لطالما أثارت الإنجازات التي تحقّقها البلاد العربية أو تسعى لتحقيقها استغراب العالم، وذلك على اعتبار أننا دول مصنفة عالماً ثالثاً وأننا غير قادرين على تحقيق أي إنجاز في العموم، فكيف إذاً في مجال عالمي تنتظره دول العالم من مشرقه إلى مغربه ومن أقصاه إلى أدناه كل سنوات أربع.

عبر أعوام طويلة كانت تظاهرة كأس العالم ظاهرة اقتصادية بقدر ما هي رياضية، وحدث كبير يجذب عالم الأعمال والمال ويجعله متجهاً نحوها بشدة، علاوة على أنها تصبح وجهة للأفراد الباحثين عن تغيير بما قد توفره من فرص عمل وفرص اقتصادية، فتكون بذلك مناسبة للتنافس لتقديم أفضل العروض الفنية والاستثمارية.

ربما يربطنا العالم بقصص التخلف والرجعية والصراعات المتكررة غير ذات الجدوى، وربما يستكثرون على شعوب مثلنا التفوق، وقد يوافقهم في ذلك الرأي كثيرون، لأننا مهما حلمنا بتحقيق الإنجازات نبقى مرهونين بشكل أو بآخر لأجندات عالمية لا تجعلنا أسياداً لقراراتنا.

عُرفت منطقة الشرق الأوسط بأنها منطقة للصراعات عموماً، لذا وُوجِهتْ أول محاولة لدولة عربية للحصول على فرصة تنظيم كأس العالم بهجوم لاذع ورفض كبير، وأصبح فوزها مدعاة للشك والتأويل، وهذا ما حصل بالفعل منذ حسم نتائج الاقتراع لصالحها، إذ لم تسلم قطر من الانتقاد والاتهام المستمرَّين بتزوير النتائج أو تقديم الرشوة وكثير من الادعاءات التي تنال من أحقيتها في الفوز به.

جرت مراسم الاختيار للملفّ الفائز في مدينة زيورخ السويسرية في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 2010، في سباق ضمّ مجموعة من الملفات لدول ذات سمعة كبيرة في عالم كرة القدم وتنظيم الملفات، منها الولايات المتحدة الأمريكية التي سبق لها تنظيم كأس العالم في عام 1994.

غير أن ذلك ليس مجال بحثنا اليوم، فالفكرة الأكثر أهمية تصبّ في حالة استنكار عامة لا تهدف إلى النيل من البلد المضيف للفاعليات فحسب، بل تستمر في توجيه إهاناتها للبلاد العربية أجمع، إذ لا تكاد تخلو مناسبة من ربط البلاد العربية بالتعصب واتهام شعوبها بالإرهاب إضافة إلى وصمنا بأننا شعوب خانعة ودول دكتاتورية لا تعنينا مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ربما نعاني شعوبٌ ومجتمعات من مشكلات جمّة جعلتنا نكون في نهاية الركب العالمي، غير أن السياق الذي أتى فيه رفض تنظيم قطر لكأس العالم اليوم، لم يكن نابعاً من انتقاد موضوعي قد تتعرض له أي دولة أو أي جهة منظمة، بقدر ما يبدو أنه محاولة لتعميم الفوضى وخلق بلبلة لا علاقة لها بمشكلات تنظيمية، بهدف إحداث تشويش متعمد على الفاعليات ومحاولة إبراز الجوانب السلبية والتركيز عليها أو تداول حكايات وأقاويل وإشاعات دون التأكد من مصداقيتها.

في هذا السياق وجهت نانسي فيزر، وزيرة الداخلية الألمانية، انتقادات حادَّة إلى قرار منح قطر حقّ استضافة كأس العالم 2022، وقالت فيزر المسؤولة أيضاً عن ملف الرياضة في ألمانيا في مقابلة مع شبكة "إيه آر دي": "بالنسبة إلينا كحكومة ألمانيا، فإن حقّ الاستضافة هذا خادع للغاية"، مضيفة أنه "يجب عدم منح مثل هذه الدول حق الاستضافة"، دون أن توضح المعنى المقصود من العبارة الأخيرة، كما أفردت الصحف البريطانية زوايا يومية وخاصة من أجل انتقاد استضافة دولة عربية لهذا الحدث العالمي والادعاء أن ذلك سيكون أكبر من استيعابها أو طاقتها، وأننا لا نستحقه كشعوب رجعية وحكومات مستبدة، ولم تتوانَ الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية عن الدعوة إلى مقاطعة حضور كأس العالم للأسباب ذاتها المذكورة آنفاً.

يعلّل محللون هذا الموقف الحادّ من الاستضافة العربية للحدث العالمي، بأن الدول العربية لا تعطي حقوق الإنسان أهمية كبيرة، كما أنها من الدول المحافِظة التي لن تكون على سوية جيدة للتعامل مع الجمهور القادم من دول وثقافات مختلفة لحضور فاعليات الحدث الاستثنائي، غير أن ذلك يمكن الردّ عليه بأكثر من طريقة، ولكن من الممكن اختصار ذلك بنقطتين أساسيتين:

من ناحية المبدأ يجب أن يكون الانتقاد محلّ قبول وترحيب لتصحيح الأخطاء وتصويبها، غير أنه يصبح محلّ تأويل في حال خرج من جهات متهمة بالعنصرية وازدواجية المعايير في التعامل مع الملفات السياسية، أو من دول لها تاريخ استعماري طويل فيه من المجازر ما يكفي للقول بأن هذه الدول لم تراعِ حقوق الإنسان أو أنها تفرّق بين الإنسان والآخر حسب بلد الولادة في خضمّ حديثها المصطنَع عن تلك الحقوق.

الناحية الثانية تتعلق بما منحهم حجة واسعة في انتقاد تنظيم الحدث وادعاء التدخل في الحريات الشخصية، وهي سلسلة المحاذير التي أوصت بها الدولة المنظمة من ناحية شرب الكحول واحترام خصوصية وتقاليد الدولة المضيفة، إذ عدّ المنتقدون ذلك تعدِّياً على الخصوصية، وفي هذا المأخذ أيضاً ما يدل على فوقية وتعالٍ من دول الغرب، ذلك أن الجاليات العربية التي كانت تذهب لحضور تلك الفاعليات في أي دولة كانت تلتزم قانون تلك الدولة ولا تحاول فرض طابعها وعاداتها عليها، لكن ذلك يصبح مريباً ومزعجاً في نظرهم حين يتحتم على الحاضرين من دول أوروبا التزام قوانين دولة عربية، لها الحق في فرض قوانينها على أراضيها ورفض النيل من طابعها الحضاري وخصوصيتها الثقافية، أليس في ذلك في حد ذاته أيضاً عدم مساواة وانحيازاً لشعوب ضد أخرى؟

لم يعتَد العالم العربي تنظيم فاعليات عالمية، لذلك من الطبيعي أن تتجه الأنظار اليوم إلى الدولة المنظمة لمعرفة تفاصيل العمل ومحاولة اكتساب الخبرة، لا يحدث ذلك بالطبع بشكل مثالي بل بالوقوع في الأخطاء والتعلم منها، لكن ذلك لا يحدث أيضاً بمحاولة النيل من التنظيم بشكل مسبق أو بتلقُّف الأخطاء وتقويض النجاحات وإظهار حالة من التعالي، بخاصة أننا كشعوب عربية نعتقد أنه لو كان الحدث سيُستضاف في دولة غير عربية لثارت حوله ضجة أو طالته سمعة سيئة.

لا يعنينا في هذه العجالة الدفاع عن شكل أنظمة الحكم في الدول العربية أو الخوض في مشكلاتنا السياسية فهذا شأن آخر له سياقه المنفصل، ويدرك أغلبنا أننا نعاني مشكلات حقيقية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة، إنما تكمن خلاصة ما نود التعبير عنه في رفض حالة التفوق التي يحاول الغرب ممارستها على شعوبنا لتسليط الضوء على عيوبنا لإظهار أنفسهم وبلدانهم على أنهم حامي حمى الإنسان وحقوقه.



TRT عربي