المفكر المغربي حسن أوريد: التأثير الثقافي متبادل بين المغرب والجزائر والتضخيم آفة


حاوره: أمين الركراكي

يفسر المفكر المغربي حسن أوريد الصراع المتجدد بين المغرب والجزائر حول الموروث الثقافي، بالصعود المتنامي للقوميات الجديدة التي مست العالم العربي إسوة ببقية العالم فضلا عن تداعيات الأزمة السياسية بين البلدين.

ودعا أوريد إلى تبني نظرة موضوعية ترى في التداخل والتمايز الثقافيين بين الشعوب الجارة المرتبطة بنفس العمق الثقافي والإثني التاريخي مصدر ثراء بعيدا عن استنساخ قوالب أوروبية غير مطابقة لواقعنا الاجتماعي والسوسيولوجي.

 تزداد حدة السجال بخصوص نسب بعض رموز التراث التاريخي بين دول المغرب العربي. كيف تقرأ هذا الصراع السياسي حول الحدود والرموز في فضاء شكل دوما ملتقى لحضارات وثقافات مختلفة؟ 

يدخل هذا ضمن ما يسمى بالنزوع القومي حيث يشهد العالم بناء قوميات أي ما يسمى بالقوميات الجديدة أو المتجددة. هذه الظاهرة تمس كذلك العالم العربي فهناك مثلا اتجاه للتركيز على سعودية السعودية ومصرية مصر إلخ. إذن هذا الاتجاه هو الذي يؤثر على محاولة استعادة بعض الرموز التاريخية، طبعا سوسيولوجيا وتاريخيا هناك تداخل بين المغرب والجزائر في مجموعة من العناصر الناظمة للثقافة كالزوايا، فهناك زوايا عابرة للبلدين، لذلك تجد المريدين هنا وهناك التابعين للزاوية الدرقاوية والوزانية والعْلْوية مثلا… والأمر ينسحب كذلك على القبائل والأسر. من العسير أن نتحدث عن ملكية خاصة لبلد ما، طبعا هناك خصوصيات حتى بداخل البلد الواحد فالكسكس موجود في المغرب بأسماء وأشكال متعددة منها الطْعام والعيش والنعمة وغيرها. هذه الظاهرة مرتبطة بسياق مستجد وهو انبعاث القوميات في شكلها الجديد أو القوميات الجديدة.

هل يمكن تفسير ذلك أيضا بالتحولات السياسية سواء في المنطقة أو العالم في استمرار للصراع السياسي بين الجزائر والمغرب؟

هناك شيء آخر عزز هذا السعي كتسجيل بعض الرموز الثقافية في اليونيسكو حتى لا يتم التطاول عليها وهذا طبعا فتح باب المنافسة. من المسلّم به أن الوضع السياسي بين المغرب والجزائر يؤجج هذا الصراع في ما يخص الرموز الثقافية وأحيانا يفضي إلى أشياء كاريكاتورية مثل الزعم بكون ابن بطوطة وطارق بن زياد جزائريين، وهذا حقيقة يسمى انتحال وتعسف بالنظر إلى الوضع السياسي، والحال أنه يجب النظر إلى هذه القضايا بنظرة موضوعية تنبني على تداخل ثقافي بين شعبين جارين يرتبطان بنفس العمق الثقافي والإثني التاريخي.

 ألا يدخل كل هذا ضمن صراع الهوية كذلك؟

طبعا الهوية عنصر أساسي في القومية. الهوية يمكن أن تكون محدودة في حيز زمني أو في إطار عرقي أو عقدي. الظاهر أن الهوية تطورت من هويات إلى هوية، فلم يعد الحديث عن هويات متعددة ولكن هوية جامعة لبلد ما، وهذا هو التطور الذي وقع. بدون شك أنه في خضم صراع الهويات الدولية أو الدولتية (IDENTITÉ ÉTATIQUE) يفضي الأمر إلى نوع من التنازع حول بعض الرموز الثقافية، والحال أنه كان هناك نوع من الاغتناء من خلال العلاقات الوطيدة اقتصاديا وتجاريا وثقافيا بين تلمسان وفاس مثلا، فمن الطبيعي أن يكون هناك تداخل. الغرناطي مثلا ظهر بالأساس في تلمسان وتأثرت به كل من وجدة ومن بعد تطوان وحتى الرباط والعكس صحيح كذلك، هذا أمر واقع. فأنت ترى مثلا أن العنقة وهو أكبر شعراء الشعبي يغني لسيدي قدور العلمي. هناك تداخل وجانب مشترك بين البلدين.

ما هي مخاطر ومزالق هذا الخطاب التعسفي؟

المسألة طبيعية وعابرة في اعتقادي، من دون شك أن هذا التشنج ناتج عن وضع سياسي. فحينما نتحدث مثلا عن المعلوف وهو نوع من الموسيقى التي أتت من الأندلس فهي توجد في كل من قسنطينة وتونس وليبيا وهذا شيء طبيعي والموسيقى الأندلسية بكل تميزاتها تسمى في الجزائر بالصنعة وفي المغرب بالآلة. التميزات الموجودة يمكن أن تكون مصدر ثراء ينظر إليها نظرة موضوعية وهذ التشنج الحالي في اعتقادي أنه عابر.

ألا يمكن اعتبار هذا الصراع ارتهانا للماضي وعجزا عن مسايرة الحاضر واستشراف للمستقبل؟

في ظل المآزق والتشنج ينصرف الاهتمام إلى الماضي أكثر منه إلى المستقبل وهذا اتجاه طبيعي وعادي في كل المجتمعات. طبعا لو كنا ننظر إلى المستقبل لتجاوزنا الخلافات الحالية المرتبطة بالحاضر ولنظرنا نظرة أخرى موضوعية إلى الماضي ووقفنا على الجوانب المشتركة عوض أن نسعى لامتلاك هذا الماضي لوحدنا، والحال أن الماضي يمتلكنا أو المفترض أن يمتلكنا. من الأخطاء المرتكبة هنا وهناك هي قراءة الماضي بنظرة الحاضر والسياق الحالي، كما لو كنا نقول اليوم إن امرؤ القيس أو طرفة بن العبد من البحرين أو قطر، فهذا غير ممكن. والشيء نفسه بخصوص المرابطين فهم نسيج مشترك بين بلاد المغرب والعاصمة كانت مراكش وهذا معطى موضوعي.

لم يكن يُنظر إلى الأمور بالنظرة التي ننظر بها إليها اليوم فلم تكن الدولة الوطنية كما نفهمها وهذا من الأخطاء الكبرى، أي أننا ننظر إلى قضايا الماضي بأعين الحاضر ونظرته الضيقة وما يطبعه من تشنج سياسي. مثلا شارلمان الذي تفتخر به فرنسا اليوم لو نظرنا إليه نظرة موضوعية لاعتبرناه ألمانياً لأنه كان في منطقة تابعة حاليا لألمانيا.

ألا يشكل هذا الجدل المتزايد نوعا من الشوفينية التي تهدد وحدة المغرب الكبير والقواسم المشتركة بين شعوبه على امتداد قرون؟

أكيد، فالشوفينية ترتبط بالقومية وربما يمكن أن تفهم في سياق أوروبا لأن هناك أمما متمايزة من حيث العقيدة واللغة. أما هنا فليس هناك اختلاف البتة بين مواطن من أحفير وبوكانون والأمر نفسه بخصوص العادات والتقاليد بن بشار والرشيدية، على خلاف فرنسا وألمانيا، والحال أننا استنسخنا قوالب من أوروبا غير مطابقة لواقعنا الاجتماعي والسوسيولوجي.

ما هي أبرز المغالطات التي يروج لها خصوصا في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في هذا الموضوع؟

الأمور التي تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي عابرة، وهي عبارة عن نار هشيم تشب بسرعة وتنطفئ بسرعة. لذلك ينبغي التعامل بكثير من الحكمة وعدم تضخيم هذه الأمور. يمكن أن أقول لك، هناك تداخل، فالمغرب أثر ثقافيا في الجزائر كما أثرت الجزائر في المغرب، فالراي مثلا مرتبط بالجزائر، وقد ظهر في ميناء وهران وأصبح له امتداد في وجدة، وهذا أمر طبيعي لأنها أقرب إلى وهران من قسنطينة مثلا. في نهاية المطاف النظرة العلمية الموضوعية هي التي تتغلب.

تاريخ الخبر: 2022-11-09 18:19:14
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 71%
الأهمية: 80%

آخر الأخبار حول العالم

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:26
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية