محمد فضل علي

بعد ثلاثين عام واكثر من الحشد والتعبئة الدينية والعقائدية وعسكرة الدولة والمجتمع في السودان في الفترة مابين الثلاثين من يونيو 1989 وحتي يومنا هذا خرج الناس بخفي حنين وخسروا الدين والدنيا معا في واقع لايزال الناس يسددون ثمنه من دماء وارواح عزيزة وغالية اهدرت ولاتزال ساقية الموت والدم تدور حتي هذه اللحظة …
نموذج الحكم الديني الذي اقامه الاخوان في السودان يخالف اول ما يخالف شرائع الاسلام ويتصادم بقوة مع مقاصد الدين الاسلامي نفسه بالنظر الي نتائجه الواضحة والملموسة علي الارض وفي واقع الناس وكل ماجري خلال تلك السنين العجاف من حكم الاخوان في السودان من واقع عبثي مدمر جعل الناس تهاجر من البلاد بطريقة غير مسبوقة منذ اليوم الذي ظهر فيه السودان الي الوجود وحتي يومنا هذا .
والثابت في تاريخ الدولة السودانية ان الناس لم تهاجر بمثل هذه الطريقة من الهروب المليوني الجماعي طيلة فترة الاستبداد التركي العثماني واستباحته للديار وحرمات الناس ومحاولاته اهانة السودانيين التي انتهت بحريق الباشا الشهير وخروج المك نمر من شندي مكتفيا برد فعله المهيب ومصرع الباشا الدخيل لعدم قدرته مواجهة جيوشهم وحملاتهم الانتقامية المدججة وتجنبا لوضع اهله وعشيرته وامثاله من المقاومين السودانيين لاستبداد العثمانية التركية في مواجهة غير متكافئة وخروجه وفي معيته نفر قليل من بني قومه في هجرته التي لم يعود بعدها مرة اخري الي الوطن حتي وفاته في احد دول الجوار .
ولم يهاجر الناس من السودان بعد تلك الواقعة ولا بعد عودة الاحتلال الانجليزي الدامية وحملاته الانتقامية ومشانقه التي نصبها لرموز المقاومة السودانية …
ولكن الشاهد ان الناس قد هاجرت من سودان المتاسلمين بالملايين هربا من جحيم وظلم الخمينية الاخوانية ومن الغلاء والشقاء وتعذر الحصول علي لقمة العيش في حدها الادني ناهيك عن مجانية الصحة والعلاج والتعليم التي ذهبت بلارجعة وهي التي كانت متاحة خلال كل سنين الاحتلال والحكم الانجليزي في البلاد وخلال مراحل الحكم الوطني مدنية وعسكرية في مرافق اشبه بخلايا النحل في التعليم والمستشفيات الفاخرة التي كانت تعمل علي مدار الاربعة وعشرين ساعة ولم يحدث خروج علي النص في التزام الدولة السودانية تجاه رعاياها حتي في الاصقاع النائية وخلال سنين الحرب الاهلية الدامية في الجنوب السابق الذي كانت فيه بقية من حياة في مدنه الكبري التي كانت تستقبل قطارات السكة حديد في رحلات شبه يومية بين الجنوب والشمال .
ولكن كل ذلك ذهب ادراج الرياح بعد حكم الاخوان للسودان ووصلت هجرات الهاربين من جحيم الاخوان الي اسرائيل لاول مرة في تاريخ السودان ..
وهاجر الناس من السودان حتي ماتوا في الصحاري الموحشة ولاقي بعضهم حتفه في البحار غرقا اثناء محاولات الهروب بعد ان اختاروا المغامرة بحياتهم دون البقاء في سودان الاخوان ..
فهل يعقل ان يهرب الناس من الاسلام اذا جاز التعبير كما يزعم هولاء المنافقين بالترويج لحكم القرأن علي اسنة الرماح واتهام كل من يعارض او يرفض نموذجهم في الحكم بمعاداة الاسلام والعمالة المزعومة للسفارات الاجنبية ..
وقد اصبحوا اليوم يخرجون في تظاهرات هزيلة ومعزولة علي الرغم من الجهد المبذول في عملية الحشد و التعبئة اعتمادا علي مقاولي الانفار وعلي ثلة من العصابيين ومغسولي الادمغة ومن عجب انهم يستنجدون بصنائعهم من جنرالات الموساد البرهان ومن معه للحماية من العملاء المزعومين للسفارات …
لم يحدث اختراق مهين للدولة السودانية كما حدث في الفترة التي اعقبت سقوط النظام وخلال فترة الشراكة التي انقلبوا عليها عندما دخل رئيس جهاز الموساد الي مكتب وزير الدفاع البرهاني وتبادلوا الهدايا والقبلات علي الرغم من الاهانة واصرار الوفود الامنية الاسرائيلية علي التزام الحذر والبقاء علي حالة استعداد اثناء رحلتهم الاستطلاعية لمعرفة حقيقة ماحدث في السودان من تحولات درامية واسباب الاندفاع المفاجئ نحو الدولة العبرية وذلك اثناء تجوالهم في مباني وزراة دفاع البرهان علي الرغم من الاهانة وتفتيش حتي الهدايا التي قدموها لقيادة الاستخبارات العبرية …
وبعد كل ذلك تاتي قيادة الظل لماتعرف باسم الحركة الاسلامية لتدفع بثلة من المشعوذين وبعض المستاجرين الي شوارع وطرقات الخرطوم ويقومون باتهام اجماع الامة السودانية بالعمالة للسفارات الاجنبية بطريقة مسرحية ومحاولة مستحيلة لاستنساح مشاهد الثورات والانتفاضات السودانية التي لم تتوقف منذ اليوم الاول لمشروع الردة وتحالف الاخوان وجنرالات الموساد حتي يومنا هذا بطريقة عبقرية ملهمة قوامها ووقودها العمل الطوعي والجماعي الغير مدفوع الاجر في عمل يتحدي الانتهازية والعنصرية والقبلية النابحة واساليب الاستمالة المدفوعة الاجر عبر توفير الميزانيات المفتوحة والرشاوي السياسية ..
الدراجات النارية المصاحبة للتظاهرات المليونية التي يحاولون تجريمها وتحريمها والتشكيك فيها كانت وستزال عمل طوعي وابتكار سوداني خالص لاستخدام تلك الدراجات لتعويض الغياب الرسمي في اسعاف الجرحي ومحاولة انقاذ مايمكن انقاذه من الذين سقطوا برصاص الميليشيات التي ترتدي ازياء الشرطة السودانية…
تظاهرات الفلول المعزولة والهزيلة لاتاثير لها وسط اتجاهات الراي العام والاغلبية الشعبية في السودان وستبقي معزولة الي حين وحتي اشعار اخر تتوفر فيه الظروف المناسبة للعدالة والمحاسبة بالطريقة التي تتناسب مع هذا العدوان الذي يفوق كل حدود العقل والتصور علي الدولة والانسان السوداني بواسطة هولاء المتاسلمين ولكن ومع كل ذلك فهذا التطور يمثل محاولة واضحة لتدشين عهد جديد وتكريس تحالف اخواني مع جنرالات الموساد الذين احتار بهم الدليل مالم يحدث امر وتطور اخر غير محسوب في مجريات الامور والايام القادمة في السودان .
علي الرغم من مواكبهم الهزيلة وجموعهم المعزولة عن الشارع السوداني ولكن ما حدث في الخرطوم اليوم من هتافات جهادية تحريضية وانتهاك واضح لشرعية الثورة والانتفاضة الشعبية واصرار علي اعادة سيرتهم الاولي في عسكرة الدولة والمجتمع وممارسة القمع والارهاب رغم انف الامة والشعب السوداني الذي اسقط نظامهم بواسطة واحدة من اعظم الثورات الشعبية في عالمنا المعاصر لكل ذلك الامر يحتاج الي رد فعل يتناسب مع ما جري من بلطجة وتحدي للقوانين والشرعية عندما يصبح ذلك ممكنا .
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
” ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍۢ مُّعْرِضُونَ”
صدق الله العظيم .