معالجة هادئة لقضية ساخنة: زخارف التكامل على زليج التنافر المغاربي


إعداد: أمين الركراكي

“كسكسنا أم كسكسهم؟ زليجنا أم زليجهم؟ القفطان مغربي أم جزائري؟ هل أصل الراي من وهران أم من وجدة؟ وهل كانت جينات طارق بن زياد وابن خلدون مغربية أم تونسية أم جزائرية؟”.

هكذا، أصبح قدر التراث الحضاري لشمال إفريقيا ألا ينظر إليه إلا بصفته تركة كل ينافح عن حقه الكامل فيها دون إخوته وبقية أفراد عائلته. فكيف أصبحت الذاكرة المشتركة الممتدة لقرون للدول المغاربية مجالا لصراع الملكية الأحادية ضدا على كل معطيات التاريخ والجغرافيا؟ كيف امتدت نار الصراع السياسي لتلاليب الجلاليب والقفاطين وباقي الرموز الثقافية ومكونات الذاكرة المشتركة للمنطقة؟

في الملف التالي الذي ننشر الجزء الأول منه، تستطلع “الأيام” آراء مهتمين وفاعلين يقرأون بهدوء تجليات هذا الصراع بعيدا عن ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي.

في وقت تترقب فيه شعوب العالم إرهاصات نظام عالمي جديد، وتبحث فيه عدد من الأنظمة عن موقع ريادي، وإن لم تستطع أن تصنع من خلاله مجدا لها فتضمن لنفسها على الأقل شروط البقاء، تحت ظلال أزمة غير مسبوقة طالت الماء والغذاء والدواء، إلا هذا المغرب الكبير الذي لم يجد ما يشغل به نفسه سوى مقومات التراث الحضاري المغاربي المشترك لإقحامه في حرب مجانية بلا رأس ولا عقل.

 

الدور على الزليج

 

تحولت وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أسابيع إلى ساحات وغى شهدت معارك ضارية بين الرواد والمؤثرين والعامة، بعدما كشفت شركة أديداس عملاق الألبسة الرياضية عن تصميم جديد لقمصان المنتخب الجزائري يتضمن زخارف زليج قالت في تقديمها إنها استلهمتها من فسيفساء قصر المشور في تلمسان.

إلى جانب اللغط الذي ثار في وسائل الإعلام، لجأت وزارة الثقافة المغربية إلى الطرق القانونية، في ملف تولى تنفيذه المحامي مراد العجوطي الذي راسل الشركة داعيا إياها إلى تصحيح ما اعتبره مغالطة في نسبة الزليج المغربي لغير أهله. بعد أيام من الصمت جاء الرد الرسمي من قبل شركة أديداس، بكلمات مقتضبة أعلنت فيها عن التواصل لحل إيجابي لقضية القمصان، مؤكدة احترامها للشعب المغربي وحرفييه واعتراضها على أي عمل يمس الملكية الفكرية والتاريخية للشعوب.

أديداس اكتفت ببيان قصير لم تعلن فيه عن الخطوات العملية المتخذة في هذا الجانب واكتفت بالإعلان عن التوصل لحل إيجابي للقضية عقب حوار بناء مع وزارة الثقافة المغربية. الطريقة التي صيغ بها البلاغ القصير للشركة الألمانية تثبت ذكاء وخبرة مسؤوليها الإداريين والقانونيين وحرفيتهم العالية، فعلى عكس ما ذهبت إليه أغلب المنشورات بما فيها المواد الصحفية، فإن أديداس لم تعتذر ولم تعترف أصلا بما اعتبره البعض خطأ في حق بلادنا، بل كان البلاغ تلاعبا بالكلمات بطريقة ماكرة لم تنحز لطرف ضد آخر، في محاولة من الشركة للحفاظ على مصالحها التجارية مع كل الأطراف، والخروج من الأزمة بأقل الخسائر بل وربما بأرباح غير متوقعة، نظير الإشهار المجاني لمنتجاتها بدءا بقميص الزليج.

 

تبعات الصراع السياسي

 

يربط الباحث في التاريخ نورالدين الدخيسي الحدث بما يسميه النكسات التي تعرض لها النظام الجزائري في الآونة الأخيرة على المستوى الديبلوماسي، بسبب الانتصارات التي حققها المغرب والمكاسب التي حصدها بسحب مجموعة من الدول اعترافها بالبوليساريو، مما دفع هذا النظام للبحث عن أسلوب ماكر آخر للنيل من الهوية الثقافية للمغرب، بداية بالادعاء أن طارق بن زياد جزائري، وانتهاء بقصة الزليج، مرورا بالكسكس والقفطان وغيرهما، من قبيل السطو على الفن الكناوي في افتتاح الألعاب المتوسطية التي أقيمت الصيف الماضي في وهران.

وفي السياق ذاته، يذهب تحليل محمد جبرون أستاذ التاريخ في حديثه لـ»الأيام» إلى أن «هناك نوعا من المعاكسة التي تميز السلوك الجزائري نحو المغرب في كل القضايا سواء كانت ثقافية أو سياسية أو حقوقية أو اقتصادية. هي واحدة من التداعيات المباشرة للصراع السياسي الذي أخذ أبعادا عسكرية في الصحراء المغربية، بالتالي فهذا مجرد مظهر من مظاهر الصراع الذي طال أمده للأسف الشديد، بل يزداد حدة في بعض الأوقات والظروف. نلاحظ أن وتيرة هذه المعاكسة والتنافس والصراع بدأت في السنتين الأخيرتين بشكل لافت للانتباه وهو نتيجة لهذا الصراع».

 

مخلفات الاستعمار الفرنسي

 

في خضم هذا النقاش تبرز مسألة المشترك والخاص بين الدول المغاربية التي كانت مفتوحة على بعضها البعض على مدار قرون في حين أن مسألة الحدود الراهنة هي حديثة ومرتبطة بمخلفات الاستعمار الفرنسي للمنطقة.

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ محمد جبرون: «يمكنني القول إن الاستعمار الفرنسي نجح في تشتيت شمال إفريقيا وفي جعله مواليا له وفي الوقت نفسه إنشاء دول في المنطقة لم تكن موجودة من قبل من أجل مصالحه الاستراتيجية. ومن ناحية أخرى فالمؤكد أن حركات المقاومة والحركة الوطنية قربت بين الشعوب المغاربية لكن الاستقلال فرق بينها، وهذه مسؤولية تتقاسمها بشكل كبير جدا نخب الاستقلال، فقد كان بالإمكان أن يكون المصير غير المصير لولا أن هذه النخب كانت للأسف الشديد دون مستوى اللحظة التاريخية، وقررت أن تذهب في الاتجاه المعاكس للتاريخ وللحقائق الجغرافية، وهذا نؤدي ثمنه جميعا مما نراه من تفتت وانقسام وضعف يُستغل من قبل الاستعمار القديم/الجديد في الحقيقة».

 

القواسم المشتركة

 

وبقدر امتداد مساحة المغرب الكبير وانفتاحها على محيطها شمالا في اتجاه المتوسط وجنوب في اتجاه إفريقيا وشرقا في اتجاه آسيا العربية، بقدر ما حولت حدود ما بعد المرحلة الاستعمارية دول الشمال الإفريقي إلى كائنات معزولة سياسيا ضدا على كل الوشائج التاريخية والعرقية والدينية، بشكل غير مسبوق.

«في الجوهر، يدافع المغرب عن حقوقه الترابية، فقد عانى من التوسع الجزائري من جهة، ومن جهة أخرى أهم، من التوسع الاستعماري الفرنسي الذي كان على حساب المغرب بالدرجة الأولى، فذلك الاتساع الذي يبدو عليه بطن الجزائر اليوم هو من لحم المغرب وترابه. من الناحية الثقافية، بمختلف مظاهرها من قبيل الزليج أو الجبص أو القفطان، هناك تداخل لأن هذه المنطقة المغاربية لم تكن تعيش في جزر معزولة عن بعضها البعض حتى في علاقتها بالحضارات المتوسطية. وبالرغم من هذا التداخل التاريخي، إلا أن الكل يعلم بأن تطور هذه الفنون والمظاهر الثقافية كان للمغرب فيه قصب السبق متقدما بشكل كبير جدا على غيره» يقول الأستاذ جبرون.

ويقول الدخيسي: «بناء المغرب الكبير من الناحية التاريخية انطلق من المغرب، فالدولة المرابطية والموحدية والمرينية كلها حكمت المغرب الكبير انطلاقا من المغرب الأقصى وكانت نواة الحكم دائما في فاس أو مراكش. كانت هناك بعض القواسم المشتركة الخاصة باللغة والدين والمصير وغيرها لكن الهوية التاريخية الأصيلة كانت انطلاقتها من المغرب الأقصى.

 

خرق الاتفاقيات الدولية

 

مبادرات الجزائر المتتالية للمساس بالتراث المغربي تدخل في نطاق خرق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، كما يقول الباحث نورالدين الدخيسي: «الجزائر خرقت الاتفاقيات الدولية خصوصا اتفاقية اليونيسكو التي صادقت عليها الجزائر بنفسها وهي اتفاقية حماية التراث اللامادي لسنة 2003. والمقصود به مختلف ممارسات وأشكال التعبير التي تتوارثها الجماعات سواء كانت شفوية أو أطعمة أو صناعة تقليدية، مثل الزليج. إن فشل الجزائر في النيل من الوحدة الترابية للمملكة جعلها تبحث عن بعض المنافذ لطمس الهوية الثقافية والتاريخ الأصيل للمغرب والنيل منهما».

 

حمودي: توسيع الخلاف إلى المستوى الثقافي تيه جديد مسيء للشعوب

 

يعتبر إسماعيل حمودي أستاذ العلوم السياسية أن السجال حول الموروث الثقافي الذي تغذيه الخلافات السياسية مفتقر للعقلانية والموضوعية، نظرا لكون الإرث الثقافي المشترك بين الشعبين المغربي والجزائري أعمق من كل السجالات الجارية بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

ويضيف حمودي في تصريح لـ»الأيام» أنه «سبق للملك محمد السادس أن نبه إلى مثل هذه الانحرافات التي تغذي البغضاء والشحناء بين الشعبين، ويبدو أن جهات من الطرفين تشجع عليها دون أن تدرك أن بين الشعبين روابط وصلات تاريخية وثقافية قوية، لن تفلح لا هي ولا غيرها في هدمها أو القفز عليها. المغاربيون أمة عريقة قوامها الانصهار المجتمعي بين الأمازيغ والعرب والأندلسيين، والمشترك الثقافي بينهم عميق كذلك. انظر إلى الكسكس مثلا، تنوعه بين الشعوب الخمسة لا يلغي أبدا أنه أكلة مغاربية، يشترك فيها المغربي والجزائري مثلما يشترك فيها الموريتاني والتونسي والليبي. ولا شك عندي أن هذه المقومات الثقافية والدينية واللغوية هي التي ستنتصر فيها، وليس رغبات هاته المجموعة أو تلك من ذوي المصالح السياسية قصيرة النظر».

ويعتبر حمودي استمرار بعض الجهات في استثمار مثل هذه الانحرافات وتغذيتها نابعا من توهمها بكون الدفاع عن الوطنية الجزائرية مثلا تمر حتما بمعاداة الوطنية المغربية أو العكس، والحال أنها بهذا الوهم تسقط في نوع من الشوفينية المسيئة للفكرة الوطنية في حد ذاتها.

«إنه هروب من مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه الشعوب المغاربية، أو حقوق هذه الشعوب في التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان. عجز بعض الأنظمة عن مواجهة هذه التحديات، يدفعها إلى افتعال مثل هذه السجالات، ولذلك حين حذر الملك محمد السادس من الإساءة للشعوب فقد كان يعني بذلك ضرورة تفويت الفرصة على الجهات التي تستغل مثل هذه السجالات لتغذية التوترات بين شعوب شقيقة» يضيف حمودي.

وعن التحديات المطروحة يقول المتحدث نفسه: «في تقديري، خيارات النخب والشعوب أوسع وأهم من إكراهات الأنظمة وحساباتها القصيرة، خصوصا الأنظمة التي ترغب في معاندة التاريخ والجغرافيا، والتي تعمل ضد طموحات الشعوب المغاربية في الوحدة والتنمية والديمقراطية. من الأفضل عدم الانخراط في تغذية التوتر بين الشعوب، بالعكس مشروع المغرب كما هو منصوص عليه في دستوره هو العمل من أجل بناء المغرب الكبير، وأظن أن مصلحتنا تقتضي العمل في هذا الاتجاه».

ويختم حمودي حديثه لـ»الأيام» بالقول: «واجب النخب والنشطاء حصر الخلاف في المستوى السياسي. أما توسيع نطاقه إلى المستوى الثقافي والرمزي، فهو تيه جديد فقط، مسيء للشعوب التي لا يمكن أن نحملها خيارات نظام سياسي طارئ زمنيا وسياسيا، وتبدو قيادته معزولة عن شعبها كما أكدت ذلك نتائج الانتخابات والاستفتاء على الدستور. الخلاف سياسي ومن المفيد للحاضر والمستقبل أن يظل كذلك».

تاريخ الخبر: 2022-11-08 15:19:42
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 62%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية