منذ عقود، كانت «خروجة المسرح» جزءًا من طقوس الخروجات لكثير من الأسر المصرية، التى كانت تقبل على ألوان مختلفة من المسرحيات، وتتابع باهتمام ما يقدم فى المسارح المختلفة، قبل أن تبدأ العزوف عن ذلك شيئًا فشيئًا، مع انتشار السينما والتليفزيون، إلى أن أصبح غياب الجمهور عن العروض أمرًا معتادًا، ولم تنج منه أية فرقة مسرحية تقريبًا فى العقود الأخيرة.

وفى الوقت الذى يشكو فيه الجمهور من «نخبوية العروض» المقدمة على المسارح وتكرارها، فإن صناع المسرح يشكون أيضًا من غياب الجماهير عن العروض الجادة وقصر الإقبال على بعض العروض الكوميدية فقط، التى تنتشر تحت شعار «الجمهور عايز كده»، الأمر الذى يستدعى سؤال المختصين والجمهور للبحث عن أسباب تغير الذائقة الجماهيرية فى السنوات الأخيرة، والبحث عن آلية لإنقاذ المسرح المصرى من كبوته.

حصر المسرح فى الكوميديا 

أرجع عدد من المتخصصين فى صناعة المسرح عزوف الجمهور المصرى عن الذهاب للمسرح إلى تأثير انتشار السينما والتليفزيون، واهتمام الأخير بتقديم نوعية واحدة من العروض، ما أثر على صورة المسرح ككل، وغيّر من الذائقة الجماهيرية بشكل عام.

وعن تأثير المسرح فى زمن «السوشيال ميديا»، قال المخرج الشاب زياد هانى، الذى قدم مؤخرًا عرض «استدعاء ولى أمر» الذى حقق نجاحًا كبيرًا فى الهناجر، إن المسرح له دور كبير فى تكوين شخصيته، وشخصية كثير من الفنانين، لأنه المكان الوحيد الذى يلتقى فيه الفنان والجمهور بشكل مباشر، لذا فإنه لن يفقد سحره وتأثيره أبدًا.

وقال: «المسرح يظل الأقرب للفنان من التليفزيون والسينما، لذا فهو يعد بيتى الثانى، وطبيعة عملى كمخرج مسرحى جعلتنى أكثر ارتباطًا بالمسرح، وحتى يوم الإجازة أفضل قضاءه فى مشاهدة عروض مسرحية».

وأضاف: «من خلال متابعتى وجدت اهتمامًا كبيرًا من الشباب فى الوقت الحالى بالنصوص الجيدة، الخالية من الإسفاف، خلافًا لما يرى كثيرون، وأنا نفسى أميل إلى النصوص التى تناقش الهموم المصرية والعربية، وأحب كل ألوان المسرح، وأرى أن الجمهور يجب أن يرى بنفسه هذا التنوع، وأن هذا سيجعله يقبل على جميع الألوان المسرحية، سواء كانت كوميدية أو تراجيدية».

العروض الجيدة تفرض نفسها

أما عن تقبل الجمهور للعروض المسرحية الجيدة، ومدى صدق مقولة «الجمهور عايز كده»، قال المخرج المسرحى السعيد منسى إن الجمهور المصرى يتشوق للأعمال الجيدة من كل الأنواع، ويبحث عنها، مؤكدًا أن الجمهور لديه وعى كبير وذوق متنوع، سواء كان من الكبار أو الصغار، ومن المتخصصين أو غيرهم.

وأضاف: «من خلال تجربتى فى المسرح، وعملى فى الأقاليم ومسرح الدولة والجامعة والثقافة الجماهيرية، كان الجمهور المصرى يفاجئنى كثيرًا، فهناك جمهور حقيقى يملأ المسرح، ولديه وعى كبير جدًا، وحتى الإنسان البسيط فى الأقاليم كان يدرك جيدًا ما يقدم إليه ويتفاعل بقوة مع العروض».

وتابع: «فى آخر تجاربى المسرحية، عندما قدمت (الحب فى زمن الكوليرا) على مسرح الطليعة، وهو العرض الحاصل على جائزة المهرجان القومى للمسرح المصرى، فوجئت بالنجاح الجماهيرى الكبير الذى حققه العرض، ما يثبت أن الجمهور لديه ذائقة جيدة، وأنه فقط فى انتظار الأعمال الجيدة».

من جانبها، أشادت هبة عبده، إخصائية التدريب والتطوير، بالمسرح، مؤكدة أنه يظل تجربة حية ومختلفة عن السينما والتليفزيون. وقالت: «أفضل المسرح التفاعلى والحر، لأنه يعبر عما بداخلنا، ولا يقتصر على الترفيه، وقد حضرت مؤخرًا ٦ مسرحيات، آخرها كان (استدعاء ولى أمر)، كما أننى مهتمة بشدة بالورش الفنية، والتحقت بالفعل بمدرسة (ناس- الجزويت) لأتعلم التمثيل».

فيما قال جمال طاهر، موجه عام المسرح بالقاهرة، إن الجمهور لم يعد معتادًا على دخول المسرح، لكن من يخوض التجربة فإنه يكررها بالتأكيد.

وأضاف: «المسرح انتشر بشكل أكبر على مستوى المدارس والجامعات ووزارة الثقافة والدولة بشكل عام، وجمهوره فى ازدياد مستمر، كما أن صورة المسرح المدرسى تحسنت، وأصبح هناك إقبال عليه، وبعض طلابه يستمرون فى طريقهم للالتحاق بمسارح الدولة».