في الفترة بين 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جزيرة بالي من أجل المشاركة باجتماعات قادة قمة العشرين "G20" التي ستُعقد في إندونيسيا هذا العام.

وعلى الرغم من المسافات الجغرافية فإن تركيا تربطها علاقات وثيقة ومتعددة الأبعاد مع إندونيسيا. بسبب العلاقات التاريخية، كانت دائماً بين تركيا وإندونيسيا علاقات تجارية ودبلوماسية وعسكرية ودية تعود بجذورها إلى العهد العثماني وعهد مملكة السلطنة في أتشيه.

ففي النصف الثاني من القرن السادس عشر، أقيمت علاقات رسمية بين البلدين في إطار طلب المساعدة من الإمبراطورية العثمانية ضد الضغوط البرتغالية المتزايدة لسلطنة آتشيه.

وحفاظاً على الإرث الفريد الذي تركه قادة البلدين في القرون الماضية، قال الرئيس التركي في رسالة مرئية بعث بها إلى فاعلية أقامها "شتات آتشيه العالمي" بمناسبة الذكرى السنوية السابعة عشرة لكارثة تسونامي في إقليم آتشيه الإندونيسي، نهاية العام الماضي: "حشدنا مواردنا من أجل إندونيسيا كلما احتاجت إليها، واتخذنا هذا الموقف مرة أخرى بشكل ملموس، بخاصة بعد كارثة تسونامي في 2004".

علاقات متجذرة

في رسالته المرئية إلى الشعب الإندونيسي، أضاف أردوغان: "أسلافنا لم يتركوا طلب المساعدة القادم من سلطان آتشيه علاء الدين دون استجابة (بالقرن 19)، وعهدوا إلينا بإرث فريد". مؤكداً أنه رغم المسافة الكبيرة بين البلدين فإن تركيا لم تترك الشعب الإندونيسي وحيداً في أوقات الشدائد.

وحسب سجلات الحكومة العثمانية الرسمية "ديوان همايون"، وصل في عام 1567 مبعوثا أتشيه (مقاطعة إندونيسية تتمتع بحكم شبه ذاتي على الطرف الشمالي الغربي لجزيرة سومطرة الآن) إلى إسطنبول لطلب المساعدة العسكرية من الإمبراطورية العثمانية، فضلاً عن التحضير لحملة بحرية إلى سومطرة تحت قيادة أتشيه، وفقاً لبيانات القنصلية الإندونيسية بمدينة إسطنبول.

وتأسست العلاقات الدبلوماسية الحديثة بين تركيا وإندونيسيا في عام 1950، وبدأت السفارة التركية نشاطها في العاصمة جاكرتا في 10 أبريل/نيسان 1957، وفقاً لبيانات وزارة الخارجية التركية، التي جاء فيها أيضاً أن الزيادة في الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى منذ عام 2004 نمّت العلاقات وقوّتها.

وارتفعت العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مع إعلان "تركيا-إندونيسيا: شراكة معززة في النظام العالمي الجديد" الموقَّع بين رئيسَي البلدين آنذاك، في عام 2011.

"علاقاتنا الثنائية غنية ومكثفة للغاية"

في الوقت الحاضر، العلاقات بين إندونيسيا وتركيا أقوى بكثير من ذي قبل، وقد تحقق ذلك من خلال الاجتماعات المنتظمة والاتفاقيات الثنائية وتكثيف الاتصالات بين القادة والوزراء خلال العقدين الماضيين. فقبل زيارته الأخيرة لإندونيسيا في صيف عام 2017، زار أردوغان في فبراير/شباط باندا آتشيه، التي كانت منطقة منكوبة بعد كارثة تسونامي عام 2004. في المقابل زار الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو تركيا مرتين: مرة لحضور قمة العشرين في أنطاليا عام 2015، والمرة الثانية في يوليو/تموز 2017.

وفي زيارتها لأنقرة في أبريل/نيسان الماضي، قالت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي: "العلاقة بين تركيا وإندونيسيا قوية للغاية، وأعتقد أنها ستكون أقوى في المستقبل". وأضافت: "علاقاتنا الثنائية غنية ومكثفة للغاية، ونحن نخطط لإطلاق مجلس استراتيجي رفيع المستوى بين إندونيسيا وتركيا".

وعلى الدوام، يؤكد كلا البلدين رغبته القوية في تحسين العلاقات الثنائية من خلال الحفاظ على التعاون العملي في مجالات أوسع وإقامة شراكة تطلعية. وتعهد البلدان بتعميق العلاقات الاقتصادية والنهوض بحجم التجارة من ملياري دولار إلى 10 مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن بناء التآزر بين الاقتصادين العامّ والخاصّ.

وإلى جانب التعاون في منصات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة العشرين، بالإضافة إلى مجموعة الثمانية وميكتا، تتكثف الاتصالات بين شعبي البلدين بشكل ملحوظ، فبينما يقيم نحو 450-500 مواطن تركي في إندونيسيا ونحو 2400 مواطن إندونيسي في تركيا، استفاد أكثر من 1000 طالب إندونيسي من المنح الدراسية الحكومية منذ عام 1992، وفقاً لبيانات وزارة الخارجية التركية.

مساعٍ للنهوض بالتعاون العسكري

إلى جانب المساعي الكبيرة للنهوض بالتعاون التجاري بين تركيا وإندونيسيا، التي تعد أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا المتوقَّع أن تنضمّ إلى أكبر 10 اقتصادات عالمية بحلول عام 2030، يسعى البلدان لتعزيز التعاون العسكري بينهما والنهوض به إلى مستوى أكبر من شراء السلاح والأنظمة وحسب، بل يصل إلى التعاون المشترك في إنتاج وتطوير الأنظمة الدفاعية.

في هذا الصدد دعت مارسودي إلى تعزيز التعاون الدفاعي من خلال اجتماعات 2+2 على مستوى وزارتي الخارجية والدفاع، وأضافت: "كثير من التعاون يمكننا تنفيذه معاً في قطاع الدفاع. نحن جاهزون لذلك، لذلك قررنا خلق منتدى، صيغة يمكن لوزير الخارجية ووزير دفاع البلاد أن يجتمعوا فيها ويناقشوا استراتيجية وسياسة التعاون الدفاعي بين البلدين"، مشيرةً إلى أن إندونيسيا ليس لديها كثير من الاجتماعات 2+2 إلا مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، وأن تركيا ستكون التالية.

تجدر الإشارة إلى أن شركة روكيتسان التركية للصناعات الدفاعية كانت وقعت عدداً من الاتفاقيات على هامش معرض "Indo Defence Expo & Forum 2022" في العاصمة الإندونيسية جاكرتا في بداية الشهر الجاري، كان من ضمنها إجراء أول تصدير لصاروخ "خان" المدفعي إلى إندونيسيا.

في سياق متصل قالت تركيا نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، إن ماليزيا وإندونيسيا عبّرتا عن اهتمامهما البالغ بشراء طائرات مسيرة مسلحة من شركة الدفاع التركية "بايكار"، التي تعتبر من الأفضل في العالم.

TRT عربي