مؤتمر المناخ 2022: تغير المناخ يهدد المحاصيل الزراعية في مصر

  • سالي نبيل
  • بي بي سي - القاهرة

يفكر صلاح في اقتلاع أشجار الزيتون التي زرعها قبل بضع سنوات، إذ يقول إن إنتاجية الأشجار لم تعد تغطي حتى نفقاتها، وبات يبحث إمكانية زراعة محاصيل بديلة أكثر مقاومة للتغيّر المناخي.

في السنوات الثلاث الأخيرة، تعرّض محصول الزيتون في مصر لخسائر فادحة تجاوزت الخمسين في المئة، بحسب مصادر محلية لأسباب مناخية بالأساس، أهمها التذبذب غير المتوقع في درجات الحرارة.

وصار مزارعو الزيتون في موقف لا يحسدون عليه بسبب التراجع الحاد في الإنتاج، مما سدّد لهم ضربات مالية موجعة.

يقول صلاح: "لم يعد لدينا أي طموح؛ فالخسائر مستمرة. كنت أتطلع لبناء بيت وشراء سيارة جديدة. باتت كل هذ الخطط معلقة".

وتعدّ مصر من أهم البلدان المنتجة لزيتون المائدة في العالم، لكنّ حدة التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة باتت تهدد هذه المكانة.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • الغذاء الصحي: لماذا يعتبر الدقيق المصنوع من الفطر والقرنبيط أفضل من دقيق القمح؟
  • مؤشر الفاو يسجل انخفاض أسعار الغذاء عالميا للشهر الخامس على التوالي
  • الجفاف في أوروبا: خطر محدق بصناعة زيت الزيتون في إسبانيا بسبب أسوأ موجة تشهدها البلاد
  • أزمة الغذاء: كيف يغير الناس طعامهم مع ارتفاع الأسعار حول العالم؟

قصص مقترحة نهاية

  • مؤتمر المناخ 2022: هل تتعهد الدول الغنية بتقديم التمويل اللازم للدول النامية؟
  • مؤتمر المناخ 2022: البلدان النامية "تحتاج تريليوني دولار سنويا" لإيقاف الاحتباس الحراري

خيار المضطر

التعليق على الصورة،

صلاح، مزارع مصري

يصحبني صلاح إلى إحدى أشجار الزيتون في مزرعته الواقعة شمالي مصر، ويخبرني بأن هذه الشجرة كانت "عادة ما تحمل بين 50 إلى 60 كيلوغراما من الزيتون لكنها الآن بالكاد تحمل عشرة كيلوغرامات".

يشعر صلاح، الأب لأربعة أبناء، بالارتباط الشديد بأشجاره. وبات التفكير في اقتلاعها هو خيار المضطر. "هل أفكر في الأشجار أم أفكر في أولادي الذين يحتاجون مبالغ كبيرة من أجل التعليم والزواج؟ ليس لدي خيارات أخرى".

ويشكو صلاح غياب الدعم الحكومي في مواجهة كل هذه الخسائر. ويقول إن الحكومة لا تقدم لهم شيئا يُذكر، رغم أن المزارعين يحتاجون لدعم أسعار الأسمدة والمبيدات خاصة عندما تتضرر إنتاجية المحاصيل بفعل عوامل خارجة عن إرادتهم.

"تأثير صامت"

ذهبنا لوحدة الإنذار المبكر التابعة لوزارة الزراعة حيث يتم رصد الظروف المناخية لعشرة أيام مقبلة. ويُخطَر الفلاحون بهذه المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى عبر الرسائل النصية حتى يتحسبوا لأي تغيرات مفاجئة.

ويرى باحثون أن المناخ هو العامل الوحيد الذي يصعب السيطرة عليه في عملية الزراعة، مؤكدين أن قطاع الزراعة هو الأكثر هشاشة في مواجهة تغيرات المناخ.

التعليق على الصورة،

بلال عبد الحميد، مساعد رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة المصرية

ويقول مساعد رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة، بلال عبد الحميد، إن "تأثير التغيرات المناخية في مصر صامت؛ إذ لا يظهر في شكل ظواهر مناخية جامحة. لكن هذا التأثير يمس المحاصيل الزراعية بشدة. على سبيل المثال، إذا حدثت أي موجات برودة أو حرارة مفاجئة، في أي من المراحل الفسيولوجية المهمة لنمو المحصول، فقد يؤدي ذلك إلى تدمير المحصول بالكامل".

ويدلل عبد الحميد على وجهة نظره بالخسائر الكبيرة التي مُنيت بها محاصيل مثل المانجو والزيتون العام الماضي. ويضيف عبد الحميد بأن التكيّف مع التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة بحاجة إلى دعم مالي كبير لا تقدر عليه حكومة بمفردها خاصة في الدول النامية، موضحا ضرورة تكاتف دول العالم من أجل التصدي لهذه التغيرات.

ويئّن الاقتصاد المصري من عجز مزمن في الميزانية، ومن ديون خارجية ضخمة، ومن نقص في العملة الأجنبية، ومن نسبة تضخم تصل إلى نحو 15 في المئة.

كيف تتفاعل الأسواق؟

ما شهده محصول الزيتون في مصر ما هو إلا مثال على الأزمات التي بدأت تضرب المنتجات الزراعية في مصر بفعل تغيّر المناخ. تبدأ هذه الأزمات في الحقول وتنتهي في أسواق الخضروات والفاكهة؛ فأي ضعف في إنتاجية محصول ما، يؤدي لشُحّ المنتج في الأسواق وبالتالي ارتفاع الأسعار، ليُحجم الناس عن الشراء ويخسر التجار.

في إحدى أسواق الجملة شرقيّ القاهرة، تحدّثنا إلى محمد سليمان الذي يعمل في تجارة الخضروات منذ نحو ثلاثين عاما. أخبرنا أنه اضطر إلى اللجوء لطُرق أكثر تعقيدا وتكلفة في تخزين الخضروات، حتى لا تفسد بسبب الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة في السنوات القليلة الماضية.

يقول سليمان: "كنا في البداية نخزّن الخضروات مستخدمين قش الأرز وهو ما لم يكن يكلفنا شيئا. الآن بتنا مضطرين لاستخدام الثلاجات مما يرفع تكلفة التخزين وبالتالي سعر المنتج النهائي".

ويضيف سليمان: "أحيانا نضطر أن نبيع بخسارة خوفا من تلف الخضروات".

  • مؤتمر المناخ 2022: تعرف على أبرز المصطلحات المناخية
  • مؤتمر المناخ 2022: لماذا يتحدث الجميع عن "الخسائر والأضرار"؟

الصوبة الزراعية

يلجأ بعض المزارعين المقتدرين إلى زراعة محاصيلهم داخل صوبة زجاجية للتكيّف مع تبعات التغيّر المناخي؛ إذ يسهل التحكم في الظروف البيئية داخل الصوبة، خاصة درجات الحرارة. لكن بناء الصوبة أمر مكلف، لا يقدر عليه الجميع.

أنفق ياسر مبالغ ضخمة لإنشاء صوبة زجاجية لزراعة الخيار بعد أن تلَفت محاصيل كثيرة منه بفعل تذبذب درجات الحرارة. يقول ياسر: "تحملت تكاليف كثيرة من أجل إنشاء الصوبة لكنني أثق في أن النتيجة ستغطي هذه التكاليف. فإذا كانت إنتاجية الفدان تصل في العادة إلى 20 طنا مثلا، فإنتاجية فدان الصوبة قد تصل إلى 60 طنا".

ويؤكد ياسر أن توفير الحرارة المناسبة لنمو المحصول "تقيه شر الكثير من الحشرات والآفات التي قد تعصف به، ولذلك ترتفع الجودة بشكل ملحوظ".

ويشير ياسر إلى نفس ملاحظة صلاح حول غياب المساعدات الحكومية، ويشكو كذلك ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات. ويضيف ياسر: "إذا واصلت الأسعار الارتفاع بهذا الشكل، كيف يمكنني أن أواصل عملي في المواسم الزراعية المقبلة؟ فالمبيعات لن تغطي التكاليف في نهاية الأمر".

إن تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي يمس الاقتصاد المصري بشكل مباشر، وهو ما ينعكس بوضوح على المواطن المصري البسيط الذي يشكو بالفعل من ضيق ذات اليد. ورغم أن نسبة إسهام المصريين في تلويث هذا الكوكب بسيطة، فإن الفاتورة التي سيدفعونها كبيرة.