تنعقد في العاصمة الجزائرية القمة العربية العادية الحادية والثلاثين والتي أُطلق عليها قمة "لم الشمل" وكذلك "قمة فلسطين" وقمة العمل العربي المشترك.

والمتجول في العاصمة الجزائرية هذه الأيام يشاهد بكل وضوح الأجواء الاحتفالية حيث تستعد عاصمة الملايين الأربعة لاستقبال الزعماء العرب في هذه القمة التي تنعقد في ظروف استثنائية بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا، كما تنعقد في ظل صراع دولي بين محورين كبيرين انعكس سلباً على الأمة العربية وتوجد إمكانية لتحويل نتائج ذلك النزاع إلى خير لمجموع الأمة في حال توحد مواقفها وآرائها.

تتزين الطرقات ومنطقة الاجتماعات بأعلام الدول العربية جميعها كما جرت عمليات إصلاح وتنظيف وطلاء للمباني المطلة على الطريق الذي ستمر فيه مواكب الزعماء العرب. كما اختارت الجزائر أن تضع قبالة الجامع الكبير مجسمات تمثل كل واحدة منها دولة عربية. وتفنن الحرفيون الجزائريون في إنتاج مجسم ضخم لقبة الصخرة المشرفة في القدس الشريف رمزاً لفلسطين ورسالة للقادة العرب بأن "قمة جمع الشمل" ستركز على فلسطين.

انطلقت الاجتماعات يوم الأربعاء 26 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي باجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين والخبراء للتحضير أولاً لاجتماعات وزراء الخارجية يومي السبت والأحد لوضع اللمسات الأخيرة على البيان الختامي والقرارات المتوقع اعتمادها بالإجماع من زعماء الدول العربية المشاركين في القمة العربية يومي الأول والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني.

اختارت الجزائر أن تنطلق القمة يوم 1 نوفمبر والذي يصادف الذكرى الثامنة والستين لثورة الجزائر العظيمة ضد الاستعمار الفرنسي وهذا التاريخ يمثل نقطة ضوء في تاريخ الأمة العربية الحديث يذكّر بالعمل العربي المشترك في دعم ثورة الشعب الجزائري المظفرة.

نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف

دعا مندوب تونس الدائم لدى الجامعة العربية محمد بن يوسف، بصفة بلاده رئيسة للقمة السابقة وهو يسلم الرئاسة إلى الجزائر، إلى مواصلة السير على نفس الدرب الساعي إلى وحدة الصف إزاء قضية العرب الأولى من أجل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ووضع حد للسياسات العدوانية لسلطات الاحتلال. وأكد أن ما يوحد الأمة أكثر بكثير مما يفرقها.

وأشار إلى أن انتشار بؤر التوتر في منطقتنا العربية واستمرار النزاعات المسلحة، يبعث على الانشغال ويحتم على العرب أن يكثفوا الجهود من أجل تقويض الأزمات والبحث عن تسويات وحلول سياسية للصراعات والانقسامات داخل بعض الدول بما يحقق الأمن ويعزز مقومات الاستقرار ويحصن الأمة من التدخلات الخارجية.

تسلم السفير نذير العرباوي، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، رئاسة دورة المندوبين الدائمين التمهيدية للقمة الـ31 فتحدث عن موقف بلاده ورؤيتها لهذا الحدث الكبير: "إننا نريدها قمة عربية توافقية تنطلق من الثوابت المشتركة وتعكس تطلعات شعوبنا التواقة الى قدر كبير من التضامن والتآزر والتكامل، قمة تستفيد من دروس الماضي وتواجه بشكل جماعي تحديات الحاضر وتنظر إلى المستقبل برؤية استراتيجية شاملة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار، في ظل مد جسور التعاون البنّاء والإيجابي مع محيطنا الإسلامي والإفريقي". وقال إن ما يحتاج إليه العرب الآن مقاربة متجددة للتعامل مع جدول الأعمال الحافل بالقضايا والمسائل السياسية المختلفة، والعمل على معالجة هذه القضايا ورفع مشاريع قرارات وتوصيات وجيهة وعملية وبنّاءة للقمة العربية الواعدة.

ما طفح إلى الآن من مسائل توافقية تتعلق بالموقف من دعم القضية الفلسطينية وإعادة التأكيد على مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتي تصر على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً.

تدرك القمة أن الأحداث تجاوزت بعض بنود مبادرة السلام العربية لكن التوجه هو إبعاد نقاط الخلاف، بخاصة فيما يتعلق بالتطبيع، من أجل الوصول إلى توافق. وستؤكد القمة على دعم الشعب الفلسطيني وصموده وشد أزره في مواجهة آلة البطش الإسرائيلية.

كما أن مسألة الأمن الغذائي والتي تفرض نفسها على العالم أجمع ستحظى باهتمام كبير في القمة وما من شك في توافق حول الخروج بمقاربة موحدة حول هذه المسألة وما يتعلق بها من تكامل اقتصادي وإقامة مشاريع مشتركة وتنفيذ كثير من الاتفاقيات التي أنجزتها الجامعة العربية دون أن ترى النور.

ومن القضايا المهمة التي قد تحظى بنوع من الإجماع الأمن القومي العربي ورفض التدخلات والإملاءات الخارجية وضرورة أن يكون للعرب كيان جامع قوي في ظل التناحرات الدولية والتي سلطت الضوء على هشاشة المنظومة الدولية والتفرد بالقرارات لمجموعة صغيرة جداً من الدول.

يدرك القادة العرب أن لا ضامن لأمنهم إلا أنفسهم والاعتماد على الغير في ضمان الأمن جرّ ويجرّ ويلات كبرى كثيرة لهذه الدول.

العالم الآن يعيش مرحلة المصالح. الكل يريد تحقيق مصالحه الوطنية، لكن التجربة أثبتت أن العمل ضمن مجموعة دول الإقليم أو المنطقة أكثر نجاعة وفاعلية، كما هو الحال في منظمة الدول الأمريكية ومجموعة آسيان للدول الآسيوية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي.

فما الذي يمنع أن يتفق العرب على التعاون الاقتصادي والاجتماعي حتى لو كان بينهم خلافات سياسية. ومن قال إن دول الاتحاد الأفريقي دفنت خلافاتها السياسية؟

ويوجد شبه توافق على الاستفادة من الوضع المستجد لقوة الطاقة وتأثيرها في العلاقات الدولية إذ تتسابق الدول الفقيرة في مصادر الطاقة بخطب ودّ الدول العربية الغنية بهذا المصدر الإستراتيجي والذي إذا استُخدم بطريقة صحيحة سينعكس على الأمة قوة سياسية واقتصادية ومعنوية وقوة تأثير في العلاقات الدولية. ويرتبط بهذا البند الانتقال إلى مرحلة الطاقة النظيفة والتفاهم الجمعي حول درء أخطار التغير المناخي والذي لا تنجو منه دولة أو منطقة أو إقليم.

لا يزال يوجد بعض القضايا العالقة والذي قد يؤثر على حجم وقوة مخرجات القمة. من بين هذه القضايا مسألة الموقف مما يراها البعض تدخلات إيرانية أو تركية في الشأن العربي وإصرار البعض على صدور إدانة واضحة من القمة لهذا التدخل. وهو موقف رفضته الجزائر ودول أخرى مشيرين إلى تدخل أخطر من البلدين المذكورين من الجانب الإسرائيلي في الشؤون العربية. فكيف نغفل عن ذلك ولا نرى إلا التدخلات الإيرانية والتركية فقط؟ نتوقع تذليل هذا البند بالإشارة إلى رفض جميع التدخلات في شؤون الأمة العربية.

ومن النقاط الخلافية قضية سد النهضة والموقف من إثيوبيا فمصر والسودان تريدان موقفاً واضحاً لا لبس فيه في تأييد البلدين في موقفهما من السد وانتقاد الموقف الإثيوبي المتعنت. وأعتقد أن هذه المسألة سهلة التذليل بإبداء التضامن مع مصر والسودان ودعوة إثيوبيا إلى المفاوضات بنية سليمة تحت سقف الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية للتوصل إلى موقف يقوم على مبدأ "لا ضرر ولا ضرار".

والملف الآخر هو عضوية سوريا وعودتها إلى الجامعة العربية ونعتقد أن في المواقف العربية تقارباً بضرورة إيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع، المعترض على عودتها والمؤيد لتلك العودة.

بقي أن ننتظر اللمسات الأخيرة لهذه الرؤى وما الذي سينبثق عن هذه القمة والتي تنظر إليها الشعوب العربية بعين الشك بسبب تجارب القمم السابقة والتي عادة تأخذ القرارات ولا تتابع أيّاً منها. فهل تكون قمة الجزائر مختلفة تماماً وتعيد الثقة إلى المواطن العربي في العمل العربي المشترك والممثل في الجامعة العربية وأجهزتها المختلفة؟

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي