بناتنا الصبايا! (١)​ ​


في سلسلة المقالات السابقة ختمت حديثي بعبارة: “وتعوزني المساحة لأكمل حديثي عن قوة تأثير الآباء على شخصيات ومستقبل بناتهم..” ففكرت أن أضيف بعض المساحة للحديث خصيصًا عن بناتنا الصبايا.

في المجتمعات التي يحكمها موروثات الفكر القديم، تساهم الأمثال الشعبية بشكل كبير في تشكيل أنمـاط القيم والاتجاهات السلوكية التي تؤثر في الكثير من جوانب الحياة اليومية.. وكثيرًا ما تضع أمامهم نموذجًا يقتدون به في مواقف واختيارات مصيرية، دون أنيدروا أو يفكروا للحظة إن كان ذلك يتفق مع مقاييس كلمة اللـه وتعاليم الكنيسة أم لا. الكثير من مواقفنا وسلوكياتنا تُعبر عن أننا مسيحيون فقط بالإيمان، لكننا غرباء عن هذا الإيمان باتباعنا لفكر أو ثقافة مختلفة!

​الكثير من تراث الأمثال الشعبية البالية يرجع إليها انتشار ثقافة تفضيل إنجاب الصبيان، واعتبار “خلفة” البنات غير مرغوب فيها بشكل عام.. وربما المثل الأشهر في هذا السياق: “لما قالوا دا ولد اشتد ضهري واتسند، ولما قالوا دي بنيّة الحيطان مالت عليّا!!” وبالرغم من أننا قد نضحك عندما نسمع هذه الكلمات، لكنها بالأسف تلخص كذبة كبيرة يحاول بها عدو الخير أن يدفع البشر للتمرد على عطية الخالق.

وقد أثبت الواقع إن مش بس الولد اللي بيسند، طبعًا إذا كان ابنًا صالحًا، لكن كمان البنت بتشد الضهر لما تحنيه ظروف الأيام، وتسند لما الأب والأم في شيخوختهم بيحتاجوا اللي يتعكزوا عليه! بهذه الكلمات أقدم ما أريد أن أشارك به كل أب وأم أنعم عليهما القدير بصبية، أو زاد البركة في حياتهما بعطية أكثر من بنيّة.

​ماذا نفعل حتى تكبر ابنتنا بينما تشعر بقيمتها كإنسانة تملأها الثقة بالنفس والشعور بالرضا؛ فتستطيع بحكمة وتمييز أن تصنع اختيارات حياتها؟ كيف نشجعها فلا يقيدها الشك أو الإحساس بأنها أقل في القدرة من الصبيان، فتُعبر بحرية وقوة عن رأيها ومشاعرها، ولا يحرمها عدم الأمان من روح المبادرة التي تجعلها تصنع فرقًا حيثما توجد؟ كيف أعد ابنتي من الآن لحياة لها معنى وقيمة في الحاضر، ولشخصية لها تأثير في المستقبل؟

​شجع ابنتك أن يكون لها اهتمام بنشاط ما تحبه، أو هواية تشغل فيها مواهبها، وتتفق مع ميولها الطبيعية.. لا تسمح لمقاييس الناس “للولد والبنت” أن تجعلك كأب أو أم تمنعها من ممارسة أي نشاط رياضي، أو تعلم أحد الفنون الراقية، والذي لا بد أن يتطلب خروجها من البيت، واختلاطها بالمجتمع أبعد من حدود الأسرة، ودائرة المعارف القريبة.. البديل للحرمان من هذه الفرص سيجعلها فريسة سهلة لعالم الإنترنت ليبتلعها. الأبناء بصفة عامة، خاصة في فترة المراهقة، يسلكون خارج البيت بحسب ما يتوقعه منهم الآباء.. عندما تُتيح الفرصة لابنتك أن تمارس نشاطًا خارج البيت، أكد لها ثقتك في قدرتها على التعامل مع التحديات التي تواجهها، وفي الكيفية التي تقدم بها نفسها للآخرين؛ فهذا يدعم نظرتها لذاتها، ويعزز قناعتها بأن قيمتها الحقيقية في جوهرها كشخص، وليس فيما يجذب الآخرين إليها بسبب مظهرها أو جمالها الخارجي.

​اسمح لابنتك بأن تشارك برأيها عند اتخاذ القرارات المتعلقة بها، وبقدر ما تسمح الظروف دعها تصنع اختيارات حياتها بدون إجبار أو تهديد. في صغرها اسمح لها أن تختار ما تلبسه.. مع أن هذا يضع الأم عادة في صراع مع طفلتها، إلا إن هذه الممارسة بداية طبيعية لتدريبها على اختيار ما يناسبها في مجالات الحياة الأخرى عندما تكبر. اقبل أن تتعلق ابنتك لفترة بنشاط ما، أو علاقة مع أصدقاء، ثم تغير رأيها. من الطبيعي أن يجرب الواحد منا شيئًا يستهويه ويظن في البداية أنه سيستمر في الاستمتاع بممارسته، وبعد أن يكتشف أنه غير مناسب له يتحول عنه.. فإذا كنا نرى هذا يحدث معنا، فلماذا نظن أنه تردُّد عندما يحدث مع بناتنا؟

​فكرا معًا كوالدين في القيم الإيمانية والأخلاقية التي تحبانلابنتكما أن تتبناها في حياتها. قوة هذه القيم تنبع من وجودها عمليًا في حياتكما.. لا تستهينا بحقيقة أن ما يتعلمه الأبناء من مثال الحياة الشخصية أكثر تأثيرًا فيهم من أقوى الكلمات التي تتناقض مع ما يُعاش يوميًا في البيت وفي الخارج.. “على مثال الأب تكبر الابنة، وعلى مثال الأم يكبر الابن” (حكمة قديمة).

​شجع ابنتك أن تتعامل مع مشاكلها وتحلها بنفسها بدلًا من أن تصلح لها كل الأمور، وتعفيها من اختبار ألم التعلُّم. عندما يتولى الوالدان المسؤولية بالكامل نيابة عن ابنتهما بحجة أنها «بنت»، يحرمانها من تطوير مقدرتها على التعامل مع تحديات الحياة عندما تنفصل عنهما للدراسة أو السفر، وأيضًا عندما تذهب لتعيش مع الزوج الذي تختار الحياة معه لبقية عمرها. عندما تواجه ابنتك أزمة ما تكلّم معها، واطلب منها أن تفكر في أكثر من حل أو مخرج، ثم ناقش النتائج المترتبة على ما تقترحه أو تختاره من بين الحلول. بعد هذا الحوار، دعها تقرر لنفسها ما الذي ستفعله بناءً على ما تراه من أسباب منطقية، وحتى وإن كنت لا توافق على اختيارها، أتح لها فرصة أن تتعلم مبكرًا تحمل تبعات قراراتها.

​دع ابنتك تعرف أنك تحبها أولاً وأخيرًا لأنها ابنتك، وليس لأي شيء آخر يتعلق بمقدراتها أو مظهرها. استمع لآرائها في مختلف أمور الحياة، أنصت لها أكثر من أن تكلمها، وعبر بصدق عن تقديرك لفهمها، وتمييزك لتفردها كشخص بدون أي مقارنة مع أقران أو أقارب.. هذا سيجعلها تكبر لتصبح الشخص الذي تتمناه لنفسها؛ وبينما تتطور شخصيتها تدريجيًا لتدخل مرحلة الأنوثة الناضجة، سيساعدها تفهمك لما يدور بداخلها من صراع في فترة النمو، ويشجعها ملاحظتك للتطور الإيجابي لشخصيتها.

تاريخ الخبر: 2022-11-13 09:21:25
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

انهيار صفقة الاستحواذ على «التلغراف» و«سبيكتاتور» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 03:23:38
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية