وقت تعيين باب ندياي وزيراً للتعليم في فرنسا، شهد القرار الرئاسي انتقادات عدة من المعارضة اليمينية، متهمين الاسم الجديد على الحكومة بتبنيه أفكار التعددية الثقافية الأمريكية، المعارضة للتقليد الجمهوري الفرنسي. خمسة شهور بعد ذلك، صار بوسع أصحاب تلك الانتقادات أن يطمئنوا، إثر تأكيد ندياي بأن توجهاته لا تختلف كثيراً عن نهج سابقه في المنصب، ونهج الحكومة ككل، المُعادي للمسلمين.

كان هذا عبر تصريحات أخيرة للوزير، أعلن فيها انطلاق حربه الضروس ضد الرموز الدينية في المدرسة الفرنسية: "عباءات، قمصان وعصابات الرأس"، على حد تعبيره، متعهداً بكشف نتائج هذه المعركة "بشكل شهري". ما يمثل حملة تضييق أخرى، ذات طابع تمييزي عنصري، تستهدف مسلمي البلاد، في وقت تعاني المدرسة الفرنسية مشاكل هيكلية عميقة، قرر الوزير إهمالها من أجل ذلك.

"الاستهداف شهري" و"لن أتردد" في ذلك!

في آخر خروج إعلامي له، يوم الأحد، على أمواج إذاعة "RTL" الفرنسية، قال وزير التعليم الفرنسي باب نديي، إنه أطلق حملة لـ"تكريس الالتزام بقواعد الهندام الصارمة" داخل المدارس الفرنسية، ومحاربة الرموز الدينية "التي أصبحت تنتشر بشكل واسع" لا سيما "العباءات والقمصان وعصابات الرأس".

وأضاف الوزير الفرنسي بالقول: "علينا تطبيق قانون 2004 (الذي يمنع ارتداء الحجاب في المدارس) بصرامة.. يدي لن ترتعش في تطبيقه ولن ترتجف أبداً". واعتباراً بتصريحات الوزير هذه، فإن القانون المذكور يحظر حصراً ارتداء العلامات الدينية داخل المدارس، ما يبرز عزم ندياي على توسيع دائرة الحظر لتشمل ألبسة ليست بالضرورة ألبسة دينية.

وفي وقت سابق لتلك التصريحات، قال الوزير ندياي، إنه جرى رصد 313 انتهاكاً لمبدأ العلمانية في المدارس الفرنسية، نصفهم في المدارس الثانوية. مشيراً إلى أن كشفه الفصلي عن هذه الانتهاكات سيصبح شهرياً باسم "ضمان الشفافية"، ما يؤكد كذلك تغيير نسق تعامله في هذه القضية وتوجهه نحو تكثيف الاهتمام بها.

نسق جديد، يقرأ فيه محللون بأنه يأتي لمحاباة الضغوطات اليمينية على الوزير، الذي لطالما جرى اتهامه بـ"تبني أفكار التعددية الثقافية".

من هذه الضغوطات مذكرة لـ"اللجنة الوزارية لمكافحة الجريمة والإرهاب"، والتي حذّرت من انتشار ارتداء القميص والعباءة بين طلاب المدارس، معتبرة الأمر مساساً بالعلمانية وتعبيراً عن توجهات دينية مخالفة للقانون.

وهو ما يؤكده روبورتاج نشره موقع "ميديابارت"، على لسان المستشار التربوي أوليفييه رالوي، الذي قال: "كلما زاد منسوب الضجة التي يحدثها اليمين المتطرف حول هذه النوعية من المواضيع، لاحظنا تحركاً للمسؤولين الوزاريين في السياق نفسه، وكأنهم ملزمون بذلك".

وضع كارثي في المدارس الفرنسية

مقابل هذا، وعبر الروبورتاج ذاته، أطلقت مدرسة فرنسية صرخة استنكار، قالت فيها: "نحن نغرق، هناك نقص كبير في المدرسين، مركب التعليم الوطني قارب أن يبلغ القاع، فيما الوزير، الذي لم نسمع له صوتاً منذ تعيينه في المنصب، لم يجد شيئاً ليفعله سوى الصياح بأن العلمانية في خطر!".

يتشارك الكثيرون من أسرة التعليم الفرنسية هذا الرأي، إذ يمثلون جزءاً كبيراً من الحركة الاحتجاجية التي تعصف بالبلاد خلال الأيام الأخيرة. وفي مظاهرات يوم الأربعاء، شاركت نقابات التعليم بشكل قوي في التعبئة الوطنية، حيث أضربوا عن العمل وشلوا عدداً كبيراً من المدارس والثانويات حول البلاد.

فيما يعود هذا الوضع الجحيمي داخل المدارس الفرنسية إلى ما قبل تعيين الوزير الحالي، ومن أجله أطلق عاملو القطاع إضرابات عامة في شهر يناير/كانون الثاني الماضي. ما زاد من تأجيجه ضعف توفير وسائل الحماية الصحية اللازمة للمعلمين، أمام التفشي الكبير لفيروس كورونا داخل المؤسسات التعليمية.

TRT عربي