توُفّي مساء السبت أكثر من 150 شخصاً، إثر حادثة تدافع مروّعة بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول، خلال الاحتفالات بـ"الهالوين".

وتحولت منطقة إيتايون، التي استقبلت منذ بداية اليوم عشرات آلاف الزائرين لإحياء هذا الاحتفال، إلى ساحة مغطاة بالدماء والجثث، في مشهد مفزع أثار ضجة كبيرة على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وفيما تواصل فرق الإنقاذ عملها، وسط توقعات بارتفاع حصيلة الضحايا خلال الساعات القادمة، يناقش مختصون ومحللون الأسباب الحقيقية للحادثة، التي لا تُعَدّ فريدة من نوعها، لأن المناسبات التي تجمع عدداً كبيراً من الناس، سواء كوريا الجنوبية وغيرها من البلدان، ودون منظمين أو مشرفين، غالباً ما تنتهي بكارثة حقيقية.

"كأنه يوم الحشر"

يروي شهود عيان في حديثهم لمحطات إعلامية، تفاصيل الليلة المروعة التي عاشتها منطقة إيتايون، التي انتهت بجثث مغطاة بألحفة على الأرض، وعشرات المصابين الذين ينازعون الحياة.

فبعد انقضاء فترة الوباء وإلغاء قيد ارتداء الأقنعة، كان آلاف الكوريين متحمسين للاحتفال بالهالوين، أو ما يطلق عليه "أعياد الموتى"، في أزقة إيتايون التي اشتهرت بحياتها الليلية الصاخبة وكثرة مطاعمها وحاناتها.

وعلى غير المتوقع توافد مساء السبت إلى شارع المنطقة شديد الانحدار الذي لا يتجاوز عرضه أربعة أمتار، أكثر من 100 ألف شخص. وأصبح التحرك أو التقدم تدريجياً بمثابة الأمر المستحيل. ولم يكن بالمكان أي فريق لتنظيم وإدارة الحشود، لتنطلق بعد ساعات قليلة من التدافع، صيحات الاستغاثة.

وفي حديثه عن الواقعة، قال أحد الذين كانوا هناك وقتها: "شعرت حقّاً بأنني سوف أُسحَق حتى الموت، تنفست في حفرة وبكيت وظننت أنني أموت".

وتقول السلطات والجهات المختصة، في تصريحات أولية واستناداً إلى معاينتها بعض مقاطع الفيديو، إن الحشود بدأت الانهيار تدريجياً، خلال التقاء الجماهير عند تقاطعات بعض الأزقة الضيقة، لا سيما تلك المؤدية إلى شارع فندق هاميلتون، والمؤدية إلى محطة المترو.

وبسبب تَعرُّضهم للضغط، أو الإغماء نتيجة إصابة أحدى الأطراف أو الإصابة بالهلع، توُفّي في تلك الليلة أكثر من 150 شخصاً أغلبهم من الإناث والمراهقين، وأصيب نحو 82 آخرين، بعضهم في حالة حرجة.

وأظهرت الصور لاحقاً ومقاطع بثّتها محطات إعلامية وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الجثث المغطاة على الأرصفة وفي الطرقات، ليتحول المهرجان إلى مأساة حقيقية.

وقرّر الرئيس يون سوك إثر ذلك إعلان الحداد العامّ بالبلاد الأحد، وقال إن "هذا أمر مأساوي حقّاً، مأساة وكارثة ما كان ينبغي أن تحدث في قلب سيول الليلة الماضية".

"سقوط الدومينو"

سلطت حادثة سيول الأكثر دموية في تاريخ كوريا الجنوبية، الأضواء مجدداً على حوادث التدافع المميته والمتكررة حول العالم. ولطالما ضجّت الصحف العالمية بحوادث مماثلة، لا سيما التي تحدث في مدرجات الملاعب وفي أثناء الاحتفالات الموسيقية، لكن يبدو أن واقعة سيول كانت الأكثر دموية، واسترعت الانتباه أكثر.

في هذا السياق يقول كيث ستيل، خبير سلامة الحشود وأستاذ علوم الحشود الزائر بجامعة سوفولك في إنجلترا :"يحدث الانهيار أو الاندفاع عندما يتجمع الناس في مكان ضيق تحدث به حركة مثل الدفع تتسبب في سقوط الحشد، في ما يُسمَّى تأثير الدومينو".

وأوضح ستيل: "كلما زاد عدد الأشخاص في الحشد زادت قوة اندفاعه، وإذا كنت في مكان ضيق فلن يتمكن الناس من النهوض مرة أخرى، إذا حدث أي انهيار بالحشد".

وأضاف في السياق ذاته:"الضغط من أعلى وأسفل الناس في الحشد يصعّب التنفس، لأن رئات الناس بحاجة إلى مساحة للتوسع، الأمر يستغرق نحو ست دقائق للخوض في حالة الاختناق، وهو السبب المحتمَل لوفاة الأشخاص الذين قُتلوا في حادثة سيول مثلاً".

من جانبه قال نورمان بادلر، الأستاذ في جامعة بنسلفانيا الذي أجرى أبحاثاً عن ضغط الحشود: "زيادة التجمعات الجماهيرية تؤكد الحاجة إلى التدريب على إدارة الحشود، التي تقلصت عندما تَفشَّى الوباء لأن الأحداث الكبيرة أصبحت حينها غير شائعة".

وفي تعليقه على حادثة الهالوين في سول، قال مهدي موسيد الباحث في سلوك الجماهير بمعهد ماكس بلانك للتنمية البشرية في برلين: "عند التجمع الكثيف للناس، ليس من المستغرب أن يبدأ عدد قليل الإغماء، لأنهم في مكان ضيق جدّاً ولا يستطيعون التنفس، وإذا استمر هذا فلن يكون لدى جميع الأشخاص في تلك المنطقة ما يكفي من الأكسيجين، حتى بعد إغمائهم، وسيموتون واحداً تلو آخر".

ويحذّر محللون ومختصون من أن هذه الحوادث قد تستمرّ أكثر مأساوية ودموية، إذا استمر غياب التنظيم وإدارة الحشود.

TRT عربي