الدار/
تمر تونس بأزمة سياسية حادة منذ أن تولي الرئيس قيس سعيد السلطتين التنفيذية والتشريعية في يوليو2021 ، حيث أقر إجراءات استثنائية قضت بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، إلى جانب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد مما أثار مخاوف من اتساع الغضب الشعبي، الذي قد يتسبب في احتجاجات وصدامات بين النظام والشعب ، تعيد للاذهان أحداث سنة 2011 ، وكانت سبب في انطلاق شرارة ربيع الثورات العربية من تونس، قبل أن تمتد إلى دول أخرى، فسقط خلال أشهر قليلة نظام حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في مصر. لكن بعد مرور 11 سنة، باتت تونس التي كانت تعتبر قصة النجاح الوحيدة في ربيع الثورات العربية، في حالة اضطراب وفوضى، بسبب سوء تدبير الإخوان المسلمين للحكم، وعدم قدرتهم على تسيير شؤون الدولة.
في أعقاب الربيع العربي، فتح سقوط الحكومة التونسية الطريقَ أمام حزب النهضة ، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، لتولي السلطة، وبعد عقدٍ من الهيمنة على الدولة، فشل في تنفيذ الإصلاحات اللازمة، حيث كان زعيمه الروحي راشد الغنوشي أكثر اهتمامًا بتعزيز حكمه، بدل تحسين حياة التونسيين.
فقد بذل “الإخوان” في تونس قصارى جهودهم للسيطرة على السلطة والثروة في البلاد، وقد تمكنوا من ذلك عن طريق الاستغلال السياسي المتقن للدين ، ومسوقين أنفسهم الأفضل لحكم البلاد عن طريق الديمقراطية البرلمانية والتعددية الحزبية التي قبلوا بها كتكتيك يصلون به ثم يسيطرون من خلاله على السلطة فقط، ومن ثم تطبيق أهدافها البعيدة “تطبيق الشريعة بكل حمولاته السياسية والفكرية” والتي تعتبر غايتها الحقيقية.
لم يكن عصيّا على الفئات البسيطة من الشعب أن تتعرف على مظاهر فشل الحركة الإخوانية في تدبير شؤون البلاد، فشلت في أن تقدم برامج بديلة عن تلك التي كان يعتمدها بن علي، والتي ثار ضدها الشعب في ديسمبر 2010، لأنها أولا لم تكن قادرة على تدبر حلول حقيقية، ولأنها لا تتناقض مع الخيارات الليبرالية المنتهجة سابقا، ولأنها لم تكن معنية بخدمة الشعب أو بتحسين نوعية حياته.
فشلت حركة النهضة في أن تتحول إلى حزب سياسي، بالمعنى الحديث للكلمة، بل ظلت تراوح بين الجماعة والحزب، و فشلت في أن تؤمن بالديمقراطية في معناها الحقيقي، أي الديمقراطية التي تعني الإيمان بالاختلاف والتنافس من أجل مصلحة الناس، والتطارح في الأفكار والبدائل، وضمان حرية الإعلام واستقلالية القضاء والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وبقيت نظرت حركة النهضة للديمقراطية مجرد مناسبة انتخابية، تجند لها أنصارها وتوظف خلالها المساجد والخيمات الدعوية والجمعيات الخيرية وغيرها، وهذا ما ساهم في نزول تدريجي في الكتلة التصويتية لحركة النهضة بين انتخابات 23 أكتوبر 2011، وانتخابات العام 2019، مرورا بانتخابات 2014.
كما فشلت في الحافظ على المناخ السياسي الهادئ الذي كان يميز تونس حتى في زمن الاستبداد، فتتالت العمليات الإرهابية والاغتيالات، والتي كانت من تنفيذ حركات إرهابية قريبة من النهضة وتغذت وانتعشت في سنوات حكمها .
وخلال الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها تونس حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها، حاولت الجماعة التسلل من جديد إلى المشهد، عن طريق محاولات التحرك في الشارع التونسي، وترديد هتافات “إسقاط النظام” والقضية الفلسطينية، و لجأت الى استخدام المال الفاسد، في التظاهرات الأخيرة، لكنها فشلت في إثارة الشارع، أو تحريك مشاعر المواطنين للخروج والاصطفاف الى جانبهم .
ورغم أن التونسيين يعيشون حالة مزرية ووضعًا خانقًا، فإنهم يؤمنون أن الإخوان انتهى زمنهم في تونس، حتى وإن حاولوا ودبروا للعودة لن يستطيعوا ، لأن الشعب التونسي رفع شعار : “لا عودة إلى ما قبل 25 يوليو” ، وهذا ماة افشل تحركاتهم لإثارة الشارع، و أوأد مخططاتهم الهادفة لضرب الأمن في هذا البلد الإسلامي.
