الوجود‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط


منذ‏ ‏تسع‏ ‏سنوات‏, ‏ذهبت‏ ‏في‏ ‏جولة‏ ‏لمثلث‏ ‏الهلال‏ ‏الخصيب‏ ‏سوريا‏ ‏العراق‏, ‏لبنان‏ ‏كانت‏ ‏المرة‏ ‏الأولي‏ ‏التي‏ ‏سمعت‏ ‏فيها‏ ‏عن‏ ‏المدينة‏ ‏السوريةمعلولة‏ ‏وهي‏ ‏أهم‏ ‏وأكبر‏ ‏مدن‏ ‏التراث‏ ‏المسيحي‏ ‏بالعالم‏, ‏والوحيدة‏ ‏التي‏ ‏تتكلم‏ ‏الأرامية‏ ‏المنطوقةلغة‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏لكن‏ ‏المسلحون‏ ‏غزوها‏ ‏تحت‏ ‏دعوي‏ ‏الثورة‏ ‏السورية‏ ‏آنذاك‏, ‏دخلوها‏ ‏ونكلوا‏ ‏بسكانها‏, ‏حينها‏ ‏قال‏ ‏لي‏ ‏الأب‏ ‏نادر‏ ‏جبيل‏, ‏رئيس‏ ‏جمعية‏ ‏الراعي‏ ‏بإيطاليا‏ ‏حاليا‏-:‏أنهم‏ ‏يريدون‏ ‏القضاء‏ ‏علي‏ ‏الوجود‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏بلادنا‏, ‏ليهاجر‏ ‏المسيحيون‏ ‏من‏ ‏أوطانهم‏.‏
ووصف‏ ‏جبيل‏ ‏لي‏ ‏ما‏ ‏حدث‏ ‏في‏ ‏معلولة‏ ‏قائلا‏: ‏شخص‏ ‏انتحاري‏ ‏فجر‏ ‏نفسه‏ ‏بمركز‏ ‏البلدة‏,‏ثم‏ ‏هاجم‏ 2500 ‏مسلح‏ ‏المدينة‏, ‏معظمهم‏ ‏من‏ ‏الشيشان‏ ‏ومن‏ ‏جبهة‏ ‏النصرة‏ ‏التابعة‏ ‏لتنظيم‏ ‏القاعدة‏- ‏حسب‏ ‏شهود‏ ‏العيان‏ ‏الذين‏ ‏بقوا‏ ‏علي‏ ‏قيد‏ ‏الحياة‏ ‏حينها‏- ‏كان‏ ‏معهم‏ ‏بعض‏ ‏ممن‏ ‏يتحدثون‏ ‏العربية‏ ‏الفصحييصرخون‏ ‏سنحرر‏ ‏معلولة‏ ‏من‏ ‏الصليبيين‏.‏
اقتحموا‏ ‏الأديرة‏ ‏والكنائس‏ ‏واحتلوها‏, ‏هددوا‏ ‏المسيحيين‏ ‏بالقتل‏ ‏والخطف‏ ‏والاغتصاب‏, ‏حاول‏ ‏الجيش‏ ‏السوري‏ ‏النظامي‏ ‏الدخول‏ ‏دون‏ ‏جدوي‏,‏إذ‏ ‏صنعوا‏ ‏من‏ ‏أطفال‏ ‏معلولة‏ ‏ونسائها‏ ‏سواتر‏ ‏إنسانية‏ ‏لحمايتهم‏.‏
غادر‏ ‏مسيحيو‏ ‏سوريا‏ ‏ومعهم‏ ‏الآلاف‏ ‏من‏ ‏المسلمين‏, ‏وبعد‏ ‏نزوح‏ ‏مسيحيي‏ ‏سوريا‏ ‏إلي‏ ‏لبنان‏ ‏ومنها‏ ‏إلي‏ ‏أوروبا‏, ‏كان‏ ‏الدور‏ ‏علي‏ ‏العراق‏ ‏الذي‏ ‏اقتحمه‏ ‏الدواعش‏ ‏وخربوه‏, ‏وبدا‏ ‏المشهد‏ ‏للناظرين‏ ‏أنه‏ ‏هكذا‏ ‏يتم‏ ‏تفريغ‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏من‏ ‏مسيحييه‏, ‏فمن‏ ‏ذا‏ ‏الذي‏ ‏يمكنه‏ ‏الصمود‏ ‏وسط‏ ‏تلك‏ ‏التهديدات‏ ‏إلا‏ ‏قلة‏ ‏ممن‏ ‏تمسكوا‏ ‏بأوطانهم‏ ‏تحت‏ ‏بطش‏ ‏الإرهاب‏ ‏والصراع‏, ‏والنتيجة‏ ‏تراجع‏ ‏شديد‏ ‏في‏ ‏الوجود‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الدول‏.‏
قبل‏ ‏عامين‏ ‏أجريت‏ ‏حورارا‏ ‏مع‏ ‏مطران‏ ‏الموصل‏ ‏ونشرناه‏ ‏بـ‏ ‏وطني‏ ‏قال‏ ‏فيه‏:‏اليوم‏ ‏المسيحية‏ ‏شبه‏ ‏منتهية‏ ‏في‏ ‏الموصل‏ ‏بسبب‏ ‏الفكر‏ ‏الداعشي‏ ‏الذي‏ ‏توغل‏ ‏فيها‏, ‏وكانت‏ ‏أعداد‏ ‏المجتمع‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏الموصل‏ ‏في‏ ‏عام‏ 2003 ‏تقدر‏ ‏بحوالي‏ ‏خمسة‏ ‏وثلاثين‏ ‏ألف‏ ‏نسمة‏, ‏وفقا‏ ‏للمطران‏ ‏شمعون‏ ‏مطران‏ ‏الموصل‏ ‏سابقا‏, ‏وانخفض‏ ‏العدد‏ ‏بشكل‏ ‏مأساوي‏ ‏إلي‏ ‏حوالي‏ ‏ثلاثة‏ ‏آلاف‏, ‏في‏ ‏عام‏ 2014, ‏حينما‏ ‏سقطت‏ ‏الموصل‏ ‏في‏ ‏يد‏ ‏داعش‏.‏
أما‏ ‏الآن‏ ‏فلايوجد‏ ‏إحصاء‏ ‏محدد‏ ‏لأعداد‏ ‏المسيحيين‏ ‏في‏ ‏العراق‏, ‏لكن‏ ‏يمكننا‏ ‏القول‏ ‏بالتقريب‏ ‏إنهم‏ ‏كانوا‏ ‏حوالي‏ ‏ربع‏ ‏مليون‏, ‏لكن‏ ‏اليوم‏ ‏تراجعت‏ ‏الأعداد‏ ‏بشكل‏ ‏مخيف‏, ‏حتي‏ ‏أنه‏ ‏لايوجد‏ ‏في‏ ‏الموصل‏, ‏سوي‏ ‏حوالي‏ ‏ستين‏ ‏عائلة‏ ‏في‏ ‏متوسط‏ ‏عدد‏ ‏الأفراد‏ ‏أربعة‏ ‏لكل‏ ‏عائلة‏- ‏أي‏ 240 ‏شخصا‏, ‏وحوالي‏ ‏ألف‏ ‏شخص‏ ‏يقيمون‏ ‏في‏ ‏أربيل‏.‏
هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏الطويلة‏, ‏أسردها‏ ‏الآن‏ ‏لأن‏ ‏المحتاجين‏ ‏إلي‏ ‏الدعم‏ ‏أخيرا‏ ‏حصلوا‏ ‏عليه‏ ‏رسميا‏ ‏عبر‏ ‏اعتراف‏ ‏كنسي‏ ‏شرق‏ ‏أوسطي‏ ‏منصف‏ ‏وواع‏ ‏بضرورة‏ ‏دعم‏ ‏الوجود‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏ورعاية‏ ‏المتمسكين‏ ‏بأوطانهم‏, ‏حيث‏ ‏اجتمع‏ ‏رؤساء‏ ‏الكنائس‏ ‏في‏ ‏الفترة‏ ‏ما‏ ‏بين‏ 18 ‏إلي‏20 ‏أكتوبر‏ ‏الجاري‏, ‏وعقدوا‏ ‏اللقاء‏ ‏الثالث‏ ‏عشر‏ ‏لرؤساء‏ ‏الكنائس‏ ‏الأرثوذكسية‏ ‏الشرقية‏ ‏بمنطقة‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏, ‏وهم‏ ‏أصحاب‏ ‏القداسة‏ ‏البابا‏ ‏تواضروس‏ ‏الثاني‏ ‏بابا‏ ‏الإسكندرية‏ ‏وبطريرك‏ ‏الكرازة‏ ‏المرقسية‏, ‏والبطريرك‏ ‏مار‏ ‏أغناطيوس‏ ‏أفرام‏ ‏الثاني‏ ‏بطريرك‏ ‏أنطاكيا‏ ‏وسائر‏ ‏المشرق‏ ‏للسريان‏ ‏الأرثوذكس‏, ‏والكاثوليكوس‏ ‏آرام‏ ‏الأول‏ ‏كاثوليكوس‏ ‏الأرمن‏ ‏الأرثوذكس‏ ‏لبيت‏ ‏كيليكيا‏ ‏الكبير‏ ‏بأنطلياس‏ ‏بلبنان‏, ‏وذلك‏ ‏في‏ ‏ضيافة‏ ‏الكنيسة‏ ‏القبطية‏ ‏الأرثوذكسية‏ ‏في‏ ‏مركز‏ ‏لوجوس‏ ‏البابوي‏ ‏بدير‏ ‏القديس‏ ‏الأنبا‏ ‏بيشوي‏ ‏بوادي‏ ‏النطرون‏.‏
فتحية‏ ‏تقدير‏ ‏واعتزاز‏ ‏لأنهم‏ ‏وضعوا‏ ‏قضية‏ ‏الوجود‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏, ‏علي‏ ‏رأس‏ ‏أولويات‏ ‏اللقاء‏, ‏في‏ ‏اعتراف‏ ‏رسمي‏ ‏بالتهديدات‏ ‏التي‏ ‏تعرض‏ ‏لها‏ ‏هذا‏ ‏الوجود‏, ‏وفي‏ ‏إصرار‏ ‏علي‏ ‏بقائه‏, ‏حيث‏ ‏قال‏ ‏بيان‏ ‏الكنائس‏ ‏نصا‏:‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏هو‏ ‏مهد‏ ‏المسيحية‏ ‏حضاريا‏ ‏وثقافيا‏, ‏والوجود‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏, ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏وسيبقي‏ ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏الهموم‏ ‏والمشاغل‏, ‏وتدارست‏ ‏الكنائس‏ ‏بعمق‏ ‏أهمية‏ ‏هذا‏ ‏الوجود‏ ‏وضرورة‏ ‏تقويته‏, ‏وبحث‏ ‏الآليات‏ ‏الممكنة‏ ‏لثبيت‏ ‏المسيحيين‏ ‏في‏ ‏بلادهم‏, ‏بل‏ ‏تخطي‏ ‏الأمر‏ ‏الدراسة‏ ‏وقفز‏ ‏إلي‏ ‏الإعلام‏ ‏عن‏ ‏تعهدات‏ ‏بالرعاية‏ ‏التي‏ ‏تساهم‏ ‏في‏ ‏تثبيت‏ ‏أبناء‏ ‏الكنائس‏ ‏في‏ ‏أوطانهم‏ ‏والحد‏ ‏من‏ ‏نزيف‏ ‏الهجرة‏ ‏إلي‏ ‏دول‏ ‏الانتشار‏ ‏بسبب‏ ‏الصراعات‏ ‏القائمة‏ ‏والظروف‏ ‏الاقتصادية‏ ‏الصعبة‏ ‏التي‏ ‏يمر‏ ‏بها‏ ‏العالم‏ ‏وبخاصة‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏,‏بل‏ ‏ودعت‏ ‏الكنائس‏ ‏إلي‏ ‏تقديم‏ ‏الشهادة‏ ‏المسيحية‏ ‏عبر‏ ‏توفير‏ ‏الخدمات‏ ‏الاجتماعية‏ ‏لجميع‏ ‏المحتاجين‏.‏
هذا‏ ‏البيان‏ ‏أثلج‏ ‏الصدور‏ ‏الخائفة‏, ‏وربت‏ ‏علي‏ ‏الأكتاف‏ ‏المنحنية‏ ‏تحت‏ ‏نير‏ ‏الغلاء‏, ‏والبلا‏, ‏والوباء‏, ‏عبر‏ ‏دعوة‏ ‏أبناء‏ ‏الكنائس‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏يظلوا‏ ‏ثابتين‏ ‏ومتجذرين‏ ‏كل‏ ‏في‏ ‏وطنه‏ ‏مقدمين‏ ‏شهادة‏ ‏حية‏ ‏عن‏ ‏الإيمان‏ ‏المسيحي‏ ‏بالمحبة‏ ‏والتسامح‏ ‏والعيش‏ ‏المشترك‏.‏

‏[email protected]‏

تاريخ الخبر: 2022-10-26 09:21:32
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

هكذا كانت ردة فعل عائلة الدكتور التازي بعد النطق بالحكم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:08
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

هكذا كانت ردة فعل عائلة الدكتور التازي بعد النطق بالحكم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:03
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

فرحة عارمة لابن الطبيب التازي بعد الإعلان عن مغادرة والده للسجن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 61%

فرحة عارمة لابن الطبيب التازي بعد الإعلان عن مغادرة والده للسجن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:00
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية