خالد فضل
عشية يوم 25 أكتوبر2022م، والعالم كله يتابع باعجاب واشفاق مئات الآلاف من السودانيينـ/ـات في الخرطوم ومدن أخرى تتمدد بجغرافيا البلاد وتعدديتها يملئون الشوارع حتى تفيض جناباتها، بهتافاتهم الصريحة الناضجة، بجراحاتهم النازفة، بقلوبهم المفعمة بهوى بلدهم، بوضوح مطالبهم نشداناً لحياة تسر الصديق أو ممات يغيظ العدا -على حد قول شاعر مجيد- والفضائيات باتساع الفضاء، بخلاف الفضائية السودانية طبعا، تنقل المشاهد من بحري وشارع الستين، من الديم وقلب أم درمان من دنقلا ومدني وبورتسودان ونيالا والضعين، والرايات ترفرف في سماء الوطن حرية سلام وعدالة والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل.
كل من له ضمير يقظ في كل صقع من أصقاع المعمورة يهتف ولو في سرّه مع الصبايا والشباب مع الخالات والأجداد مع الآباء والناشطات مع الثوار ولجان المقاومة السلمية الباسلة العنيدة الرافضة للشراكة والمساومة والتفاوض مع الخونة وأذيالهم من المنتفعين، والثورة السودانية تواصل ألقها وعنفوانها منذ العام 2018م؛ في تأكيد متجدد على نضجها وعلو كعبها، ورفعة وسمو مقاصدها، صبيان شاركوا فيها لأول شرارتها بلغوا الآن سن الرشد، لينضم إليهم صبية يافعين سيبلغون رشدهم إسوة برشد الوطن بعد انعتاقه وإلى الأبد من ربقة الديكتاتورية وعقابيل الاستبداد، وحكم تجار الدين.
هذا هو الوعد الحق الذي تحمله الريح الطيبة منبعثة من أرواح الشهداء الذين يرتقون في كل يوم وظهيرة كل مليونية، زادوا بالأمس رفيقا ارتقى ليصل الرقم منذ 25 أكتوبر العام الماضي إلى 119شهيدا/ـة، والرئيس الفرنسي يطلب إلى متظاهري السترات الصفراء بأن يأخذوا العبرة في سلمية التعبير من شوارع الخرطوم ومتظاهري السودان، والرئيس بايدن من على منصة الأمم المتحدة ينوه بشجاعة النساء السودانيات، وفي كل بلد يتمتع الناس فيه بحقوقهم كبشر يتشارك السودانيون مع غيرهم من بني آدميين نفس شعور العزة والفخر، فخر جعل من الثورة السودانية مضرب المثل في سلميتها ونظافتها وطول صبرها وصمودها، حتى قال بلينكن وزير الخارجية الأمريكي ( حان الوقت ليتنحى العسكريون عن الحكم ) في تعليقه على ما شاهده في 25أكتوبر 2022م.
في هذا الجو الثوري المفعم بالجسارة والبطولة، والأرض تميد من تحت الأقدام الواجفة الراجفة للقتلة والسفاحين والمرتزقة الأفاكين والسحرة الدجالين، والإعلاميين الطامعين في منصب تاقوا له، وملئوا خياشيمهم وسال لعابهم من أجله حتى أراقوا ماء وجوهم -إن كان بها ماء- في هذا التوقيت يصدر بيان مذيل بتوقيع الشرطة السودانية تداولته الوسائط الإعلامية، وأغفل شيئا واحدا، وكشف عن لغز ظل مستمرا منذ الانقلاب، بل ما قبله.
أما ما أغفله البيان، فهو تحديد حركة عبد الواحد محمد النور كتنظيم تنتمي إليه الخلايا الإرهابية المندسة وسط المتظاهرين والتي تريد ترويع أمن الخرطوم، يبدو أن النسخة الأصلية لبيان وزير الدولة بالإعلام على أخريات حكم المخلوع البشير والذي أذاعه آخر الليل، قد ضاعت من الإرشيف وتمت صياغة البيان من الذاكرة فقط، لذلك سقطت هذه الفقرة الضرورية من البيان!
ولكن لأن الشرطة في خدمة الشعب كما يقولون، فواجبنا كشعب أن نشكرها ونشيد بها لما قامت به من كشف خطير ورهيب ومفيد! فما هو ؟
الشرطة تقول إنّ تشكيلات برايات وتنظيم عسكري وأسلحة تندغم وسط المظاهرات لتروع الآمنين وتمارس التخريب، وتطلب الشرطة من قادة الحراك تحديد موقفهم من تلك التشكيلات العسكرية.
وبدون تردد وبدون سطو على حق قادة الحراك يمكنني أنا كمواطن سوداني فقط أن أقول بفم مليان، إنّ لجان المقاومة وقادة الحراك موافقون تماما بل يمكنهم تسيير مليونية تحت شعار (مليونية الثورة السودانية لدعم مهنية ومدنية الشرطة السودانية) فهل الشرطة جاهزة لاستقبال الحشود! كما تطلب من القيادة العسكرية الإذن بإتخاذ إجراءات استثنائية صونا للأمن وحرصا على الشعب وحسما للفوضى و و و و !!!!
برافو شرطتنا، من أصغر جندي إلى أكبر رتبة والكبير الله، الله أكبر الله أكبر، وهل يحتاج أداء الواجب المهني لإذن؟ الآن تكشف الشرطة عن الطرف الثالث الذي دوّخ البرهان، وعكّر الزمان منذ 11 أبريل 2019م وحتى الآن، ألم نقل إنّ الشرطة في خدمة الشعب! ها هي شرطتنا الفتية؛ وهي بالمناسبة خدمة مدنية من صميم المدنية والتمدن؛ تميط اللثام عن الطرف الثالث الذي أزهق أرواح أكثر من ألف شهيد/ة منذ ذاك العام، ظهر الطرف الثالث إذا، فامرحي يا عدالة، واهدئي يا بلابل أمهات الشهداء/ات، فمن ظل يقتل أولادنا وبناتنا منذ أيام الإعتصام تلك هم تلك التشكيلات العسكرية التي إكتشفتها عبقرية شرطتنا (صفقوا لها)، من ارتكبوا مجزرة فض الإعتصام همو حملة رايات الشر تلك؛ التي كشفها بيان الشرطة، ومن وأدوا روح ست النفور وحتى الشاب اليافع أبو القاسم بالأمس القريب هم أولاد الشر أولئك القتلة المتشكلون عسكريا وسط المتظاهرين؛ كما يقول بيان الشرطة (كبروا لها)، من دهس المتظاهرين في الشوارع – في حوادث سير – لا شك في أنهم من السواقين تحت مظلة تلك التشكيلات العسكرية، ومن فقأ عين محمد صلاح وغيره ممن فقدوا نور العين دون أدنى ريب هم هولاء المشكلون عسكريا لإحداث الخلل الأمني في عاصمة اللاءات الثلاث بما يتسلحون به من سلاح فتّاك أبيض أو دوشكات وربما (أوبلن)!
ما نقلته كاميرات الفضائيات من عنف مفرط وضرب في المليان وإغتصابات ونهب وسلب للموبايلات والقريشات هو من فعائل تلك التشكيلات العدوانية التي أظهرها بيان الشرطة القومية (هللوا لها)، ومات مدثر كمال على يديهم؛ هم وبدون تردد هذه التشكيلات العسكرية التي رصدتها الشرطة عيننا الساهرة على سلامتنا من خدش (النسيم )، وما 9 طويلة إلاّ نبت من تلك الشجرة الخبيثة شجرة التشكيلات العسكرية المندسة وسط المتظاهرين لإرتكاب الجرائم ضد أمن العاصمة، كل شر وقع ويقع غدا وبعده هو فعل تلك التشكيلات العسكرية الإجرامية التي كشفتها الشرطة (حماها الله من عين الحاسدين)، الشرطة التي كشفت لنا الطرف الثالث الذي يعبث بأمننا الوطني، تحية تعظيم لها من شرطة! ولا نامت أعين العملاء، المرجفون والخونة.
هي لله.. هي لله.. هي لله.. هييي هيييي……
