الانضباط التتبعي


حين تنزل الوحي واكتمل الدين كانت طريقة معرفة فقهه هو طريق واحد وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد شرع الله - قدرًا - أن يقع في حياته صلى الله عليه وآله وسلم خلافٌ فقهيٌ، وفي أصل من أصول الدين، وركن من أركانه وهو أداء الصلاة، فاختلف الصحابة في سفرة من الأسفار، وقد كان نهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلوا إلا في بني قريظة..

من عمق الفقه وأصوله تنطلق خلافات المسلمين، وتتفرع سبلها بين منتسبيها، حتى تجلت في أزمنة وأمكنة؛ دولاً وخلافاتٍ وطوائف ومذاهب، وكلها تزخر بما يفاخر به بعضها بعضًا، وبما يميز الدين الإسلامي من فخامة فقهٍ قابل للتشكل وفقًا لحاجة المسلم الزمانية والمكانية، دون أن تتأثر بهذا التشكل أصوله وثوابته العقدية والانتسابية، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلـم: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه".

وفي هذا النص فقه واسع، ونكت جميلة، ومنها أن حامل الفقه أيضًا مأمورٌ بالعمل بما يحمله، ولكنه سيعمل به وفق فهمه، ولا يراد من الأثر أن يكون«كمثل الحمار يحمل أسفارا» بل فيه حث على تبليغ العلم بتمامه ولفظه، وفيه نكتة أخرى أن الفقه الذي يستنبطه المحمول له، سيكون شيئًا جديدًا بالنسبة لكثير من الناس من قبله، وحتى المستنبط نفسه، ولكن رغم ذلك هو مأمور بالنظر فيه نظرًا مستقلاً منقطعًا عن حامله الذي قد يكون لا يعلم، وهذا من مزايا الفقه الإسلامي الذي لا ينبغي للفقهاء والدعاة تنحيته عند النظر.

وسنعرج على شيء آخر، وهو أنه حين تنزل الوحي واكتمل الدين كانت طريقة معرفة فقهه هو طريق واحد وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد شرع الله - قدرًا - أن يقع في حياته صلى الله عليه وآله وسلم خلافٌ فقهيٌ، وفي أصل من أصول الدين، وركن من أركانه وهو أداء الصلاة، فاختلف الصحابة في سفرة من الأسفار، وقد كان نهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلوا إلا في بني قريظة، وحين أدركتهم الصلاة اختلفوا بناءً على هذا النهي، فمنهم من لم يصل وأخّرها، ومنهم من صلى وتأول النص الناهي إلى معناه وقال "إنما أراد منا التعجيل" ولما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعنف أحدًا، فكانت تلك الحادثة أساسًا للنظر في العمل عند الاختلاف في النصوص نفسها، ثم نشأ الفقه الإسلامي في العصور الأولى، وحين رأى بعض الأئمة أنه لا ضابط للناس يبقيهم على صورة واحدة من الفقه، ولا قيد يرجعون إليه عند اختلاف المجتهدين، أسسوا فقه المذاهب على أصولها وقواعدها ليقللوا من الخلاف الفقهي ويحصروه في أطر محددة، ولا يسمح بالخروج منه إلا بشروط مخصصة، بينما رأى آخرون أن ذلك تقييدا لما أطلقه الفقه بغير دليل، وتحييدًا للفكر الفقهي بغير بينة، فانطلقوا في فضاء الفقه بغير تقيد باتباع لمجتهد، وهؤلاء لا شك أن عندهم شيئًا من الحق من حيث الأصل، فإنه لا أحد له منزلة الاتباع المطلق إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا نشأت إشكالية هي أعقد من الأولى، أو هي على شاكلتها وهي: ما العمل عند اختلاف السلف؟ ومن له الحق بإلزام الآخرين تحت هذا المسمى طالما والمسمى "أي السلف" قد اختلفوا فيها، فإن اختيار جماعة منهم أو أكثرهم أو أعلمهم أو...أو...أو... الخ هو تحكم بغير دليل، وهو على نفس شاكلة من ألزم الناس باتباع مذهب، والفرق بينهما أن هذا حدد إمامًا ومذهبًا، وذاك يتنقل بين علماء السلف، وكلما ترجحت عنده مسألة جمع من قال بها من السلف وقال بها، وفي كل مسألة له سلف غير سلف المسألة تلك، وذلك لأنهم اختلفوا في الفقه كثيرًا، وقد اتفقت الأمة أن الحق لا يرجح بكثرة ولا بقوة ولا بصفة حاملة، وهنا يأتي معنى فخامة الفقه ومعنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلـم "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" فقد يكون المحمول إليه في آخر العصور، وقد يكون الفقه محمولاً غير معمولٍ به ممن حمله. هذا، والله من وراء القصد.

* نقلا عن "الرياض"

تاريخ الخبر: 2022-10-23 18:17:54
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 75%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة حسنة البشارية أيقونة «الجزائر جوهرة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري “تشانغ آه-6” في 3 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

أمريكا: أب يجبر طفله على الركض حتى وفاته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية