عبقرية السادات في قراره للحرب والسلام


ليس القرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس السادات بالحرب على إسرائيل في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣م، هو محو عار الهزيمة واسترداد الأرض فحسب، ولكن تتجلى عبقريته فى قراره بفتح أبواب السلام، وإعلان سقوطه لصراع دموي مع عدو بغيض، استمر ثلاثين عاماً تنزف فيه جروح أحشاء المصريين دماً وإيلاماً والذي لم يندمل إلا بقرار العبور والطريق إلى السلام باتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٨ ثم تأكيد السلام بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩، ويعتبر هذا من أهم وأعظم المنجزات التي شهدتها الساحة السياسية في عهد الرئيس السادات في ذلك الوقت، لأنه اتخذ قراراً جريئاً عندما أعلن فى مجلس الشعب فى الربع الأول من عام ١٩٧٧م، على استعداده زيارة إسرائيل ولقاء زعماء الكنيست، وبهذا الإعلان كان يريد تحريك عجلة السلام بعد أن حركت انتصارات أكتوبر المياه الراكدة بفتح باب المفاوضات بين مصر وإسرائيل، لانسحاب جزئي على مراحل من أرض سيناء، كانت بدايته هزيمة وتحطيم غرور الجيش الذى لن يقهر، إلى مفاوضات وقف إطلاق النار وفض الاشتباك برعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ثم الانسحاب الكامل الذى تم فى مطلع عام ١٩٨٢م، ولم يمهله القدر أن يشاهد حصاد إنتاجه، بجلاء آخر جندي إسرائيلي دنست قدماه أرض سيناء الطاهرة، حيث استشهد البطل السادات على يد مجموعة من المتطرفين المرتزقة يوم الاحتفال بعيد نصر اكتوبر نفس تاريخ يوم العبور وتوقيته عام ١٩٨١م، ثم كان طريق مصر للجوء إلى التحكيم الدولي بعودة أرض طابا إلى السيادة المصرية بداية عام ١٩٨٩.


ولم يكن بوسع السادات أو فى إمكانياته، فى هذا التوقيت إلا فتح الطريق إلى المفاوضات التي يعقبها السلام، لأنه يعي تماماً بأن نتائج الصراعات الدموية والحروب، هو هلاك للنفس والمال يعقبها الخراب والدمار وتوقف عجلة التنمية والبناء، وتوجيه موارد الدولة الإقتصادية كلها لتجار وسماسرة السلاح لإشعال نار حروب طويلة الأمد، فقد أدرك السادات بفكره ووعيه أنه لابد من التحول في سياسة العلاقات العربية الإسرائيلية من مرحلة الجمود إلى مرحلة الاعتدال، بحيث ينتهي هذا الطريق المسدود إلى تحقيق السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، كل هذا كان حلم السادات وتجدد لديه الأمل في تحقيق الرخاء والاستقرار للشعوب العربية، وأن يتفق معه الحكام العرب في هذه المرحلة باستغلال نصر أكتوبر العظيم، بتسوية النزاع الدائر في منطقة الشرق الأوسط بالطرق السلمية والبعد عن النزاعات المسلحة، وهذا ليس لمصر وحدها بل للأمة العربية جمعاء.

ولكن قد خيب القادة العرب آمال وطموح السادات، بعد أن جمعتهم ووحدتهم حرب أكتوبر فكان الطريق إلى نصر العزة والكرامة، ثم أن فرقتهم الدعوة إلى السلام، وهذا التناقض الغريب والتعجل العبثي من قبل بعضهم، قد ضيع منهم فرص السلام وعودة حقوقهم المشروعة التي اغتصبتها قوى البغي والعدوان في ٥ يونيو عام ١٩٦٧، بل ظلت إسرائيل تتوغل وتتوسع وتغتصب الحقوق وكانت نتيجة هذا الظلم المجحف رفض الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية، بل عدوانها الغاشم واحتلالها الجنوب اللبناني عام ١٩٨٢م، كل ذلك حدث بعد أن أخطأ حافظ الأسد وياسر عرفات في عدم تلبية دعوة الرئيس السادات، في فتح باب التفاوض والصلح مع إسرائيل بسلام عادل تنسحب على أثره من الأراضي السورية وتحقيق حق المصير للشعب الفلسطيني، ولكن وقف فكرهم وعجزوا عن التوفيق بين مبادرة السلام وعودة الأرض، فكان الإخفاق حليفهم وضلوا طريق الاهتداء للسلام، فقد عاشو مبتورين الفكر دون أن يتجدد لهم الأمل في تحقيق أى بند من البنود المطروحة على مائدة المفاوضات التي اشترطها السادات مع قادة إسرائيل عندما يستجيب العرب لنداءات السلام، وهذا هو الواقع لأن الأمة العربية كانت في حالة حروب دائمة مع إسرائيل منذ نكبة حرب فلسطين عام ١٩٤٨م، وبعدها ضياع فلسطين، إلى أن تحقق النصر عام ١٩٧٣م، فقد تحول الموقف العربي ضد مصر إلى النقيض، فقد كانت المقاطعة وعزل مصر عن الأمة العربية، يساند ذلك تكوين جبهة الرفض بزعامة الرئيس العراقي صدام حسين؛ الذي هدد أى زعيم عربي يتعاون مع مصر سوف يقوم بتصفيته جسدياً فى فراشه، بل كان على أثر هذه المقاطعة نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، فبدأ القلق يتزايد أمام السادات على مصير السلام الذي لم يتحقق بتعنت عربي، والحفاظ على مكاسب النصر، فكان ليس أمامه بعد أن خذله العرب إلا الصلح والسلام المنفرد مع إسرائيل بتأييد واستفتاء شعبي علي الاتفاقية الموقعة في كامب ديفيد، تحت قيادة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ويكون بذلك السادات وبجرة قلم واحدة قد أنهى صراعًا مريرًا مع كيان صهيوني بوقف نزيف الدم وعجلة الحروب، ولم تهدأ الدعاية الإعلامية القذرة التي يمولها صدام حسين ومعمر القذافي للنيل من سمعة وكرامة الرئيس السادات، وبإذن شخصي منهم واتهامه بالعمالة والخيانه مع إسرائيل، ونتيجة لهذا الموقف العربي تجاه مصر، تحققت تنبوءات الرئيس السادات على أنهم لن يحصلوا على أى جزء ولو ضئيل مما كان يحققه هو إذا تكاتف وتوحد العالم العربي معه، ثم كانت الفجيعة العربية الكبرى عندما احتل الجيش العراقي الأشاوس دولة الكويت فى الثاني من أغسطس عام ١٩٩٠ بتعليمات من الرئيس العراقي صدام حسين، وكان بقراره المروع المدمر قد شرخ جدار تلاحم القومية العربية وجر المنطقة إلى الهلاك، وقد صدق السادات وسبق عصره في كل أقواله وقراراته بعد أن فقد العرب فرص السلام الضائع، وحلم صدام حسين بضم الكويت للعراق، وضياع هضبة الجولان من سوريا، ونهب ثروات البلاد العربية المادية والتاريخية وهذا ما تحقق بتكالب الجيوش الغربية على سوريا وليبيا واليمن والعراق، رحم الله الرئيس السادات الذى عاش من أجل السلام واستشهد من أجل المبادئ.

*نقلاً عن "الأهرام"

تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:18:43
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 79%
الأهمية: 99%

آخر الأخبار حول العالم

جلالة الملك يوجه خطابا إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:03
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

سمرقند تستضيف قرعة كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة يوم 26 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:05
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:45
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية