كما لو أن عقارب الزمن عادت إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حين كانت القاهرة في أوج مجدها الفني والموسيقي، وهي حقبة غنيّة أعاد بريقها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، وجذبت نحو 50 ألف زائر ممن وجدوا في فعاليات «أجواء القاهرة»، الفرصة لاسترجاع ذاكرة تلك الفترة الذهبية، الممتلئة فنيًا وثقافيًا.

وشدت أعمال الفنان السعودي أيمن يسري ديّدبان زوار المركز، بروحها المستلهمة من أيقونات السينما المصريّة، لأفلام مضى على إنتاجها أكثر من 50 عاما، إذ استند الفنان على فن الديكوباج في أعماله، التي استخدم بها بوسترات أصلية لأفلام قديمة، قام بشرائها بمبالغ طائلة على حد تعبيره، مضيفًا «تصاميمي الفنّية ليست لوحات بقدر ما هي وثائق فنّية، تضم الهوية والخط العربي مع وجوه عمالقة الفنّ، فأعمل على تركيبها بشكل متناسق على علب المناديل، وصولًا إلى عمل ثقافي هادف يحوي رسالة فنّية، تحط رحالها في فعاليات أجواء القاهرة في إثراء». مناديل السينما ولطالما ارتبطت التراكيب بهواتها، إلا أن ديّدبان خلّد أعمال عمالقة السينما العربية بتلك التراكيب، ليحوّلها إلى تاريخ يضم أفلامًا بأيقونات متعددة، تحاكي الجيل الحالي إحياءً للفنون بلغة بصرية، حيث عمِد الفنّان لاستخدام علب المناديل، ضمن سلسلة «محارم»، وهو اتجاه حسّي ابتكره، إذ يقف أمام أعماله المليئة بالمكونات غير المألوفة في عالم الفنّ التشكيلي.

وبسؤاله حول نشأة فكرته ومن أين استلهمها، فإنه يعود إلى بداياته عام 1991م، ثم في عام 2008م تحديدًا، حين بادر باستحداث لوحات لا تشبه أحدا، بحسب تعبيره، ثم توالت التجارب لتصل مرحلة النضوج الفنّي، مضيفًا «لدي توجّه يدور حول العمليات الكامنة وراء تشكيل الروايات والذكريات والتاريخ، وبإدخال ملصقات الأفلام الأصلية مع لقطات سينمائية، قمت بإنشاء فنّ واسع النطاق يعبّر عن فكرة، بنظرة ثاقبة ذات رؤية فنّية تحلّق من السعودية إلى دول عدة».

عبدالحليم حافظ

ولا تكتمل «أجواء القاهرة» دون استحضار روائع الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، حيث أقام مركز «إثراء» ضمن فعالياته، حفلا موسيقيا بعنوان «روائع عبد الحليم حافظ» بالتعاون مع مهرجان بعلبك الدولي، على مدار 6 أيام هي مدة الفعاليات، في أمسية جمعت متذوقي الطرب العربي الأصيل، أحياها كلٌ من الفنانين المصريين محمد شوقي ونهى حافظ، بمشاركة 50 موسيقيًا، بصحبة المايسترو المصري هشام جبر والمخرج أمير رمسيس، كما قدّم الفنّانان باقة مختارة من روائع كلاسيكيات الموسيقي والأغاني الخالدة للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، والتي تركت بصمة في تاريخ الموسيقى العربية، و لا تزال الأجيال تتغنى بها حتى اليوم.

تنّوعت الأركان المقامة داخل بلازا المركز، فهناك من كرّس جهوده للتعريف بأشهر المأكولات المصرية الشعبية، وآخرون يستمتعون بسماع الموسيقى الشعبية، حيث وجد الزائر نفسه في مكان يتيح له الانغماس في الثقافة المصرية، فباتت مرافق «إثراء» أمكنة جامعة لتفاصيل الحياة هناك، كما تفوح رائحة أشهر المأكولات الشعبية منها «الكشري، الطعمية وغيرها»، إلى جانب مشروبات مصرية عريقة، عكست نبض بلاد النيل، فيما صدح مسرح العرائس بمعزوفات موسيقية وحكايات هادفة، جاورتها عربات متنوّعة تسرد تاريخا قديما، بزخارفها ونقوشها المستقاة من الطراز المصري العتيق. ثقافة غنيّة