علي عطا: أنتمي لتجربتي الخاصة.. وضمنت أعمالي سيرتي الذاتية (حوار)

الشاعر والكاتب الروائي علي عطا من الأسماء الجديرة بالتوقف عند تجربتها الإبداعية، من دروب الصحافة الثقافية إلى الشعر فالرواية، هو الذي علي عطا  وُلد بمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية عام 1963، ويعمل بوكالة أنباء الشرق الأوسط، وبمكتب جريدة الحياة اللندنية في القاهرة سابقاً، له دواوين شعرية ثلاث منها "ظهرها إلى الحائط"،"تمارين لإصطياد فريسة" تعددت فيهما رؤى الحداثة وما بعدها في فضاءات تتجلي بذائقة فريدة في الطرح والتلقي فيما يخص قصيدة النثر عبر الاشتباك مع الذات/ الوجود/ العالم بغرابة، كذلك كان له خروجات حاسمة في كتابة الرواية فأصدر روايتين، هما "حافة الكوثر" و"زيارة أخيرة لأم كلثوم" طرح فيهما مساحات جسورة من فتنة السرد المفعم باجوى والحدة والجدة والطلاوة مع بروز ثمة ركام ذاتية تأبى الخضوع للهزل والإحباط وتسمو بمشاعر رجراجة تناقش عتبات الفرح وجنون الفنان ومتاهاته مابين سكك الغربة والغرابة والتغريب. 

على عطا دائما هو المعرض عن التحدث عن نفسه وهذا رغم حصولة على تكريمات شتي من قبل نفابة الصحفيين وفي الخارج كونه شاعراً. على عطا يعمل رئيساً للقسم الثقافية مديرا لتحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط..عن الشعر والغرابة والتغريب والمجايلة والنقد شعرا ورواية وماهية المسار وحصاده كان السؤال بداية..

صورة لغلاف رواية زيارة أخيرة لأم كلثوم

ما رأيك في ما يثار من وقت لآخر من جدل بين أدباء ونقاد حول فكرة المجايلة الأدبية ودورها في تطور أساليب الكتابة وغير ذلك من الإشكاليات المتعلقة بالعملية الإبداعية؟  

الجيل في تصوري الشخصي هو مجرد اصطلاح نقدي أو بحثي، فضلا عن أنه يشير غالبا إلى شلة يستعلي أعضاؤها على غيرهم، ويتقاتلون في الوقت نفسه في ما بينهم على مكاسب ومنافع استنادا إلى تكتلهم الظاهري، تارة، وإلى زعم كل واحد منهم باستحقاقه الفردي للصدارة مقارنة حتى بمن يقال إنهم ينتمون إلى الجيتو الذي يضمه، تارة أخرى. والجماعة الأشهر في المجال الأدبي المصري الحديث تسمى "جيل الستينيات"، وهي نموذج مثالي لتصوري الشخصي عما نعنيه هنا بمصطلح الجيل، ومعها بالطبع نماذج أخرى لأجيال مختلفة، لا يتسع المجال هنا للحديث عنها بشيء من التفصيل. الكتابة الإبداعية هي عمل فردي، وبالتالي فإن لكل كاتب مايميزه بالضرورة عن غيره عموما، وعن من ينتمون إلى جيله بالمعنى الزمني أو الاصطلاحي، إلى حد التنافر في كثير من الأحيان. 

لمن إذن تنتمي كشاعر وروائي؟ 

صورة ل على عطا في أحد الأسفار

أنتمي إلى تجربتي الخاصة، وإلى عالمي المتشكل من وعيي الشخصي المتأثر بالضرورة بما أقرأ وأشاهد وأسمع وأرى، ومن انحيازاتي الجمالية في إطار وعي جمعي إنساني يتسق مع هذه الحقبة من عمر البشرية بمختلف منجزاتها وإحباطاتها، وتعاطيها مع مؤشرات مصيرها المحتوم، وهو الانقراض لإفساح المجال لنوع آخر من البشر، أو لانتهاء الوجود برمته.     

في هذه اللحظة التاريخية الفارقة وجوديا وسياسيا وتحديدا ما يواجه العالم والبشرية من مخاطر الحروب والأوبئة، كيف ترى جدوى الكتابة ومستقبل الكاتب؟

صورة ل غلاف ديوان علي عطا تمارين لاصطياد فريسة
صورة لفعاليات الشاعر على عطا الثقافية بحزب التجمع ويظهر الكاتب هاني عبد المريد
صورة ل على عطا متحدثاً في وجود الشاعر عاطف عبد العزيز

دائما كان هناك مثل هذه اللحظة التي تسميها فارقة، ودائما ما كانت حافزا لكتابة مختلفة تحمل في طياتها ما يميزها من حقبة زمنية إلى أخرى، ويكتب لرموزها الخلود فتجدهم عابرين للأزمنة. ودائما ينشد الكاتب ما يضمن له قدؤا معينا من حرية التعبير، ويجد رغم ذلك ما يعينه على التحايل على التحديات الدينية والسياسية، بل وحتى الاقتصادية والاجتماعية والفلسفية. والأمثلة على ذلك كثيرة عربيا وعالميا. وبالتالي لن تفقد الكتابة أبدا جدواها، حتى في المستقبل الإنساني الغائم والذي يكتنفه هاجس تمكين الروبوت وتهميش البشر.   

إلى أي مدى يلعب الحنين “النوستالجيا“ المكان، المولد، دورا في إنتاجك الروائي؟

صورة للكاتب علي عطا مع الشاعر يسري حسان

لا أنكر أنني اتكأت على سيرتي الذاتية، في روايتي "حافة الكوثر" و"زيارة أخيرة لأم كلثوم"، وقد انطلقت في العملين من المنصورة وتحديدا عزبة عقل، حيث ولدت ونشأت وأظن أنني أشبهك إلى حد ما في هذه الجزئية بالذات وقد سبقتني أنت في الإبداع في إطارها، قاصا وروائيا يمتح من عالمه الخاص جدا. لكن الواقع المعاش حاضر في العملين، خصوصا ما يتعلق منه بوطأة المرض النفسي وارتباطها بالمناخ العام واحباطاته السياسية والاجتماعية، التي أتماس معها بعمق، سواء لكوني مثقفا، أو حتى لكوني أعمل بالصحافة عموما وبالصحافة الثقافية على وجه خاص. وأظن أنني نجحت في الاشتباك مع ما يسمى بالتشكيلات الصالحة لخلق عالم روائي، وفي مقدمتها كوارث الإسلام السياسي وتبني منظومة الحكم في مصر لخطابه فعليا، أو التواطؤ معه برغم ما تظهره من خصومة تجاهه وصلت إلى حد المواجهة المسلحة، التي راح ضحيتها كثير من الأبرياء.  

صورة وقت تكريم الشاعر علي عطا

وجاءت روايتي "زيارة أخيرة لأم كلثوم" أكثر انفتاحا على الهم العام، إذا ما قورنت بروايتي الأولى "حافة الكوثر"، وقد قال بذلك عدد من النقاد، وكما سبق وأن أوضحت فإن في العملين شذرات من سيرتي الذاتية، كتكئة للكتابة القائمة على أن الأولوية هي لما أعرفه وعايشته عن كثب. والقارئ الافتراضي، لا أظن أنه سيتوقف أمام مسألة السيرة الذاتية كما يفعل قارئ يعرفني بحكم الصداقة أو بحكم وجودي في فضاء قريب من دائرة حركته الواقعية. ثم إنك لن تجد أبدا عملا إبداعيا يخلو من أصداء لذات مبدعِه ورؤيته الشخصية للعالم وتجاربه الحياتية، حتى لو كان هذا العمل هو حكايات "ألف ليلة وليلة" بما تحويه من عجائبية وخيال جامح. حنيني إلى محيط نشأتي قائم على مساءلة الماضي واستنطاقه قبل فوات الأوان، خصوصا في ما يتعلق بهاجس الانقطاع الذي لا يحدث بالضرورة من جراء فقدان الذاكرة، بل هو قد يحدث بإهمال الكتابة بها، بالهروب إلى عوالم كل ما فيه متخيل ويستعلي على الشخصي عن عمد.   

هل تعتبر الكتابة الإبداعية سبيلا للخلاص الشخصي؟ 

صورة ل غلاف رواية حافة الكوثر ل علي عطا
صورة ل على عطا مع الناقد الكبير الراحل دكتور شاكر عبد الحميد

بالنسبة لي، هناك مستويان لتعاملي مع الكتابة. المستوى الأول يتعلق بكونها مهنتي التي أتكسب منها لأنفق على أسرتي وأوفر احتياجاتي المادية. وفي هذا المستوى رغم ماديته الظاهرة فإنني أمارسه بشغف، وفي أحيان قليلة تنشر بعض الصحف ما أكتبه نظير مقابل زهيد، أو حتى بدون مقابل. أما المستوى الثاني فهو الكتابة الإبداعية، وعائدها بالنسبة لي معنوي في المقام الأول. وفي المستويين أشعر فعلا بالخلاص. أشعر بالتحقق، وبأن هناك جدوى من وجودي. أحيانا أفكر في ماهية وجودي في العالم الآخر، فأجدني أتمنى أن يتاح لي فيه أن أقرأ ما لم أتمكن من قراءته وأكتب ما لم أجد وقتا لأكتبه في الحياة الدنيا.     

كيف ترى المشهد النقدي من خلال اشتباكه مع نصوصك؟

صورة للكاتب والشاعر والصحافي الثقافي على عطا مكرما من نقابة الصحفيين
صورة للشاعر على عطا مع الناشرة دكتورة فاطمة البودي

بالنسبة لي، حالفني الحظ بأن واكب النقد أعمالي الشعرية والروائية، وسعدت طبعا بتنوع الرؤى التي أفرزتها تلك المواكبة التي عكستها أسماء مهمة مثل مصطفى الضبع وصلاح السروي في البدايات، ثم جابر عضفور وشاكر عبد الحميد وشيرين أبو النجا ولنا عبد الرحمن ومحمد السيد إسماعيل، وسيد ضيف الله، ومحمد سمير عبد السلام، ومايا الحاج، وطارق إمام، وعمار علي حسن، وصبحي موسى، وممدوح رزق، وأحمد الشهاوي، وبهاء عبد المجيد، وعبد الكريم الحجراوي ونشوة أحمد.     

في مساري الشعر والرواية، أين تجد الفرح والملاذ؟

صورة ل على عطا من حفل توقيعه لروايته زيارة أخيرة لأم كلثوم

كنت أجدهما في الشعر، وأجدهما أيضا في الرواية. أجد فيهما كذلك ذاتي كما أحب أن تكون. وقد تضاعف إحساسي بذاتي من خلال ما كتبه النقاد عن تجربتي، وكذلك من خلال صدى تلقي ما أكتب عموما.   

عن الغربة والغرابة والتغريب في سرودك وتنقلاتك ما بين الشعر والرواية، ما هي الدوافع للسير في الحفر عميقا في هذا المنحى، وهل ايقاع العالم الآني ينحو للتغريب؟

أهم دافع هو التعبير عن الذات، وعن رؤيتي للعالم الذي أتفق معك في إدراك أنه ينحو للتغريب، الآن وفي ما مضى وكذلك في قادم الأيام. أظن أن التغريب الآن هو أشد وظأة من أي وقت مضى، وستزداد وطأته في المستقبل لا يمكن أن يكون مزدهرا في ظل التسابق الشرس نحو إفنائه بأيدي الإنسان الحالي الذي يقولون إنه يتميز عن أسلافه بالعقل! 

صورة للشاعر على عطا مع إبنه وحفيدته

أين أنت في السنوات الأخيرة من الشعر، هل خاصمته، أم أن للرواية سطوة تحملها هموم وخيبات وطموحات الكاتب؟

منذ 2013 لم يصدر لي ديوان جديد، ولكني لم أتوقف عن المشاركة في أمسيات شعرية هنا وهناك، وعندي ديوان لم يكتمل بعد. أريد أن أقول إنني لم أخاصم الشعر، لا كقارئ ولا كمبدع، وأتمنى أن أتمكن من اقتناص المزيد من الشعر خلال المتبقي لي من عمر. أما الرواية، فهي تتحمل ما ذكرته أنت في سؤالك، وأضيف أن الشعر يتحمل أيضا التعبير عن إحباطات وخيبات وطموحات الشاعر. النوعان يمتحان من نبع واحد. لكن يبقى الشعر بيعيد المنال إذا قورن بالرواية، ولذلك يكتب كثير من الشعراء الرواية، ولكن لن تجد روائيا يكتب الشعر إلا فيما ندر، هنا وفي مختلف أنحاء المعمورة. 

صورة للشاعر على عطا بمدينة الأسكندرية

ما رأيك في تلك العتبات أو المرتكزات التي تتكيء عليها لجان التحكيم في تجليات منح وحجب الجوائز؟

صورة ل علي عطا مع روايته زيارة أخيرة لأم كلثوم
صورة للكاتب والشاعر المبدع على عطا مع الشاعر محمود قرني والناقد محمد إسماعيل

هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه بيقين. فلكل جائزة منطلقاتها وأهدافها. ولكن الأمر الذي يمكن أن نلاحظ باطمئنان أن الجوائز تعمل وفقا له، هو أنه لا تذهب بالضرورة إلى الأفضل. حتى بالنسبة إلى فائز محدد ستجد في الكواليس خلافا على استحقاقه الفوز. وفي النهاية تتحكم ذائقة كل محكم في انحيازاته التي قد تكون في بعض الأحيان غير موضوعية.     

هل تتفق معي في أن عالم اليوم يشهد تدميرا متعمدا لقيم العدل والحرية والمساواة؟

صورة للشاعر على عطا بوكالة أنباء الشرق الأوسط
بورتريه للكاتب / الشاعر/ المبدع الكبير علي عطا

ما أنا على يقين منه، كما سبق أن أشرت في إجابتي على سؤال سابق في هذا الحوار، هو أن هناك استفحالا في سلوكيات مدمرة لبيئة الأرض، تمهد عن وعي بائس لا يلتفت سوى لمصالح ذاتية آنية، لفناء البشرية، مع ما أنجزته من قيم العدل والحرية والمساواة، والتي ظلت طوال الوقت مجرد أفكار قد تجد تجليات لتطبيقها في الواقع على نحو انتقائي، لكننا نظل ننشدها بما أننا نفتقدها أو على الأقل لا نرضى بانتقائيتها التي تتنافى أصلا مع فكرة العدل أو فكرة المساواة، أو فكرة الحرية.  

تاريخ الخبر: 2022-10-29 12:21:49
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية