزائر لا تكف عن التظاهر باستخدام ورقة القضية الفلسطينية؟

 

 

النظام الجزائري لا يستعمل هذه القضية في الدفاع عن الفلسطينيين بل في الاتجار بالحقوق العربية، وفي مواجهة الدول العربية لبعضها البعض. مسألة استقلال الدول وسيادتها الوطنية ترتبط بمصالحها الحيوية بالأساس. المغرب كان في وضعية تفرض عليه أن يكون في إطار هذه الاتفاقية ليطور علاقاته مع أمريكا بشكل أفضل من أجل حماية وحدته الترابية. وبطبيعة الحال لم يكن هذا ليتعارض على الإطلاق مع موقفه المبدئي والمطلق من حل الدولتين وسيادة الدولة الفلسطينية على حدود 67 ومن أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وهذه شروط يتمسك بها المغرب حتى في مواجهة إسرائيل نفسها. وبالتالي، إذا كانت بعض الدول اختارت أن تقيم سلاما ولو بتحفظ مع إسرائيل بما في ذلك مصر والأردن وبعض دول الخليج العربي مثل البحرين والإمارات فإن موقف المغرب يرتبط بعناصر وعوامل تختلف عما هو عليه الشأن بالنسبة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط.

 

 

في السابق، كان للقمة العربية وزنها بحضور شخصيات وزعماء يحظون بكاريزما خاصة تغطي أحيانا على نتائج القمم المتواضعة. ماذا بقي من هذه الشخصيات الكاريزمية اليوم؟

 

 

> أكاد أتخوف ألا شيء بقي من كل ذلك. لازلت أذكر أن القمم العربية الوازنة التي عقدت في المغرب كانت لها آثار لا حدود لها في ما يتعلق أولا بلم الشمل العربي، ولا أزال أذكر تلك الشاحنة التي تحمل على ظهرها كل رؤساء الدول العربية بمن فيهم أمراء الخليج وصدام حسين وحافظ الأسد والرئيس المصري ومعمر القذافي. تلك المظاهر تعطي نوعا من الدفء للمواطن العربي في أن يعيد الحلم مجددا بأفكار الوحدة والتضامن والعمل العربي المشترك، لكن ها نحن اليوم نعيش في ظل دول عربية لم يعد لها وجود على مستوى السلطة المركزية والنفوذ الإقليمي، ومجتمع عربي ما يفرقه أكثر مما يجمعه. نحن نعيش حروبا إقليمية في كل المناطق. وأظن أن النظام الجزائري كان ينتظر فقط الفرصة المناسبة لكي يستعمل السلاح كذلك للوصول إلى طموحات معينة وزرع فتنة يكون هو المستفيد منها. يقوم النظام الجزائري بصناعة كل علامات التشنج يوميا في مؤامرة ليست خافية تهدف إلى طمس الهوية العربية وتحقيق آمال الشعوب العربية في التضامن والوحدة والرخاء.

تاريخ الخبر: 2022-10-16 21:18:54
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 63%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

الصين: “بي إم دبليو” تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:11
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:07
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

رواد مركبة الفضاء الصينية “شنتشو-17” يعودون إلى الأرض في 30 أبريل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية