12 دقيقة رسوم متحركة تفضح قضية اغتصاب مروعة.. كبتت 40 عاما!


عشية إحياء الذكرى الـ 68 للثورة التحريرية الجزائرية، طفت إلى السطح مجدداً قصص التعذيب الهمجية والاغتصاب الوحشي الذي مارسته قوات الاحتلال الفرنسي ضد الجزائريين سواء العزل منهم أو المجاهدين والمناضلين، وهذه المرة تناولتها حتى باهتمام أكبر وسائل إعلام فرنسية.

حيث نشرت جريدة "لوموند" قبل أيام فيلم رسوم متحركة يروي قصة اغتصاب وتعذيب المناضلة الجزائرية لويزات إغيل أحريز خلال الثورة التحريرية الجزائرية، تفاعلت معه وتناقلته عدة وسائل إعلام فرنسية.

من اسمها وجنسيتها وأصلها وبيئتها، استمدت قوتها فكانت "الأميرة المحاربة" كما يعنيه اسمها "لويزة"، فرافقت الرجل وكانت إلى جنبه حاملة لمختلف أنواع الأسلحة لتحرير بلاده من أعتى قوة استعمارية في القرن العشرين.

هذا ما تذكره سيرتها الذاتية ومذكراتها وشهادات تاريخية عن المناضلة لويزة اغيل أحريز، عن واحدة من نماذج المرأة الاستثنائية التي رفعت السلاح الناري في وجه الاحتلال الفرنسي، ومع أسلحة التحدي والشجاعة والنضال واليقين بتحرير الأرض والعِرض.

لويزة إغيل أحريز

معاناة دفينة

السر الذي بقي يقض مضجع المناضلة الجزائرية خلال حرب التحرير لويزات إغيل أحريز 40 سنة، كشفته جريدة "لوموند" الفرنسية في مقابلة معها سنة 2002، ونفست عما كان يكابد المناضلة من أوجاع دفينة إثر اغتصاب وتعذيب من قبل مظليين فرنسيين خلال معركة الجزائر الشهيرة عام 1957، وبعد عشرين عاما رجعت الجريدة ذاتها وسلطت الضوء على القضية لكن هذه المرة عن طريق شريط رسوم متحركة يروي مجريات القصة.

قصة أليمة كتبتها الصحافية فلورنس بوجيه ورسمها الرسام أوريل، بالتعاون مع مجلة "رسم" تحت عنوان "لويزات"، أثارت ضجة كبيرة في فرنسا والجزائر ودفعت العديد من المسؤولين السياسيين الفرنسيين آنذاك إلى الخروج عن صمتهم.

جاء هذا الفيلم القصير (نحو 12 دقيقة) تحت عنوان "لويزات" لمشاهدته اضغط هنا. أعدته الصحافية فلورونس بوجيه التي أجرت الحوار في 2002، لتكون بذلك من بين الأوائل الذين سلطوا الضوء على قضيتي الاغتصاب والتعذيب اللتين كانت ضحيتهما الكثير من المناضلات الجزائريات إبان ثورة التحرير (1954-1962) ضد المستعمر الفرنسي.

القصة التي اطلعت عليها العربية.نت وتناقلتها عدة وسائل إعلام فرنسية تبدأ بصوت امرأة هي لويزات إغيل أحريز، تروي لحظات وقوعها في كمين للجيش الفرنسي واقتيادها إلى الفوج العاشر للمظليين الذي كان متواجدا بحيدرة في أعالي مدينة الجزائر العاصمة. قالت لويزات إنه كان هنالك نقيب فرنسي اسمه غرازياني يدخل ويخرج بشكل مفرط من زنزانتها خلال فترة اعتقالها، وهو من قام باغتصابها في نهاية المطاف.

وتردف لويزات: "كنت أغتصب مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم. جسمي كان يرتعش حينما أسمع صدى أحذية العسكريين الفرنسيين. تمنيت لو عذبت وضربت بكل الوسائل، وألا أغتصب".

3 أشهر اغتصاب

ونكتشف على مدار قصة الفيلم وسرد لويزات للأحداث أن التعذيب والاغتصاب داما ثلاثة أشهر كاملة إلى أن تمكن عسكري برتبة عقيد كان يعمل كطبيب في الجيش الفرنسي ويدعى ريشو من تبديل مكان اعتقالها وإرسالها إلى سجن نظامي.

ورفض الكولونيل مارسيل بيجار الذي يعتبر من بين أبرز العسكريين في الجزائر أثناء الحرب الجزائرية، في حوار مع إذاعة "فرانس أنتر" في 2002 تحمل مسؤولية عملية اغتصاب وتعذيب المناضلة لويزات إغيل أحريز من قبل المظليين قائلا: "لا أستطيع أن أقتل ولو دجاجة على الطريق".

في المقابل اعترف قائد عسكري فرنسي آخر أثناء حرب الجزائر، وهو الجنرال ماسو ضمنيا بممارسة أعمال تعذيب ضد جزائريين وجزائريات، من بينهم لويزات إغيل أحريز وعبر عن أسفه لما عانته، مشيرا إلى أن "السياسيين الفرنسيين طلبوا مني الإسراع في وقف الهجمات والاعتداءات التي كان ينفذها مناضلو جبهة التحرير الجزائرية ضد المدنيين" حسبه.

مغتصبات فضلن الصمت

وعقب سنوات من نشر المقابلة، اعترفت لويزات إغيل أحريز أن المقال "غير حياتها بالكامل" بالرغم من أن بعض أفراد عائلتها وابنها كانوا يفضلون ألا تتحدث عن هذه الصفحة المؤلمة من حياتها. حتى بعض المناضلات اللواتي شاركن في الثورة الجزائرية واللواتي تعرضن إلى الاغتصاب فضلن لو بقيت قصة إغيل أحريز مخفية.

ورغم الشكاوى العديدة التي رفعت في فرنسا من قبل جمعيات مدافعة عن حقوق الإنسان وأخرى مناهضة للتعذيب، إلا أنه لم يتم تقديم ولو مسؤول عسكري أو سياسي واحد أمام القضاء في فرنسا. كما أن التقرير الذي أنجزه المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا حول "الذاكرة" المتعلقة بالاستعمار الفرنسي (1830-1962) والحرب الجزائرية، لم يتطرق إلى مشكلة الاغتصاب إلا بشكل جانبي جدا.

هذا، وحاولت لويزات إغيل أحريز أن تجد الطبيب الفرنسي الذي عالجها وغير لها مكان اعتقالها وبحثت عنه خلال أربعين عاما لكنها لم تجده إلا بعد وفاته في مدنية بو (غرب فرنسا) في 1997. فلم تتمكن أن تشكره وتعبر عن امتنانها له كما صرحت في لقاء صحفي. ولد هذا الطبيب الذي ارتقى إلى رتبة جنرال في مرسيليا ومات دون أن يروي لأحفاده ما شاهده وعاشه خلال الثورة الجزائرية إبان الاحتلال الفرنسي.

من هي لويزة اغيل أحريز؟

هي من عائلة ثورية، ولدت بمدينة وجدة المغربية في 22 أغسطس 1936، من أب وأم أصولهما أمازيغية من منطقة القبائل شرقي الجزائر، وتحديدا من مدينة "تيقزيرت" التابعة لمحافظة تيزيوزو.

وعقب المجازر التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي ضد المتظاهرين الجزائريين الذين خرجوا مطالبين باستقلال بلادهم في 5 مايو 1945، قرر والد المناضلة لويزة العودة إلى بلاده، مستقرا في حي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة.

كانت بداية لمشوار نضالي وطويل وقاس للمناضلة الجزائرية التي تقينت مثل والدها وكل الجزائريين حينها بأن "الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة"، وكانت برفقة والدها من أوائل الملتحقين بالثورة التحريرية فور اندلاعها في الأول نوفمبر 1954.

بدأ عملها النضالي في الثورة في بعض المهام، بينها الاتصال بالمجاهدين ونقل الرسائل بينهم، والأدوية والمؤونة والمعلومات عن تحركات جنود الاحتلال الفرنسي، وسنها لم يتعد 19 عاماً، حيث كانت طالبة في المدرسة الفرنسية، قبل أن تلبي نداء "جبهة التحرير" بمقاطعة المدارس الفرنسية.

سخرت المناضلة لويزة اغيل أحريز كل وقتها وحياتها بعد ذلك لثورة بلادها، وجازفت بحياتها وهي تنقل الأسلحة للثوار في قفف صغيرة بين الأزقة الضيقة لحي القصبة بالعاصمة، والتي كانت تحت المراقبة الدائمة لجنود الاحتلال.

انضمت بعدها إلى "خلية الاستعلامات السرية للثورة" والتي كانت تضم 15 عنصرا، قبل أن يتكشف الاحتلال الفرنسي الخلية، ما اضطرها للهروب من حي القصبة، وتم نقلها من قبل الثوار إلى جبال "الشبلي" في محافظة البليدة وسط البلاد.

لويزة إغيل أحريز

سخّرت كيد النساء

وفي مذكراتها التي نشرتها في يوليو 2016، كشفت المناضلة الجزائرية عن جانب من "عملياتها المستحيلة" والخطرة، عندما كانت مكلفة بنقل السلاح للثوار بـ"القفف الصغيرة" المصنوعة من الحلفة، وهي ترتدي "الحايك" وهو لباس تقليدي جزائري أبيض اللون ويغطي كل جسم المرأة بما فيه وجهها.

ومما ذكرته في شهادتها، أنه مطلع 1957، أوقفها أحد جنود الاحتلال الفرنسي وهي تحمل تلك القفة المحملة بالسلاح عند حاجز عسكري، فاهتدت لحيلة ذكية "سخّرت فيها كيد النساء" قبل أن يفتش الجندي تلك القفة، قد تخلصها من ورطة كبيرة.

ولم تجد المناضلة الشابة في ذلك الوقت إلا سحر الجندي بأنوثتها وجمالها، وتنسيه مهمة التفتيش بابتسامة عريضة كأنها تتغزل به، ليعرض عليها الخروج معه مساء، وكانت موافقتها الوهمية ذلك القدر الذي أنقذها من مصير مشؤوم.

بعد أن علم الاحتلال بفرارها من القصبة بوشاية من أحد خونة الثورة الجزائرية وبأنهم انضموا إلى صفوف الثورة، داهم جنود الاحتلال منزلها العائلي، واعتقلوا والديها وجدتها وأشقائها الثلاثة.

5 رصاصات في يدها ورجلها

كما قاد الجيش الفرنسي حملة عسكرية حاصر خلالها جبال الشبلي حيث كانت تتواجد المناضلة لويزة، لم تكن خلالها المعركة متكافئة بين الطرفين، حيث كانت ضمن 8 ثوار جابهوا القوة الفرنسية بأسلحة بدائية، أصيبت خلالها المناضلة بـ5 رصاصات في يدها ورجلها، ما سبب لها إعاقة دائمة بإحدى رجليها، وتم أسرها على الفور وهي تنزف دماً من كل جانب في جسمها.

بعد علاجها، نُقلت المناضلة لويزة إلى سحن بمنطقة "بارادو" في العاصمة الذي كان تابعاً لقوة المظليين الفرنسية، لتدخل معه في رحلة نضال من نوع آخر.

طوال شهرين ونصف، تعرضت المناضلة لويزة لتعذيب وحشي يفوق الخيال لإجبارها على الاعتراف بمواقع الثوار وأسمائهم ومعلومات عن الثورة.

بتر ثدييها لاستنطاقها

وبعد 6 عقود من الزمن، تمكنت المناضلة الجزائرية لويزة اغيل أحريز من استيعاب تلك الجريمة التي نفذت في حقها وبأدق التفاصيل، وكشفت حقائق صادمة عن طرق التعذيب التي مارسها الاحتلال الفرنسي ضدها في مذكرات بعنوان "جزائرية".

في عملية تعذيبها، غابت كل معاني الإنسانية والرحمة، تفنن خلالها الاحتلال الفرنسي في تعذيب فتاة بأبشع أنواع التعذيب التي لا يمكن لأي جنس بشري أو غيره تحملها، لكنها كشفت في الوقت ذاته عن قوة وصلابة المرأة الجزائرية عند الشدائد.

في تلك الزنزانة الضيقة والمغلقة، كان الموت محاصرا للمناضلة لويزة، وهي تحت أيدي جنود الاحتلال، لإفشاء أسرار الثورة، لكنهم عجزوا عن استنطاقها بعد أن "قاموا باغتصابها وبتر ثدييها"، بقيت آثارها إلى يومنا.

تاريخ الخبر: 2022-10-25 15:17:52
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 85%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٤)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:21:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية