توصلت الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق مصالحة يهدف إلى وضع حد لـ15 عاماً من الانقسام بالدعوة إلى انتخابات جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في غضون عام بعد أشهر من المحادثات بوساطة الجزائر. ينظر الفلسطينيون حتى الآن بعين الأمل والشك تجاه جهود المصالحة بعد فشل الوعود السابقة بإجراء انتخابات.

ووقّع الاتفاق يوم الخميس الماضي في العاصمة الجزائرية عن حركة فتح عزام الأحمد ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طلال ناجي.

وقال هنية في مقابلة خاصة مع قناة TRT عربي إن "إعلان الجزائر سيسهم في وحدة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال". وأضاف: "أهم شيء لكي يتمكن الشعب الفلسطيني من مقاومة الاحتلال والوقوف شامخاً هو توحيد الإدارة الفلسطينية والشعب الفلسطيني".

وعبرت وزارة الخارجية التركية في بيانٍ لها الخميس عن سرورها بنتائج لقاء المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، وجاء فيه: "نحن نقدر مساهمات الجزائر في عملية المصالحة الفلسطينية الداخلية التي طالما دعمتها تركيا". وأضاف: "ونرى أن الإعلان الذي جرى اعتماده في نهاية المؤتمر يشكل أساساً مناسباً لتوحيد نهائي للفصائل الفلسطينية ونتمنى تنفيذ الخطوات الواردة في الإعلان وخاصة إجراء الانتخابات".

ولكن ما المختلف في الاتفاق الأخير عن الاتفاقات السابقة؟

يقول كامل هواش، وهو بريطاني-فلسطيني أصله من القدس، ناشط ورئيس حملة التضامن مع فلسطين وعضو مؤسس في مجلس السياسة الفلسطيني-البريطاني: "إن الوساطة الجزائرية يمكن أن تحدث فرقاً هذه المرة". وأضاف في حديثه مع TRTWorld "سيشكل الجزائريون لجنة متابعة تضم فلسطينيين وجزائريين وبعض أشقائهم العرب لمتابعة تنفيذ الصفقة".

وبموجب الاتفاق، ستجرى انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني الذي يعمل برلماناً للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. هذا فضلاً عن انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وهو برلمان للفلسطينيين من ضمنهم الملايين منهم في الشتات. كما اعترف الاتفاق بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني.

يقول حواش إن محفزاً آخر من أجل التغيير يمكن أن يأتي من مؤتمر جديد سيعقده الفلسطينيون في 5 نوفمبر/تشرين الثاني. وأضاف: "سيكون سبباً كبيراً للدفع بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وسيُجرى على الأرض في كل من رام الله وغزة، وسيظهر ترابط الفلسطينيين لإظهار مطلب شعبي بإجراء انتخابات، إذ تأتي هذه المطالب من الحاضنة الشعبية الفلسطينية من أجل مواصلة الضغط من أجل إجراء انتخابات منصفة تمثل لـ14 مليون فلسطيني".

التحديات المقبلة

سيكون التركيز الرئيسي لمؤتمر نوفمبر على المجلس الوطني الفلسطيني لأنه، كما يوضح حواش، من الواجب أن يكون الهيئة العليا في دولة فلسطين. لكنه "في الوقت الحالي، ليس كذلك" على حد قوله.

المرشحون الذين جرى انتخابهم للمجلس الوطني الفلسطيني سينتخبون بعد ذلك إلى هيئات أصغر، المجلس المركزي ثم اللجنة التنفيذية، أي منظمة التحرير الفلسطينية.

يقول حواش إن المجلس الوطني الفلسطيني هيئة ديمقراطية مهمة لأن الناس قادرون على انتخاب ممثليهم. مؤكداً أن المجلس الوطني الفلسطيني يجب أن يكون أول هيئة تجري الانتخابات.

"النقطة المهمة هي أن الأساس يجب أن تكون المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يجب أن يقرر دور السلطة الوطنية الفلسطينية، أو حتى ما إذا كانت بحاجة إلى الوجود أصلاً. لكن القيادة الحالية تهمش المجلس الوطني وتعمل دون الرجوع إلى تلك الهيئة العليا"، كما يشرح حواش.

السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي الهيئة الحكومية التي تهيمن عليها حركة فتح وتمارس من خلالها سيطرة مدنية جزئية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، هي هيئة تشكلت إثر اتفاقيات أوسلو مع المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي أُنشئ لفرض المساءلة على السلطة الفلسطينية.

وحل الرئيس محمود عباس المجلس التشريعي فعلياً ووضع منظمة التحرير الفلسطينية، التي يرأسها أيضاً، تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، على الرغم من أنها يجب أن تكون تابعة للمجلس الوطني الفلسطيني.

إذا اعتُرف بالمجلس الوطني الفلسطيني هيئة عليا، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الفلسطينية مع إسرائيل على أرض الواقع سياسياً. ستكون الأولوية القصوى للمجلس الوطني الفلسطيني هي وضع حد للتعاون الأمني مع إسرائيل، وهو القرار الذي مرره المجلس سابقاً ولكن لم تنفذه القيادة الفلسطينية الحالية.

من الجدير ملاحظة أن انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني قد تكون صعبة بسبب الجالية الفلسطينية الكبيرة جداً المقيمة في الخارج، والتي تهدف الهيئة إلى تمثيلها جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. إذا جرى إدراج المغتربين في التصويت فكيف ستبدو العملية؟ حالياً، لا آليات معمول بها لإدراج السكان الذين يعيشون خارج دولة فلسطين رسمياً.

هذا ولم يوضح اتفاق المصالحة الهيئة التي ستجري الانتخابات أولاً. لم يُدرَج أي شخص في أي ترتيب معين، مما يشير إلى أنه قد لا يكون في الوضع الراهن للحكومة في الأراضي المحتلة تغيير كبير.

أيضاً يُحتمَل ألا تسمح إسرائيل للفلسطينيين المقيمين في القدس بالتصويت. حدثت هذه المسألة العام الماضي عندما دعا الرئيس عباس إلى إجراء انتخابات، ثم ألغاها بسبب الموقف الإسرائيلي المتعنت.

نقطة أخرى مهمة يجب النظر إليها بموجب الاتفاق هي حقيقة أن الوفود لم توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. "من الواضح أنه كان يوجد خلاف حول هذا الموضوع" يشرح حواش. ويضيف: "وقد تكون هذه النقطة هددت التوصل إلى اتفاق.. لذا فقد جرى تأجيل احتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية".

"قد يكون سبب إزالة هذه القضية هو الخوف من أنه إذا كانت حكومة الوحدة تضم حماس فلن تعترف بها دول كثيرة مثل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وما إلى ذلك. لذا ربما أزالوا احتمالية تشكيل حكومة وحدة وطنية للتأكيد على وجود مصالحة أولاً".

هناك أمل متبقي

وفقاً للمحلل السياسي سامي حمدي، كان هناك دائماً تفاؤل بعض الشيء من توقع حكومة وحدة وطنية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بالنظر إلى الانقسامات العميقة وكذلك القضايا العالقة بين الأطراف. ومع ذلك، فإن أي حوار يعتبر دائماً تطوراً إيجابياً. يتعرض كلا الطرفين لضغوط شديدة محلياً مع توغل المستوطنين الإسرائيليين أكثر في الضفة الغربية (المحتلة) ، مما يشير إلى احتمال وجود بعض الزخم في المحادثات.

كما تشير احتمالية إجراء الانتخابات إلى "الرغبة في استرضاء المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا يحتجون على القيادة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، مما يضيف زخماً إلى تقارب سياسي محتمل “. تطور إيجابي آخر محتمل يمكن رؤيته في الأفق هو الفرق الذي يمكن أن يحدثه صوت موحد للفلسطينيين في مفاوضات السلام مع إسرائيل.

إن أحد الأعذار الرئيسية التي تقدمها إسرائيل لتبرير موقفها من عدم وجود إرادة سياسية للمشاركة في مفاوضات السلام هو عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة للتحدث معها.

هذا وتسيطر السلطة الوطنية الفلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة في حين تسيطر حركة حماس، التي تصنفها إسرائيل "منظمة إرهابية"، على غزة المُحاصَرة منذ عقود.

يقول حواش: "الآن، إذا كان الفلسطينيون متحدين وقالوا إن هذا هو العنوان الذي نذهب إليه، فإن الفلسطينيين سيقولون لهم (الحكومة الإسرائيلية) إن ما يدّعونه غير صحيح". يضيف حواش: "لدينا صوت واحد".

تعني الاتفاقية الموقعة حديثاً أيضاً أن القيادة الفلسطينية ستحقق تقدماً كبيراً في توحيد الصف الفلسطيني في القمة العربية القادمة التي ستعقد في الجزائر العاصمة في الفترة من 1 إلى 2 نوفمبر.

وكما يوضح حواش فإنهم (الفلسطينيون) يريدون الذهاب إلى القمة بشيء يمكن أن تتوافق عليه الدول العربية، في ضمان تنفيذ هذا الاتفاق، وأن للفلسطينيين طريقاً لتحرير أنفسهم من العدوان الإسرائيلي اليومي".

واختتم حواش نقاطه بالتأكيد على أن الأولوية الكبرى للمضي قدماً في القيادة الفلسطينية يجب أن تكون تفهُم والاتفاق على ما يحتاجه الشعب الفلسطيني ويريده. "من المهم أن نعود إلى الأساسيات ونتساءل، ماذا نريد؟ لذلك ستجد أشخاصاً يدعون إلى إنهاء الفصل العنصري، وبالتالي، ربما عندها سيكون لكل من يعيش على الأرض المساواة يهوداً إسرائيليين كانوا أو فلسطينيين. إذن ما أعنيه هو أن نقطة البداية هي ماذا يريد الفلسطينيون؟.. أعتقد أنها الخطوة الأولى قبل أن نصل حتى إلى احتمال التوصل إلى السلام".



TRT عربي