البابا فرنسيس يلتقي شباب مملكة البحرين


في إطار زيارته الرسولية إلى البحرين، التقى البابا فرنسيس الشباب في مدرسة القلب الأقدس، معانقة ثقافة الرعاية، بذر الأخوّة، والاختيار عبر الاستماع إلى صوت الله. هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس بعد ظهر السبت الشباب خلال لقائه بهم في مدرسة القلب الأقدس الكاثوليكية.

عودنا البابا فرنسيس التأكيد على ضرورة الاهتمام بالشباب كما وأظهر دائما اهتمامه بهم. وكان من الطبيعي أن يتضمن برنامج زيارة قداسته الرسولية إلى البحرين لقاءً مع الشباب نُظم بعد ظهر أمس السبت في مدرسة القلب الأقدس في عوالي.

وعقب استماعه إلى كلمة ترحيب من الراهبة الأخت روزالين توماس مديرة المدرسة ثم إلى شهادات بعض الشباب وجه قداسة البابا كلمة أعرب في بدايتها عن شكره لمديرة المدرسة على ترحيبها وعملها وللشباب على حضورهم وحماسهم، مشيرا إلى كونهم من دول مختلفة.

وتابع معربا عن سعادته لرؤيته في البحرين مكان لقاء وحوار ثم برؤيته هؤلاء الشباب الذين ورغم اختلاف دياناتهم لا يخشون أن يكونوا معا، وأضاف: “أعتقد أن بدونكم لن يكون هناك هذا التعايش في التنوع ولن يكون له مستقبل”. شدد البابا فرنسيس بعد ذلك على حاجة الأطر المعقدة التي نعيش فيها إلى عدم تخوف الشباب من النقاش والحوار ورفع أصواتهم والاختلاط بالآخرين، وذلك كي يصبحوا الأساس لمجتمع يتسم بالصداقة والتضامن.

هذا وأراد قداسة البابا وانطلاقا من شهادات الشباب أن يوجه إليهم ثلاث دعوات. الأولى هي معانقة ثقافة الرعاية، وقال إن الرعاية تعني التمتع بتعاطف داخلي ونظرة متنبهة تجعلنا نخرج من ذاتنا، ويخلق حضورا لطيفا يهزم اللامبالاة ويدفعنا إلى الاهتمام بالآخرين. ووصف قداسته هذا بترياق ضد عالم منغلق تطبعه الفردانية يلتهم أبناءه ويتسم بحزن يولد اللامبالاة والوحدة. وذكَّر البابا فرنسيس هنا باهتمام يسوع بالعلاقة مع جميع مَن التقاهم وإصغائه إلى طلبهم المساعدة، اقترابه ولمسه جراحهم بيديه.

وأضاف قداسته أن يسوع جاء ليخبرنا أن الله العلي يعتني بنا، وليُذكرنا بضرورة أن نعتني بأحد ما وخاصة بمن هم أكثر ضعفا. كم هو جميل أن نكون زارعي رعاية وفناني علاقات، قال البابا مشيرا إلى أن هذا يتطلب تدريبا متواصلا. وشدد على ضرورة رعاية الذات في البداية، لا خارجيا بالمظهر بل داخليا، بالروح، بأكثر ما هو خفي وثمين فينا.

كما ودعا إلى العناية بالقلب من خلال الإصغاء في صمت، ثم التحدث في إيقاع الصمت هذا إلى الله. وتابع أنه ما من صلاة بدون علاقة وما من فرح بدون محبة. وتحدث بالتالي عن المحبة فقال إنها تعني الاهتمام بالآخر والعناية به وتقديم أوقاتنا ومواهبنا لمن يحتاج. وحث الأب الأقدس الشباب على أن يتذكروا دائما أن كلا منهم هو كنز فريد وثمين، وبالتالي: لا تحتفظوا بالحياة في خزنة، قال البابا.

كانت الدعوة الثانية التي وجهها قداسة البابا فرنسيس إلى الشباب هي أن يكونوا زارعي أخوَة لأن هذا سيجعلهم حاصدي مستقبل. وذكّر في هذا السياق بما جاء في رسالة القديس يوحنا الأولى: “الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه. إِلَيكُمُ الوَصِيَّةَ الَّتي أَخَذْناها عنه: مَن أَحَبَّ اللهَ فلْيُحِبَّ أَخاه أَيضًا”.

يطلب منا يسوع، قال البابا فرنسيس، ألا نفصل أبدا بين محبة الله ومحبة القريب، أن نصبح نحن أنفسنا قريبين من الجميع لا فقط لمن نستلطفه.

وشدد قداسته على أن العيش كأخوة وأخوات دعوة موجهة إلى الجميع، وأضاف أن الشباب بشكل خاص مدعوون إلى “الرد بحلم جديد من الأخوّة والصداقة الاجتماعية، لا يقتصر على الكلام”. وواصل الأب الأقدس داعيا الشباب إلى التساؤل: هل أنا منفتح على الآخرين، هل أنا صديق لمن ليس دائرة اهتماماتي ولديه إيمان أو عادات مختلفة؟ هل أسعى إلى اللقاء أم أظل منعزلا؟ وأضاف قداسته أن الإجابة قد ذكرتها فتاة قدمت شهادتها في البداية، ألا وهو إنشاء علاقات جيدة مع الجميع.

ودعا البابا في هذا السياق الفتية والشباب إلى أن يسافروا في داخلهم ويوسعوا حدودهم الداخلية، كما وأشار إلى ضرورة أن يَدَعوا الصلاة تساعدهم، وذلك لأنها توسع القلوب وتفتح على اللقاء مع الله، وشدد على ضرورة أن نرى في من نلتقي به أخا وأختا. وذكّر الأب الأقدس في هذا السياق بكلمات النبي ملاخي: “أليس إله واحد خلقنا؟ فلِم يغدر الواحد بأخيه؟”.

ثم جاءت الدعوة الثالثة التي وجهها قداسة البابا فرنسيس إلى الشباب وتتعلق بتحدي اتخاذ الخيارات. وأشار قداسته إلى أن علينا أن نختار ونلتزم ونخاطر ونقرر، ولكن لا يمكن للقيام بهذا أن نرتجل ونعيش بحسب الغريزة فقط. وتابع البابا ناصحا الشباب بالسير قدما بدون خوف ولكن لا بمفردهم أبدا، وذكَّر بأن الله لن يتركهم، ولكي يأخذ بيدهم ينتظر منهم أن يطلبوا ذلك.

ثم تحدث عن كيفية تمييز صوت الله الذي يرافقنا فقال إن هذا يتم عبر الصلاة الصامتة والحوار الشخصي مع الله. ثم أكد قداسته للشباب أن الرب يسوع يريد أن ينير قلوبهم وأفكارهم الأكثر خصوصية وما يحملون في قلوبهم من تطلعاته وما ينضح داخلهم من أحكام.

وقال البابا: “يريد أن يساعدكم لتميزوا بين ما هو أساسي وما هو غير ضروري، بين ما هو جيد وما يؤذيكم ويؤذي الآخرين، بين ما هو صحيح وما يولِّد الظلم والاضطراب.لا شيء غريب على الله من كل ما يحدث فينا، لكننا غالبا نبتعد عنه ولا نوكل إليه الأشخاص والأوضاع وننغلق على أنفسنا في الخوف والخجل. لنُغذِّ في الصلاة اليقين المعزي بأن الرب يسوع يسهر علينا وأنه لا ينام بل ينظر إلينا ويحرسنا دائما”.

وفي سياق متصل، وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة لشباب البحرين: الكنيسة معكم وهي بحاجة ماسّة لكلّ واحدٍ منكم، لكي تستعيد شبابها، وتكتشف دروبًا جديدة
لقاء البابا فرنسيس مع الشباب في مملكة البحرين شهادات الحياة وتشجيع الأب الأقدس.

عصر السبت توجّه قداسة البابا فرنسيس إلى مدرسة القلب الأقدس في البحرين وهي مدرسة كاثوليكية تأسست بالقرب من كنيسة القلب الأقدس في منامة وكان في استقباله مديرة المدرسة الأخت روزيلين توماس مع بعض الأساتذة ثم توجّهوا جميعًا إلى القاعة الرياضية في المدرسة حيث كان بانتظار الأب الأقدس حوالي ثماني مائة شاب وشابة حيث وجّهت الأخت روزيلين كلمة رحّبت بها بالأب الأقدس معبرة عن الإعجاب والتقدير لخدمته المتواضعة كمرشد محبٍّ نحو السلام والتناغم والخطوات الشجاعة التي قام بها في هذا الاتجاه وقالت إن مدرسة القلب الأقدس هي رمز مصغر للتعايش السلمي وثقافة الرعاية. لدينا طلاب وموظفون من ٢٩ جنسية وثقافة ولغات وخلفيات دينية مختلفة، ومن المؤكد أن وجودكم معنا سيزيد من الوعي بتنوعنا الثقافي ومعتقداتنا المشتركة، بالإضافة إلى التزامنا بتأسيس مجتمع نابض بالحياة ومحترم للأجيال الحاضرة والمستقبلية. وخلصت إلى القول أيها الأب الأقدس إن الوجوه المبتسمة للشباب الحاضرين هنا اليوم تعبر عن فرحهم برؤيتكم شخصيًا. إن كلماتكم ستقويهم لكي يكونوا الرجاء في مستقبل منير لعالمنا، حيث سيكونون مواطنين فاعلين يجتهدون لكي يجعلوا عالمنا مكانًا أفضل.

وبعد نشيد ورقصة تقليدية قدّم ثلاثة من الشباب شهادة حياة فتحدث أولاً شاب مسلم الملازم عبد الله عطية، طالب سابق في هذه المدرسة وعضو في الحرس الملكي البحريني وقال نشأت في عائلة مسلمة ودرستُ في هذه المدرسة، وهي مؤسسة كاثوليكية.
بنشأتي في البحرين ودراستي في هذه المدرسة المرموقة، أتيحت لي الفرصة للاحتفال ليس فقط بالعيد؛ وإنما احتفلت أيضًا بعيد الميلاد والديوالي والعديد من الأعياد الأخرى التي تدفئ القلب. خلال الأعياد كان الأشخاص والطلاب من مختلف الأديان والخلفيات يحتفلون معًا. لم يكن هناك تمييز إذا شارك أحدهم في سعادة الآخر.
وقد أثبتت مدرسة القلب الأقدس أنها مثال ممتاز للوحدة والاحترام المتبادل. كشخص بالغ، شاركت في عمليات عسكرية وضعتني في اتصال مع أديان لم أكن أعرف بوجودها.
هناك العديد من الديانات في مملكة البحرين مثل الإسلام والمسيحية والهندوسية والسيخ والبوذية واليهودية. قد لا يتبع كل هذه الأديان عدد متساوٍ من الأشخاص، لكنهم جميعًا يُحترمون على قدم المساواة.

ويعود هذا إلى مبدأ “الوحدة في التنوع”، والذي يُعدُّ سمة أساسية لمملكتنا الجميلة والتي تربط الجميع معًا للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة. إنَ “الوحدة في التنوع” هي السبب الرئيسي لنمو وتطور بلدنا الجميل. لنبقى جميعًا معًا كفريق البحرين. نحن محظوظون ومباركون أن لدينا ملكًا متواضعًا ولطيفًا، صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي هو في المحور ويجمع جميع الأديان والجنسيات هنا.

بعدها تحدّثت فتاة كاثوليكية نيفين فارغيز فرنانديز وقالت إنَّ العيش ككاثوليك في بلد ذات أغلبية مسلمة هو فرحة لنا لأننا محاطون بأناس مؤمنين يشاركوننا القيم عينها وقد أعطتنا الكنيسة أساسًا جيدًا، قبل السفر إلى الخارج لمواصلة دراستنا.

وأضافت أن الجميع ينظرون إلى الشباب لكي ينالوا الفرح والطاقة والتشجيع، لكن أن يكون المرء شابًا كاثوليكيًا في عالم اليوم يتطلب أيضًا الكثير من الصلاة والتضحية لأنه من السهل أن يقع في التجربة وأن ينجذب إلى الحياة الدنيوية. لذلك من المهم إقامة علاقات جيدة وسليمة من أجل الاصغاء إلى الآخرين والاجابة بطريقة سليمة مقدّمين هكذا شهادة لكنيسة منفتحة على الجميع.

وخلصت إلى القول أيها الأب الأقدس، إن حضوركم بيننا يمنحنا القوة ويشجعنا في هويتنا الكاثوليكية. نريد أن نكون أبناء للكنيسة تحت إرشادكم ونحن نفتخر بقدرتنا على عيش إيماننا بدون خوف.

أما الشهادة الأخيرة فكانت لميرينا جوزيف موتا من رعية القلب الأقدس الذي تحدّث عن خبرته الإيمانية كشخص نال درجة القارئ في الكنيسة ويعلن كلمة الله وعضو في جوقة الرعية ينشد أناشيد حول الله ومخلوقاته ألهمت مراحل كثيرة من حياته وعززت إيمانه وقال إنَّ الإيمان هو أمر غير مرئي لكنه محسوس، الإيمان هو قوة عندما نشعر بالضعف، الإيمان هو الرجاء عندما يبدو أنَّ كل شيء قد ضاع. وبالتالي إذا كنت تؤمن بالله وتؤمن بنفسك، فإن كل شيء آخر سيأخذ مكانه.

إذا كان لدينا إيمان بقدراتنا، وعملنا بجد، فلا يوجد شيء لا يمكننا أن نحققه. وخلص موجّهًا ثلاثة أسئلة للأب الأقدس الأول حول النصيحة التي يمكنه أن يعطيهم إياها انطلاقًا من خبرته كمراهق والثاني حول كيف يمكننا أن نتواصل مع الله من خلال صلاة صامتة والثالث حول إن كان يعتقد أن قناعاتهم ثابتة يمكنها أن تساعدهم لمحاربة المشاكل الاجتماعية.

بعد شهادات الحياة توجّه الأب الاقدس للشباب قائلاً أَسعَدَنِي أنّني رأيت في مملكة البحرين مكان لقاء وحوار بين ثقافاتٍ ومعتقداتٍ مختلفة. والآن، وأنا أنظر إليكم، وأنتم لستم من ديانة واحدة، ولا تخافون أن تكونوا معًا، أفكّر أنّه من دونكم، هذا العيش معًا بين الاختلافات، لن يكون ممكنًا. أنتم الخميرة الجيّدة والمقدّر لها أن تنمو، وتتغلّب على الحواجز الاجتماعيّة والثقافيّة العديدة، وتعزّز براعم الأخوّة وكلّ ما هو جديد.

وحث الأب الأقدس الشباب قائلاً عززوا الأخوّة، وستحصدون أنتم المستقبل، لأنّ العالم سيكون له مستقبل فقط في الأخوّة! أيّها الشّباب الأعزّاء، نحن بحاجة إليكم، وإلى إبداعكم، وأحلامكم وشجاعتكم، ولطفكم وابتساماتكم، وفرحكم المُعدي، وكذلك إلى القليل من الجنون الذي تعرفون كيف تُدخلونه في كلّ ظرف، والذي يساعد على الخروج من سُباتِ العادات والأنماط المتكرّرة التي نبوِّب فيها أحيانًا حياتنا.

كأب أقدس أريد أن أقول لكم: إنَّ الكنيسة معكم وهي بحاجة ماسّة لكم، ولكلّ واحدٍ منكم، لكي تستعيد شبابها، وتكتشف دروبًا جديدة، وتختبر لغات جديدة، وتزداد فرحًا وضيافة. لا تفقدوا أبدًا الشّجاعة بأن تحلموا وتعيشوا بمنظور واسع! تبنّوا ثقافة الرّعاية وانشروها، وصيروا أبطالًا في الأخوّة، وواجهوا تحدّيات الحياة، واسمحوا بأن يوجّهكم إبداع الله الأمين، أذكروني في صلواتكم. وأنا سأصلّي من أجلكم، وسأحملكم في قلبي.

تاريخ الخبر: 2022-11-06 15:21:32
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية